مفاجأة لم يتوقعها «خالد»!
عندما جلس الثلاثة: «خالد» و«جان» و«ألفريد»، ابتسم «جان»، وهو يقول: لن أريك المفاجأة الآن … فعندما تقع عيناك عليها لن تستطيع تكملة السهرة … ولذلك فسوف أعرضها عليك عندما تكون منصرفًا.
كان «ألفريد» يجلس في نوع من الجمود، ولم تكُن تبدو عليه الرغبة في الحديث، إلا أنَّ «جان» كان في حالة مرحة، مما جعله يوجه الحديث إليه: «ألفريد»، ألا تريد أن تسأل السيد «جيتري» أيَّة أسئلة عن بلاده؟
ثم نظر إلى «خالد»، وتساءل: أظن أنَّ بلادكم جميلة جدًّا؛ فالشرق لا يزال يحتفظ بسحره القديم، إننا فقط نقرأ عن بلادكم، وإن كنت أتمنَّى أن أزورها يومًا.
ابتسم «خالد»، وقال: إذَن دعني أوجِّه الدعوة لك وللأسرة، لقضاء عدة أيام في بلادي.
ثم نظر إلى «ألفريد»، وقال: إنني أوجِّه الدعوة للصديق «ألفريد» إذا كان ذلك يسعده أيضًا.
وببرود، قال «ألفريد»: أشكرك على هذه الدعوة، وأظن أنني سوف أذهب إلى هناك قريبًا.
ثم ابتسم ابتسامة باردة، وأضاف: ربما أصل إلى هناك، قبل أن تصل أنت.
ثم ضحك ضحكة جافة، وهو يكمل: هذا إذا بقيت أنت هنا بعض الوقت.
وقف «جان» في مرح، وهو يقول: أستأذنكما لحظة، وأترككما للحديث!
ثم انصرف مباشرة. قال «ألفريد» بنفس جموده: هل ستبقى هنا طويلًا؟!
ابتسم «خالد»، وقال: لبعض الوقت.
قال «ألفريد»، وهو يبتسم ابتسامة صغيرة: أنت في مهمة إذَن!
لم يتمالك نفسه، فضحك، وهو يقول: يبدو أنَّ السيد «ألفريد» يقرأ الغيب.
ابتسم «ألفريد»، وهو يجيب: أظن أنَّك جئت إلى هنا بحثًا عن عمل؛ فالشرقيون دائمًا يأتون من أجل ذلك.
شعر «خالد» أنَّ «ألفريد» يرمي إلى شيء … قال في نفسه: هل يكون «ألفريد» قد كشفه، مع أنَّه يضع الماكياج، ويُخفي ملامحه الحقيقية تمامًا …
ثم قال بسرعة: لا أظن؛ فالشرقيون يأتون إلى هنا لممارسة نوع من الحياة، وقضية البحث عن عمل … قضية شائكة ومعقَّدة، فبلادنا تحتاج إلى كل السواعد التي تعمل …
ثم ابتسم قائلًا: أظن أنَّها مسألة تاريخية، وبحثها طويل.
ثم صمت لحظة سريعة، وأضاف: هذا إذا كان السيد «ألفريد» يحتاج إلى بحث في قضية الشعوب المغلوبة.
ابتسم «ألفريد»، وهو يهز رأسه، قائلًا: لا أظن، فقد جئت للسهرة، وليس للبحث، فأهلًا بك في بلادنا.
عاد «جان» بنفس مرحه: لقد أعددت لك يا عزيزي «جيتري» عشاءً أمريكيًّا صميمًا، وأرجو أن يعجبك.
ابتسم «خالد»، وهو يقول: عندنا مثل شعبي يقول: لاقيني ولا تغديني.
انفجر «جان» ضاحكًا، وقال: هذا مثل عظيم … وهو يدل على مدى تمتعكم بعواطف جميلة.
كان «ألفريد» يبدو في نفسه تحفظه … نظر إليه «جان»، وقال بنفس مرحه: يبدو أنَّ «ألفريد» متوعِّك المزاج الليلة، فهذه ليست طبيعته.
