العمل والاجتهاد
قال مركوس أوريليوس: كثيرًا ما يفرط الإنسان في إهمال العمل كما قد يفرط في العمل. كلما صادرك عمل سل نفسك: هل أندم إذا فعلته؟ احصد حصاد الحياة كما تحصد سنابل الحنطة البالغة. لكل موجود غاية، فما هي غاية وجودك؟ إن قلت هي اللذَّة، فالعقل يخالفك في ذلك. إذا لم يكن الشيء حلالًا فلا تفعله، وإذا لم يكن حقًّا فلا تقله. لا يزعجني إلا أمر واحد فقط؛ وهو إذا عملت شيئًا لا يبيحه الطبع البشري، أو لا يبيح كيفيته، أو لا يبيح الزمن الحاضر. يجب أن تُقدَّر قيمة المرء بالمطالب التي يسعى إليها. لا تعمل شيئًا بلا تبصُّر وغرض مقصود، ولْتكن كل أعمالك عائدة لخير العموم. اعتنِ بالأمر الذي أمامك سواء كان رأيًا أو قولًا أو فعلًا. كل ما تدعوك إليه عزة النفس بادر إليه في الحال بلا تردد ولا ارتياب. مرِّن نفسك ولو على الأشياء التي تيأس من عملها، وخذ مثالًا على ذلك اليد اليسرى؛ فإنها أقدر على ضبط العنان من اليمنى بسبب التمرين.
وقال أفلاطون: لا تستوفِ شرائط الأعمال وما يوجبه لها العدل في الأزمان المضطربة، فيضِعْ سعيك، وتُنسب إلى التخلف فيما تعانيه، ولكن ناسب بعملك طبيعة الزمان، ما لم يقدح ذلك في مروءتك ودينك وأخلاقك، فإذا بلغ هذه الثلاثة فخلِّ عما في يدك منها، وإلا خسرت من نفسك أكثر مما تربحه في ذات يدك. لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويدَه، فإنَّ الناس لا يسألون في كمٍّ فرغ، وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعه.
وقال سليمان الحكيم: أرأيت رجلًا مجتهدًا في عمله أمام الملوك يقف؟
وقال شكسبير الشاعر الإنكليزي: المشقة في السعي إلى العمل، لا في العمل نفسه. كل من يمدح نفسه إلَّا في العمل، فهو يفني العمل في المدح. لو كانت السنة كلها أيام عطلة ولَهْو لكان اللهو مملًّا كالعمل. الأفكار أحلام لا تصح إلا إذا ظهرت في العمل.
وقال بلينيوس الأكبر: لا يجوز التأخر في أعمال الزراعة، بل يجب أن يعمل كل شيء في ميعاده، وإذا ذهبت الفرصة لم تَعد. كان إبلس المصور إذا صوَّر صورة عرضها حيث يراها المارون، وجلس وراءها متخفيًا يسمع ما ينتقدون به عليها، فمرَّ إسكاف ورأى صورة من صوره معروضة فقال: إن سير الحذاء أوطأ مما يلزم. فسمع إبلس انتقاده وأصلح السير، ثم مرَّ الإسكاف في اليوم التالي، ورأى السير قد أُصلح فأخذته الجراءة وأخذ ينتقد الساق، فخرج إليه إبلس قائلًا: إن انتقاد الإسكاف يجب ألَّا يتعدى الحذاء. فذهب قوله مثلًا.
وقال مرقس أوريليوس: اسع ما دامت الفرصة سانحة، ولا تتلفت حولك لترى هل يراك أحد، وسُرَّ بما تناله من النجاح ولو كان قليلًا؛ لأن القليل لا يلزم أن يكون حقيرًا. تنجو من الأوهام إذا عملت كل عمل من أعمالك كأنه آخر ما تعمله. الحياة حرب وسفر في بلاد غريبة، والشهرة بعدها ظل زائل. أحبِبِ الصناعة التي تعلمتها واكتفِ بها. أعمال الإنسان الأولى تخفيها أعماله التالية كما تخفي الكثبان المتراكمة. العمل على مقتضى الطبع أو على مقتضى العقل واحد لدى العقلاء.
وقال بيليوس: طرِّق حديدك ما دام حاميًا. المزاولة خير المعلمين. ما يعمل بالسرعة لا يعمل بالحكمة. من يحاول عمل شيئين في وقت واحد لا يعمل شيئًا.
وقال فلوطرخس: إن أشد ما ندم عليه ثلاثة؛ الأول: ائتمانه امرأة على سر. والثاني: سفره بحرًا حيث يستطيع أن يسافر برًّا. والثالث: قضاؤه يومًا كاملًا من غير أن يعمل فيه عملًا ذا شأن. إنما الكلام ظِل العمل. سُئل ديونيسوس الكبير: هل أنت بلا عمل؟ فقال: معاذ الله أن أُبلى بذلك. مقياس الحياة ما يُعمل فيها من عمل صالح.
