خدمات التمريض في الحاضر والمستقبل
في الولايات المتحدة يستفيد ما يزيد على مليونين من السكان من نوع من أنواع خدمات التمريض في المستشفيات، أو المنازل المُعدَّة للراحة، ثم في أماكن العمل والمدارس والمنازل أو مراكز الصحة العامة، وسواء أكنتَ من المُستفيدِين بشكل مباشر من هذه الخدمات أم لا، فإن هناك فائدة تعود عليك؛ نظرًا لأن التمريض من الأركان الأساسية في تدعيم صحة الجماعة بشكل عام، ويساعد في ضمان ظروف مناسبة للجميع؛ ولذلك يهمُّنا جميعًا — كأفراد وكمواطنين — أن ندعم خدمات التمريض المحلية، كلٌّ في منطقته.
ما هي المساعدات التي ننتظرها من خدمات التمريض؟ أن تساعدنا على الشفاء عندما نمرض، هذا أمرٌ لا شك فيه، ولكن ما هي الصورة الماثلة في ذهنك عن الوسيلة للقيام بهذا العمل؟ هل هي وجود ممرِّضة إلى جانبك تقوم على خدمتك في كلِّ صغيرة وكبيرة وأنت مُستلقٍ في السرير خلال فترة النقاهة من إصابة بالْتِهاب رئوي أو عملية جراحية، لو أبديت مثل هذه الفكرة منذ خمس وعشرين سنة لما اعتُبِرَت بعيدة عن الصواب، ولكن اليوم من المعروف أن الممرِّضة التي تكتفي بتقديم شتى الخدمات لك وأنت مُستلقٍ في السرير قد تؤخِّر الشفاء بدلًا من أن تسرع به، لقد تغيَّرت الرعاية الطبية والتمريضية تَغيُّرًا جذريًّا، إلى درجة أن خدمة المريض التي كانت في وقت من الأوقات الجزء الأساسي من مهمة الممرِّضة، أصبحت تُشكِّل الآن قسمًا صغيرًا للغاية، بل ربما أُلغِيَت تمامًا في بعض الأحيان!
إذَن قبل أن تستطيع الحُكم على خدمات التمريض المقدمة للناس في منطقتك، أو المشاركة في المجهود الذي يستهدف تحسينها، لا بد من أن تفهم أثر التغيرات التي طرأت في المرحلة الأخيرة على فنِّ التمريض.
(١) سنوات التحول السريع
لنفترض أنك أصبت في أواسط الثلاثينيات من هذا القرن بشلل في النصف الأسفل من الجسم، إن ممرضة واحدة على الأرجح هي التي كانت تقوم برعايتك طوال فترة إقامتك في المستشفى، لتعطيك عناية واهتمامًا مستمرين، وتوفر أكثر الأوضاع راحةً بالنسبة إليك، وتسوِّي لك السرير، وتُطعمك وتشرف على استحمامك، وتخفِّف من آلامك على قَدْر إمكانها، ورغم الراحة التي لا شك أنك كنت ستشعر بها إزاء هذه المساعدات، فإن الجهود التي كانت تستطيع أن تقدِّمها الممرضة لك آنذاك كانت محدودة، فالطب نفسه كان ضيِّق النطاق، ولم يكُن في استطاعته أن ينقذك من مغادرة المستشفى، وأنت عاجز عن المشي حتى بمعاونة العكازات، وكان لا بد لأسرتك أن تتحمَّل عبء تمريضك طَوال ما بقي لك من حياة.
ولكن الآن إذا كنت من المصابين بالشلل النصفي، فستجد أمامك فرصًا أكبر بكثيرٍ للشفاء؛ ولذلك فالأسلوب المتَّبَع في توفير الرعاية الطبية لك يختلف تمامًا، والممرضات اللاتي يشرفن عليك، يعملن للوصول إلى أهداف محدَّدة، وهي إعادة تدريب العضلات المُصابة لتستعيد قدرتها من جديد، ومنع أي تدهور آخَر في الأطراف المصابة، وعمل الترتيبات اللازمة لضمان الرعاية التمريضية إذا كنت في حاجة إليها عند مغادرة المستشفى، وكل هذا حتى يمكنك أن تشفى إلى أقصى درجة ممكنة.
(٢) عمل فرقة التمريض
لاحِظ أننا نستخدم لفظ «ممرضاتك»، وليس «ممرضتك»، إن المسئولة عن توفير الرعاية التمريضية الشاملة لك هي بالطبع ممرضة محترفة مسجلة في السجل الرسمي للممرضات، فهي التي تقوم على تلبية بعض احتياجاتك بنفسها، وربما أعطتك الغذاء، وقامت بعمل الحمَّامات لك بنفسها، مستخدمة الفرص المتاحة لها حتى تتعرَّف إليك كشخص وليس كمريض، وخلال قيامها بوضع الوسائد وأكياس الرمل خلف ذراعك أو ساقك المشلولة حتى تحول دون إصابتها بتقلصات عن الحركة، أو أثناء إجراء التدريبات السلبية للأطراف المشلولة، تشجعك الممرضة على التعبير عن إحساساتك ومخاوفك ورغباتك، ذلك أن إهمال هذه النواحي قد يؤدِّي إلى تعطيل الشفاء، وعلى ضوء المعلومات الخاصة بشخصك والتي تتجمَّع لديها، تُحدِّد أسلوب التمريض والخطة التي تتواءم مع حالتك وتستجيب، لا لاحتياجاتك الجسمية فحسب، ولكن أيضًا لاحتياجاتك المعنوية.
وعندما نحدِّد نوع الرعاية الملائمة لحالتك بالدقة، تخصص لك ممرضة ممارسة مرخَّصة لمساعدتك على القيام ببعض التدريبات المنظمة، بواسطة الحبال التي تلف على البكرات المثبتة فوق سريرك، وفي نفس الوقت تعين مساعدة ممرضة، تحضر إليك الوجبات الغذائية وإنْ لزمَ الأمر، تساعدك على تناول الطعام.
ولكن هل تترك الممرضة المحترفة؟ لا، على الإطلاق، إنها تقف إلى جانبك في كلِّ مرَّة تحتاج إليها، وإلى فنونها ومعلوماتها الخاصة في فن التمريض، ولكن في بعض الأحيان، بناءً على وجود ضرورة مُعيَّنة، وبناءً على خطة مُحدَّدة قد يخصص لها دور تقوم به عن بُعد، ومع ذلك فهي تستمر في الإشراف على تنفيذ خطة الرعاية المُحدَّدة لك، والتي تنفذها الممرضة الممارسة والممرضة المساعدة، أو التي تنفذها أنت مباشرة كمريض عندما يأتي الأوان لذلك، ويمكن تشبيه دورها بالأم التي ترعى عددًا من الأطفال، فتوزع عليهم جزءًا من مسئوليات البيت، ولكنها تحتفظ هي في نفس الوقت، بدور الأم أو المدير.
(٣) رعاية أكثر فعالية
إن فرقة التمريض هذه، والتي يتمتَّع فيها كل عضو بحرية في المهام الموكلة إليها، وباليقظة، لا إزاء النواحي الجثمانية المتعلِّقة بالمريض فقط، ولكن أيضًا إزاء الجوانب المعنوية، تستطيع أن تقدِّم لك عونًا أكبر بكثير، ممَّا كان يمكن أن تتوقَّعه من ممرِّضة بمفردها منذ ثلاثين عامًا، وهي قادرة أيضًا على بسط هذه الرعاية الحديثة والأكثر شمولًا، على عدد أكبر من المرضى ممَّا كان ممكنًا بواسطة ممرِّضة تعمل وحدها.
إن ظهور فرقة التمريض ليست سوى واحدة من التغييرات التي حدثت، فتوجد تغييرات أخرى عديدة، تحدث كلَّ يوم، كما تدخل اكتشافات وتطورات من شأنها أن تجعل الرعاية الطبية والتمريضية أكثر فعالية أو تنبئ بذلك، وهي تمتد إلى فروع التمريض كافة، إن حكيمة الجراحة في المستشفى يجب أن تعرف كيف تتحكَّم في القلب الصناعي المتصل بالمريض الذي تعمل له عملية جراحية في القلب، وممرضة الصحة العامة يجب أن توسِّع دائرة اهتماماتها عند علاج مريض السكر، إلى سائر أفراد أسرته، وحكيمة المدرسة عليها أن تنتبه إلى أن السبب في عجز أحد الأطفال عن القراءة قد يكون ضعف النظر، والممرضة المتخصِّصة في التأهيل المهني عليها أن تتعاون مع مهندس الأمن الصناعي، حتى تخلق ظروفًا مضمونة للعمل، تقلِّل من عدد الذين يتردَّدون عليها لنقدم لهم الإسعافات الأولية، ومدرسة التمريض عليها أن تنمِّي معلوماتها وتشرك تلميذاتها فيها وتتقاسمها معهن، وهكذا تواجه كل الممرضات تحدِّيًا مستمرًّا لمدى قدرتهن على ملاحقة التغيير.
(٤) التمريض يزداد تعقيدًا
أصبحت مدة إقامة المريض في المستشفى الآن أقصر ممَّا كانت بفضل العقاقير «المعجزة» التي اخترعت، والاهتمام بأن يتحرَّك خارج سريره بعد مدة وجيزة من إجراء العملية له، ولكن خطوات التقدُّم هذه في ميدان العلوم الطبية، قد ضاعفت من ضرورة توفير الرعاية التمريضية المركزة ذات المستوى الفني الرفيع، وأصبح من مهمة التمريض أن يحقِّق للمريض أكثر ممَّا كان يحقِّقه، في مدة أقل بكثير، بما فيها تلقيه ماذا يجب أن يفعله حتى يحافظ على صحته بعد ترك المستشفى، وفي أيامنا هذه يوكل الأطباء إلى الممرضات كثيرًا من الوظائف التي كانوا يقومون بها شخصيًّا من قبل: أنواع الغسيل المختلفة، حقن الوريد والعضل، قياس ضغط الدم، الغيارات، تنفيذ تعليمات الطبيب في الوقت المناسب وحسب تطورات الحالة.
وبينما في الماضي، كان الخوف من التجلُّط الدموي بعد العمليات الجراحية يحتم الإبقاء على المريض دون حركة لمدة أيام، بل أحيانًا لمدة أسابيع، تقوم الممرضة خلالها «بعمل كل شيء» للمريض، أصبح من المعروف الآن أن الحركة تساعد على إعادة الدورة الدموية إلى حالتها الطبيعية، والآن أصبح على الممرضة أن تجعل المريض يترك سريره، ليتولَّى بنفسه الأشياء التي تخصه بضع ساعات بعد انتهاء العمل في بعض الأحيان، وهذا يتمشَّى مع مصلحته حتى يسرع من شفائه، وحتى لا نظن أن الممرضة تتهرَّب بهذه الطريقة من مسئولياتها، يجب أن نلاحظ أن هذا الأسلوب الجديد يحمِّلها مسئوليات جديدة؛ فقد أصبح عليها أن تشرح أهدافه للمريض، وأن تساعده على المشي، وأن تطمئنه على أنها موجودة بجانبه إذا ما تعثَّرَت خطواته.
في الماضي كانت الممرضة تُطعم المريض المصاب بالتهاب رئوي، وتقلبه في سريره طوال عدة أيام، حتى يتمكَّن من المحافظة على كلِّ ذرَّة من قوته ليقاوم بها المرض، كما كانت تضع «لبخ المستاردة» على صدره، وتغسل جسمه بإسفنجة دون انقطاع حتى تنخفض درجة الحرارة، ولكن الآن تُعطيه حقنة بنسلين بدلًا من «اللبخ»، وبعد فترة وجيزة يعود المريض إلى بيته.