كانت هذه الجملة كفيلة بأن تصيب «خالد» بالفزع، وتردد أكثر من سؤال في خاطره، لكنَّه كان يطرد كل الأسئلة حتى لا يُعطي انطباعًا سيِّئًا … وأراد أن يظلَّ على حالته العادية … فقال مشاركًا في الحديث: ربما يكون السيد «ألفريد» مجهدًا.
قال «جان»: إذَن لا بد أن نجعله معتدل المزاج.
ثم أشار إلى «ألفريد»، وهو يقول: هيا يا عزيزي «ألفريد»، إنَّ نظرة واحدة على مفاجأة صديقي «جيتري» سوف تجعل مزاجك معتدلًا!
وقف «ألفريد» متثاقلًا، ثم تبع «جان»، الذي كان قد خرج من الغرفة، بقي «خالد» وحده. استغرق في التفكير، قال في نفسه: إنَّ «ألفريد» شخصيته صعبة على ما يبدو، والاقتراب منه يحتاج إلى وقت.
فجأة، شعر بدفء جهاز الاستقبال في جيبه. وضع يده فوقه، ثم أخذ يتلقَّى رسالة. كانت من الشياطين، تخبره بعودة «أحمد» من لقائه بعميل رقم «صفر» في «فيلادلفيا» … ورغبتهم في الاطمئنان عليه. عندما انتهت الرسالة، بدأ يرسل الرد … بلمسات دقيقة على سطح الجهاز، قال في رسالته: إنَّ كل شيء على ما يرام، وإنَّ السهرة قد تمتد لبعض الوقت …
شرد مرة أخرى يفكِّر: كيف يستطيع أن يعقد صداقة جيدة ﺑ «ألفريد» … ما دام يبدو على هذه الصورة …
أنصت في تركيز ليعرف ماذا يدور حول التمثال. لم يكُن الصوت يأتيه واضحًا. تحسَّس جيبه، ثم تحسَّس بسرعة علبة صغيرة، تحتوي على مسحوق مشع … وقف في هدوء، وكأنَّه يراقب إحدى اللوحات المعلقة على الحائط، والتي تقع بالقرب من المقعد الذي كان يجلس عليه «ألفريد»، وبسرعة، أخرج العلبة، ورشَّ بعض المسحوق عليه، ثم أخفى العلبة بسرعة. إنَّ طبيعة هذا المسحوق المشع … أنَّه يلتصق بالثياب، ويرسل إشعاعات يمكن استقبالها بجهاز خاص يملكه الشياطين، فيعرفون عن طريقه أين يوجد الشخص الذي يرتدي الثياب. أخذ يدور في الغرفة … وهو يشاهد اللوحات المعلقة. فجأة، بدأ صوت «جان» يأتيه واضحًا.
فعرف أنَّهما يقتربان، خطا نحو مقعده بسرعة … ثم جلس، دخل «جان» أولًا، ثم ظهر «ألفريد»، أصبح يحمل ملامح طيبة، وتغطيه ابتسامة هادئة … صاح «جان» بمرح: لقد هُزم «ألفريد» فما كاد يرى السيد العظيم «بوذا»، حتى صاح في دهشة: كم هو جميل!
ثم نظر إلى «ألفريد»، وهو يقول: هه. ماذا تقول؟
ابتسم «ألفريد» ابتسامة خفيفة، لأول مرة، وهو يقول: إنَّه رائع بالتأكيد!
ابتسم «خالد»، وقال: سوف أقدِّم لك واحدًا، لكنَّه مصنوع من الصيني الأزرق اللون!
ظهرت الدهشة على وجه «جان»، وهو يقول: من الصيني الأزرق، إنَّ ذلك يجعله رائعًا جدًّا!
ابتسم «خالد» مرة أخرى، وهو يقول: هذا إذا سمح لي السيد «ألفريد» بتقديمه إليه.
غيَّر «ألفريد» مكانه، وجلس في مقعد آخَر … شعر «خالد» بخيبة الأمل … لكنَّه قال في نفسه: مَن يدري، قد يغيِّر مكانه … ويجلس في نفس المقعد. قال «ألفريد» مبتسمًا: إنَّ ذلك سوف يسعدني كثيرًا.
