لا تخشَ شيئًا يا سنيور
كان الاجتماع الذي عقده الشياطين الخمسة في الفندق اجتماعًا شديد الأهمية … تحدث فيه «أحمد» عن التطورات الأخيرة وعن مقابلته ﻟ «مارتينز» ثم قال: سأتسلَّم عملي في الحرس الخاص ﻟ «مارتينز» غدًا، ومن المُهم أن أكسب ثقتَه. ولكن المُهم أيضًا أن نتصرَّف بسرعة، فإذا كان ﻟ «مارتينز» صلة بعصابة «الورلد ماسترز»، فنحن مُعرَّضون أن ينكشف أمرنا … وصمت «أحمد» لحظات ثم مضى يقول: والآن يجب علينا أن نضع خطة واضحة لتحركاتنا في المرحلة المقبلة.
قالت «إلهام» على الفور: لقد فَكَّرتُ وأنت تتحدَّث … إنَّ معنا أجهزة تسجيل بالغة الصغر والدقة، مطلوب منك وضع واحد منها في غرفة الاجتماع الذي سيعقده «مارتينز» غدًا … إنَّ جهاز التسجيل سيكون له فوائده، أهمها أن نعرف علاقته بحادث الطائرة … ثم يكون عندنا مستندات تدينه إذا اضطررنا للجوء إلى الشرطة في الأرجنتين.
عثمان: وقد نرسل شريطًا إلى رقم «صفر» … «أحمد»: في هذه الحالة، سنُقَسِّم العمل كالآتي: سأكُون أنا داخل القصر … سيكون «عثمان»، و«قيس» في دور المُراقب خارج القصر، ويجب أن يظلا قريبَين قدر الإمكان حتى يُمكنهما التدخل إذا حدث شيء … ستكون «إلهام» و«هدي» ومعهما أجهزة استماع فقط في كوخ العجوز «فيجو» … وسيتمُّ إخطارهما أولًا بأول بما يحدث داخل القصر.
هدى: هل ستكون معنا أسلحة؟
أحمد: بالطبع … إننا قد نحتاج إلى حمايةٍ منكما في أي وقت.
إلهام: وسنتظاهر طول الوقت بأننا نقوم بالصيد.
أخرج «أحمد» رِزْمة النقود التي أعطاها له «مارتينز» وأعطاها ﻟ «هدى» قائلًا:
أعطِ العجوز «فيجو» بعض المال … ليس كثيرًا طبعًا حتى لا يشكَّ فينا، وفى نفس الوقت نكسب تأييده. مَن يدري، قد نحتاج له في أية لحظة.
دار هذا الحديث على العشاء، وبعدما جلَس الشياطين يُراجعون كل خطوة في خطتهم … وعندما اطمأنُّوا على كل شيء فيها، أسرع كلٌّ منهم إلى فِرَاشه، فالغد مشحون بالعمل والاحتمالات …
وفى الصباح الباكر كانوا جميعًا يَركبون السيارة الكاديلاك إلى كوخ العم «فيجو»، وكانت «إلهام» قد اشترَت له بعض الطعام والملابس، استقبلها بفرحٍ كطفل صغير، وأعطته «هدى» رِزْمة من النقود، فبدا كأن الحياة تدبُّ في عروقه من جديد وقال: في استطاعتي الآن أن أشترى حصانًا! إنني في حاجة إلى حصان.
هدى: ونحن سنَقُوم بتجهيز الكوخ …
وقامت «هدي» و«إلهام» تعيدان تنظيف الكوخ وتنظيمه، بينما انطلق «قيس» و«عثمان» إلى مركز حراس المراعي، و«أحمد» إلى قصر «مارتينز»… كان في أحد جيوبه السرية جهازًا صغيرًا من أجهزة التسجيل، وعلى فخذه من الداخل خنجر رفيع قد يحتاجه في وقت ما … وعندما وصل إلى البوابة الضخمة أخرج علامة الحرس، مخلب النسر، ففتح له الحارس الباب دون كلمة واحدة …
اتجه فورًا إلى غرفته … كانت معه حقيبة صغيرة بها بعض الملابس والأدوات. فأخذ يَضع كل شيء في مكانه، ولم يكد يَنتهي من ذلك حتى سمع صوت «مارتينز» يتحدَّث إليه في مكبر الصوت يطلب منه التوجُّه إليه …
أسرع «أحمد» يقطع الدهليز الطويل إلى غرفة مكتب «مارتينز» الذي استقبله مرحبًا ثم قال: سيُعقَد اجتماع هام في هذه الغرفة في الساعة التاسعة مساء، والمطلوب منك أولًا التأكد أن لا أحد يستطيع معرفة ما يدور فيها … ثانيًا: أن تجلس أنت شخصيًّا بجوار الباب؛ لتمنع أي شخص من الدخول أو الخروج بعد بدء الاجتماع وقد تحدث مشاجرات داخل الغرفة، فليكن سلاحك مُعدًّا للإطلاق … فقد نحتاج للتخلُّص من بعض المشاغبين.