وقال الإمام علي: أفضل الأعمال أن تموت وذكرك رطب بذكر الله سبحانه.
وقال بولانو من كتاب له في التلمود: خير لك أن تسلخ جلد الميتة في الشوارع وتقبض أجرة من البطالة والتوكل على الصدقة. النهار قصير والعمل عظيم والعامل كسلان. قل قليلًا واعمل كثيرًا. متى كانت السوق كاسدة فاشترِ، وإذا راجت فاكفف.
وقال الإمام عمر بن الخطاب: إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول: أله حرفة؟ فإن قالوا: لا. سقط من عيني.
وقال أون فلثام: من لم يتعلم صناعة ولا عملًا فهو حقير.
وقال هسيودس: الاجتهاد يزيد ثمرة العمل، والمهمل يصارعه الخسران.
وقال يوربيدس: الجدُّ أبو الشهرة.
وقال بلوتس: كلٌّ يحصد ما يزرع.
وقال دي بارتاس: الذي يجيد عمله لا يكون قد تأخر فيه.
وقال ميجل ده سرفنتس: الاجتهاد أبو السعد. لم تُبنَ رومية في يوم واحد.
وقال محمود الشاعر: قد أفلح من كان فيه لسن المحامي، ووقار القاضي، ورفق الطبيب، ودهاء السياسي، وسحر الشاعر، وصبر المعلم، ووداعة الزاهد، وإقدام الجندي، وحرص التاجر. أربع صفات لا بد لصاحبها أن يسود: «عفاف، وإقدام، وحزم، ونائل».
وقال سليم عنحوري: الناس مبصرون، ولكن عن قيمة الوقت عميان.
وقال بعضهم: العمل يُبعد عن الإنسان ثلاثة أعداء: «الملل، والرذيلة، والفاقة».
وقال أغناطيوس لوبولا: من يفعل جيدًا عملًا واحدًا في وقت واحد، يفعل كثيرًا.
ومن أمثال الإنكليز: الزمان والكلام والعمل تعلن شأن الإنسان. لا رفعة بلا جهاد صادق، ولا عظمة بلا جهاد النفس. المفتاح المستعمل لا يصدأ، جرب مهارتك أولًا بماء الذهب ثم بالذهب. أعظم ما تغيظ به حاسدك حسن العمل والاجتهاد. بالفعل لا بالقول يجري العمل. بالفعل لا بالقول يُجنى الثمر. لرجل الإقدام يصير الاحتمال ترجيحًا والترجيح تأكيدًا. التجارة أم المال. التجارة لا تعرف صديقًا ولا قريبًا، السفر مصلحة للعاقل ومفسدة للجاهل. إذا أردت مشورة صالحة فاطلبها من شيخ. الجدُّ ينشط الجسد والعقل، وهو علة النجاح. إذا أردت أن تفوق في شيء، وجب أن تفوق أولًا بالجدِّ. كن مستقيمًا شجاعًا، ولا تخف من الشيطان وأعماله. الإنسان يعاقب على العمل، والله يعاقب على النية. أعمال الشجاعة لا تحتاج إلى بوق. اعمل أكثر مما تُعطَى أجرة، فإنه قلما يؤجر المرء على كل عمله. كان أول الناس بستانيًّا وفلاحًا وراعي غنم. أعظم الفرق بين الشرف والاستقامة في الباعث على العمل، فإن المستقيم يعمل ما يراه واجبًا، والشريف يعمل ما يراهُ لائقًا برفعة شأنه. اكتشاف مصدر جديد للسعادة في الأرض أفضل من اكتشاف سيَّار جديد في السماء. الأرزاق التي تنال بالجد أثبت غالبًا من الأملاك التي تأتي بالإرث. البطالة خير من عمل السوء.
ومن أمثال الترك: من لم يعانِ الأكدار لا يعرف قدرَ المسارِّ. الشروع نصف العمل. خُلق الإنسان ليربح السعادة باجتهاده. الشروع نصف العمل. لم أرَ معوجًّا شَبِعًا ولا مستقيمًا جائعًا. من يتأمل متاعب الآخرين ير متاعبه يسيرة. دع الدراهم البيض للأيام السود. الرجل يُوجِد من الحجارة خبزًا. الاجتهاد نصف العبادة. الزمان أبو العجائب.
ومن أمثال اليابانيين: ثواب العمل الصالح كالرطب الذي يبطأ حلاوة ونضجًا. الأيام صحائف الأعمار، فخلدوها بأحسن الأعمال.
وفي المثل البرازيلي: الحازم لا حاجة لإرشاده.
وقالت العرب: إن النفس لتمل الراحة كما تمل التعب.