روري كوكر:١ التمييز بين العلم والعلم الزائف
ولأن وسائل الإعلام تمطرنا بالغُثاء، فَمِن المفيد أن ننظر في أمارات العلم الزائف. إن مجرد وجود واحدةٍ من هذه الأمارات يجب أن يثير شكًّا كبيرًا، ومِن جهةٍ أخرى فإن المادة التي تخلو من هذه العيوب قد تظل مع ذلك علمًا زائفًا؛ إذ إن أنصار العلمِ الزائف يخترعون طرائقَ جديدةً كلَّ يومٍ لِيَخدعوا أنفسَهم.
(١) العلم الزائف يُبدِي عدمَ اكتراثٍ بالحقائق
العلمُ الزائفُ لا يُرهِقُ نفسَه باستشارة الأعمال المرجعية، أو بالبحث العلمي مباشرةً؛ فأنصار العلم الزائف يتبجحون ببساطةٍ ﺑ «حقائق» زائفة حيثما اقتضت الحاجة، وكثيرًا ما تُشَكِّل هذه الأوهامُ محورَ حجةِ العالِم الزائف واستنتاجاته، وفضلًا عن ذلك فإن العلماءَ الزائفين قلما يراجعون أعمالَهم؛ فالطبعة الأولى للكتاب العلمي الزائف هي دائمًا الطبعةُ الأخيرة، حتى لو أُعِيدَت طباعتُه لِعقودٍ من الزمن أو حتى قرون، وحتى الكتب التي تحتوي على أخطاءٍ أو زَلات طباعية واضحة في كل صفحة قد تُعاد طباعتُها كما هي مِرارًا وتكرارًا. قارِنْ هذا بالكتب العلمية الدراسية التي تُخرِج طبعةً جديدةً كل بضعة أعوام بسبب التراكم السريع للوقائع والاستبصارات الجديدة.
(٢) «البحث» العلمي الزائف غيرُ متقَن دائمًا وأبدًا
يَجمَع العلماءُ الزائفون قُصاصاتٍ صحفيةً وأَراجيفَ شائعة، ويُحِيلون إلى كتبٍ دجليةٍ أخرى، ويَتَمَعَّنون في أعمالٍ ميثولوجيةٍ قديمة، وقلما يقومون هم ببحثٍ مستقل لِتَمحيصِ مصادرِهم.
(٣) انحياز التأييد
يبدأ العلماءُ الزائفون من فرضيةٍ معينة (جذابة عاطفيًّا دائمًا وغير معقولة على الإطلاق) ثم يفتشون عن أي شيء يبدو أنه يؤيدها، ويتغافلون الأدلةَ المناقضةَ لها؛ ذلك أن هدف العلم الزائف هو تبرير الاعتقادات الراسخة وليس تَقَصِّي الاحتمالات البديلة، ودَأبه أن يقفز إلى النتائج المريحة، ويهيب بالأفكار المسبقة والأغاليط الشائعة.
(٤) عدم الاكتراث بمعايير الدليل الصحيح
لا يبالي العلمُ الزائفُ بمعايير الدليل الصحيح، ولا يعتمد على التجارب العلمية المنضبطة القابلة للتكرار، بل على شهادات آحاد غير قابلة للتحقق، وحكايا وأقاويل وإشاعات ونوادر فردية مشكوك فيها.
(٦) الاستناد إلى العُرف البشري لا إلى اطِّرادات الطبيعة
يستند العلمُ الزائفُ إلى الأعراف الاعتسافية للثقافة الإنسانية لا إلى الاطِّرادات الثابتة للطبيعة، من ذلك أن تأولات التنجيم تعتمد على أسماء الأشياء، التي هي اتفاقيةٌ وتختلف من ثقافةٍ إلى أخرى؛ فإذا كان القدماءُ قد أعطوا الاسم «المريخ» للكوكب الذي نسميه «المشترِي» والعكس، فإن علم الفلك لن يبالي البتةَ بذلك، أما التنجيم فسوف يختلف كليًّا؛ لأنه يعتمد فقط على الاسم ولا شأن له بالخصائص الفيزيائية للكوكب نفسِه.
(٧) يُفضِي العلمُ الزائف إلى قياس الخُلف
(٨) تَجَنُّب الاختبار وتكرار التجربة
(٩) العلم الزائف كثيرًا ما يتناقض مع نفسه
(١٠) اختلاق سِر وافتعال غموض
يتعمَّد العلمُ الزائفُ اختلاقَ لغزٍ حيث لا لغز، وافتعال غموضٍ حيث لا غموض؛ وذلك بإغفال معلوماتٍ حاسمةٍ أو تفاصيلَ هامة، وما من شيءٍ إلا ويمكن جعلُه سِرِّيًّا إذا أغفلنا ما هو معروف عنه أو عرضنا تفاصيلَ خياليةً تمامًا، ولنا في كتب «مثلث برمودا» أمثلةٌ كلاسيكية لهذا التكتيك.
