الفصل الأول
تاريخ الرقابة والرفض المسرحي
إن أقدم إشارة عربية وصلتْنا عن وجود مسرح حقيقي في مصر — تُقام
عليه المسرحيات — هي ما ذكره الجبرتي في تاريخه عن مسرح
الحملة الفرنسية في مصر، ضمن حوادث شهر شعبان وبالتحديد في يوم الحادي عشر منه عام ١٢١٥ﻫ
—
الموافق ٢٩ / ١٢ / ١٨٠٠ — عندما قال: «وفيه كمل المكان الذي أنشأه بالأزبكية عند المكان
المعروف بباب الهواء، وهو المُسمَّى في لغتهم بالكمدي، وهو عبارة عن محلٍّ يجتمعون به
كل
عشر ليالٍ ليلةً واحدة يتفرَّجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلِّي والملاهي
مقدار أربع ساعات من الليل، وذلك بلغتهم، ولا يدخل أحد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة.»
١
وهذه الإشارة تناقلتْها أكثر الكتب التي تحدثتْ عن
تاريخ المسرح العربي بصفة عامة، والمسرح المصري بصفة خاصة،
٢ علمًا بأنها لم تتحدَّث عن أيِّ شيء آخر في هذا المجال، أو تفاصيل هذه الإشارة.
وبالبحث استطعنا الوصول إلى الوصف التفصيلي لهذه الملاعيب
— أي التمثيل المسرحي — التي تحدَّث عنها الجبرتي. وذلك من خلال وصف جريدة «كورييه دي
ليجيبت»
COURIER DE L’EGYPTE الفرنسية الصادرة في شهر
«نيفوز» من السنة الثامنة للتقويم الفرنسي — الذي سارتْ عليه الحملة الفرنسية منذ وصولها
إلى مصر — عندما قالت: «أدَّت الفرقة المسرحية في يوم ١٠ الجاري مسرحية «فارس مدينة تيونفيل»
LE DRAGON DE THIONVILLE ومسرحية «الأصم»
LE SOURD، ويعتزم القائد العام توسيع قاعة المسرح لكي
تستوعب ضِعْف عدد المتفرِّجين الذين يمكن أن تستوعبهم الآن. وإذا كان لدينا متسعٌ فائضٌ
على
صفحات هذه الجريدة كنا قد تكلَّمنا في العدد رقم ٥٠ منها عن سلامة ذوق المواطن «فوفي»
FAUVY الضابط في سلاح المهندسين والجهود التي بذلها في
زخرفة هذه القاعة الجميلة.»
٣
وهذا معناه أن المسرح بشكله الحديث كان معروفًا في
مصر منذ عام ١٨٠٠، بفضل الفِرَق الفرنسية، وهذا ما يعتقده الكثير من الباحثين والكُتاب
عن
بدايات المسرح الحديث في مصر. ومن الملاحظ أن بعض الأشراف والأعيان من المصريين — وقت
الحملة الفرنسية — كانوا يحضرون هذه المسرحيات ضمن احتفالات الحملة بعيد التقويم الفرنسي
في
شهر «فاندميير»
٤ — وهو يبدأ من ٢٢ سبتمبر إلى ٢١ أكتوبر — أيْ إن المصريين عرفوا وشاهدوا الفن
المسرحي الحديث، قبل قدوم يعقوب صنوع بأكثر من سبعين سنة تقريبًا.
وهناك حقيقة أخرى، تتمثل في وجود المسارح الدينية
والمدنية في مصر قبل عام ١٨٠٠، وأيضًا كان هناك نظام للرقابة على هذه المسارح. فجريدة
«لا
ديكاد إيجيبسيين» الفرنسية نشرتْ في يوم ٢٨ «برومير»
٥ من السنة الثامنة للتقويم الفرنسي، الموافق ١٩ / ١١ / ١٨٠٠، جدول تقسيم عمل
لجنة الاستعلام عن الحالة الحديثة لمصر،
٦ بأمر من الجنرال العام كليبر. ويهمنا من مواد هذا التقسيم، المادة الثالثة
والتاسعة. فالمادة الثالثة تختص بأعمال البوليس، وهي: اختصاصات رئيس البوليس، وبوليس
الأسواق، وبوليس الأماكن العامة والحمامات والمقاهي … والألعاب والأعياد والاحتفالات،
والرقابة على الآداب … إلخ، والمكلَّف بتنفيذ جمع المعلومات عن هذه المادة الجنرال
«ديجوا»
DUGUA.