ومع ذلك فإن العلاج بالمستحضرات الكيماوية يترتَّب عليه متطلَّبات، وتجد الممرضة نفسها مضطرة إلى استيعاب جميع الأساليب المتشابكة المتبعة في تناول العقاقير، كما يجب أن تتعرَّف على الآثار الجانبية أو المضاعفات التي قد يحدثها أي عقار، وعلامات الخطورة وطريقة معالجتها، والجرعة المناسبة لكلِّ عقار، وإذا ما اتضح أن هناك خطأً ما ارتكب في «تذكرة» الطبيب، مثلًا إذا كانت الجرعة المقررة لمادة سلفات الأتروبين ٥مم بدلًا من ٠٫٥مم، يجب عليها أن توقف العلاج حتى تتأكد من سلامة الكمية المحدَّدة، وهي تحاول أيضًا أن تضمن ألَّا يُبالغ المريض في القدرة «المعجزة» للأدوية، فيهمل اتباع نظام صحي معقول عندما يغادر المستشفى.
(٥) معاملة المريض كإنسان
رغم هذا التطوُّر المتشابك للنواحي، والسرعة التي يتم بها الشفاء، فمن واجب الممرِّضة ألَّا تنسى أن المريض، قبل كل شيء، إنسان.
ففي يوم من الأيام، بينما كان أحد الأولاد الصغار يرقد في سريره سمع اثنتَين من الممرِّضات تتحدثان عنه، سألت إحداهما: «مَن هو؟» فأجابت الثانية «حالة استئصال اللوزتين التابعة لي»، فصرخ الولد بأعلى صوته، ليس هذا هو اسمي بل أنا اسمي «جوني».
إن المعلومات الجديدة عن السلوك البشري قد ركَّزَت اهتمامنا على المريض، ليس كحالة فحسب، ولكن على كل احتياجاته كإنسان، إننا ندرك اليوم أن النواحي الثقافية والنفسية لا للمريض فحسب، ولكن إلى نفس الدرجة للمريضة أيضًا، يمكن أن تساعد على الشفاء أو تعرقله، وبينما كان يمكن في الماضي للممرضة أن تكتفي بإطلاق لفظ «الغبي» على أحد المرضى الشيوخ؛ لأنه لم يستوعب تعليماتها رغم تكرارها له، فهي اليوم تجهد نفسها لكي تعرف لماذا فشل المريض في أن يفهم، وربما اكتشفت مثلًا أنه وصل إلى الولايات المتحدة عن قريب، ولا يعرف اللغة الإنجليزية إلا قليلًا، ويحتاج إذَن إلى أن يتلقَّى التعليمات بلغته.
(٦) ويمتد العون إلى جماعات الناس
في العشرينيات من هذا القرن كان من النادر أن تسمع عن ممرِّضات الصحة العامة أو الزائرات الصحيات، إلَّا إذا حدث أن قامت إحداهن بتطعيمك عندما كنت طفلًا، أو مرَّت عليك لكي تبلغ أسرتك أنه يمكنها إجراء كشوف بالأشعة كجزء من الحملة لاكتشاف الإصابات بالسل، ففي تلك الأيام كان النشاط المتعلِّق بالصحة العامة يتركَّز في تنظيم برامج جماعية شاملة: الوقاية من الأمراض المعدية، واكتشاف حالات السل المبكِّر، ورعاية الأمومة والطفولة، ويعتمد على ممرضات متخصِّصات في كلٍّ من هذه المجالات الثلاثة.
ولكن في المرحلة الحالية تتدرَّب الممرضة على التعامل مع الأسرة كوحدة، ومع كل احتياجاتها الصحية، فالممرِّضة التي تزور أحد البيوت بهدف تعليم الأم «البكرية»، كيف يمكنها أن تكيِّف ترتيباتها المنزلية مع احتياجات الطفل الوليد، قد تكتشف مشكلات صحية أخرى، وربما وجدت نفسها مشتركة في مساعدة الجدة العاجزة على المشي، أو الخال الذي يعالج مرضه النفسي بالمهدئات على الانتقال من حياة المستشفى إلى حياة البيت والجماعة، وهكذا تبدأ الأسرة في النظر إليها على أنها «ممرضتها» وفي المناطق التي تتوافر فيها الممرضات، يمكن رعاية عديد من المرضى المصابين بحالاتٍ مُزمِنة في المنزل بدلًا من أن يحتلوا الأسرة النادرة والمكلفة في أحد المستشفيات أو المصحَّات، وفي أغلب الأحيان يكون هذا الحل أقل نفقةً وأكثر إسعادًا لهم.
(٧) ميثاق لحقوق المريض
ففي مواجهة هذه التطوُّرات السريعة أخذت الممرضات، وإداريُّو المستشفيات، ومدرِّسو التمريض، وكل الذين ينتمون على نطاق القطر إلى مهنٍ تتصل بعملهم، أخذوا في مناقشة السبل التي تحقِّق للتمريض أفضل استجابة لاحتياجات المريض الحالية والمستقبلة، كما أنهم قاموا بدراسة الآراء التي تطلب أجهزة الصحة المختلفة من المرضى أن يتقدَّموا بها، وقد خرجوا من كلِّ ذلك بما يمكن أن نسمِّيه: «ميثاق لحقوق المريض».
ونورد هنا القرارات التي انتهوا إليها، وقد قامت الرابطة القومية للتمريض بنشرها تحت عنوان: «ما يمكن أن ينتظره الجمهور من الخدمات التمريضية المعاصرة»، وحتى نستطيع توضيح نقاط هذه الوثيقة، وضعنا إلى جانب كلٍّ منها مثلًا تطبيقيًّا.
- (١)
الحصول على الرعاية التمريضية اللازمة حتى يمكنه استعادة صحته تمامًا، أو الحفاظ عليها إلى أقصى الحدود الممكنة.
مثلًا:
أُعطيَت إحدى الشابات المصابات بالسل رعايةً جثمانية لائقة، ومع ذلك مكثت لا تتحرَّك حتى تولاها بالرعاية اثنتان من الممرضات اللائي تدرَّبن على النظرة الشاملة في التمريض، وتمكنتا من دراسة شخصيتها جيدًا، فبعد مرور فترة وجيزة أصبحت المريضة أكثر حيوية، وأخذت تفصِّل الثياب استعدادًا لليوم «الذي أشفى فيه»، ثم اختارت مصحة توفِّر لها إمكانية الاستمرار في دراستها وإتمامها حتى يمكنها في النهاية أن تكسب عيشها، وهكذا وضعها نظام التمريض الشامل على الطريق المؤدي إلى أقصى درجات الصحة.
- (٢)
أن يكون الأفراد القائمون بالتمريض والذين يرعونه مؤهلين عن طريق التعليم والخبرة وبحُكم شخصياتهم، للقيام بالخدمات التي يتحمَّلون مسئولياتها.
مثلًا:
يحصل المستشفى على جهاز تنفُّسي جديد، ويقوم المختصون باختيار الممرضات المحترفات اختيارًا دقيقًا على أساس درجة تدريبهن وخبرتهن، حتى يكُنَّ مسئولات عن هذا الجهاز الجديد، كما تزوِّدهن بالتعليمات المستفيضة عن كيفية استعماله، وطريقة رعاية المريض داخل وخارج الجهاز، والسبيل إلى إدخال الطمأنينة إلى نفسه، وتوضع الترتيبات اللازمة للاستمرار في التدريب أثناء العمل على استخدام جهاز التنفُّس، طِبقًا لاحتياجات المجموعة القائمة على تشغيله.
- (٣)
أن يكون أفراد التمريض الذين يرعونه متجاوبين مع احتياجاته وحريصين على مشاعره.
مثلًا:
قالت إحدى الممرِّضات: عندما تتعاملين مع مريضةٍ من الإسبانيوليات الأمريكيات، ستجدين أن أسلوبها في التغذية يتسم بفقره في سد احتياجات الحمل، ولا تستطيعين الاكتفاء بإصدار التعليمات إليها بالامتناع عن تناول الأطعمة الوطنية التي تعوَّدَتها، بحجة أنها ليست مفيدة، بل يجب أن تبحثي عن أغذية، من بين هذه الأطعمة، يمكن أن تحلَّ محل بعض المأكولات المحدَّدة في نظام التغذية المقرَّر، وبهذه الوسيلة ستكون المريضة راضية بأسلوب التغذية الذي يضمن في نفس الوقت توفير المواد التي تحتاج إليها حالة الحمل.
- (٤)
إنه في الحدود التي يقرِّرها الطبيب، توضِّح للمريض ولأسرته ما يجب أن يعرفه عن مرضه، حتى يمكن له أن يساعد نفسه، وحتى تتمكَّن أسرته من فهمه وإسداء العون اللازم له.
مثلًا:
تساعد الممرضة مريضًا أُجريت له عملية استئصال الحنجرة على تعلُّم طريقة استخدام العملية الصوتية، حتى يمكنه أن يتكلَّم من جديد، وتشرح لأسرته أن العراقيل الميكانيكية قد تؤخِّر قدرته في الإجابة الفورية عن الأسئلة، وتُطَمئِن كلًّا من المريض وأسرته على أن هناك احتمالات طبية للعودة إلى الحياة الطبيعية.
- (٥)
أن تعمل الترتيبات اللازمة معه ومع أسرته، وإذا اقتضى الأمر أن تعمل هذه الترتيبات له حتى يتمكَّن، إذا كان هناك سبيل إلى ذلك، من توفير الخدمات التمريضية المتصلة والخدمات الضرورية الأخرى طوال فترة احتياجه إليها، وتشمل هذه الترتيبات الاستفادة من جميع الأفراد اللازمين، ومن كلِّ الإمكانيات المادية المتوافرة في المجتمع محليًّا.
مثلًا:
بعد أخذ موافقة المريض وأسرته تُحوِّل إدارة المستشفى المريض المصاب بشلل في النصف الأسفل من جسمه، فور مغادرته للمستشفى إلى نظام الخدمات الخاص بالممرِّضات الزائرات، وتقوم ممرضة الصحة العامة التي تزوره في منزله عندئذٍ بتوضيح طُرُق الرعاية الملائمة لأعضاء الأسرة، وتقوم بزيارات للمتابعة، هدفها التأكُّد من تنفيذ توجيهاتها أو تعديلها إذا اقتضى الأمر، كما تحدِّد برنامجًا للعلاج الطبيعي وحده أو العلاج الطبيعي والمهني معًا، بالتعاون مع الطبيب الخاص للمريض ومع الأجهزة المحلية الأخرى.
- (٦)
أن يسهم أفراد أجهزة التمريض في إيجاد سجلاتٍ وتقارير كافية، مع احتفاظهم تمامًا بسرية جميع المسائل الشخصية المتعلِّقة بالمريض.
مثلًا:
تحتفظ الممرِّضة بسجلاتٍ تفصيلية ودقيقة عن الحمل والولادة والرعاية في فترة النِّفاس، والمتعلِّقة بأمٍّ شابة غير متزوِّجة أنجبت طفلها في المستشفى، حتى يمكن عرضها على ممرضة الصحة العامة التي ستتولى رعايتها في المنزل، وتحتفظ الممرضتان بالجوانب الشخصية الخاصة بحالة هذه الأم كأسرار تُؤتمنان عليها.
- (٧)
أن يبذل أفراد جهاز التمريض الجهود اللازمة لتكييف الظروف المحيطة بالمريض، بحيث يمكنه المحافظة على صحته أو استعادة حالته الصحية الكاملة تمامًا.
