جون كاستي:١ معايير التمييز بين العلم الحقيقي والزائف
(١) التفكير المفارق لزمنه (الأناكرونِستي)٣
إذا كانت الحجةُ مستندةً إلى حكمة القدماء (الذين هم — لو تَذكُر — أقَلُّ علمًا عن العالَم بكثيرٍ مما يجب أن يكون عليه أي طالب ثانوية صغير) أو تستخدم مصطلحاتٍ علميةً عفى عليها الزمن، فثَم ما يدعو إلى الشك فيها.
(٢) طَلَب الغوامض
إذا كان هدف العلم هو حل الألغاز فإن العلم الزائف يميل إلى التوكيد على وجود الألغاز، ويفترض عدم قابليتها للحل، وهذا موقفٌ عقيمٌ؛ لأنه إذا كان لغزٌ ما — بحكم التعريف — غيرَ قابل للحل فلماذا يُضيع المرءُ وقتَه في التفكير فيه؟!
(٣) الاحتكام إلى الأساطير
ومُفادُه أن الأساطير القديمة لا بد أنها تستند إلى صنفٍ معين من الوقائع الحقيقية التي تَم تحريفُها عبرَ الانتقال من جيل إلى جيل، ورغم أن هذا يمكن أن يحدث بغير شك فإن مجرد تشابه الأساطير لدى بعض الثقافات (تشابهًا سطحيًّا في العادة) لا يعني أن الوقائع المتبطنة لهذه الأساطير واحدة، أو حتى أنها وقعت أصلًا؛ فمن الجائز تفسير ذلك بأن العقول الإنسانية تميل إلى أن تَعمل على نحوٍ متشابه، وتقدم من ثم تفسيراتٍ متشابهةً للأشياء التي لا تفهمها.
(٤) عدم الاكتراث بالدليل
(٥) فرضيات لا تقبل الدحض
(٦) التشابهات الزائفة
من الفِخاخ الشديدة الخَفاء التي يمكن للتفكير البشري أن يقع فيها عَقدُ توازياتٍ بين تصوراتٍ أو ظواهرَ تبدو مقبولةً، غير أنها تقتضي تحليلًا في العمق للتحقق منها أو إلقائها، من ذلك مثلًا أن بِوُسع المرء أن يستنبط دلالةً سريةً من واقعة أن رقم لوحة سيارته هو نفس رقمه المدني، غير أن لحظةً من التفكر كفيلةٌ بأن تجعلك تستنتج أن هذا — ببساطة — هو محض صدفة، إلا أن التماثل في حالات أخرى قد يكون قاهرًا أكثر، وقد تُفضِي التماثلاتُ — بصفةٍ عامة — إلى استبصاراتٍ أصيلة في الموضوع محل البحث، إلا أنها تتطلب معيارًا للتحقق أعلى مما يقدمه الحدسُ الأول.
(٧) التفسير بواسطة السيناريو
ما أسهل — إذا كان لدى المرءِ أقَلُّ القليل من الخيال — أن يفسِّر شيئًا ما بأن يروي قصة، أي بأن يتخيل سيناريو معقولًا. أحيانًا ما يقع العلماءُ في هذه الممارسة الخاطئة (وبخاصةٍ — مثلًا — علماء السيكولوجيا التطورية)، والحق أن السيناريوهات يمكن أن تكون مفيدة؛ لأنها قد توجه البحث في الاتجاه الصحيح، إلا أن السيناريوهات عندما تظل مجرد حكايات غير مدعومة ببيانات، لن تكون أدوات مفيدة؛ إذ إن بالإمكان دائمًا اقتراحَ العديد من السيناريوهات لتفسير نفس المعطيات، ولكنَّ واحدًا منها فقط من المفترض أن يكون صحيحًا بالفعل.
(٨) البحث بواسطة التأويل الأدبي
يحدث هذا عندما يدَّعِي نصيرُ موقفٍ علمي زائف معين أن العباراتِ التي يقولها العلماء مفتوحةٌ لتفسيراتٍ بديلةٍ صحيحةٍ على حدٍّ سواء. مثل هذه المقاربة تُعامِل التراثَ العلمي مثلما يتعامل المرءُ مع روايةٍ أو لوحة: ليس ثمة تأويلٌ (حتى لو كان تأويلَ المؤلف نفسِه) أفضل بالضرورة من غيره، وهذا في مجال العلم بعيد كل البعد عن واقع الأشياء، فالعبارات العلمية تكون أكثرَ فائدة كلما كانت أكثرَ دقةً وأقل التباسًا، والأمثَلُ للفرضية أو النظرية العلمية أن يكون لها تأويلٌ واحد ممكن، وهذا التأويل إما صحيحٌ وإما غير ذلك.
(٩) رفض المراجعة
من أمارات العلم الزائف أن يرفض المرءُ مراجعةَ موقفِه في ضوء الأدلة الجديدة، فمهما أُجْرِيَت من دراسات تُجمِع على عدم فاعلية التنجيم فسوف يظل المنجمون يكررون نفس الحجج في تدعيم مهنتِهم. أما العلمُ فهو عمليةٌ ذاتُ طبيعةٍ مختلفة تمامًا، مقوِّمُها الأساسي هو المراجعةُ والتصحيح المستمران من أجل استيعاب الأدلة الجديدة.
- أولًا: وقبل كل شيء ليس ثمة من العلماء ومن التمويل ما يكفي لتحقيق أو دحض كل دعوى كانت، غير أن هذا ليس دليلًا إيجابيًّا على صحة الدعوى، بل هو دليل على جهلنا (أو لا مبالاتنا) بالمسألة لا أكثر.
- ثانيًا: عندما يقترح شخصٌ نظريةً بديلةً لنظريةٍ قائمة شديدة الرسوخ، فإن عبء البرهان يقع تمامًا — من الوجهة المنطقية — على هذا الوافد الجديد. عندما اقترح كوبرنيقوس أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس فإن الناس لم تصدقه لمجرد أنه لم يدحضه أحد ويثبِت أنه على خطأ (بل إن معظم الناس — على العكس — لم تنظر مجرد نظرة إلى حججِه)، لقد طالبَ الفلكيون بأدلة، وقد استغرق الأمرُ قرنًا من الزمن لكي يتم قبول النظرية.