٧
أما المادة التاسعة، فقد اهتمَّتْ بتدوين المعلومات عن نواحٍ فنية كثيرة، منها المسارح
المدنية والدينية في مصر.
٨ وهذه المادة تؤكد لنا وجود المسارح المدنية والدينية في مصر قبل عام ١٨٠٠. وهذه
المسارح مصرية صميمة، لا دخل لها بالفرق الأجنبية. بدليل أن اهتمام اللجنة كان منصبًّا
على
عادات المصريين وتقاليدهم فقط — كما تنص المادة الأولى من عمل اللجنة. فإذا كانت المسارح
لفرق أجنبية، ما اهتمَّتْ بها اللجنة، أو الحملة الفرنسية على الإطلاق. وهذه المعلومة
تؤكد
على وجود هذا الفن في مصر قبل ظهور يعقوب صنوع، وفي الوقت نفسه تخالف الاعتقاد السائد
بأن
مصر لم تعرف الفن المسرحي بصورته المصرية أو العربية قبل ظهور هذا الرائد.
والمادة الثالثة من عمل اللجنة أيضًا، تؤكد على وجود نظام الرقابة على الآداب في
الألعاب
٩ والاحتفالات والأعياد المصرية. بدليل اهتمام اللجنة بجمع الوثائق والمعلومات عنها. والواضح
أن الرقابة في تلك الفترة كانت تهتم بمراقبة المسارح المدنية والدينية من
الناحية السياسية، خوفًا من إثارة عروضها حماسَ ووطنيةَ الشعب المصري ضد الحملة؛ لأن
من غير
المعقول أن تقوم الحملة بالرقابة على مسرحيات الفرق الفرنسية، أو الأجنبية، إذا صح الاعتقاد
بوجود الفرق الأجنبية فقط في مصر في تلك الفترة. ومن هنا كانت أول رقابة على المسرح المصري
من قِبَل الحملة الفرنسية؛ لأن فرنسا كانت تُطبِّق نظام قانون الرقابة المسرحي منذ صدوره
في ١٦ / ٨ / ١٧٩٠.
١٠
أما ثاني نظام للرقابة المسرحية في مصر كان في عهد محمد على (١٨٠٥–١٨٤٧) عندما استعان
بالجاليات الأجنبية في إتمام طموحاته الإصلاحية لبناء مصر الحديثة. فكثرت الجاليات
الأجنبية، ولا سيما الفرنسية والإيطالية. وكل جالية منهما كانت تَرعَى بشكل أو بآخر بعض
الفرق التمثيلية، مما أدَّى إلى التنافُس والتشاجُر بين هذه الفرق. ومن هنا أمر محمد
على
«كلوت بك» بأن يوجِّه خطابًا دوريًّا إلى القنصليات الأجنبية وفرق التمثيل مفاده تنظيم
العلاقة بين الفنانين والجمهور. وبالفعل قام كلوت بك بإرسال ذلك الخطاب الذي حدَّد فيه
آداب
الأداء التمثيلي في إطار المحافظة على ما نسميه بالآداب العامة. كما حدَّد آداب حضور
الجمهور للمسرحيات. فوضع في بنوده ما ينص على أنه لا يجوز للمتفرجين أن يَسبُّوا الممثلين.