مثلًا:
تقوم الممرِّضة المُمارِسة بوضع مائدة سرير متحرِّك في متناول المريض، الذي يحتاج إلى الإقلال من حركات يدَيه وذراعَيه، أو تضع الترتيبات اللازمة لتبديل مكان المرضى الذين يشاركونه في الحجرة، إذا كانت ثرثرة أحدهم تقلق راحة المريض.
وهكذا فإن الميثاق المعروض يتضمَّن أهدافًا نريد الوصول إليها أكثر من أشياء تتم في الواقع على نطاقٍ شامل، ولكن مهنة التمريض تسترشد فعلًا بهذه الأفكار، ولنرَ الآن كيف تُطبق في المستشفيات وبيوت الراحة وفي المجتمعات المحلية.
(٨) الميثاق في التطبيق داخل المستشفيات
في الصباح الباكر من أحد الأيام أسرعت إحدى عربات الإسعاف حاملة الطفلة نانسي مايرز، وعمرها تسع سنوات، إلى المستشفى، وكانت هذه ثالث مرَّة تدخل فيها مصابة بغيبوبة مرض السكر.
وعلم الطبيب المقيم خلال استجوابه للوالدين، وكانا في حالة اضطراب شديد وهما ينتظران نتائج الإسعافات على ابنتهما، علم منهما أن نانسي كانت في الفترة السابقة ترفض أن تتناول الطعام المخصَّص لها، كما أنها تناولت بعض الحلويات عند الجيران الذين لم يكونوا على علم بأنها مُصابة بالسكر.
وفي قسم الأطفال الذي نُقلت إليه فيما بعد تعاونت نانسي، وهي لا تزال في حالة مرض شديد، مع الممرضات في تنفيذ تعليمات الطبيب الخاصة بعلاجها، ولكن سرعان ما أخذت ترفض الأطعمة المقرَّرة لها، وكانت تحاول الحصول على قَدْر كبير من الاهتمام، فإذا لم تحصل عليه شرعت في تمثيل دور المصاب بغيبوبة السكر.
فماذا كان يمكن عمله حتى تحصل هذه البنت الصغيرة على حقوقها كمريضة؟ وما كان السبيل لكي تنجح جهود الممرِّضات لحملها على قبول البرنامج الموضوع لها لتتمكَّن من استعادة صحتها من جديد.
(٩) السجلات تضمن انتظامًا للعلاج وتوفِّر وقتًا ثمينًا من الضياع
عند فحص سجلات المرَّات السابقة التي دخلت فيها الطفلة إلى المستشفى، اكتشفت الآنسة لاين رئيسة الممرضات، أن حالة السكر التي شُخِّصت في الطفلة، عندما كان سنها ثلاث سنوات، أمكن التحكُّم فيها طبيًّا حتى اليوم الذي ولد فيها أخوها الصغير، وكان سنها إذ ذاك خمس سنوات، ومنذ تلك اللحظة أخذت ترفض الطعام المقدَّم لها وتلتهم الحلوى الممنوعة.
ونظرًا لأن المشكلات العاطفية أصبحت تقوِّض البرنامج العلاجي الموضوع للطفلة، لجأت الآنسة لاين إلى طلب فرقة كاملة من المستشفى مكوَّنة من: طبيب وأخصائي علم نفس وممرضة وأخصائي تغذية وأخصائية اجتماعية، فأخذوا يمارسون عملهم على الفور، وقد أثبتت الاختبارات النفسية أن نانسي طفلة تتمتَّع بمستوًى عالٍ من الذكاء، وإن كانت تشعر بالخصام الدفين ضد أمها، وبإحساس أنها غير مرغوب فيها.
- (١)
بمساعدة نانسي على قبول حالتها المرضية و«الحدود القهرية» التي تفرضها، دون أن تشعر بأنها «مختلفة عن الآخَرين».
- (٢)
بمساعدة أسرتها على تفهُّم سلوكها إلى جانب حالتها المرضية حتى يمكنها أن تواجه الاثنين معًا.
(١٠) علاج سليم: المريضة تشارك في رعاية نفسها
حتى ينجح في اكتساب تعاون المريضة، أخذ أخصائي التغذية يمرُّ على نانسي بانتظام، يعرض عليها قائمة طعام الغد، ويساعدها على اختيار أطعمة من تلك المصرَّح لها بتناولها، وفي كل مرَّة كان الأخصائي يشرح للطفلة بعض النقاط عن أثر هذا النظام في الأكل في حالتها الصحية.
وبعد موافقة الطبيب بدأت فرقة التمريض المسئولة عن نانسي في تلقينها مبادئ الحقن بالأنسولين، وأبدت الطفلة اهتمامًا بهذا الموضوع وتعلَّمَت بسرعة، وهكذا أصبحت الأشياء تعمل، لا من أجلها فحسب، ولكن أيضًا بمساعدتها، وقبل أن تغادر المستشفى كانت قد تعلَّمَت كيف تغلي الحقنة والإبرة (ولماذا يجب غَلْيهما)، وكيف تمسك بهما دون تلويثهما، وكيف تقرأ العلامات المُدرَجة على الحقنة، وتسحب الجرعة المطلوبة من زجاجة الأنسولين.
وهكذا أصبح من الممكن فيما بعد أن تبني الممرضة الزائرة فوق الأساس الذي وُضع، حتى تصل في النهاية إلى تدريب نانسي على حقن نفسها.
(١١) مُساعَدات تُقدَّم لأسرة المريض
وفي هذه الأثناء دُعيت السيدة مايرز إلى اجتماع تمريضي آخَر، واتضح بعد قليل أنها كانت تقوم وحدها بإعطاء نانسي حقن الأنسولين، دون أن تشرح لها أسباب ما تقوم به، وكانت أوقات الأكل مُفعَمة بالتوتُّر … فإزاء رفض الطفلة تناوُل الطعام، كانت الأم بدافعٍ من الخوف من أثر حقنة الأنسولين تحاول أن ترغمها على الأكل، وهكذا نشبت معارك بين الأم وطفلتها.
وبناءً على اقتراح الآنسة لاين أخذ السيد مايرز يتردَّد على المستشفى مساءً في مواعيد محدَّدة؛ ليتعلَّم كيف يُعطي حقن الأنسولين، وهكذا على أمل أنه إذا ما قام بإعطاء نانسي بعض الحقن ستكف عن أن ترى فيها نوعًا من العقاب تفرضه الأم عليها.
ومن خلال تشجيع الممرضات للسيدة مايرز على التحدُّث معهن عن مخاوفها، أخذت هذه الأخيرة تدرك أن موقفها هو الذي كان يخلق التوتُّر أثناء تناول الطعام، فإذا ما استطاعت أن تعامل نانسي بنفس الهدوء الذي تعامل به ابنها سيختفي جزءٌ كبير من تمرُّد الطفلة، وقد اقترحت الآنسة لاين مشاركة الطفلة في تحديد الطعام الذي ستتناوله.
وفي عدد من الاجتماعات التمريضية التي حضرها السيد مايرز وزوجته، عرضت أوجه النشاط التي تشكِّل جزءًا من حياة الطفل الطبيعي، بالمقارنة مع ما تستطيع أن تشارك نانسي فيه، ودهش الوالدان عندما اكتشفا أنهما لم يستطيعا أن يحدِّدا أية أوجُه للنشاط الجثماني الذي يمكن أن يضر بطفلتهما، وهكذا أدركا كيف أن المبالغة في الرعاية تعرقل النمو الطبيعي الذي كان في متناولها، ما دام مرضها يُوضَع تحت رقابة طبية فعَّالة.
(١٢) الاستفادة من الإمكانيات الجماعية
وعشية مغادرة الطفلة للمستشفى قامت إحدى الأخصائيات الاجتماعيات بعمل الترتيبات اللازمة، حتى تقوم ممرضة من ممرضات الصحة العامة بمتابعة الأسرة ومساعدتها، واتفقت لذلك مع الوالدين مايرز على أن تحضر نانسي أحد معسكرات الصيف التي يُديرها اتحاد مرضى السكر التابع للولاية، وحتى يمكن لأحد الأطباء أن يطمئن على حالة الطفلة مرَّة في الشهر حُوِّلت إلى إحدى عيادات الأطفال.
وهكذا عن طريق هذا المثل الحي يُمكنك أن ترى ميثاق حقوق المريض بكلِّ بنوده في التطبيق، لقد قام الطبيب مع أخصائي التغذية بوضع نظامٍ للأكل، وكل الممرضات اللائي كُنَّ يَرعَيْن المريضة باستمرارهن وَحْدهن القادرات على معرفة ما إذا كانت تتناول الطعام المقرَّر لها أم لا، وأن تكتشفن الأسباب إذا ما رفضَت شيئًا، وكان من المستحيل أن تعود إلى حالتها الصحية الكاملة دون هذا البرنامج الشامل للرعاية التمريضية الموجَّه، لا لسد احتياجاتها الطبية فحسب، ولكن أيضًا لمعالجة اتجاهاتها السلوكية أيضًا.
(١٣) احترام حقوق مريض الأقسام الجراحية
قد تتساءل: ما الوضع بالنسبة للمِحنة التي يمرُّ بها المريض عندما تُجرى له عملية جراحية كبرى؟
وكيف تُوضَع بنود ميثاق حقوق المريض في التطبيق؟
إن الإحساس باحتياجاتك كمريض في هذا الوضع يشمل أيضًا إدراك تلك الشبكة المُعقَّدة من التخوُّفات، التي قد تضع قبضتها عليك وأنت تدخل باب المستشفى، إن إحدى الممرضات ستحاول مساعدتك على التصدِّي لهذه المخاوف، وأن تعينك على الاستعداد جثمانيًّا للعملية، ولأية مشكلات خاصة قد تواجهك فيما بعد.
فمثلًا عندما دخلت السيدة رثمان إلى المستشفى لإجراء عملية استئصال الثدي كانت محاصرة بالمخاوف، عاجزة عن تناول الطعام، ونظرًا للقلق الذي لازمها على مصيرها، لم تتمكَّن من النوم طوال ليلتين متتاليتين. كانت تتساءل: هل سأعاني من آلام شديدة؟ ماذا سيكون منظري بعد العملية؟
فأجابت الممرضة المعيَّنة عليها من قِبَل المستشفى: «ستُعانين من الآلام، ولكنها لن تكون أكثر مما تستطيعين احتماله، وسنُعطيك شيئًا يخفِّف منها، وستكون قدرتك على الحركة محدودة، كما أن كتفك ستكون مشدودة إلى أسفل نتيجة الرباط الضاغط الذي سنلفُّك به، وعندما تحاولين المشي ستجدين صعوبة في الحفاظ على توازنك نتيجةً لهذا الرباط، ولكن التمرينات التي ستقومين بها سوف تعيدك إلى حالتك الطبيعية بسرعة.» وقامت الممرضة على الفور بعرض اثنين من هذه «التمرينات» عليها، كما رتبت مقابلة بين السيدة رثمان وإحدى النزيلات التي كانت قد أجريت لها نفس العملية حتى تتحدَّث معها، فعندما رأت السيدة رثمان سيدة جذَّابة استعادت جمال جسمها الأنثوي — بفضل أحد الأجهزة التعويضية — ارتفعت معنوياتها كثيرًا، وفيما بعد صرَّحَت أن كلَّ هذه الإجراءات التحضيرية المُتقَنة، ساعدت كثيرًا على تَماثُلها للشفاء بسرعة.