قال «مارتينز» هذا ثم مد يده إلى «أحمد» بصندوق من الخشب البني المصفح بالنحاس قائلًا: وهذه هي أسلحتك.
فتح «أحمد» الصندوق، فلمعت أمامه على الفور ثلاثة مسدَّسات من مقاسات مختلفة … وابتسم «مارتينز» وهو يقول له: إنَّ كل واحد منها يساوى ثقله ذهبًا، فطلقة أيِّ مسدس منها تساوى طلقة بندقية؛ فقد صُنعت كلها خصيصًا لي …
شكر «أحمد» «مارتينز» في كلمات قليلة … ثم قال: سوف أتأكَّد أن كل شيء على ما يرام.
مارتينز: سأنزل إلى المدينة ولن أعود قبل الغداء … وعليك أن تراقب كل شيء.
أحمد: سيتم كل شيء كما تُريده يا سنيور.
وانصرف «أحمد» إلى غرفته، وأخرج «المسدسات»، واختار واحدًا منها من طراز «هيرستال» البلجيكي، مزودًا بكاتمٍ للصوت … ودق الجرس فحضر خادم طلب منه فنجانًا من الشاي، وبعد أن شربه مضى يتجوَّل في القصر … لقد أصبح الآن أحد رجال هذا العالم الغامض، ولم يَعُد يستطيع إنسان منعه من معرفة كل شيء …
كان القصر قلعةً مُحصَّنة. فيه طابع القصور القديمة بالغرف العالية والأبواب الضخمة والأثاث الجميل … وفيه من الحضارة الآلية الكثير: حمامات السباحة، صالات السينما، والأبواب التي تُغلق وتفتح إلكترونيًّا …
وقابل «أحمد» «كاردوفا» ومعه بعض الحراس يُعدُّون لاجتماع الليل، فتبادلا التحية، وقال «كاردوفا»: إنَّ مسئوليتك هي غرفة المكتب فقط، أما الباقي فسنقوم نحن به.
وخرج «أحمد» من القصر إلى الأرض المحيطة به، كانت مجموعة من الحدائق قد أنشئت في نظام بديع تحيط بالقصر … ثم عَثَرَ على ما كان يبحث عنه، مطار صغير خلف القصر! …
كانت المنطقة التي أنشئ فيها المطار مقتطعة من غابة كثيفة الأشجار، بحيث يصبح الوصول إليه أمرًا مُتعذِّرًا … وأخذ «أحمد» يدور بحذر حول المطار؛ ليعرف كيفية الوصول إليه … واكتشف بعد بحث دقيق أنَّ ثمة ممرًّا سرِّيًّا يَربط بين القصر وبين المطار، وكانت ثمة طائرة نفاثة صغيرة تقف على المدرج، وإن كان واضحًا أنَّ المطار يمكن أن يتسع لثلاث طائرات معًا …
كان «أحمد» يتجوَّل في هدوء وثقة، يضع يديه خلف ظهره، وتلمع على صدره شارة الحرس فلا يتعرَّض له مخلوق … وبعد نحو ساعة من السير عاد إلى القصر وقد أدرك أن قصر «مارتينز» قلعة لا يُمكن اقتحامها، وأن مُهمة الشياطين الخمسة صعبة …
عندما عاد «أحمد» إلى القصر وجد «كاردوفا» يبحث عنه. كان يريد أن يُعرِّفه ببقية الحراس الذين يعملون داخل القصر، وقد جمعهم «كاردوفا» في غرفته، وكانوا سبعة، دُهِشَ «أحمد» كيف استطاع «مارتينز» جمعهم … كانوا جميعًا من طراز خاص من البشر، طوال القامة، مُفتولي العضلات، تبدو على ملامحهم القوة والبطش والصرامة … والشيء الذي صدم «أحمد» أكثر أنهم نظروا إليه باستهتار واضح، وبعداء … وكأنهم يقولون: مَن هذا الدخيل الذي أتى به «مارتينز»؟!
قدَّمَهم «كاردوفا» له واحدًا واحدًا، ثم قال لهم: وهذا هو الشاب الذي حدثتكم عنه، ومن المؤكد أنه من أبرع الناس في إطلاق النار، ومِن رأي «مارتينز» أنه سيصبح أخطر رجل في المنطقة إذا ظل يعمل معنا!
ثم أخذ «كاردوفا» يوزع عليهم الواجبات … وانتهى إلى «أحمد» قائلًا: وأنت طبعًا ستكون أمام باب غرفة مكتب «مارتينز» وعليك أن تتلقَّى أوامرك منه شخصيًّا!