وفي حالة خروج المتفرج على أدب الحضور أكثر من مرة، يُحرَم من دخول التياترات. كما أشار
إلى
منع التدخين. وكان من نتائج هذا الخطاب أنْ دَخَل أماكنَ التمثيل نوعان من رجال الأمن؛
الأول: من رجال البوليس، والثاني: من رجال المطافي.
١١
وبسبب هذا الخطاب أيضًا — من وجهة نظرنا — صدرت أول لائحة لنظام المسرح في مصر، على
الرغم
من أنها تختص بالمسرح الإيطالي الذي أُنشئ في ميدان القناصل بالإسكندرية. وما يهمنا من
مواد
هذه اللائحة المادة الأولى، والسادسة. فالمادة الأولى تنص على وضع المسرح تحت رقابة السلطات
المحلية، أيًّا كان مالِكُه. وكلُّ مَن يضمِّن تمثيلَه أو حوارَه شيئًا مما يمسُّ الاحترام
الواجب أداؤه للجمهور، يُحاكَم ويُوضَع في السجن عَقِبَ انتهاء التمثيل مباشرة. وتنص
المادة
السادسة على أنه ينبغي أن يَتَّخِذ ثمانية من الجنود وشاويش مراكزهم داخل المسرح لتنفيذ
الأوامر التي يُصدِرها مدير الشرطة.
١٢ ومادتا هذه اللائحة هما أول إشارة صريحة ومباشرة لقانون الرقابة المسرحية في
مصر، وإن كانت تَخدم المسرح الإيطالي لا المسرح المصري.
وفي عام ١٨٦٩ أنشأ — في مصر — الخديو إسماعيل المسرح الكوميدي الفرنسي، ثم دار الأوبرا
الخديوية. فبدأ عهد المسرح المصري الحديث، وبدأت الرقابة معه أيضًا. وأول مدير ومفتش
لهذه
المسارح كان باولينو درانيت باشا. كما عُهد إليه أيضًا وظيفة الرقيب المسرحي. وجاء تفصيل
هذا عندما قالت مجلة «وادي النيل» في ٣٠ / ٤ / ١٨٦٩: «إن وظيفة تفتيش التياترات (أي
الملاعب) هي من أهم الوظائف الملحقة بديوان وزارة الدولة ببلاد فرنسة وكم من موادَّ دقيقة
مما يتعلَّق بفنون الأدب ومكارم الأخلاق … ترجع في الحقيقة لأصل هذه الوظيفة الدقيقة؛
فلذلك
حصل لنا غاية السرور بما بلغنا من أن الجناب الخديو العالي ألْفَتَ نظرَه المتعالي لهذه
المادة حسبما هو عنه على الدوام معهود من التشبُّث لترتيبات الدولة الفرنساوية بالتقليد؛
حيث أناط هذه الوظيفة بالديار المصرية لجناب درانيت بك أفندي، وما أحسن ما وقع انتخابه
عليه! وما أجدره بحسن الالْتِفات له من حيث زيادة انجذاب سائر الناس إليه!»
١٣
وأول تطبيق لهذه الرقابة في عهدها الجديد، جاء مع ظهور جهود يعقوب صنوع المسرحية
في عام
١٨٧٠. فقد سرد لنا هذا الرائد جوانب مهمة من حياته المسرحية
في مصر، من خلال محاضرة شاملة دعتْه إلى إلقائها جمعية
«تعاون الأفكار» بباريس سنة ١٩٠٢. أهم ما جاء فيها حديثه عن بدايته المسرحية في عام ١٨٧٠
وتجربته مع أول رقابة مسرحية مصرية، عندما قال: «وحين آنستُ أنني أُجِيد بعض الإجادة
فن
المسرح، كتبتُ تمثيلية غنائية من فصل واحد، باللغة العامية … ولما تمَّ ذلك، قصدتُ قصرَ
عابدين وسلَّمتُ مخطوطة الرواية ﻟ«خيري باشا» رئيس تشريفات الخديو إسماعيل، راجيًا سعادتَه
أنْ يقدِّمها … لجنابه … ويبدو أن خيري باشا … نجح في قراءة روايتي لسيده … فأعجبتْه،
وأصدر
التصريح بتمثيلها على مسرح حديقة الأزبكية الموسيقي.»