ومع ذلك أُصيبت السيدة رثمان بانهيار مفاجئ بعد مضيِّ أسبوع من انتهاء العملية، فرفضت أن تتناول حمَّام الصباح، وأن تقابل زوجها الذي حضر لزيارتها، ولكن بعد أن مرَّت بضعة أيام عبَّرت عن رضاها؛ لأن الممرضة لم تُلقِ عليها المحاضرات الطويلة، ولم تسعَ إلى رفع معنوياتها بالنصائح، وإنما شجعتها على الحديث عن مشاعرها، واستمعت إليها بروح الشخص الذي يُدرك أن ما تشعر به هو حزن طبيعي إزاء ما فقدته، لقد أحسَّت السيدة رثمان أن كلَّ هذا قد ساعدها على اجتياز هذه المرحلة من مرضها، والوصول إلى النقطة التي تستطيع منها أن تكيِّف نفسها من جديد للحياة.
(١٤) المقدرة الفنية بالإضافة إلى اللمسة الإنسانية
إن الفترة اللاحقة لأية عملية جراحية كبيرة هي في الغالب أصعب المِحَن التي يمرُّ بها المريض، إنك لتشعر أنك أعزل؛ لأنك تخضع لنظم تمريضية غاية في الدقة، لا تعرف عنها شيئًا تقريبًا، ففي قاعة الجراحة الحديثة التي تبقى فيها مدة من الزمن، تجد نفسك مُحاطًا بأجهزة الأشعة وأجهزة المص الميكانيكية، وخيام الأكسجين، وأجهزة نقل الدم، وجهاز الحقن الوريدي، وكأنك تحيا في معمل للبحوث العلمية، إن السرير الذي ترقد عليه نفسه قد يكون مُجهَّزًا بأقطاب كهربية لتسجيل الحرارة، والنبض، والتنُّفس، وضغط الدم، كما أنها ترسل إشارة سريعة إلى لوحة الرقابة عندما يحدث أي تغيير هام في حالتك.
وحيث أصبحت الأجهزة تُدار بوسائل أتوماتيكية بهدف إلغاء عنصر الخطأ البشري، أصبح من الممكن أن تقوم الممرضة ببعض الواجبات التي كانت تتطلَّب في الماضي خبرة تمريضية خاصة، إن جهاز وانجنستين للمص يُدير نفسه تمامًا، ويمكن أن تدرب الممرضة المُمارِسة على معرفة الأغراض التي تتطلَّب استخدامه، وفي جهاز كوليك - رونسيلوت، الذي يُشبه غطاء رأس لاعب الكرة الأمريكية، توجد أنبوبة مزودة ﺑ «بالونة» في آخِرها، ويمكن إدخالها عن طريق فتحة الأنف عندما يحدث نزيف في حلق المريض، وأي انخفاض في ضغط البالونة يجعل الآلة تدقُّ جرس الإنذار المثبت في داخلها.
ولكن مجرَّد تركك لرعاية الآلة، ذلك الكائن البارد الذي لا روح فيه، من شأنه أن يُثير مخاوفك، إنك في حاجة إلى الاطمئنان بأن ممرضة تشعر بمسئوليتها تراقب كلَّ شيء، وأنها ستأتي لمساعدتك على الفور إذا دقَّ الجرس أو أُضيء النور الأحمر، إن الممرضة التي تُعيَّن خِصِّيصَى للإشراف على كلِّ مريض لمدة ٤٨ ساعة أو أكثر بعد إجراء العملية له تراقب كلَّ شيء عن قُرب، إنها تبلغ الممرضة التي تتسلَّم منها المريض في نوبة الليل أو رئيسة الممرضات بأية ردود فعل خاصة تظهر على المريض، فقد يعتقد أن العملية لم تُجرَ له بعد، وربما لا يُدرك حجم العملية الجراحية التي أُجرِيَت له، أو لا يكون مستعدًّا لتحمُّل النتائج التي تترتَّب عليها.
ولكن بعد أن تمرَّ سالمًا من هذه الفترة الحرِجة، ستُوضع خطواتك على طريق الرعاية الذاتية، إن أسرتك تتلقَّى التعليمات الخاصة باحتياجاتك، والنصائح المتعلِّقة بترتيب ظروف المنزل حتى تتواءم مع حالتك إذا كان هذا ضروريًّا، وربما تمَّ ترتيب الاتصال مع إحدى الهيئات التي تتولَّى مهمة تأهيلك للحياة من جديد.
ولنرَ الآن كيف تتصرَّف ممرضة الصحة العامة لتطبيق ميثاق حقوق المريض.
(١٥) تطبيق ميثاق التمريض في مجال الصحة العامة
دق جرس التليفون في مكتب رابطة الممرضات الزائرات، كان أحد أخصائي الرمد يريد من المكتب إرسال ممرضة لتُعطي إحدى المريضات سلسلة من حقن الفيتامين ب١٢ لمدة ١٥ يومًا، كانت المريضة مدرسة سابقة عمرها خمسون عامًا، تقترب بسرعة من حالة العمى الكامل.
وعندما وصلَت الممرِّضة الآنسة كويل إلى المنزل، حاملة الحقيبة السوداء التي تحتوي على الميدعة «المريلة» البيضاء، وكحول للتعقيم، ومعدات صغيرة أخرى، وجدت المريضة عصبية ومكتئبة، كانت السيدة جراي قد التحقَت بدراسة جامعية في التعليم، وقاربَت اللحظة التي ستنال فيها درجة الماجستير آمِلةً من وراء ذلك أن تحصل على ترقية، ولكن نتيجةً لحالة الضعف المطَّرِد الذي أصاب نظرها، أُرغِمَت على ترك عملها ودراستها، ومع تراكُم مصروفات العلاج الباهظة اضطرت هي وزوجها الذي كان يعمل في شركة نقل إلى التخلِّي عن شقتهما وبَيْع سيارتهما، والانتقال إلى حجرة مفروشة في إحدى الضواحي، وكانا يشتركان مع أسرة أخرى تسكن الدور الأسفل من المنزل في إعداد الطعام، حيث إن جميع أفراد هذه الأسرة كانوا يخرجون يوميًّا للعمل، ويتركون السيدة جراي وحدها في المنزل طَوال اليوم، ولم تكُن قد أخبرت أيًّا من أصدقائها بمكانها منذ انتقلَت إلى مسكنها الجديد.
وفي الزيارة الثالثة أحضرَت الآنسة كويل معها ممرِّضة مُمارِسة، وبعد أن توثَّقَت علاقتها مع السيدة جراي، تولَّت هذه الممرضة الجديدة مهمة إعطاء الحقن، التي أصبحت فيما بعد تتكرَّر مرتين في الأسبوع، وفي خلال بضعة أشهر أحسَّت المريضة أن نظرها تحسَّنَ، وكانت قادرة على تمييز الألوان وبعض الأشياء.
(١٦) وضع الأساس للعودة إلى الحياة الطبيعية
استمرَّت الآنسة كويل في زيارة المريضة أسبوعيًّا، بهدف مساندة السيدة جراي مساندةً معنوية، والاتفاق معها على خطة عملية تسمح لها بالعودة إلى الحياة الطبيعية، وبتشجيعٍ من الممرضة أعادت المريضة اتصالها بعددٍ من أصدقائها الذين أبدَوْا سرورهم لزيارتها، ودعوها في مناسباتٍ مختلفة إلى منازلهم، وأخذت تتردَّد مع زوجها على المطاعم، فوجدت أنها لم ترتبك أثناء الطعام، بل استطاعت أن تتصرَّف بسهولة. كما أنها تمكَّنَت بواسطة آلة تسجيل خاصة أحضرتها إليها الآنسة كويل، أن تقضي ساعات مثمرة في الاستماع إلى كتب مسجَّلة تتناول موضوعات متعلِّقة بالمجال الذي تهتم به، وقد أدَّت أوجُه النشاط هذه إلى فَتْح آفاق جديدة أمامها.
وعندما أحسَّت المريضة أنها تستطيع أن تستأنف حياتها من جديد، اتفقَت الممرِّضة مع أحد الأطباء على ملء الاستمارات اللازمة حتى تُحوَّل إلى «كومسيون المقاطعة»، وعلى ربطها بإحدى الهيئات الخاصة، وقد قامت هذه الهيئة بإيفاد مدرِّسة إلى منزلها حتى تُعطيها دروسًا في طريقة «برايل» للقراءة، فشرعت السيدة في تتبُّع هذه الدروس بكلِّ تحمُّس.
وفي أحد تقاريرها الأخيرة قامت الآنسة كويل بحصر باقي الأهداف التي يجب أن تُحقَّق للمريضة: وضع خطة للنشاط الترفيهي، غرس الثقة بنَفْسها حتى تخرج إلى شوارع المدينة وحدها، وإعدادها مرَّة أخرى للعمل.
وهكذا ترى أن ممرِّضة الصحة العامة، شأنها شأن زميلاتها في المستشفيات، تسترشد بميثاق حقوق المريض، إنها تستهدف تحقيق الحد الأقصى من المستوى الصحي للمريض، وتستعين بالمُساعِدين المُدرَّبين في القيام بأعمال تتناسب مع إمكانياتهم، كما أنها تستجيب لاحتياجات المريض الإنسانية، إنها تعلِّم المريض وأسرته، وتُساعدهم على الاتصال بهيئات أخرى قادرة على معاونتهم في حلِّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي كثيرًا ما تكون مرتبطة بالمرض، وتحتفظ بسجلات خاصة، وتسهم في تكييف الظروف المحيطة بالمريض حتى تتلاءم مع احتياجاته الخاصة (مثلًا تركيب حاجز «دربزين» على الجانب الآخَر من السلم، عندما يحتاج المريض إلى أن يسند نَفْسه بكلتا يدَيه أثناء الصعود أو الهبوط على درجات السلم).
(١٧) حُسن التقدير والمقدرة الفنية والمرونة
إن ممرِّضة الصحة العامة دائمًا ما تسترشد بتوجيهات الطبيب أو أحد المشرفين في الهيئة التي تنتمي إليها (سواء أكانت خاصة أم عامة)، ومع ذلك فيجب أن تكون مستعدة دائمًا للاعتماد على حُسن تقديرها في عديد من المواقف غير المتوقَّعة التي تتعرَّض لها أثناء مرورها اليومي، وعليها أيضًا أن تُكيِّف أساليبها في إعطاء العناية التمريضية حسب الظروف المتباينة التي تحيط بها، وتتفاوت بين العيادات المجهَّزة تجهيزًا جيدًا، والبيوت المريحة، حتى الشقق المزودة بالماء البارد فقط، أو الحجرات المنفردة، إنها تقوم بدور الناصح للأسرة، ومعلِّم الصحة، عندما تقوم بزيارة أحد المنازل لتعطي مريضًا مصابًا بالشلل الكامل في جسمه حمَّامَه، أو تنظِّف جراحًا وتبدِّل الضمادات، أو تعطي للمُصاب بشلل الأطفال علاجه الطبيعي (نظرًا لندرة المتخصِّصين في العلاج الطبيعي، تعلم عديد من الممرضات هذا النوع من العلاج) أو لتراقب إحدى الحالات المشتبه في إصابتها بالسل، أو لتحاول إقناع سيدة عجوز عمرها ٧٥ سنة تسكن بمفردها بأن تذهب للإقامة معها في أحد منازل الراحة.
(١٨) التركيز على الوقاية
ولكن في المقام الأول تقوم ممرضة الصحة العامة بدور وقائي واسع النطاق، إنها تسعى إلى ضمانِ أقصى حدٍّ ممكن من الصحة منذ بداية حياة الإنسان، إنه ليصعب دائمًا معرفة القدر من الأمراض النفسية التي تنجح في تفاديها عن طريق النصائح التي نُعطيها للشباب من الأمهات والآباء، ولكن ممَّا لا شك فيه أن بثَّ الثقة والاطمئنان في قلوب الأمهات يساعد على نُشوء أطفال أقوياء، وفي المدرسة تقوم بدور المستشار الصحي للمدرسين.
