لغز اسمه «ألفريد»
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، والشوارع تكاد تكون خالية. مشى «خالد» وهو يحمل شريط الفيديو، وأخذ يستعيد الليلة من بدايتها. تذكر كلمة «ألفريد» عندما قال: إنَّهما قد يصبحا أصدقاء.
قال في نفسه: ماذا يعني بهذه الجملة؟ ظلَّ يردِّدها في نفسه. أخيرًا قال: إنَّ الشياطين سوف يصلون إلى نتيجة.
كانت أضواء سيارة تلمع في الشوارع الهادئة الضوء. وقف وانتظر، فقد يكون تاكسيًا. مرَّت السيارة بسرعة. فاستمرَّ في سيره. وقعت عينه على تليفون الخدمة العامة في الشارع، اتجه إليه، ثم رفع السماعة وأدار القرص. جاءه صوت يسأل. فطلب تاكسيًا، وحدَّد العنوان، ثم انتظر. لم تمر دقائق، حتى كان التاكسي يتوقف أمامه. حدَّد له مكان الفندق. فاتجه التاكسي إليه، وعندما وصل، غادره بسرعة. اتجه مباشرة إلى غرفته، وعندما وضع المفتاح في الباب، وقبل أن يديره، انفتح الباب. ظنَّ أنَّه أخطأ، فكاد يعتذر، إلا أنَّ وجه «أحمد» ظهر أمامه مبتسمًا، وهو يقول: الشياطين دائمًا في الانتظار!
دخل ضاحكًا، وهو يقول: إنَّها مفاجأة طيبة أنْ ألقاك الآن، فإنني بحاجة إلى وجودك ورأيك، فهناك أشياء يجب أن نراها سريعًا!
تساءل «أحمد»: هل ندعو بقية الشياطين؟
ردَّ «خالد»: بالتأكيد!
استدعى «أحمد» بقية المجموعة، في الوقت الذي كان «خالد» يضع شريط الفيديو في الجهاز الموجود بالغرفة. وعندما اجتمعوا، قال «خالد»: سوف نؤجِّل أية أسئلة حتى نرى الشريط.
أخذ كلٌّ منهم مكانه. وضغط «خالد» زرَّ التشغيل، فدار الشريط. وكانت أول صورة ظهرت، توضح «خالد»، وهو يحمل الصندوق، ويدخل من باب البيت، في بداية زيارته ﻟ «جان فال» … تنهَّد «خالد» بصوت مسموع، جعَل الآخَرين ينظرون إليه، كان «خالد» يخشى أن تكون سُجلت صورة سيارة الشياطين، فذلك يجعل من السهل متابعتهم. ظلَّ الشياطين يتابعون الشريط حتى نهايته … وعندما توقف الجهاز، بدأ حوار الشياطين.
قالت «إلهام» ضاحكةً: إنَّه شريط نادر لليلة جيدة!
سأل «خالد»: من البداية، ما هي نتيجة ذهابك إلى «فيلادلفيا»؟
قال «أحمد»: إنَّ عميل رقم «صفر»، الذي خطفته العصابة، قد نُقل إلى «البرازيل»! ظهرت الدهشة على وجه «خالد»، وقال بصوت هامس: «البرازيل»، ثم ماذا؟
أجاب «أحمد»: عملاء رقم «صفر» هناك لا يزالون يوالون البحث، لمعرفة مكانه، فكيف يمكن العثور عليه في بلاد واسعة مثل «البرازيل».
همس «خالد»: هذا حقيقي، ولذلك، فإنَّ دور «ألفريد» الآن يصبح في منتهى الأهمية.
قال «أحمد»: هذا صحيح، والآن، علينا أن نحدِّد مكان بيت «ألفريد».
تذكَّر «خالد» الكارت، وقال: إنَّ عنوان «ألفريد» معي.
ثم أخرج الكارت، وقدَّمه ﻟ «أحمد»، الذي قرأه، ثم قال: إنَّه قريب من بيت «جان فال».
