وصايا فتاح هوتب لابنه١
إذا كنت عالمًا فلا تفتخر، بل حادث الجهلاء كما تحادث العلماء، وتعلم منهم؛ لأنه لا حد لما يستفيده الإنسان، ولو كان بارعًا.
إذا سمعت أحدًا يتكلم وهو حسن الخلق وأوفر منك حكمة، فأصغِ إليه، ولو كان مخالفًا لك في الرأي، ولا تعارضه في الكلام.
إذا كان المتكلم من أمثالك، فلا تصمت إذا قال بالسوء، بل قل خيرًا واكسب ثناء السامعين.
إذا كان المتكلم دونك منزلة، فلا تهزأ بحقارته، بل دعه يخجل من نفسه، لا تطارحه لكي تفتخر، ولا تغضب عليه، عار عليك إذا ربكت عقلًا حقيرًا.
إذا كنت رئيسًا مدبرًا لأمور الجمهور، فكن أبدًا كريمًا؛ ليكون عملك بلا عيب، فإن الحق عظيم يقضي بصراط مستقيم، ولم يُغلب أبدًا منذ خلق الكون. المعتدي يُعاقب؛ لأن للعدل حدودًا، لا تلق الرعبة بين الناس؛ لأن الله يعاقبك على ذلك.
إذا كنت رسولًا من أمير إلى أمير، فبلِّغ كما بُلِّغت، إياك أن تثير العداوة بتحريف الكلام، لا تتجاوز الحق، ولا تنقل كلامًا تكرهه الناس.
إذا كنت ذا منزلة وضيعة فاخدم رجلًا عاقلًا، وإذا عرفت رجلًا حقيرًا صار وجيهًا فلا تحتقره لما علمت من أمره، بل أكرمه فيما قد صار إليه. الغنى لا يأتي من نفسه، بل هو ما يُحرَز بالجد، وإذا جاهد المرء وجمع، كان ذلك من توفيق الله الذي يعاقب المتكاسل.
ليس لمن لا أولاد له أن يكون حسودًا؛ لأن الوالد قد يحزن ولو كان عظيمًا، ولأم الأولاد من الهم أكثر من غيرها. لكل إنسان نصيب مقدور من الله.
سر زمانك كله فيما يرتاح إليه قلبك، ولا تعمل أكثر مما أُمرت، وإذا كسبت مالًا فأنفقه في سبيله؛ لأنه لا فائدة من المال والقلب مهموم.
إذا سار ابنك سيرة صالحة وقد كنت له مثالًا فيها، فجُد عليه، ولكن إذا كان مسيبًا عاصيًا عنيفًا سفيهًا، فأدِّبْه واحجزه عن معاشرة الأشرار؛ لأنهم هم الذين يسوقونه إلى سبل الشر.
إذا عاشرت الناس فاكتسب محبتهم؛ لأن المحبة أول ما يطلبه القلب وآخره، لتكون سمعتك حسنة ولو لم تتكلم، وأما الطائع لشهواته فمكروه، وهو عدو لنفسه.
إذا كنت رئيسًا فألزم الناس بما تأمرهم به، ولا تسرف عليهم بالعطايا لئلا يحملهم ذلك إلى الذل والصغار والتواني.
إذا كنت رئيسًا فتلطف عند سماعك شكوى المستجير، ولا تدعه يتلجلج في كلامه لك، بل مره أن يتكلم بلا خوف، وأنصفه إذا كان مظلومًا.
إذا رمت دوام الصداقة في بيت تتردد إليه، فاحذر معاشرة النساء؛ لأنها قد أهلكت الألوف لأجل لذة عابرة كالحلم، وهي شر قد يأتي بالموت، والناس يجانبون الفاجر الزاني.
لا تضمر شرًّا لأحد، واحذر الطمع، ولا تشتهِ ما لقريبك.
عُل عيالك واكفهم، وأحبب زوجتك واسرُرْها ما دمت في الحياة، لا تكن شرسًا لها؛ لأن الليونة تعمل فيها أكثر من القساوة، وأعطها ما هي تريده. أشبع خدامك مما عندك؛ لأنه لا سلام في البيت الذي يسكنه خدمة بائسون.
لا تنقل كلام النم، ولا تُصغِ إليه، وإذا نُقل إليك فلا تسمعه، بل احنِ وجهك إلى الأرض لكي يُزجَر المتكلم.
الصمت خير من كثرة الكلام، ومن الحمق أن تتكلم في كل شيء لئلا يحجك خصمك.
إذا كنت وجيهًا فاطلب الكرامة لا من منزلتك، بل من العلم واللطف. لا يرتفع قلبك لئلا تتضع. تحكَّم ولكن لا تقاطع المتكلم. اضبط نفسك، ولا تجب بالغضب، ولا تشغل المشغول لئلا يكرهك، ولا تثقل على الحزين. سالم عدوك فيحبك. من يقضي كل نهاره في الحساب لا يكون سعيدًا، ومن يقضيه بالملاهي لا يكفي عياله، والحكيم من يعدل فيهما. إذا ذهبت رسولًا للمصالحة فلا تتحامل لفريق منهما، وإذا طُلب منك الحكم فاستقم.
إذا أحسنت إلى أحد ولم يشكرك، فجانبه ولا تذكره بما قد كان.
إذا صرت عظيمًا بعد أن كنت حقيرًا، وصرت غنيًّا بعد أن كنت فقيرًا، وحزت العلم بالأمور المفيدة، وارتقيت في مراتب الشرف؛ فلا تفتخر، بل اذكر أنك صرت وكيلًا على ما خوَّلك الله، وأنك لست آخر من نالوا ما نلت.
إذا شئت أن تعرف خُلق أحد، فلا تسل قرينه، بل جربه.
كن طلق الوجه ما دمت حيًّا، فإن ما يدخل الخزانة يخرج منها.
من يسبب الخصام يجلب سوءًا لنفسه، فلا ترافقه؛ لأن ما يذكر به المرء بعد موته، إنما هو أعمال الحسنات والمعروف. الخصام بدل المودة من الحماقة.
إنما يأمر الله بالطاعة، ويكره المعصية، والنفس هي الأمارة بالبر والسوء. من يُطِعْ يُطَعْ. وأما الأحمق العاصي فعنده العلم كالجهل، والنافع كالمضر، فهو ضال مذموم، مُجتَنَب، كثير البلايا.