انصرف الجميع، واتخذ كل منهم موقعه المُحدَّد، بينما أخذ «أحمد» يتمشى في الدهليز الموصل بين غرفته وغرفة «مارتينز» منتظرًا فرصة مواتية لوضع جهاز التسجيل … وعندما اطمأنَّ إلى أنَّ أحدًا لا يراقبه، فتح باب غرفة المكتب ودخل، وأخذ يبحث عن مكان لوضع جهاز التسجيل الصغير، وقد وجد المكان المناسب تحت مقعد «مارتينز» نفسه! … كان مقعدًا من الطراز القديم مصنوعًا من خشب الأبنوس الأسود، ومشغولًا بحليات كثيرة من النحاس، وقد عثَر في أسفله على تجويف يتسع لجهاز التسجيل، فدسَّه فيه. ونظر نظرة أخيرة حوله ثم خرج وأغلق الباب خلفه …
كان «أحمد» يُراقب المكان، عندما سمع صوت سيارة قادمة، فَأَطلَّ من نافذة في الصالة وشاهد سيارة من طراز «رولز رويس» الغالية تَقف، ثم ينزل منها رجلان كل منهما يَحمل بندقية سريعة الطلقات … وقفا لحظات يَنظران حولهما ثم تقدَّم أحدهما وفتح باب السيارة، وبعد لحظات نزل رجل لم يكد «أحمد» يراه حتى دقَّ قلبه سريعًا … لقد كان من أقطاب عصابة «الورلد ماسترز»، وهؤلاء عندهم صورة له أخذوها بواسطة السيارة الإلكترونية في مغامرة آخر العمالقة، ولو رآه هذا الرجل لانطلقت ألف رصاصة لتَقتُله في دقيقة! …
استدار «أحمد» سريعًا حتى لا يراه أحد في النافذة، ثم أسرع إلى غرفته، فَكَّر لحظات في أن يقوم بعملية تنكُّر، ولكن لا توجد معه أدوات … وفي نفس الوقت سوف يثير ريبة «مارتينز» هو ورجاله … ورغم خطورة الموقف، فقد كان متمالكًا لأعصابه تمامًا … وقام فأغلق الباب، ثم أخرج جهاز الإرسال الصغير الذي معه وأخذ يُملي رسالة بالشفرة إلى «إلهام» قال فيها: «الورلد ماسترز» مشتركون في اللعبة … أتوقع متاعب؛ لأنهم يَعرفون صورتي … استعداد في أية لحظة للفرار …
انتهى من إرسال الرسالة، ثمَّ جلس على حافة الفراش يفكر. حتى سمع صوت سيارة أخرى تصل. ومرة أخرى نظر من النافذة فوجد سيارة فخمة مصفَّحة بها عدد من الحراس المسلحين، نزل منها رجل ضخم الجثة، يضع سيجارًا في جانب فمه، ويضع يده في جيبه، كان واضحًا أنه زعيم من زعماء العصابات …
ثم وصلت سيارة ثالثة ورابعة، وكلها تتشابه … سيارات مصفَّحة، وحُراس مُسلَّحون، ووجه غريب من وجوه العالم السُّفلي …
وأحسَّ «أحمد» أنه في مصيدة، فلو افتُضح أمره، وهذا ممكن أن يحدث في أية لحظة، لأصبح جسمه كالغربال من ضرب البنادق السريعة الطلقات!
فجأة، سمع صوت طائرة تحلق في الجو، ثم تهبط إلى المطار المجاور للقصر. وعرف أنه زعيم آخر من زعماء العصابات، ولكن من مكان بعيد …
دقت الساعة السابعة مساءً عندما كان «أحمد» يرتدي ثيابه، ويضع مسدسه «الهيرستال» في الجراب بجوار إبطه الأيسر، ثم خرج إلى الدهليز … كانت غرفة «مارتينز» مغلقة الأبواب فسار إليها، واختار كرسيًّا مواجهًا للباب ثم جلس بعيدًا عن الأضواء بحيث تصعب رؤية ملامحه …
بدأ وصول الزعماء إلى مكتب «مارتينز» … كلٌّ منهم بين مجموعة من الحراس تصحبه حتى باب الغرفة ثم تنصرف … وجاء زعيم «الورلد ماسترز» يُحيط به حارساه المسلحان. ومال «أحمد» بجذعه إلى الخلف مخفيًا نفسه في ظلام الدهليز، ولدهشته الشديدة نظر إليه الرجل لحظات ثم مضى … وأحسَّ «أحمد» بأطرافه تتثلَّج … هل عرفه الرجل؟
أغلق الباب أخيرًا … وأطلَّ «مارتينز» لحظة وشاهد «أحمد» جالسًا مكانه، فأحنى له رأسه، فأسرع إليه «أحمد» وقال «مارتينز»: لا أحد يدخل أو يخرج إلا بإذن مني.
ردَّ «أحمد»: بالطبع يا سنيور.
قال «مارتينز»: إنَّني أعتمد عليك … معهم جيش من الحراس المسلَّحين!
ردَّ «أحمد»: لا تخشَ شيئًا يا سنيور.
أحنى «مارتينز» رأسه مُغتبطًا ثم أغلق الباب، وبدأ الاجتماع …