وصايا مفيدة١
أوصى بها السر متى هيل أولاده، وكان كبير قضاة الإنكليز في القرن السابع عشر: «كتبت إليكم يا أولادي الأعزاء هذه الوصايا فيما يتعلق بالكلام؛ لأن أكثر ما يصيب الإنسان من خير أو شر ناشئ عن الكلام، خيرًا كان أو شرًّا.
لا تقولوا أبدًا عن شيء إنه حق وأنتم تعلمون أو تظنون أنه باطل؛ لأن الكذب إثم عظيم لدى الله الذي وهبنا لسانًا ينطق بالحق لا بالباطل، وجناية على الناس؛ لأنه حيث لا تكون حرمة للصدق لا يكون أمن في المعاملات، وهو ضرر على الكاذب؛ لأنه يلحقه بالعار وبيت الخساسة في نفسه، فيصير يستصعب النطق بالحق، ومجانبة الكذب ولو لم يكن له موجب، ومصير الكذاب أن يكف الناس عن تصديقه، وأنه هو نفسه لا يكاد يعرف متى ينطق بالكذب.
وكما يجب عليكم الحذر من الكذب، فكذلك يجب عليكم الحذر من الاقتراب إليه كالإبهام والمراوغة، أو أن تثبتوا شيئًا لا دليل عليه إلا الإشاعة أو الظن أو الوهم.
وليكن كلامكم قليلًا، ولا سيما أمام من هم أكبر منكم، أو أمام الغرباء؛ لئلا تظهروا جهلكم، وتحرموا أنفسكم من فوائد المعرفة والحكمة والخبرة، التي كنتم تكسبونها منهم لو لم تُسكتوهم بكلامكم الفارغ.
لا تصخبوا في الكلام ولا تغلظوا، بل أفحموا الخصم بالحجة، لا بالصياح.
لا تقاطعوا المتكلم، بل اسمعوا ما يقوله إلى النهاية لكي تبلغوا غاية الفهم، وتحسنوا الإجابة.
تأملوا قبل أن تتكلموا، ولا سيما إذا كان الموضوع خطيرًا، وزنوا معنى ما تريدون قوله والعبارات التي تقصدون استعمالها؛ حتى تكون دالة على المراد مطابقة لمقتضى الحال من غير أن تؤذي السامع، فإن الذين لا يفتكرون إلا متى شرعوا في الكلام، أو الذين يتكلمون ثم يتفكرون؛ هم الطائشون الذين لا يتبصرون في عواقب الأمور.
إذا كان جليسكم ممتازًا بمعرفة علم أو فن كالزراعة والتاريخ والرياضيات، فسوقوه إلى الحديث في ذلك الأمر، وانتبهوا لما يقوله، واحفظوه في ذاكرتكم أو اكتبوه، فإذا فعلتم ذلك جمعتم فائدة عظيمة ممن تحادثونهم، واكتسبتم ما تنتفعون به في أحوال كثيرة.
إذا كنتم بين جماعة عليهم سمات الخفة والطيش، فكونوا حذرين في محادثتهم ومعاملتهم؛ لكي لا تماثلوهم في ضلالهم.
إذا سمعتم أحدًا لا تعرفون فيه الصدق والرصانة يقص قصصًا غريبة، فلا تسرعوا إلى تصديقها وإذاعتها، ولكن إذا لم يكن من معارفكم الأخصاء، فلا تبادروا إلى معارضته، وإذا اضطررتم إلى إظهار رأيكم، فافعلوا ذلك بالحشمة والأدب، لا بالفظاظة والخشونة، فتتنزهوا عن إغاظة أحد وعن ملامتكم على سرعة التصديق.
احذروا أن تمدحوا أنفسكم، فإن ذلك دليل على أنكم لستم على شيء من الشهرة، ومدح النفس قبيح مكروه عن الناس أجمع.
امدحوا الغائب ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا، ولا تغتابوا أحدًا إلا إذا كنتم على يقين أنه يستحق اللوم، أو أنه يُرجى به إصلاحه أو سلامة الغير منه.
ابعدوا عن الأقسام والشتائم والسب واللجاج.
اتقوا الهزء والسخرية بأحدٍ لِعَيبٍ فيه أو تشويه أو تظاهرًا منكم بما تحسبونه ذكاءً وليس هو كذلك، «ومن أمثال الإنكليز»: من يهزأ بالناس يُهزأ به، ومن يعض يُعض.
احذروا كلام المذمة والتهديد والحقد، فإن قول الخير يكسب الصداقة، وقول السوء يجلب العداوة، ومن الحزم اصطناع ما أمكن من الأصدقاء، ولا سيما إذا كان ذلك بالكلام الطيب. ومن الحمق أن تصيِّروا لكم عدوًّا بكلام سوء لا فائدة منه للمتكلم.
إذا أذنب إليكم أحد فقد يجوز أن توبخوه، وإذا كان المذنب إليه أكبر من المذنب، فالتوبيخ واجب، غير أنه يجب أن يكون بلا مذمة ولا شراسة، وإلا فلا يحصل منه الغرض المطلوب والفائدة المقصودة، بل يسخط المذنب، ولا يصلح الذنب، ويحق اللوم على اللائم.
إذا غضب أحد وأساء إليكم في الكلام، فالأولى أن تشفقوا عليه، لا أن تسخطوا، وإنكم لتجدون الصمت أو الجواب اللين أبلغ في الانتقام من الغضوب وهو يؤدي به إلى الرجوع عن غضبه، أو يكون توبيخًا صارمًا له وقصاصًا أليمًا.
وأوصيكم أخيرًا أن تشتغلوا بالأعمال المفيدة؛ لأن البطالة تربي الأفكار الباطلة الخبيثة التي تفسد القلب والسيرة. تلطفوا وتوددوا، وأكرموا الجميع، ولا تعاملوا الخدم بالقساوة والفظاظة.»