«بوذا» … هو السبب
كان «جان فال» يسكن في إحدى ضواحي «نيويورك»، ولهذا كان على «خالد» أن ينزل مبكِّرًا قليلًا، حتى يصل في الموعد المناسب؛ ولذلك فقد ارتدى ثيابه بسرعة، ثم قال للشياطين: قد أتأخر قليلًا، فلا تقلقوا!
ابتسمت «إلهام»، وهي تقول: هل فكَّرت في تقديم هدية من الشرق لصديقك «جان»؟
اتسعت عينا «خالد» في دهشة، ثم همس: لقد فاتتني هذه اللفتة.
ثم نظر في ساعة يده، وأكمل: مع الأسف، الوقت قد تأخر، والبحث عن هدية مناسبة يحتاج لبعض الوقت.
قالت «إلهام» وهي تبتسم: إنني لم أنسَ، وقد أحضرت لك هدية، أعتقد أنَّ صديقك الأمريكي سوف يسعد بها جدًّا.
اختفت لحظة، ثم عادت بصندوق متوسط الحجم، وضعته فوق المنضدة، أمام الشياطين، ثم ضحكت قائلة: هيا افتحه!
نظر «خالد» إليهم، دون أن يمد يده … فقال «بو عمير»: إنَّ هذه لفتة إنسانية مهذبة.
ضحك «باسم»، وهو يقول: يبدو أنَّ «خالد» يشك في الأمر.
قال «خالد»: لا أظن أنني يمكن أن أشك في «إلهام»، إنني فقط مندهش، كيف فكرت «إلهام» هذا التفكير الذكي.
قال «بو عمير» ضاحكًا: إنَّه ليس جديدًا على «إلهام»؛ فهي صاحبة أفكار لامعة دائمًا.
همس «خالد»: هذا حقيقي.
قالت «إلهام»: هيَّا إذَن، افتح الصندوق، وسوف تمتلئ بالدهشة، بل أظن أنَّها هدية قد لا تبخل بها على الصديق «جان فال».
تقدم «خالد» من المنضدة، ثم كشف غطاء الصندوق، وكاد يصرخ في دهشة، لكنَّه كتم صرخته. كان الصندوق من الخشب المقوى، تبدو في صنعته أناقة الصانع واهتمامه، أمَّا ما بداخله فقد كان شيئًا فريدًا، كان عبارة عن تمثال «بوذا» يجلس القرفصاء … مصنوع من خشب الأبنوس الغالي الثمين، وعلى وجهه تلك الابتسامة الحكيمة. نظر «خالد» إلى «إلهام»، وهتف: لا أظن أنَّ «جان فال» سوف يستطيع أن يتحمل المفاجأة.
صمت لحظة، ثم قال: إنَّك رائعة جدًّا يا عزيزتي «إلهام».
ابتسمت «إلهام» وقالت: هيا، حتى لا تتأخر عن موعدك.
قال «بو عمير»: ينبغي أن أقوم بتوصيلك، احترامًا لهذه الهدية الرائعة.
وبسرعة … خرج «خالد» و«بو عمير» و«إلهام» و«باسم»، وقفزوا سريعًا في السيارة، التي كانت تقف في حديقة البيت. أعطى «خالد» عنوان «جان فال» إلى «بو عمير»، الذي انطلق بالسيارة في سرعة، كانت الشوارع هادئة في هذا الوقت من الليل … وهذا ما جعل الطريق سهلًا … ففي النهار، تصبح الشوارع لا تُطاق من شدة الزحام. وعندما مرَّت ساعة، كانت السيارة تقترب من المنزل رقم ٥١٩ في شارع ٩٠، حيث يسكن «جان فال» … كان المنزل لا يظهر من بين الأشجار العالية التي تحوطه، وكان عبارة عن فيلَّا صغيرة. حمل «خالد» الصندوق. في نفس الوقت الذي انطلقت فيه سيارة الشياطين مبتعدة.
اقترب «خالد» من البوابة، حيث ضغط زر الباب، فجاءه صوت يقول: تفضل!