ونظرًا لأنها عالِمة بالظروف المنزلية لكلِّ تلميذ، فإنها قادرة في كثير من الأحيان على تحديد أسباب المصاعب التي يُلاقيها تلميذ بالذات، ممَّا يمكن المدرسة من علاجها بطريقة تضمن مزيدًا من الإصلاح البنَّاء، وعندما تكتشف الممرضة حالات من مرض السيلان بين صغار السن فإنها لا تكتفي بعلاجهم، وإنما تبحث عن المخالطين حتى تقضي على منبع العدوى.
والعمل الوقائي ربما لا يكون مادَّة للعناوين المثيرة في الصحف، إذا ما قُورِن ببعض «معجزات الشفاء»، فعندما ترعى إحدى ممرضات المستشفى حالة شلل أطفال حتى الشفاء يصفِّق الناس لجهودها، ولكن عندما تقوم إحدى ممرضات الصحة العامة طوال أربعة شهور بمجهود لإقناع ٤٠٠ من الأمهات حتى يحمين أطفالهن من هذا الوباء عن طريق الوقاية بطعم «سولك»، لا يوجد إلا قليل من الناس الذين يحسُّون بهذا المجهود أو يهتمون به، ومع ذلك فإن أموال الضرائب التي تُصرَف على هذا التمريض الوقائي تُنقذ حياة الكثيرين، وتوفِّر الأموال الطائلة التي كانت ستُصرَف في المستشفيات لتوفير جميع نواحي الرعاية لهم.
وعندما تكتشف هذه الممرِّضة احتياجاتٍ صحية لم تُوفَّر لها الرعاية اللازمة تُقدِّم تقريرًا عنها للمشرف الذي تتبعه، وعندئذٍ يُعقَد اجتماع خاص لمناقشة الحالة وتقرير ما يجب عمله، هل يجب مثلًا استدعاء أخصائيين في ميادين أخرى للإسهام في علاج الحالة، مثل أخصائي التغذية، أو المشرف الاجتماعي، أو الطبيب النفساني، أو أخصائي العلاج الطبيعي أو المهني؟ هل هناك حاجة إلى أجهزة خاصة يمكن أن تُؤخَذ من المخازن المخصَّصة لهذا الغرض في هيئة التمريض، إنها تحتوي على أسِرَّة للمستشفى، وكراسي متحرِّكة، وآنية للَّوازم الطبية، وعكازات، وأجهزة للمساعدة على المشي، ودراجات للتمرينات، والأجهزة الأخيرة بالذات مطلوبة أكثر من الأسِرَّة، نظرًا للاهتمام الذي يُعطى الآن لعملية إعادة المريض إلى حالته الجثمانية الطبيعية.
(١٩) أساليب جديدة في تنظيم خدمات التمريض
نظرًا لأن التمريض يزداد تشابكًا وتعقيدًا، ويواجه طلبات متزايدة على الخدمات التي يقدمها، فقد اضطر إلى البحث عن أساليب جديدة لتنظيم هذه الخدمات، حتى يمكنه القيام بمسئولياته إزاء المرضى، وقد أدَّى هذا الوضع إلى ابتكار وسائل جديدة للمحافظة على القدرات الضيِّقة النادرة في التمريض، وحسن استخدامها؛ حتى يمكن تلبية احتياجات المرضى ورغباتهم بطريقة أكثر فعالية.
فرقة التمريض
وأحد الأساليب التي اتبعناها في التطبيق هي فرقة التمريض، إن ما يقرب من نصف الرعاية الصحية المقدَّمة الآن في المستشفيات تُعطى بواسطة مساعدات لم يُؤهَّلن التأهيل الكامل (ممرضات الصحة العامة ومساعدات الممرضات)، شأنهن شأن كاتب المحامي الذي يحلُّ محلَّ المحامي في بعض الأعمال، ومُساعِد طبيب الأسنان، ومساعد المدرس، وهذه الصورة لهيئة التمريض لم تعُد شيئًا مُستحدَثًا، وهي على الأرجح لن تختفي بعد الآن، بل ستبقى.
إن التمريض الذي يعقد على فرقة عندما يكون مُتقِنًا يعطيك نفس الإحساس الذي تشعر به إزاء الرعاية التي يوفِّرها لك شخص واحد مُدرَّب ومسئول، ولكن عندما لا يكون مُتقِنًا تشعر بأنك أنت نفسك كالمبعثر إلى أشتات، وهذه هي حال فرقة التمريض نفسها، فالفارق بين الحالتين يتوقَّف على حُسن توجيه الفرقة ومدى فعالية التعاون بين أعضائها.
سألَت ممرِّضة إحدى المريضات عن حالها، وكانت هذه المرأة تشكو من ألمٍ مستمر، فانفجرت قائلة: «لو كنتُ أستطيع الحصول على بيضةٍ مسلوقة … لقد وضَّحتُ لعشرة أشخاص مختلفين أنني أكره البيض المقلي، لقد قُلتها للمُساعِدة وللطبيب، والآن أقولها لك!» ذلك أنه بالنسبة للمرضى الممنوعين من الحركة، من الذين يعانون من الألم، يمكن لمثل هذه المسائل التي تبدو تافهة أن تُسبِّب لهم القلق والتوتُّر، ولكن إذا ما أدرك كلُّ عضو في فرقة التمريض مثل هذه الاحتياجات، ووضعَها موضع الرعاية دون ما حاجة إلى السؤال عنها، ربما شعرَ المريض في كثيرٍ من الأحيان بحالةٍ من الراحة الجثمانية والنفسية، لا تتناسب إطلاقًا مع بساطة الخدمات التي قُدِّمَت؛ ولذلك فإن بعض المستشفيات تُسجِّل الملاحظات عن الأشياء التي يُفضِّلها المريض، وعن المشكلات الصغيرة المتعلِّقة به، حتى تكون بمثابة الخطة المكتوبة التي توجه فرقة التمريض، ولكن عادةً ما تقع مهمة تحديد الصِّلات وأشكال التعاون بين أفراد فرقة التمريض على الممرضة المؤهلة، ونجاحها يتوقف إلى درجةٍ كبيرة على مدى نجاح التعليم الذي حصلت عليه في تأهيلها على القيام بهذا النوع من العمل القيادي، وسنقول بعض السطور عن التعليم في نهاية هذه الدراسة.
وتوجد أيضًا أشكال جديدة من التنظيم في المستشفيات تستفيد بطريقةٍ أفضل من القدرات الفنية المحترفة في التمريض، وهذه هي الحال أيضًا بالنسبة لبرامج الرعاية المنزلية التي نظمتها بعض المستشفيات بالتعاون مع هيئات تمريض الصحة العامة وكل هذه الحلول ليست نهائية، ولكنها تدل على الجهود المبذولة بين الجماعات السُّكانية المختلفة لتحسين الخدمات التمريضية.
المريض والرعاية المتصلة
يوجد الآن ما يقرب من ١٥٠ مستشفًى تُطبِّق نوعًا من أنواع الرعاية التمريضية المتصلة بهدف تتبُّع الحالة التمريضية المختلفة، وطبقًا لهذا الأسلوب الذي بدأ، أول ما بدأ، في مستشفى مانشستر التذكاري، بولاية كونيكتيكت ينتقل المريض حسب حالة المريض من مرحلة إلى مرحلة، وهكذا يمكنك أن تنتقل من وحدة رعاية خاصة مزودة بأجهزة لإنقاذ الحياة عند الخطر، وبجميع أنواع الأدوية، وبممرضات يُلبُّون الطلب في أي وقتٍ من النهار أو الليل، مارًّا بوحدة للرعاية المتوسطة للحالات التي لا تُعاني من مرضٍ خطير، إلى وحدة للخدمة الذاتية تستطيع فيها أن تتناول حمَّامك، وتُغيِّر ملابسك، دون اللجوء إلى مساعدة من أحد، ثم تذهب إلى مركز التمريض للحصول على الأدوية، وإلى المقصف «الكافيتريا» لتناول وجبات الطعام.
ويمكنك أن تدخل المستشفى وأنت في أي مرحلة من هذه المراحل، وأن تنتقل إمَّا إلى الأمام وإمَّا إلى الخلف حسب احتياجاتك الطبية والتمريضية، إن وحدة الرعاية المتوسطة تستوعب أكبر نسبة من المرضى، وهم الذين يدخلون المستشفى لإجراء عمليات بسيطة مثل «الأعور» والفتق، وبعض أمراض النساء البسيطة، أو لعلاج الكسور البسيطة، وحالات الالتهاب الرئوي … إلخ، ويدخل في هذه الوحدة أيضًا المحولون من وحدة الرعاية الخاصة الذين يتماثلون للشفاء، وكذلك المرضى التابعون لوحدة الخدمة الذاتية الذين يحتاجون إلى تكرار بعض الفحوص والتحليلات التشخيصية، أو الذين يستعدون للعودة إلى الحياة الطبيعية فيحتاجون مثلًا إلى أن يتعلَّموا النظام الغذائي الخاص بمرضى السكر، أو المشي بمعاونة العكازات، أو طريقة استخدام الفتحة في «المصران» الغليظ لقضاء الحاجة، والعناية بها، وقد يرغب الطبيب في أن يرى كيف يتحمَّل هؤلاء المرضى نظام الحياة العادية قبل أن يسمح لهم بمغادرة المستشفى.
وإذا كان من المتوقَّع أن تستغرق فترة النقاهة عدة أسابيع، وإذا كنتَ في حاجةٍ إلى علاجٍ طويل الأمد لتخفيف المرض، أو لتأهيلك للحياة من جديد، فإنك تُحوَّل إلى وحدة للرعاية المتصلة، وفي هذه الوحدة تجد مثلًا أحد ضحايا الحوادث الذي وما زال جسمه راقدًا في جاكتة من الجبس، وقد تحسَّنت حالته ولكنه يحتاج إلى المساعدة عندما يتناول وجباته، أو يريد أن يبدِّل وضعه في السرير، أو حالة الْتِهاب مفصلي شديد تتلقَّى علاجًا طبيًّا وتأهيلًا طبيعيًّا ومهنيًّا، أو حالة بَتْر في الساق على أثر إصابة بمرض السكر، الْتأمَ فيها الجرح، ولكنها في حاجة إلى التحكُّم في حالة السكَّر، وتركيب طرَف صناعي، ثم التدريب على استخدامه في المشي، وكذلك تتولى هذه الوحدة حالات السرطان الميئوس من شفائها، والتي يمكن أن تشعر ببعض الراحة عن طريق علاج الأعراض والعناية التمريضية المُدرَّبة تدريبًا فنيًّا جدًّا.
في أوائل هذا القرن كنَّا نعزل أنواع السرطان المختلفة في مستشفيات متخصِّصة، مثلًا لعلاج السرطان الذي يستحيل شفاؤه، أو الأمراض المُعدِية أو رعاية الأمومة وهلُمَّ جرًّا، وحتى الآن ما زالت توجد مستشفيات متخصِّصة وبالذات لمرض السُّل والأمراض النفسية، ومع ذلك فإن عديدًا من هذه الحالات تُعالَج الآن في المستشفيات العامة، وقد تدعم الاتجاه نحو إقامة مستشفيات عامة قادرة على العلاج الشامل لعدد أكبر من الأمراض، نتيجةً لأن عددًا من المرضى يُصابون بأكثر من مرض واحد، وفي داخل هذه المستشفيات التي أخذت تُطبِّق نظام الرعاية التمريضية المتصلة، لم يعُد يُقسَّم المرضى حسَب نوع المرض، وإنما حسَب نوع الرعاية الطبية والتمريضية التي يحتاجون إليها.