١٤
ومن خلال هذا القول نفهم أن نظام «التصريح/الترخيص» بتمثيل المسرحيات كان نظامًا متَّبعًا
قبلَ ظهور يعقوب صنوع، وكان يُطبَّق على الفرق الأجنبية. ورغم ذلك نستطيع أن نزعم أن
هذا
التصريح، يُعدُّ أولَ تصريح لنص مسرحي مصري لمؤلِّف مصري في تاريخ المسرح المصري. كما
يُعدُّ خيري باشا — المشرف على احتفالات الخديو — أولَ رقيب مصري يقدِّم تقريرًا شفهيًّا
لإجازة نص مسرحي.
وبعد أن كوَّن يعقوب صنوع مسرحه بأربعة أشهر دعاه الخديو إسماعيل مع فرقته التمثيلية
ليمثل على مسرحه الخاص بسراي قصر النيل بعض المسرحيات. وبالفعل مثَّل صنوع ثلاث روايات
هي:
«البنت العصرية»، و«غندور مصر»، و«الضرتين». وعندما شاهد الخديو «البنت العصرية»، و«غندور
مصر»، قال لصنوع: «إننا نَدِين لك بإنشاء مسرحنا القومي. إن ما تقدِّمه من ألوان الكوميديا
والأوبريت والتراجيديا يُعرِّف شعبَنا بالفن المسرحي. إنك أنت مولييرنا المصري وسيبقى
اسمك.
ولكنه حينما رأى الرواية الثالثة «الضرتين»، وهي رواية تُعارض تعدُّدَ الزوجات … وحينما
سمع
مقطوعة الزوج الطويلة ضد تعدُّد الزوجات الذي هو مصدر الشِّقاق، بل والجرائم في العائلات،
تحوَّل مرحُهُ إلى غضب، واستدعاني فقال لي متهكِّمًا: «انظر، يا موليير، إنْ لم تكن من
صلابة العُود بحيث تُرضِي أكثرَ من زوجة، فلا ينبغي أن تُثِير نفورَ الآخرين.» ووجد نُدَماء
سموِّه من الأوروبيين أقوال سيدهم ظريفةً جدًّا، ونصحوني بأن أستبعد هذه الرواية
من برامجي … وكان
ينبغي أن أُذعِنَ، لكي أُنقِذَ حياة مسرحي المسكين.»
١٥ وبناءً على ذلك تُعتبر مسرحية «الضرتين» ليعقوب صنوع أول مسرحية مصرية
«ممنوعة/مرفوضة» من التمثيل بأمر «ذوي النفوذ/الرقباء» من نُدَماء الخديو. وبذلك تَظهَر
النواة الأولى لإرهاصات الرقابة المسرحية في مصر.
ويستمر صنوع في سرْد اضطهاد ذوي النفوذ لمسرحه قائلًا: «وفي العام التالي … أولاني
الخديو
شرف تمثيل ثلاث روايات أخرى على «مسرح الكوميدي الفرنسية» بالقاهرة، في حفلة ممتازة.
وصفق
الجمهور لفرقتي تصفيقًا حادًّا، بل وصفق الخديو كذلك. ولكن كان في قاعة المسرح بعض ذوي
النفوذ، من ألدِّ أعداء التقدُّم والحضارة. فأقنعوا الخديو بأن رواياتي كانت تتضمن تلميحات
ماكرة وإشارات خبيثة ضدَّه وضدَّ حكومته. فأمر بإغلاق مسرحي.»
١٦
ومن هذا القول نتبيَّن أن هذا الرائد كان عالمًا بمَدَى تأثير الفن المسرحي على الجمهور
المصري — الذي أراد أن يوقظه من سباته — فأتَى له بموضوعات مسرحية تحفزه، وتجعله يفكر
في
أحواله، وأحوال حُكَّامه. مما جعل رجال الحكم يَخشَوْن خطرَ هذا الفن فسارعوا بالقضاء
عليه
— بصورة رقابية — لأنه ضد مصالح الدولة.