ثم أضاف ضاحكًا: هذا إذا عدت إلينا مرة أخرى.
قال «خالد» بسرعة: دون تحديد الموعد، دعني أجعلها مفاجأة!
ضحك «جان» وهو يقول: يبدو أنَّك من هواة المفاجآت يا عزيزي «جيتري»!
ردَّ «خالد» مبتسمًا: إنَّ المفاجأة بطبيعتها لها وقع ممتع ومضاعف.
ابتسم «ألفريد»، وقال: أنت شخص ذكي يا سيد «جيتري».
ثم اتسعت ابتسامته، وهو يضيف: يبدو أننا سوف … نصبح أصدقاء، هذا إذا أسعدتني ووافقت!
قال «خالد» بسعادة: إنَّ ذلك شرف كبير لي يا سيد «ألفريد»!
أضاف «ألفريد»: إذَن … دعنا نتصافح مرة أخرى يا عزيزي «جيتري».
وقف «خالد»، ووقف «ألفريد» وتصافحا في حرارة، وعندما عاد «خالد» إلى مقعده، كانت دهشته كبيرة، واستطاع بجهد أن يُخفي ابتسامة كادت تظهر على وجهه. فقد غيَّر «ألفريد» مكانه، وعاد إلى نفس مقعده الأول، حيث المسحوق المشع. وهتف «جان»: الآن، هيا بنا إلى العشاء، نكمل أحاديثنا، ونحتفل بهذه الصداقة الجديدة.
تقدَّم «جان»، وتأخَّر «خالد» قليلًا، لكن «ألفريد» أصرَّ أن يتقدم «خالد». واتجه الجميع إلى صالة واسعة حيث توجد مائدة الطعام في أحد أركانها … كانت «ليونورا» قد انتهت من إعداد المائدة … في نفس الوقت الذي اختفى فيه الصغيران … أشار «جان» إلى مقعد، فجلس «خالد» وبجواره جلس «ألفريد»، وأمامها جلس «جان» وبجواره «ليونورا». قال «جان» ضاحكًا: هذه ليلة لا تُنسى.
قال «خالد»: بالتأكيد، وكنت أتمنى أن أسجل هذه الليلة الحافلة!
استغرق «جان» في الضحك، ومعه «ليونورا»، ثم قال: كانت هذه هي المفاجأة التي أعدها لك، فنحن فعلًا نسجل مجيئك منذ أول لحظة. وعندما تنصرف، سوف تكون معك نسخة من الشريط.
أخفى «خالد» دهشة، واستغرق هو الآخَر في الضحك. في الوقت الذي كان يفكِّر فيه: هل «جان» أحد أفراد العصابة أيضًا، فهو لا يرى كاميرات ولا عدسات، فكيف يتم تسجيل اللقاء سرًّا، إن لم يكُن بيته مجهزًا بطريقة خاصة … عندما انتهى من ضحكته الطويلة، قال: عزيزي … «جان» يرد على مفاجئتي بمفاجأة أكثر روعة.
ثمَّ ضحك الجميع، وشيئًا فشيئًا، أخذوا ينهمكون في تناول الطعام. وعندما انتهى العشاء تركوا المائدة إلى رُكن آخَر في الصالة الواسعة. حيث جلسوا. وبدءوا يتناقشون في موضوعات متفرِّقة. وعندما انتهت الليلة، قدَّم «ألفريد» كارتًا صغيرًا، عليه اسمه وعنوانه ﻟ «خالد»، وهو يرجوه أن يلتقيا قريبًا … في نفس الوقت … أخرج «خالد» قلمًا وورقة صغيرة من جيبه … وكتب عليها اسمه: «جيتري»، ورقم تليفون الفندق الذي ينزل فيه … وهو يعتذر بأنَّه لا يملك كارتًا خاصًا الآن … انتهت السهرة.
وتصافح الجميع … وقدَّم «جان» شريط فيديو ﻟ «خالد»، وقد كتب عليه إهداء يقول: ذكرى ليلة لا تُنسى، وصداقة دائمة … مع العزيز «بوذا» …
عندما قرأ «خالد» الإهداء ضحك طويلًا … وهو يغادر البيت إلى الشارع.