مزايا وعيوب نظام الرعاية المتصلة للمريض
ويوفِّر هذا النظام، من وجهة نظر المريض، فرقةً تمريضية مكوَّنة من أفراد مختارين، وذات كفاية فنية عالية، تكون في خدمته عندما تشتد حاجته إليها، وفي بعض الحالات قد تؤدِّي خدماتها إلى تخفيض نفقات العلاج بالمستشفى، والرعاية الخاصة التي توفِّرها الوحدة قد تكون مرتفعة التكاليف، ولكنها أقل كلفة من تشخيص ممرِّضة خاصة طَوال النهار والليل عندما تكون حالة المريض خطيرة، وإذا كان المريض مقيمًا في جناح وحدة الرعاية الذاتية، فقد تقلُّ التكاليف بنسبة ٥٠٪ عن المعدل اليومي العادي.
والمرضى لا يشعرون على الإطلاق أنهم يحصلون على قَدْر أقل من الرعاية التمريضية في الوحدات المتوسطة، أو وحدات الخدمة الذاتية، حيث يقل عدد الممرضات المُؤهَّلات عنه في عنابر المستشفى العادي، بل على العكس يشعرون أنهم موضع رعاية أكبر، إن عدم وجود مرضى في حالةٍ خطرة في وسطهم يجعلهم يشعرون بحرية أكبر في استدعاء الممرضة، التي تشعر بدورها بأن لديها الوقت الكافي للتحدُّث معهم، ولكن من عيوب هذا النظام هو أن المريض كلما تحسَّنت حالته يجد نفسه مُضطرًّا للانتقال إلى فرقة تمريضية جديدة، وإلى أن يُكيِّف نَفْسه معها.
ومن الزاوية التمريضية فإن ميزة هذا النظام الكبير هي أنها تركِّز أثمَن الأجهزة، والقدرات التمريضية الفنية في منطقة واحدة بدلًا من بعثرتها حول المستشفى في أماكن قد لا يحتاج المريض فيها إلى هذه الأشياء، وهي تخلق ظروفًا تسمح بالاستفادة من الممرضات غير المُؤهَّلات، دون أن يكون هناك خطر من ذلك، وهو يسمح باختيار الممرِّضات حسَب احتياجات الوحدات المختلفة، فالممرضة التي تهوَى العمليات الفنية ولا تضطرب أمام حالات الطوارئ تستطيع أن تخدم بفعالية في وحدات الرعاية الخاصة، أمَّا تلك التي تجيد تدريس المسائل الصحية، وإبداء النصائح للمرضى، فهي أكثر صلاحية لأي وحدة من الوحدات الأخرى، وفي الرعاية المتصلة حيث يكون المُعدَّل بطيئًا؛ لأن تدريب المرضى على القيام برعاية أنفسهم يستغرق وقتًا طويلًا، فإن الممرضة الناجحة هي تلك التي تشعر بالرضا إزاء التقدُّم البطيء الذي يتم خُطوةً بعد خُطوة، والقادرة على أن تهبَ المرضى الذين يحتضرون المساندةَ المُفعَمة بالحب والحنان.
الرعاية الانتقائية للمرضى
وقد طبَّق مستشفى هارتفورد بولاية كونكتيكت صورة أخرى لهذه الخطة، تعتمد على إنشاء وحدات للرعاية القصيرة للحالات البسيطة، أو التي تُجرَى لها عمليات طابعها خطير، وفي إحدى هذه الوحدات يبقى المريض تابعًا لها طَوال إقامته في المستشفى؛ ولذلك لا يحتاج إلى تغيير ممرضاته، وفي نفس الوقت فإن الفصل بين الحالات الخطيرة والحالات البسيطة يسمح بإعطاء مزيد من العناية المُركَّزة في وحداتٍ أخرى.
والمرضى يميلون إلى هذا النظام، ونُورِد هنا تعليقًا كثيرًا ما يجري على ألسنة المرضى في وحدات الرعاية القصيرة المدى: «إن الجو هنا أهدَأ بكثيرٍ عمَّا كان في الحجرة الأخرى التي كانت مزدحمة بالحالات المرضية الشديدة، وهكذا أستطيع أن أنام نومًا أفضل وأعمَق بكثير»، «إن الوضع هنا أشبه بأحد بيوت الاستجمام.»
وأثناء الليل لا يوجد في النوبة سوى ممرضة واحدة وعدد من المساعدات، وفي مستشفى هارتفورد تمَّ نوع من التدعيم لهذا النظام، عن طريق التدقيق الشديد في اختيار الممرضات اللائي يعملن في نوبة الليل وإعطائهن تدريبًا خاصًّا على القيام بدورهن، ووحدة الرعاية القصيرة هي الوحدة الوحيدة التي يُصرَّح فيها للممرِّضة بإعطاء أدوية (وإن كانت في أغلب الحالات مُهدِّئات ومُسكِّنات ومُليِّنات)، وكنوع من الضمان لا يُسمَح بقبول أي مريض داخل الوحدة إذا لم توجد ممرِّضة مُؤهَّلة في النوبة.
وفي الوحدات الموجودة في هارتفورد تتكوَّن هيئات التمريض من ٣٠٪ من المُؤهَّلات و٧٠٪ غير مُؤهَّلات، في حين تكون النسبة بالمقارنة في وحدات المستشفيات العادية ٦٣٪ و٣٧٪، إن نوع الممرضة المُؤهَّلة التي تحتاج إليها وحدات الرعاية القصيرة، هو ذلك النوع الذي يعطف على المريض حتى ولو كان مرضه بسيطًا.
برامج الرعاية المنزلية
في خلال السنوات العشر الماضية قام ما يقرب من خمسين مستشفًى في الولايات المتحدة، وبعض إدارات الصحة العامة أو الرعاية الاجتماعية، وروابط الممرضات الزائرات، بإقامة برامج الرعاية المنزلية المنظَّمة، وهذه إحدى الوسائل التي يمكن بها علاج مشكلة الأعداد المتزايدة من المرضى المصابين بأمراض مُزمِنة أو المُقعَدين، وعندما يقضي المرضى فترات زمنية طويلة في المستشفى، فكثيرًا ما تميل حالتهم إلى مزيدٍ من العجز واليأس، وفي كثير من الأحيان تكون حالتهم أفضل في المنزل إذا ما توافرت لهم بعض الظروف.
وعندما تكون من المرضى الذين يُطبَّق عليهم برنامج الرعاية المنزلية، فإنك تجد فرقة صحية بأكملها ترعاك في منزلك، وهي مُكوَّنة، على الأقل، من الطبيب وممرِّضة الصحة العامة، وأحد الأخصائيين الاجتماعيين، ويُساعدهم المدير وأفراد السكرتارية على تنسيق عملهم وتسجيله، وفي بعض الأحيان ينضم إلى هذه الفرقة أخصائي التغذية، وأخصائي التأهيل الطبيعي أو المهني، وتوضع تحت تصرُّفك كل المساعدات التي يستطيع المجتمع تقديمها لك، مثل المكتبة، وخدمات منزلية، وعربات الغذاء المتنقِّلة إذا كنت مقعدًا أو غير قادر على التحرُّك خارج منزلك.
وحتى يمكن الحصول على نتائج مُرضية يجب أن تكون أنت، وأن تكون أسرتك أيضًا، راغبة في أن تبقى في المنزل، ويجب أن تتهيَّأ الظروف المنزلية المناسبة، ويجب أن تعقد اجتماعات للهيئة القائمة على علاجك على فترات منتظمة لدراسة حالتك، وللظروف العائلية المحيطة بك، حتى تتأكَّد أن الرعاية المنزلية ما زالت أحسن الحلول لحالتك، ويجب أن تطمئنَّ إلى أنه إذا طرأ ما يستدعي ذلك، يمكن إدخالك المستشفى مرَّةً أخرى سواء بالنهار أو بالليل.
وعندما يكون نظام الرعاية المنزلية إدارة تابعة لأحد المستشفيات، يقوم المستشفى بتوفير الرعاية الطبية وخدمات الطوارئ، وخدمات الممرضات الزائرات، وتقوم هيئات أخرى بتوفير الممرضات والأخصائيين الاجتماعيين، ولكن عندما تتولَّى إحدى الهيئات المحلية الأخرى هذه المهمة يكلف بعض الأطباء بالرعاية الطبية، وتعمل الترتيبات المناسبة مع مستشفى أو أكثر لإدخال المرضى إليها في حالة الطوارئ.
تقدير النتائج
في ديترويت أشار الأطباء في تقاريرهم إلى أن ٩٠٪ من المرضى الذين انتهت فترة علاجهم في إطار مشروع الرعاية المنزلية، وصلوا إلى النتائج التي كانت مستهدفة لهم، وأن ٣٠٪ استفادوا أكثر ممَّا كان مُتوقَّعًا لهم لو أنهم اكتفوا فقط بنظام الزيارات المنزلية لإحدى الممرضات، وأن ٦٧٪ أمكنهم أن يختصروا مدة إقامتهم في المستشفى بفضل وجود نظام الرعاية المنزلية، وثبت أن جميع المرضى أو الأسر التي أمكن تتبُّع حالاتهم في إطار هذه الدراسة، قد أعلنوا أنهم «زبائن راضون» عن هذه الرعاية.
إن نظام الرعاية المنزلية لا يتكلَّف في المتوسط أكثر من ٥ دولارات للمريض في اليوم، في حين أن المستشفى العادي يتكلَّف ٣٠ دولارًا أو أكثر من ذلك، إن الأطباء والممرضات المؤهلات يستطيعون في حدود هذا الأسلوب أن يرعين عددًا أكبر من المرضى في فترة محدودة، ولو كان في الإمكان تغطية نفقات هذه الخدمات عن طريق التأمين الصحي لاستطعن مضاعفة برامج الرعاية المنزلية، وتوسيع نطاق هذا الأسلوب القيِّم في التمريض، وادِّخار مبالغ كبيرة في تكاليف الرعاية الصحية عمومًا، وفي فبراير سنة ١٩٦٠ بدأت منظمة الصليب الأزرق في مشيجان دراسة تستهدف معرفة ماذا يمكن أن يكون أثَر التأمين الصحي في الرعاية المنزلية على الحالة الصحية للمرضى الذين سيُختارون لتُطبَّق عليهم هذه الرعاية، وعلى مدة إقامتهم في المستشفيات، ونحن في احتياج إلى المزيد من هذه الدراسات.
استمرار الرعاية
عندما تشترك هيئات مختلفة، أو إدارات مختلفة في المستشفى في رعاية المرضى، لا بد أن تعمل سجلات واضحة ودقيقة عنك وعن المرض الذي أُصبتَ به، حتى تكون المعلومات اللازمة عن احتياجاتك تحت تصرُّف كلِّ الذين لهم دور في رعايتك، وحتى يكونوا على علمٍ بما قام به زملاؤهم، وما زالوا يقومون به لعلاجك، وهكذا تهدف هذه السجلات إلى أن تحصل على رعاية متصلة لا ينقطع خيطها في أي وقتٍ من الأوقات.
فمثلًا يقوم أحد أطباء الصحة المدرسية بتحويل صبيٍّ مُصاب بمرضٍ وراثي بالقلب إلى إحدى عيادات المستشفيات، ونظرًا لأن الممرضة عادةً ما تتبادل الحديث مع الصبي ومع أمه، فإنها تستطيع أن تعطي معلومات أساسية ومفيدة للهيئة العلاجية بالمستشفى، دون أن تكون هناك حاجة إلى سؤال الأم من جديد، أو تقوم إحدى الممرضات الزائرات برعاية امرأة مُقْعَدة في السرير بعد بَتْر إحدى ساقَيها، فقدَت أملها في أن تسير على قدمَيها من جديد لهذا السبب، وعندما ينجح الطبيب في إقناع المريضة بأن تدخل مركزًا للتأهيل حتى يمكن أن يركِّب لها في الوقت المناسب طرَفًا صناعيًّا، عندئذٍ تستطيع ممرضة الصحة العامة أن تعطي معلومات هامة عن هذه الحالة، من شأنها أن تساعد الممرضات في المركز في تفهُّمِ نفسية هذه المرأة ومشكلاتها، وهذا يفيدها كثيرًا.