ومن الثابت أيضًا، أن يعقوب صنوع قبل اشتغاله بفن المسرح، كان يعمل بالتدريس في
المهندسخانة. وبعد إنشائه لمسرحه حاربَه علي مبارك باشا وطرَدَه من وظيفته، كما حاربَه
أيضًا درانيت باشا رئيس الأوبرا والتياترو الفرنسي.
١٧ فالأول حاربَه
١٨ لعدم منطقية قيام الممثل (المشخصاتي) بالتدريس لأبناء الشعب من الطبقات
الراقية. وذلك لما هو معروف من نظرة المجتمع المصري لفن التمثيل في بداياته. والثاني
حاربَه
من أجْل المنافسة على الفن، وإبعاد خصم من الممكن أن يمثِّل عقبة أمامه في المستقبل؛
لأن
درانيت كان مديرًا للأوبرا، التي كانت قاصرة على تقديم المسرحيات الأجنبية فقط.
وإذا كان يعقوب صنوع هو الرائد الأول للمسرح المصري، فإن مسرحه — الذي استمرَّ عامَيْن
فقط ٧٠-١٨٧١ — هو اللَّبِنة الأولى لظهور نظام الرقابة على المسرحيات في مصر. فنظام الترخيص
(التصريح) على المسرحيات المصرية جاء بسبب مسرحيته الأولى. وفكرة وجود الرقيب المصري،
الذي
يقدِّم لرجال الدولة التقرير اللازم — بعد قراءة المسرحية لإجازته أو رفضه — جاءتْ بسبب
تعرُّض خيري باشا لأول نصٍّ مسرحي مصري لصنوع. وفكرة إغلاق المسارح جاءت بسبب آرائه التي
تضرُّ بالصالح العام من وجهة نظر رجال الدولة في ذلك الوقت.
وتنقطع الأخبار عن المسرح المصري — بعد ذلك — إلى أن تصل إلى الإسكندرية فرقة سليم
خليل
النقاش في ١٦ / ١٢ / ١٨٧٦ بمصاحبة أديب إسحاق ويوسف خياط. وقامتِ الفرقة بتمثيل عِدَّة
روايات في مسرح زيزينيا،
١٩ ولكنها تعثَّرت في البداية؛ لذلك ترك سليم وأديب الفرقة ليوسف خياط، وانصرفا
إلى الصحافة.
«وفي عام ١٨٧٨ انتقل الخياط بفرقته إلى القاهرة مقر الخديو ورجال الدولة، فنشطه إسماعيل
وأمر أن تُفتح له أبواب الأوبرا ليمثِّل رواياته، ووعد أن يحضر التمثيل هو بنفسه. فمثَّل
الخياط فيها رواية «الظَّلُوم» وكان إسماعيل حاضرًا، فغضب لما تخلَّل التمثيل من ذكر
الظلم
والظالمين، ورأى أنهم يُعرِّضون به وبأحكامه، فأمر بإخراج الخياط وفرقته من مصر فعادوا
إلى سوريا.»
٢٠
وهكذا كانت نهاية أول فرقة مسرحية عربية تزور مصر، مثلما كانت نهاية أول فرقة مصرية
على
يد يعقوب صنوع. والسبب في الحالتين واحد، ألا وهو التعرض للحكام وخلخلة نظم الدولة، مما
يستوجِب معه التفكير في وجود نظام للرقابة على العروض المسرحية؛ لأن بعد ذلك كثُرت الفرق
الشامية والأجنبية في مصر، مثل فرقة سليمان قرداحي، وفرقة القباني، والجوق التركي،
والعثماني، والفرنسي، والإيطالي.