قال «بو عمير»: إنَّ جهاز استقبال الأشعة معنا، ونستطيع أن نتأكد من العنوان، فقد يكون عنوانًا وهميًّا، أو قد يكون له مقر آخَر!
أسرع «خالد» بإحضار الجهاز، وضغط زرًّا فيه؛ فتحرَّك المؤشر، يحدِّد اتجاه المكان الذي فيه «ألفريد» الآن.
قال «باسم»: علينا أن نتأكد أنَّه هو أولًا، ومن الضروري أن يكون ذلك الآن، حتى لا تضيع الفرصة.
صمت الجميع، واستغرقوا في التفكير، كان تفكيرهم يدور حول تساؤل واحد: هل يخرج أحدهم الآن؟ وهل خروجه في هذا الوقت المتأخر لا يلفت النظر.
فجأةً، قال «أحمد»: سوف أخرج الآن، وهي مسألة عادية، فنحن في فندق، من حق نزلائه أن يتصرفوا كما يشاءون.
ثم وقف، وقال: عليكم أن تكملوا مناقشاتكم حتى لا نضيع الوقت.
وبسرعة، غادر غرفة «خالد». وعندما خرج من باب الفندق، أخذ طريقه إلى مكان انتظار السيارات، وركب سيارة الشياطين، ثم انطلق، كان يحمل معه جهاز استقبال الأشعة، وكان مؤشر الجهاز يُحدد له الاتجاه. عندما اقترب من المكان، اكتشف أنَّه ليس العنوان الموجود في الكارت … قال في نفسه: إذَن «ألفريد» له أكثر من مكان.
حدد موقع البيت بالضبط. كان عبارة عن عمارة ترتفع إلى عشرة طوابق. فكَّر: هل يمكن دخول العمارة الآن؟ وكانت إجابته: إنَّه لا يستطيع؛ فالبيوت في أمريكا لها نظام خاص، وسكان العمارة معروفون ولا يستطيع أحد دخولها، إلا إذا كانت له علاقة بواحد فيها.
انتظر قليلًا، ثم فكَّر في الانصراف، فيكفي الآن أنَّه عرف المكان. انطلق بالسيارة في طريق العودة. وعندما وصل إلى غرفة «خالد»، كان الشياطين لا يزالون في حالة اجتماع. شرح لهم ما حدث، فقال «خالد» بسرعة: إننا نستطيع أن نعرف بالتأكيد عندما يذهب إلى عمله غدًا، لن نحتاج إلا ليوم واحد فقط، نعرف بعدها حقيقته!
تساءل «أحمد»: هل توصلتم لشيء خلال اجتماعكم!
ردَّ «باسم»: هناك سؤال، هل «جان» يعمل مع العصابة؟
قال «أحمد»: لا أظن، ولو كان يعمل معها ما أعطى «خالد» شريط الفيديو، فإذا كان يشك فيه، فيكفي أن يسجل الشريط ويحتفظ به.
انتظر لحظةً، ثم أضاف: السؤال هو: هل شكَّ «ألفريد» في «خالد»؟
ردَّ «خالد»: لقد تردَّد ذلك في خاطري فعلًا، خصوصًا في أول اللقاء، كما شاهدتم في بروده، وقوله إنَّه سوف يسافر إلى الشرق قبل أن أسافر أنا، كلمته، في البداية، أوقعتني في حيرة، وإن كنت أظن أنَّه لم يصل إلى درجة الشك.
قالت «إلهام»: علينا الآن أن نحدِّد من أين نبدأ؟
قال «بو عمير»: إنَّ لديَّ فكرة، ماذا لو طلبنا «ألفريد» في الرقم الموجود في الكارت، فإن ردَّ نعرف أنَّه يملك أكثر من مكان، فإذا لم يرد، فسوف تكون نفس النتيجة.
فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: لا بأس، إنَّها فكرة طيبة!