وهل في مثل هذه الإجراءات اعتداء على الثقة التي منحها المريض لمعالجيه؟ بالتأكيد لا … فعندما يريد الطبيب تحويلك إلى المستشفى، أو إلى إحدى ممرضات الصحة العامة، فإنه يستشيرك ويستشير أسرتك، إنه لا يقوم بأي خطوة دون موافقة منك، وحيث يوجد نظام تبادل الأوامر الطبية، أو تقارير الممرضات والأخصائيين الاجتماعيين، أو أية معلومات أخرى اشتركت في عملها مجموعة من الهيئات، تبذل شتى الجهود حتى يكون تبادل المعلومات في صورة مختصرة وواضحة، تستهدف فقط مساعدتك على الشفاء عن طريق الرعاية التمريضية المنظمة المستمرة، وكلُّ مَن يعمل في هذه المهمة يتلقَّى معلوماته عن حالتك ممَّن سبقَه أو ممَّن سبقَته، وهكذا لا تبدو لأحد منهم كشخص غريب، بل يستطيعون جميعًا أن يصادقوك بسهولة، وتتفادى أنت بذلك أن تحكي قصتك لهم مرَّة بعد أخرى.
اتصال الرعاية للأمهات والأطفال
إن أحد الميادين التي استقرَّت فيها فِرق التمريض الجماعية هو ميدان رعاية الأمومة والطفولة، وقد قامت عيادات الرعاية بالأمومة قبل الولادة، وكذلك هيئات التمريض للصحة العامة بتنظيم فصول تتولَّى فيها الممرضات تدريس أمهات وآباء المستقبل، وتقيم ممرضات الصحة العامة اللائي يقُمْن على هذه الدراسات، علاقات وثيقة مع المستشفيات التي ستكون فيها ولادة الأطفال.
وفي أحيان كثيرة تخجل الأم «البكرية» من سؤال الطبيب حول بعض المسائل التي تشغلها، أو ربما اعتقدت أنه مشغول، وليس لديه الوقت لهذه المسائل، وفي بعض الأحيان تعجز عن فَهْم كل ما قاله لها … ولكن في فصل نُظم خِصِّيصَى من أجل توضيح المسائل المتعلِّقة بالحمل والولادة ورعاية الطفل، تبدو الممرضة التي تُلقي الدروس قريبة يمكن التحدُّث إليها، وهكذا يمكنها أن تقوم بشرح المستقبل أن تتغلَّب على خوفها من المجهول.
وبعض الحوامل يدخلن «فصول الاستعداد للأمومة»، أو «دراسات الولادة الطبيعية» حيث تقوم الممرضات بتدريس بعض الأساليب الفنية الطبيعية، التي تساعد على سهولة وفعالية الوظائف العضوية خلال الحمل والولادة، وتُعقَد هذه الفصول عادةً في المستشفى.
وعندما تعود الأم إلى منزلها بعد الولادة، تستطيع أن تتصل مرتين أو ثلاث مرات على ممرضة الصحة العامة، لكي تساعدها على إتقان طريقة تغذية وإلباس الطفل، وجميع المسائل المتعلِّقة برعايته. وبعد مرور بعض الوقت، تذهب بالطفل إلى عيادة الأطفال في مكتب تمريض الصحة العامة، حتى يفحصه أخصائي الأطفال، وتنضم في نفس الوقت إلى أحد الفصول المعقودة للأمهات والآباء في المكتب. وهكذا تُنقل الخدمات التمريضية الخاصة بالأمومة والطفولة من الهيئات إلى المستشفى ثم إلى هذه الهيئات من جديد، مكونة بذلك دائرة وقائية صحية كاملة.
خدمة المُسِنِّين
هناك مشكلتان تمريضيتان تواجهان المجتمع بشكل متزايد، هما رعاية المسنين والمرضى بحالات نفسية، وفي المناطق التي توجد فيها برامج الرعاية المنزلية، يمكن تولِّي أمر بعض المرضى العجزة المسنين بواسطتها إذا كان لديهم عاملات تستطيع أن تكون مسئولة عنهم، وهم يشكون في كثير من الأحيان أمراضًا مُزمِنة، مثل الْتِهاب المفاصل، والسكَّر، وأمراض القلب، وضغط الدم، إن أشق الصعوبات التي يواجهونها هي تلك المتعلِّقة بالعزلة وسوء التغذية — وهما عدوَّان لَدُودان للصحة — لنأخذ حالة سيدة عجوز تشكو من مرض في القلب، وتسكن في الدور الرابع، إنها لا تستطيع أن تشتري احتياجاتها بنفسها، كما أنها لا تستطيع أن تدفع تكاليف توصيلها إلى المنزل، فما هو الحل؟ تقترح ممرضة الصحة العامة أن توفِّر وجبات ساخنة رخيصة للمسنين في مقر المدارس بعد ساعات الدراسة، ولكن هذه المسألة ما زالت حلمًا في عالم الخيال؛ ولذلك تلجأ إلى الاتصال بأحد مراكز الخدمات، للبحث عن شقة رخيصة في الدور الأرضي للمريضة.
ومع ازدياد طول حياة المسنين الذين يشْكُون من أمراض وأشكال مختلفة من العجز الجثماني الناتج عن تقدُّم السن، أخذت منازل الراحة تتضاعف في عددها، وفي هذه البيوت، إذا ما توافرت مستويات الخدمة المطلوبة، يمكن للمرضى المسنين الذين لا يحتاجون إلى الخدمات المعقَّدة والمرتفعة الكلفة التي يوفِّرها المستشفى، وإنما يحتاجون مع ذلك إلى رعاية أشمل من تلك التي يمكن أن يعطيها لهم الأقارب، عليهم أن يجدوا أنواعًا من العناية التي توجد في منتصف الطريق بين المنزل والمستشفى، إن مستوى هذه الخدمة يرتفع مع مرور الزمن، ممَّا يؤدِّي إلى زيادة الطلب على الممرضات المؤهلات اللائي يستطعن أن يعملن في هذه الظروف، واللائي يُشرفن على الممرضات والمساعدات خلال العمل الجماعي الذي يشبه ما يتم في المستشفى.
الصحة النفسية وتمريض الصحة النفسية
والآن نظرًا لأن عديدًا من المصابين بأمراض نفسية يغادرون المستشفيات، أو يُعالَجون عن طريق العيادات الخارجية، بعد أن تتم السيطرة على الاضطرابات الحادة في مرضهم، بواسطة بعض الأدوية، أصبح على عاتق ممرضات الصحة العامة مسئوليات جديدة في مساعدة هؤلاء المرضى وأُسرهم، وفي جميع الحالات فإن الممرضات كثيرًا ما يُقابلن في عملهن أُسرًا يشكو فيها واحد أو أكثر من أفرادها من اضطرابات نفسية، ويحتاجون إذَن إلى مهارة في معالجة الوضع، ومعرفة بالنصائح التي يجب إسداؤها للعائلة؛ ولذلك لجأت بعض إدارات الصحة العامة بتعيين بعض الممرضات الاستشاريات في حالات الأمراض النفسية، بهدفٍ محدَّد، هو إعطاء هيئة التمريض التدريبات والتوجيهات اللازمة في هذا الميدان، حتى يمكن تحسين التمريض، لا فيما يتعرَّض بمرضى الحالات النفسية فقط، ولكن لجميع المرضى دون استثناء.
وفي كثير من المناطق تتعاون مستشفيات الأمراض النفسية وهيئات التمريض للصحة العامة، لضمان الرعاية المتصلة المستمرة بالحالات التي تغادر المستشفيات بعد انتهاء العلاج، وفي إقليم رانج التابع لمحافظة نيويورك مثلًا تتوجَّه مجموعات ممرضات الصحة العامة إلى مستشفى ميدلتاون الحكومي لمدة أسبوع للدراسة والملاحظة، وقد حضرن اجتماعات الهيئات الطبية بالمستشفى لمناقشة حالات المرضى ومدى تقدُّمها، وتلقَّيْن معلومات عن أنواع العلاج الجديدة بالأدوية والخدمات، والعلاج النفسي للأطفال، والرعاية في العيادات الخارجية، وقد ناقشن مع الهيئة الطبية في المستشفى أحسن الوسائل لكي تتمكَّن ممرضة الصحة العامة من خدمة حالات المصابين بحالة نفسية في منازلهم ومساعدة أسرهم، وبعد أن مررن بهذه التجربة، استطعن أن يُصحِّحن أفكار الأُسَر الخاطئة عن أساليب العلاج النفسي الحديثة، وأن يفسرن نظم المستشفيات وأهدافها كأناس عالمين بحقيقة الأمور.
وقد ساعدتهن المناقشات التي دارت بينهن وبين أحد المتخصصين في علم النفس على تحسين أسلوبهن في استجواب المرضى، وأصبح أقل اضطرابًا خلال تعاملهن مع المصابين بحالات نفسية.
وقد يؤدِّي هذا التعاون بين مستشفيات الأمراض النفسية وهيئات التمريض للصحة العامة المحلية، مع مرور الزمن إلى إيجاد حل ولو جزئي للنقص الخطير في الخدمات التمريضية داخل مستشفيات الأمراض النفسية (لا يوجد سوى ٥٪ فقط من الممرضات المؤهلات في مؤسسات العلاج النفسي التي تضم أكثر من نصف مرضى المستشفيات)، ومع ذاك فالمسألة تحتاج إلى تجنيد عدد أكبر من ممرضات الصحة العامة، وإلى حين استكمال الأعداد اللازمة يتم تحسين البرامج لتدريب آلاف المساعدات في علاج الأمراض العصبية، واللائي لا بد أن يواصلن تقديم الرعاية المباشرة لمرضى الحالات النفسية في المستشفيات.
ماذا يمكنك أن تفعل؟
ماذا تستطيع أن تفعل حتى تضمن أن تكون حقوق المرضى المسجلة في ميثاقهم موضع احترام المجتمع، وحتى تتوافر خدمات التمريض الحديث للجميع عندما يحتاجون إليها؟
اعرف كل شيء عن الخدمات التمريضية المحلية
عليك أن تعرف ما هي الخدمات التمريضية المتوافرة في مقاطعتك، وما يجب عمله كي تتحسَّن هذه الخدمات، ربما المطلوب هو بدء نظام تمريض الصحة العامة أو توسيع نطاقه إن كان موجودًا، أو خلق تعاون بين المسئولين المهمين في الهيئات الصحية وبين أقرانهم في الهيئات الاجتماعية، حتى يقيموا نظامًا مدروسًا من الخدمات المنسقة لصالح المرضى، ونظامًا منسقًا أيضًا لتمويل المرضى بين الهيئات المختلفة، أو قد يكون الهدف إقناع إدارة أحد المستشفيات بإقامة قسم للرعاية المنزلية والبحث عن الموارد المالية لهذا القسم، وربما وصلت المسألة حتى إلى السعي لبناء مستشفى جديد، رغم أنه يوجد على النطاق القومي وفرة نسبية في أسرة المستشفيات إذا ما قورنت بعدد الأطباء والممرضات الذي لا يكفي للقيام بخدمة الأسرة.