وبدأ تكوين نظام الرقابة المسرحية في ١٢ / ١ / ١٨٧٩ بأمر من الخديو محمد توفيق، تحت
اسم
«حفظ التياترات وتشغيلها»، وجعله يتبع قلم المطبوعات، التابع لقلم عموم الإدارة بنظارة
الأشغال العمومية.
٢١ وعندما أصدر الخديو قانون المطبوعات (المطابع) في ٢٦ / ١١ / ١٨٨١، وضع فيه
الهيكل القانوني للرقابة المسرحية، وبالأخص في مادته العاشرة التي نصَّتْ على أن «يجوز
للحكومة في كل الأحوال حجز وضبط جميع الرسومات والنقوشات مهما كان نوعها أو جنسها، وسواء
كانت معلَنة أو معرَّضة لنظر العامة أو للمَبِيع، وذلك متى تراءى لها أن الرسومات والنقوشات
المذكورة مغايرة للنظام العمومي وللآداب أو الدين ويجازى مَن نشرها أو حملها أو عرضها
بغرامة من مائتين إلى ألفين قرش.»
٢٢ وكان القائمون على هذا النظام الرقابي من الأجانب أمثال «جول باروا»، و«جران بك».
٢٣
وأقدم خبر عن عمل هذا الجهاز الرقابي نجده في جريدة «القاهرة» بتاريخ ١٣ / ٣ / ١٨٨٦
تحت
عنوان «شركة التياترو الوطنية»، جاء فيه: «هذه هي أسماء الروايات التي سيشخصها جوق سليمان
أفندي قرداحي في الأوبرا، وذلك بموجب الكشف الذي قدمتْه الشركة إلى نظارة الأشغال العمومية
الجليلة وصدق عليه. [وهي]: «تليماك»، «بجماليون»، «على الباغي تدور الدوائر»، «يوسف الحسن»،
«نكث العهود»، «إستير»، «هارون الرشيد أو غرام الملوك»، «زنوبيا أو ملكة تدمر»، «الجاهل
المتطبِّب»، «محاسن الصدف»، «سليم وأسما أو حفظ الوداد»،
«المروءة والوفاء»، «أندروماك»، «ذات الخدر»، «أستاكيوس»، «عنترة العبسي»، «الباريسية
الحسناء».»
٢٤
وهذا الخبر يعكس لنا أحد الإجراءات المُتَّبَعة من قِبَل الرقابة، للتصريح بالمسرحيات.
وهو وجوب تقديم كشف بالمسرحيات المُزمَع تمثيلُها من قِبَل الفرق المسرحية. ولنظارة الأشغال
الحق في التصريح بها أو منعها. فالمسرحيات السابقة قد تمَّ تمثيلها بالفعل
٢٥ ماعدا مسرحيات «نكث العهود»، «سليم وأسما أو حفظ الوداد»، «المروءة والوفاء»،
«ذات الخدر» «عنترة العبسي»، «الباريسية
الحسناء».
وبمرور الوقت توافدت الفرق المسرحية الشامية. هذا فضلًا عن وجود الفرق الأجنبية،
وأيضًا
بعض الجمعيات التمثيلية، مما استوجب التوسُّع في سَنِّ القوانين واللوائح
٢٦ المنظِّمة لها، لما تعرضه من موضوعات مسرحية على الشعب المصري. ففي
١٣ / ٦ / ١٨٩١ أصدر ناظر الداخلية لائحة بشأن المحلات العمومية، ومنها التياترات والمسارح.
فألزمت أصحابها باستخراج التصاريح اللازمة لتشغيلها، كما حدَّدتْ لهم مواعيد العمل، وأخيرًا
أجازتْ دخول ضابطين وبعض الأنفار (الجنود) من قِبَل حكمدار البوليس إلى هذه المسارح
والتياترات لحفظ النظام والأمن فيها.
٢٧
وتعتبر هذه اللائحة قوة ثانية للرقابة وُلدت من قِبَل نظارة (وزارة) أخرى غير نظارة
الأشغال. فإذا كانت الرقابة بقوانينها السابقة تتبع نظارة الأشغال، الممثِّلة للسلطة
التشريعية للرقابة، فإن نظارة الداخلية، هي السلطة التنفيذية لها.