(١١) العلم الزائف لا يتقدم
(١٢) الإقناع بالخطابة لا بالدليل
(١٣) الاحتكام إلى الجهل
(١٤) الوَلَع بالظواهر الشاذة لا بالاطِّرادات المألوفة
العلمُ الزائفُ مُولَعٌ بالظواهر الشاذة أو الغريبة أو النادرة، وليس بالاطرادات الراسخة للطبيعة: تُنبِئنا خبرةُ العلماء عبر القرون الأربعة الماضية أن الدعاوى والتقارير التي تصف أشياءَ مفهومةً جيدًا تسلك بطرائق عجيبة وغير مفهومة تميل إلى أن تتكشف — عبر البحث والاستقصاء — عن خداعاتٍ متعمدة وأخطاء بريئة وتوصيفات مشوشة وإساءة تأويل وتلفيقات تامة وأخطاء غبية فاضحة، وليس من الحكمة قبول مثل هذه التقارير على ظاهرها دون تمحيصها. أما العلماء الزائفون فإنهم دائمًا يأخذون هذه التقارير على أنها صادقةٌ حَرْفِيًّا دون تحقيقٍ مستقل.
(١٥) الاحتكام إلى سلطة زائفة أو إلى العواطف
من دَأب العلم الزائف الاحتكام إلى سلطة زائفة أو إلى العواطف، وعدم الثقة في الحقيقة الراسخة، فليس ما يمنع أن يُقبَل راسبُ ثانويةٍ عامة كخبيرٍ في الآثار، رغم أنه لم يُجرِ في حياته أيَّ دراسةٍ لهذا العلم، وليس ما يمنع أن يُقبَل محلِّلٌ نفسي كخبيرٍ في التاريخ الإنساني كله، ناهيك بالفيزياء والفلك والميثولوجيا، رغم أن دعاويه غير متسقة مع كل ما هو معروف في هذه الحقول الأربعة. يُقسِم النجمُ السينمائي فلان أن كذا حق فلا بد إذن أنه حق، يقول فيزيائيٌّ: إن «الروحاني» فلانًا لا يمكن أن يكون قد خدعه بحيل السحر البسيطة، رغم أن الفيزيائي لا يعلم شيئًا عن السحر وخفة اليد.
والاحتكام إلى العواطف شائع في العلم الزائف: («إذا جَعَلَك هذا تشعر بالراحة فلا بد أن يكون هذا حقًّا.» «أنت تعرف في قلبك أنه صحيح»).
والعلماء الزائفون مُغرَمون بالمؤامرات الخيالية: («هناك أدلة وفيرة على الأطباق الطائرة ولكن الحكومة تَتَكَتَّم الأمر.») ويُكثِرون من الاحتكام بأشياءَ غيرِ ذات صلة بالموضوع؛ فعندما يُواجَهون بوقائعَ غيرِ مريحة لهم فإنهم يجيبون ببساطة: «العلماء لا يعرفون كل شيء.»
(١٦) يقولون أشياء بعيدة تناقض كل معلوم
العلماءُ الزائفون يقولون أشياء بعيدة ويقدمون نظريات خيالية تناقض ما هو معلوم عن الطبيعة، وهم لا يقدمون دليلًا على دعاويهم، ليس هذا فحسب، بل يتغافلون أيضًا عن الكشوف التي تتناقض مع استنتاجاتهم: («الأطباق الطائرة لا بد أنها آتية من مكانٍ ما، إذن الأرض مجوَّفة والأطباق آتيةٌ من داخلها.» «هذه الشرارة الكهربية التي أقدمها بهذا الجهاز الكهربي ليست في الحقيقة شرارةً على الإطلاق بل هي مظهر فوق طبيعي للطاقة الروحية-النفسية.» «كل إنسانٍ محاطٌ بهالةٍ غيرِ ملموسة من الطاقة الكهرومغنطيسية، الهالة البيضية للرائي الهندي القديم التي تعكس كل مِزاجٍ وحالةٍ للإنسان»).