وإذا كانت خدمات التمريض في مقاطعتك تشكو من نقص مزمن في القوى العاملة، عليك أن تتقصَّى الأسباب، هل هي الأجور؟ فإنك قد تستطيع أن تلجأ إلى مساندة من مواطنيك حتى يمكن توفير أجور أفضل للعاملين في هذه الخدمات، هل توجد ظروف سكنية ملائمة ومريحة، بحيث تجذب الممرضات للعمل في مقاطعتك؟ هل تفتح أبواب النشاط الثقافي والاجتماعي أمامهن؟ هل توجد وسائل مواصلات مضمونة للممرضات اللائي يعملن ساعات إضافية؟ هل توجد دور حضانة رخيصة لأطفال الممرضات اللائي يردن العودة إلى العمل مرة أخرى؟ وهل توجد أنشطة ضمن الخدمات التمريضية تحتاج إلى متطوعين، ويمكنك أن تكرِّس لها جزءًا من وقتك ومن طاقاتك؟
يجب تجنيد عدد أكبر من الطلبة للدخول في سلك التمريض
الأرجح أنه سيوجد على الدوام احتياج إلى عدد أكبر من الممرضات (يُضاف إليهن عاملون آخَرون في حقل الصحة مثل: الصيادة وأخصائي التغذية والتأهيل المهني والطبيعي، حتى يمكن توسيع نطاق الرعاية الصحية)؛ لذلك عليك أن تتعاون مع المجموعة أو اللجنة التي تعمل محليًّا بهدف تجنيد الممرضات، وأن تتطوَّع لمساعدة «نادي ممرضات المستقبل» الذي يضم خريجي الثانوية العامة، موجهًا مجهوداتك للشبان إلى جانب الشابات، فتوجد الآن إمكانيات متزايدة لاستخدام الرجال في التمريض.
ولا ننسى أهل ممرضات المستقبل، إنهم في كثير من الأحيان يعترضون على أن تختار بناتهم هذه المهنة؛ لأنهن «لن يتزوَّجن أبدًا، ولن يُصبحن أثرياء»، وعندما لا تتزوَّج أي فتاة فإن السبب يكون في أغلب الأحوال دوافع خاصة لا تدخل فيها المهنة التي تختارها، إن ثلاثة أرباع الممرضات فعلًا يتزوَّجن، كما أنه يوجد الآن العديد من الوظائف التمريضية في المستشفيات، والهيئات الصحية، التي لا تحتاج إلا إلى عمل جزء من الوقت، بحيث يمكن للممرضات ذوات المسئوليات العائلية أن يستخدمن الفنون التي تعلَّمنها، حقًّا إنهن لا يُصبحن أغنياء ولكن يتلقين جزءًا آخَر أكثر عمقًا، كما أن أجورهن تتحسَّن باستمرار.
حاول أن تعرف إمكانيات التعليم الحالية
إنك ستحتاج إلى القدرة على إسداء النصيحة للذين يتقدَّمون للعمل في مهنة التمريض حول نوع التعليم المطلوب، ومدارس التمريض وتكاليفها، ويوجد نطاق واسع من الفرص التعليمية لخدمة الاهتمامات، والقدرات والأهداف المختلفة لطلبة التمريض، ومساعدات الممرضات (اللائي لسن بالضرورة خريجات الثانوية العامة) يتلقين تدريبًا أثناء العمل، وتوجد أربعة أنواع أساسية من البرامج لإعداد ممرضات الصحة العامة والممرضات المؤهلات.
-
(١)
مدارس الممرضات أو برنامج في المستشفى للتمريض العملي لمدة سنة تنتهي بالحصول على شهادة أو دبلوم، وهذا النوع يصلح للائي يُردن فترة تدريب قصيرة يرضون بالعمل كمُساعِدات ممرضات.
-
(٢)
برنامج المرحلة الإعدادية لكلية المقاطعة الذي يستغرق سنتين، وينتهي بحصول الطالب على الشهادة المزدوجة (Associate degree) وعلى التدريب اللازم لخلق الممرضة المؤهلة، وهذا البرنامج يصلح لخريجي المدارس الثانوية الذين يريدون إعداد أنفسهم لمهنة التمريض في فترة قصيرة نسبيًّا في المقاطعة التي يتبعونها، وداخل نوع من المعاهدة تمكنهم من المساهمة الفكرية والاجتماعية في نشاط الطلبة الذين يدرسون في ميادين أخرى.
-
(٣)
برنامج مدارس المستشفيات الذي يستغرق ثلاث سنوات عادةً، وينتهي بالحصول على الدبلوم، وعلى التدريب اللازم لتكوين ممرضة مؤهلة، وهذا البرنامج يُلبِّي رغبات خريجي المدارس الثانوية الذين يفضِّلون تلقِّي تعليمهم التمريضي داخل المستشفى، حيث سيختلطون منذ البداية بالمرضى والعاملين في ميدان الصحة.
-
(٤)
برنامج المرحلة العليا في الكلية، أو برنامج الجامعة، الذي يمتد لمدة أربع سنوات، وينتهي بالحصول على البكالوريوس، وهو مُعد لأولئك الراغبين في الاستفادة من كلِّ مميزات التعليم الجامعي الشامل، ويريدون أن يكونوا مؤهلين لشغل وظائف في الهيئة التي تقوم بالتمريض في الصحة العامة وفي المستشفيات، والذين يريدون أن يحتلوا مراكز قيادية في هيئة التمريض داخل المستشفى.
إن أفضل اختيار لبرنامج التعليم هو ذلك الاختيار الذي يتفق مع الفرد ومع أهدافه ومع إمكانياته المالية.
ويوجد أكثر من ١٧٠٠ مدرسة في الولايات المتحدة تُعطي أساسيات التعليم في التمريض من الناحيتين الدراسية والعملية، والتكاليف النمطية تتراوح بين المجانية، فيما يتعلَّق بالبرنامج التدريبي الذي يعطى في مدارس التمريض لأبناء وبنات المقاطعة الذين يعيشون فيها، ثم خمسمائة دولار لبرنامج السنوات الثلاث الدراسي داخل المستشفى، ثم من ٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ دولار للدراسة والمصروفات الأخرى المتعلِّقة بالتعليم بالجامعة، أو بكلية من الكليات، ولا يصرح للطالب بالتقدُّم إلى امتحان ترخيص التمريض التابع للولاية، ولا يسمح له بممارسة المهنة كممرض مؤهل أو ممرض للصحة العامة، إلا بعد التخرُّج من إحدى المدارس المعترف بها من قبل السلطات المحلية، وقد حصلت ٦٠٠ من هذه المدارس على الاعتراف الرسمي من «الرابطة القومية للتمريض» بعد أن تقدمت بطلبات إلى هذه الرابطة.
عليك أن تنصح طلبة المستقبل إذَن بأن يلتحقوا بالمدارس المعترف بها.
قدم مساندتك للتقدُّم التعليمي في مجال التمريض
يمكن لخريج المرحلة الإعدادية أو المدرسة الملحقة بالمستشفى أن يحصل على درجة البكالوريوس، إذا ما واصل الدراسة لمدة سنتين أو ثلاث سنوات في هذا الفرع.
إن التعليم في إحدى الكليات لَأمرٌ مفيد، ليس فقط للممرضات في الصحة العامة، أو في مراكز إشرافية، ولكن أيضًا للائي يعملن في التمريض العام، وقد أشار القائمون على مستشفيات الجيش إلى أن خريجي الكليات عند مقارنتهن بالممرضات المؤهلات المرخصات، يمتزن بأن نطاق التعليم الذي حصلن عليه أوسع مدًى، وأن لديهنَّ ثقة أكبر بأنفسهن، ومرونة، وقدرة على أن يكُنَّ مسئولات عن فرقة تمريض، ومعلومات أرسخ عن العناية بالمريض من جميع النواحي، ويبدو إذَن أننا في حاجة إلى عدد أكبر من الممرضات، خريجات الكليات حتى يقُمن بالدور الكبير في فرق التمريض، ويتقدَّمن مع الوقت لشغل المراكز الرئاسية، كذلك فإن التعليم المرتبط بالبكالوريوس لا بد منه لأولئك الذين يريدون القيام بدراسات عُليا.
ويوجد الآن نقصٌ خطير في عدد الممرضات اللائي يحملن شهادات عُليا، وإننا لفي حاجة مُلِحَّة إليهن حتى يعملن كمُدرِّسات وإداريات ومشرفات، ومستشارات فنيات، وباحثات علميات، إنهن القائدات اللائي يستطعن إشعال الشرارة للتقدُّم في كلِّ مجالات التمريض، إن إحدى المهام الجوهرية التي تقع على عاتقهن اليوم، هي أن يوفِّرن التعليم أثناء ممارسة المهنة لجميع العاملين بالتمريض، من أول الرئيسة حتى المساعدات، إن الفيض الذي لا ينقطع من المعلومات الجديدة، التي لها صِلة بالرعاية الطبية والتمريضية، ليجعل هذا التعليم والتوجيه المستمرين، أثناء الممارسة، مسألة لا يمكن الاستغناء عنها.
إذَن فابحث عن احتياجات التعليم في مجال التمريض داخل مقاطعتك، فهناك عديدٌ من المناطق لا توجد فيها برامج للتعليم على الإطلاق، وفي مناطق أخرى لا يوجد سوى نمط واحد من البرامج، فهل تفقد مقاطعتك قوى تمريضية مستقبلة، سواء أكانت هذه القوى من الممرضات المؤهلات أم الممارسات؛ لأنها عاجزة عن تعليمهن؟ هل يوجد نقص في المدرسات المؤهلات؟ هل المقاطعة في احتياج إلى تعليم أفضل أو أوسع نطاقًا أثناء العمل؟ إذا كان الأمر كذلك فعليك أن تعمل في سبيل توسيع برامج التعليم على أساس الاحتياجات الفعلية للمدينة التي تسكنها، أو للمنطقة المحيطة بك.
اعمل بقوة في سبيل مزيد من التمويل الحكومي للتعليم في ميدان التمريض
ليس قليلًا ذلك العدد من ممرضات المستقبل الذي نفقده نتيجةً لعدم توافر المال، فإلى جانب نفقات التعليم الأساسي، تصل تكاليف التعليم العالي في التمريض إلى ٥٠٠٠ دولار في السنة، وهذه النفقات ترتفع باستمرار، شأنها شأن كل تكاليف التعليم، ولا يقدم الجمهور سوى ٧٪ من نفقات التعليم في التمريض، عن طريق الضرائب والتبرُّعات، رغم أنه يمول ٥٠٪ من تكاليف الأنواع الأخرى من التعليم العالي، ولا يوجد سوى ستة ملايين دولار في ميزانية الولايات للإنفاق على التعليم في التمريض، تهدف أساسًا إلى تدريب المدرسين والإداريين، وبعض الولايات لا تُخصِّص سوى ١٥٠٠٠ دولار سنويًّا للتعليم في هذا الفرع، أو على نمو الموارد المخصَّصة للمنح الدراسية.
إن التمريض مهمة كبيرة تحتاج إلى تعليم واسع النطاق ونضج في الشخصية، وقدرات فنية، ومن الناحية العملية التمريض لا يستطيع أن يتقدَّم بخُطًى أسرع من تقدُّم العلوم الطبية، لقد انتقل التمريض إلى وضع جديد مع انتقال الرعاية الطبية من تشخيص وعلاج الأمراض الجثمانية، إلى الوقاية والشفاء والتأهيل، وفي كلِّ مجال ينطلق فيه الطب إلى آفاق أوسع في رعاية المريض، ينتقل معه التمريض.
ونستطيع أنا وأنت أن نجنِّد عددًا أكبر للعمل في مهنة التمريض، وأن نكفل جهودًا أوسع وأكثر سخاءً وسط الجمهور، لدعم أنواع التعليم، التي من شأنها أن تخلق نوع الممرضات اللائي نحتاج إليهن.