فهم أنَّ من بداخل البيت … يرونه على شاشة صغيرة بالداخل. ففي أمريكا يصبح الأمان شيئًا نادرًا؛ فالعصابات لا تتورع عن عمل أي شيء. فكَّر «خالد» لحظة: إنَّ بلادنا آمنة فعلًا، ويمكن أن يفتح لك أي بيت، حتى دون أن يعرف مَن أنت، بل إنَّه يمكن أن يستضيفك دون أن يعرفك.
وانفتح الباب أمامه. فدخل إلى الحديقة، التي كانت رائحة الياسمين تملؤها. ابتسم لهذه الرائحة، ففي حديقة المقر السري يوجد هذا النبات الجميل. وعندما وصل إلى باب البيت، انفتح أيضًا، وظهر فيه «جان فال». عندما رأى الصندوق، علت الدهشة وجهه، وأسرع إلى «خالد»: ما هذا الذي تحمله يا عزيزي «جيتري»؟!
كان «خالد» قد قدَّم نفسه ﻟ «جان» باسم «جيتري» عندما تعرف إليه في مغامرة «مهرجان الضحك».
ردَّ «خالد» على دهشة «جان»: إنَّه عربون صداقة يا عزيزي «جان فال».
ابتسم «جان» وهو يحمل الصندوق عن خالد، وهو يقول: إنَّكم في الشرق تملكون عواطف دافئة جدًّا يا عزيزي «جيتري».
ثم تقدمه «جان» إلى صالة أخرى. امتلأت ملامح «خالد» بالدهشة، فقد وجد سيدة وطفلين. قال «جان» مبتسمًا: إنَّها أسرتي: زوجتي «ليونورا»، وابني «جان الصغير»، وابنتي «إيزابيلا».
تقدمت «ليونورا» فحيته، وهي تقول: سعيدة أن أرى رجلًا من الشرق.
ابتسم «خالد»، وهو يقول: سعيد برؤيتك يا سيدتي!
ثم قبَّل الطفلين. وقال «جان» ضاحكًا: إنَّهم يظنون أنَّ أهل الشرق مخلوقات أخرى.
ضحك «خالد» وهو يقول: لعلها مخلوقات جميلة.
قالت «ليونورا»: إنَّ هذه الهدية الجميلة التي قدمتها الآن، تدل على أنَّكم مخلوقات رائعة تمامًا، فنحن فعلًا نفتقد إلى مثل هذه المشاعر الطيبة.
قال «خالد»: إنَّ دعوتي هذه تؤكد أنَّكم شعب نبيل.
قال «جان»، وكان قد وضع الصندوق على منضدة صغيرة في جانب الصالة: دعونا نرى هدية صديقنا الشرقي «جيتري».
ثم رفع غطاء الصندوق، ولم يستطع أن يتمالك نفسه من الفرحة، فقد صرخ: لا أُصدق، تمثال «بوذا الحكيم»، ثم نظر إلى «خالد»، وهو يقول: أنت رائع يا عزيزي «جيتري»، لقد أهديتني أعظم هدية يمكن أن أحلم بها.
التفَّت الأسرة حول التمثال، كانت السعادة تقفز في وجوههم، وقال «جان»: لقد قرأت عنه كثيرًا، إنَّ «بوذا» معناها «المتنور»، و«بوذا» من عائلة ثرية في الهند القديمة، لكنَّه انفصل عن عائلته الثرية، وتعاطف مع الفقراء، وعاش حياة متقشفة، وأسس الفلسفة «البوذية»، التي تدعو الإنسان إلى التخلُّص من شهواته ونزواته، والسيطرة على نفسه.
صمت قليلًا، وهو يتأمل التمثال، ثم أضاف: إنني أشعر براحة عميقة، وكأنَّك يا عزيزي «جيتري» قد أهديتني السعادة نفسها.
ابتسم «خالد» ولم يعلق. في نفس الوقت، قالت «ليونورا» مبتسمة: لا أظن أننا سوف ننسى ضيفنا أمام السيد «بوذا».