(١٧) يخترعون معجمَهم اختراعًا
العلماءُ الزائفون يخترعون معجمَهم الخاص حيث مفرداتٌ كثيرةٌ ليس لها تعريفات دقيقة غير ملتبِسة، وكثيرًا ما يكون المستمعون مضطرين إلى تأويل العبارات وفقًا لِتصوراتِهم المسبقة، ما هي — مثلًا — «الطاقة الكونية الحيوية» أو «التكبير السيكوتروني»؟
وكثيرًا ما يحاول العلماءُ الزائفون تقليدَ رطانة الأفرع العلمية والتقنية، بأن يتحدثوا بلهجةٍ خطابيةٍ وبَربَرةٍ تبدو علميةً وتقنية. إن المعالجين الدجالين لا يستغنون عن لفظة «طاقة»، غير أن استخدامهم لهذا المصطلح لا يتصل من قريب أو بعيد بمفهوم الطاقة عند علماء الفيزياء.
(١٨) ظواهرُهم «غيورة»!
(١٩) التفسير بالسيناريو
تميل التفسيرات العلمية الزائفة إلى أن تكون بالسيناريو: أي إنها تقدم لنا حكايةً لا أكثر، ولا نخرج بأي وصفٍ لأية عملية فيزيائية ممكنة، من ذلك أن إمانويل فيليكوفسكي (١٨٩٥–١٩٧٩م) ادَّعى أن كوكبًا آخر مَرَّ بقرب الأرض تَسبَّبَ في انقلاب محور دوران الأرض رأسًا على عقب، هذا كل ما قاله، فهو لم يقدم آليات، ولكن الآليةَ مهمةٌ للغاية؛ لأن قوانين الفيزياء تستبعد هذه العملية باعتبارها مستحيلة: أي إن اقتراب كوكب آخر لا يمكن أن يقلب محور دوران كوكبٍ ما، فإذا كان فيليكوفسكي قد اكتشف طريقةً ما يمكن بها لكوكبٍ أن يقلب محورَ دوران كوكبٍ آخر لَكان من المفترض أن يصف هذه الآلية. إن العبارة الجريئة نفسَها بدون آليةٍ تحتية لا توصل أيةَ معلوماتٍ على الإطلاق. لقد قدم فيليكوفسكي كلمات، ترتبط إحداها بالأخرى داخل الجملة، ولكن العلاقات مغتربةٌ عن العالم الذي نعيش فيه بالفعل، ولا تقدم تفسيرًا لكيف يمكن أن يحدث ذلك. لقد قدم قصصًا لا نظرياتٍ حقيقية.
(٢٠) التفكير السحري
(٢١) التفكير المفارق لِزَمنِه anachronistic thinking
كلما كانت الفكرةُ أقدمَ كانت أكثرَ جاذبيةً للعلم الزائف (إنها حكمة القدماء!) خاصةً إذا كانت الفكرةُ واضحةَ البطلان وأبطَلَها العلمُ منذ زمنٍ طويل. يجد كثيرٌ من الصحفيين صعوبةً في فهم هذه النقطة: فالمُراسلُ المعهودُ الذي يكتب عن التنجيم قد يظن أن الدقة تقتضيه أن يلتقي بستة منجمين وفلكي واحد، يقول الفلكي: إن التنجيم كلَّه هُراء. ويقول المنجمون الستة: إنه مادة عظيمة وصائبٌ حقًّا وسوف يطيب لهم قراءةُ طالعِ أي شخص مقابل خمسين دولارًا (لا شك!) بالنسبة لكثيرٍ من المراسلين، وبالطبع لكثيرٍ من المحررين وقرائهم، فإن هذا سيكون تأييدًا للتنجيم بنسبة ٦ إلى واحد!