رفع سماعة التليفون، وأدار القرص بنفس الرقم الموجود في الكارت، تردَّد الرنين لحظة، دون صوت، ظلَّ «أحمد» ينتظر. فجأة، جاء صوت نائم يقول: آلو!
وضع «أحمد» السماعة، ونظر إلى الشياطين، الذين كانوا قد سمعوا الصوت. قالت «إلهام»: إذَن، لقد ذهب «ألفريد» إلى مكانه الآخَر، وأبدل ثيابه هناك، ثم عاد إلى بيته.
قال «باسم»: لقد تأكدنا الآن أنَّ «ألفريد» له أكثر من مكان، ومَن يدري؟! قد تكون له أماكن أخرى!
تساءل «بو عمير»: هل الصوت الذي ردَّ هو نفس صوت «ألفريد»؟ قد يكون صوت رجل آخَر.
قال «خالد»: غدًا سوف نعرف الحقيقة، سوف أتصل ﺑ «جان» لأعرف إذا ما كان «ألفريد» في عمله بالمطار أم لا، وساعتها سوف نحدِّد كل شيء.
انصرف «الشياطين»، كلٌّ إلى غرفته. فالغد يحمل لهم عملًا شاقًّا. فعندما يتحدَّد كل شيء، يبدأ العمل. كان «أحمد» في غرفته لا يزال يفكر، كان أول ما فكَّر فيه هو الكارت، تساءل في نفسه: هل هذا الكارت لا يحمل خدعة معيَّنة؟ إنَّ الشياطين يستخدمون المسحوق المشع، فلِم لا تكون العصابة لها نفس الأساليب، ويكون الكارت خدعة لكشف «خالد»؟!
ظلَّ يفكِّر في هذا السؤال المحير، مرة أخرى، طرح على نفسه سؤال: لماذا نقلت العصابة عميل رقم «صفر» إلى البرازيل؟ هل هذا يعني أنَّها تخشى وجوده في أمريكا؟ وإذا كانت تخشى، فما الذي تخشاه؟ ظلَّت الأسئلة تتردَّد في خاطره دون أن يصل إلى إجابة محدَّدة. أخيرًا قرَّر أن ينام. وفي الصباح، كان الشياطين قد اجتمعوا في غرفة «خالد»، ولم يكُن «أحمد» قد انضم إليهم بعد، قالت «إلهام»: هذه ليست عادة «أحمد»، وربما يكون قد خرج.
ردَّ «باسم»: لا أظن، من المؤكد أنَّ «أحمد» لم ينَم جيدًا، وهو لا يزال في سريره حتى الآن. دقَّ جرس الباب. فقال «بو عمير»: لعله هو!
فتحت «إلهام» الباب، فظهر «أحمد» نشيطًا مبتسمًا، حتى إنَّ «إلهام» قالت: لعلك عائد لتوك من الخارج.
دخل، وهو يقول: هذا صحيح.
ثم انضم للمجموعة، وهو يقول: إنَّ «ألفريد» لم يعُد موجودًا في أمريكا، وإنَّه رحل في الصباح إلى «البرازيل».
نظر له الشياطين في دهشة، فقد كانت هذه أخبار مثيرة … سألت «إلهام» بسرعة: كيف عرفت؟!
ردَّ «أحمد»: اتصل بي عميل رقم «صفر» في المطار، وأخبرني.
سأل «بو عمير»: ولماذا خرجت إذَن؟!
ابتسم، وقال: كنت في المطار، فقد كان موعد اللقاء مع العميل هناك.
ثم أضاف بعد لحظة: ليس أمامنا الآن سوى انتظار عودة «ألفريد»، فهو المفتاح الوحيد حتى الآن، لنكمل مغامرتنا.
وكانت هذه حقيقة، فعملاء رقم «صفر» في «البرازيل» لم يتوصَّلوا إلى شيء. وسفر «ألفريد» إلى هناك يمثل علامة استفهام تحتاج إلى إجابة. وكان عليهم أن ينتظروا.