تدارك «جان» موقفه، وقال: هذا حقيقي، إنَّ فرحتي بالتمثال …
ثم ضحك، وأضاف: أنستني حتى صديقي العزيز «جيتري»!
أشار ﻟ «خالد» بدخول إحدى الحجرات، وهو يقول: لا بد أن أدعو زميلي «ألفريد» ليشاهد هذه الهدية الرائعة.
أخفى «خالد» ابتسامة، كادت تقفز فجأةً إلى وجهه، فما قاله «جان» هو نفسه الذي يسعى إليه، فهو يريد «ألفريد» زميل «جان» في نفس المطار، والذي يعمل مع العصابة في نفس الوقت. عندما استقرَّ في مقعده، قال «جان»: سوف أتصل بزميلي «ألفريد» الآن … إنني أتمنى أن أدعو كل الزملاء والجيران لرؤية «بوذا» الرائع.
ثم نظر إلى «خالد»، وقال: هل نزعجك بهذا؟!
ردَّ «خالد» مبتسمًا: بل إنَّه يسعدني تمامًا.
رفع «جان» سماعة التليفون، وأدار القرص، ثم هتف: «ألفريد» … ماذا وراءك الآن، لا شيء … عظيم، لا بد أن تأتي فورًا، سوف ترى شيئًا مدهشًا، هل تذكر الصديق «جيتري» الذي حدثتك عنه، إنَّه عندي، وقد أهداني هدية، أقل ما توصف به أنَّها رائعة.
صمت قليلًا يسمع، ثم أخيرًا قال: لا داعي، سوف نتناول عشاءً خفيفًا معًا، هيا، ولا تتأخر.
وضع السماعة، ثم نظر إلى «خالد»، قائلًا: سوف أقيم احتفالًا صغيرًا بعد أيام لأقدم السيد «بوذا» … إلى كل الأصدقاء، وأرجو أن تكون معنا في تلك الليلة.
ابتسم «خالد»، وقال: إنَّ ذلك سوف يسعدني تمامًا.
كان «جان» يبدو حائرًا، وكان «خالد» يراقبه مبتسمًا. قال «جان»: إنني مضطرب فعلًا، لقد صنعت شيئًا بديعًا بهذا التمثال الليلة، ولا أدري ماذا يمكن أن أقدم إليك!
ابتسم «خالد»، وقال: شيء واحد فقط.
انتبه «جان» بسرعة، وقال باهتمام: أرجو أن تأمرني بأي شيء …
قال «خالد» بابتسامة عريضة: إنَّك تجعلني أشعر بأنني لم أفعل شيئًا، وأنني أريد أن أقضي ليلة طيبة مع صديق أسعدني باستقباله الحار.
ضحك «جان» وهو يقول: أنت رائع يا صديقي «جيتري»!
ثم أضاف: أستأذنك لحظة … وانصرف.
فكَّر «خالد» بسرعة: هل يمكن أن يحقِّق صداقة سريعة مع «ألفريد» هو الآخَر؟ وهل يمكن أن تحدث هذه المفاجأة مرة أخرى؟ ثم ابتسم وهو يقول لنفسه: إنَّ الشياطين سوف يرقصون عندما يعرفون هذه التفاصيل.
مرَّت ربع ساعة، ثم سمع صوت «جان» يقول: أهلًا «ألفريد»، تعالَ أولًا أعرفك بصديقي الشرقي، وبعدها أعرض عليك المفاجأة الرائعة.
ثم ظهر «جان»، وخلفه ظهر «ألفريد»، الذي كان يبدو باردًا تمامًا. وقد رسم ابتسامة تمثيلية على وجهه. قال «جان»: هذا هو صديقي «جيتري» … الشرقي النبيل.
ثم قدَّم «ألفريد» إليه. وعندما التقت يدا «خالد» و«ألفريد». شعر «خالد» أنَّه يضع يده على العصابة كلها …