•••
العلم | العلم الزائف |
---|---|
يعبِّر عن كشوفه بالأساس من خلال المجلات العلمية التي يراجعها النظراءُ، وتلتزم بمعايير صارمة للدقة والأمانة. | يتوجه بأدبياته إلى عامة الجمهور، لا مراجعة، لا معايير، لا تَحقُّق قبل النشر ولا تتطلب الدقة والضبط. |
يتطلب نتائجَ قابلةً لإعادة الإنتاج، التجارب يجب أن تُوصف بدقة بحيث يمكن تكرارُها بالضبط أو إجراء تحسينات عليها. | نتائجه لا يمكن إعادة إنتاجها أو التحقق منها، الدراسات — إن وُجِدَت — موصوفة دائمًا وصفًا غامضًا بحيث لا يمكن للمرء تَبَيُّن ما تم إجراؤه أو كيف تم. |
الإخفاقات يُفَتَّش عنها وتُدرسُ بدقة؛ ذلك أن النظريات الخاطئة كثيرًا ما تعطي تنبؤاتٍ صحيحة بطريق الصدفة، أما النظرية الصحيحة فلن تعطي تنبؤات خاطئة أبدًا. | الإخفاقات يتم إغفالُها أو التغاضي عنها أو إخفاؤها أو الكذب حولها أو إسقاطها من الحساب أو تفسير سببها أو تبريرها أو نسيانها أو تجنبها بأي ثمن. |
بمرور الزمن تتكشَّف العملياتُ الفيزيائية الخاضعة للبحث أكثر فأكثر. | لا تُكشف ولا تُدرَس أيةُ ظواهر أو عمليات فيزيائية، لا يُحرَز أي تقدم، ولا تُحَصَّل أيةُ معرفةٍ صلبة. |
يَحتكِم في الإقناع إلى «الدليل» evidence، والحجج القائمة على المنطق والاستدلال الرياضي، وتقديم أفضل دَفعٍ تسمح به البيانات، وإذا ما ظهر دليلٌ جديدٌ يَدحَض الأفكارَ القديمةَ يتم التخلي عنها. | يُهِيب في الإقناع بالإيمان والاعتقاد. العلمُ الزائفُ ينطوي على عنصرٍ شبه ديني قوي: إنه يحاول أن يكرز لا أن يُقنِع، وعليك أن تُصَدِّق بالرغم من الوقائع لا بسببِها، لا يتم التخلي عن الفكرة القديمة أبدًا أيًّا ما كانت الأدلة. |
لا يناصر أو يُسَوِّق ممارساتٍ أو منتجاتٍ غيرَ مبرهَنٍ عليها. | يرتزِق — بصفةٍ عامةٍ — ببيع منتجاتٍ مشكوك فيها (مثل: كتب وفصول دراسية ومكمِّلات غذائية) أو خدمات علمية زائفة: (كشف الطالع وقراءة الشخصية ورسائل روحية وتنبؤات.) |
وقد يتساءل المرءُ: ألا توجَد أمثلةٌ ﻟ «تحويلات» في الاتجاه الآخر: أي أمثلة لأُناسٍ ظَنَّهم العلماءُ يقدمون علمًا زائفًا ثم تَبَيَّنَ في النهاية أنهم يمارسون علمًا حقيقيًّا، ومِن ثم تَقَبَّلَ العلماءُ أفكارَهم في نهاية المَطاف؟ في ضوء ما بَيَّنَّاه سابقًا لا يتوقع المرءُ أن يحدث ذلك إلا نادرًا جدًّا. لم يحدث ذلك على حد علمي (وعِلم أي زميلٍ عالِمٍ سألتُه في ذلك) خلال مئات الأعوام التي عرف فيها العلماءُ المنهجَ العلمي الكامل واستخدموه. على أن هناك حالات كثيرة لِعالِمٍ خَطَّأَه زملاؤه ثم تَبَيَّن لاحقًا — بظهور معلوماتٍ جديدة — أنه على صواب، والعلماء — شأنهم شأن أي إنسانٍ آخر — قد تأتيهم حدوسٌ بأن شيئًا ما قد يكون حقًّا دون أن يمتلكوا أدلةً كافيةً لإقناع مشاركيهم أنهم على صواب. مثل هؤلاء الأشخاص لا ينبغي اعتبارُهم علماءَ زائفين إلا إذا استمروا يعتقدون بصواب أفكارهم بعد أن تتراكم ضدها الأدلةُ المضادة. لا مناص للمرء من أن يخطئ أو يَزِل؛ فنحن جميعًا بشر، ونحن جميعًا نرتكب أخطاءً وحماقات، إلا أن العلماء الحقيقيين أيقاظٌ لاحتمال خطئهم ومسارعون في تصحيحها، أما العلماءُ الزائفون فلا. الحق أننا يمكن أن نُعَرِّف العلمَ الزائفَ تعريفَا قصيرًا بأنه:
«طريقةٌ للتَشَفُّع للأخطاء والدفاع عنها والإبقاء عليها.»
(٢٢) مخاطر العلم الزائف
-
فحين يَنفُذ إلى المنظومات السياسية فإنه يُسَوِّغ الفظائعَ باسم النقاء العِرقي.
-
وحين ينفذ إلى النظام التعليمي فإنه قد يطرد العلمَ والعقلانية.
-
وفي مجال الصحة قد يُودي بالآلاف إلى موتٍ مجاني أو معاناةٍ بلا ضرورة.
-
وحين ينفذ إلى الدين يُولِّد التعصب وعدم التسامح والحرب المقدسة.
-
وحين ينفذ إلى وسائل الإعلام فقد يَحُول دون حصول المصوِّتين على المعلومات الوقائعية في مسائل عامة مهمة.