وتبدأ الرقابة عملها بهاتين القوتين، تحت سيطرة الأجانب. ففي عام ١٨٨٩ كانت مصلحة
الضبط
والربط بنظارة الداخلية تتكون من: «شارل باكر باشا» مديرًا لإدارة الضبط والربط، و«فنك
باشا» وكيلًا لها، والكولونال «بايلي بك» مفتِّشًا لها. وكانت مصلحة قلم البوليس بنظارة
الداخلية تتكون من «كوليس باشا، وباترسون» مفتِّشا عموم إقليم بوليس وجه بحري، و«موكلن
بك»
قومندانًا لعموم بوليس إقليم القاهرة، و«مونتجوف» وكيلًا، و«بلونج» مندوبًا، و«هارفي
بك»
قومندانًا لعموم بوليس إقليم الإسكندرية، و«مارك» وكيلًا لعموم القومندانية. أما نظارة
الأشغال فكانت تتكون من «سكوت مونكريف» وكيلًا، و«باروا بك» كاتمًا لأسرار النظارة.
٢٨
وبدأت الرقابة في تقديم التراخيص اللازمة للمسرحيات. فنجدها ترخص في ٢٣ / ١٢ / ١٨٩١
للجمعية الخيرية الفرنسية بالأوبرا الخديوية بإحياء ليلة راقصة يُخصَّص دخلُها للفقراء
في ٢٢ / ١ / ١٨٩٢.
٢٩ كما رخصت لجمعية التعاون الخيري الإسلامي في ٥ / ٥ / ١٨٩٤ بتمثيل مسرحية «حسن
العواقب» من تأليف إسماعيل عاصم.
٣٠
وأول إشارة مُعلنة — في الصحف — عن نظام الرقابة في رفض المسرحيات، كانت لمسرحية
دينية
بعنوان «يوسف» وكانت بتاريخ ٢٣ / ١٢ / ١٨٩١ عندما قالت جريدة المقطم: «بعث البعض من أهالي
دمياط رسالة برقية إلى الجناب العالي ورسالة أخرى إلى دولتلو رياض باشا رئيس النظار وقد
شَكَوْا فيهما من أنَّ مُعاوِن البوليس هنالك حضر مع جماعة من رجال البوليس إلى التياترو
ليلًا وكانوا مجتمعين فيه لحضور تمثيل رواية «يوسف»، وقال أنه مندوب من قِبَل سعادة المحافظ
ليمنع تمثيل الرواية المذكورة عنوة إجابة لرغبة العلماء؛ لئلا تَقَع مذبحة ثم أقفل التياترو
على أثر ذلك، وقد قالوا في هاتين الرسالتين إن هذا التهويل من معاون البوليس كان له سوء
الوقْع في نفس الجمهور على ما فيه من إقلاق الأفكار.»
٣١
وإذا كان الرفض في هذه الإشارة جاء أثناء تمثيل المسرحية، فإن أول إشارة مُعلنة أيضًا
عن
منع عرض مسرحية قبل تمثيلها جاءتْ في ٩ / ٤ / ١٨٩٦ من قِبَل جريدة «لسان العرب» عندما
قالت:
«عَلِمنا أن الحكومة قد أصدرتْ أمرها إلى محافظة الثغر [أي الإسكندرية مكان صدور الجريدة]
بأن تُراقِب كلَّ رواية جديدة يُراد تمثيلُها وتُراجَع قراءتُها على يَدِ أحد الموظفين
الأدباء فيها … وقد بلَغَنَا أن ذلك التشديد منها كان مصدرُه عن رواية
متعصِّبة شنعاء نَوَى بعض الموظفين الوطنيين تمثيلَها في
أحد مراسح الثغر فردَّتْهم عنها وحالتْ دون هذه الحماقة منهم.»
٣٢
ولم تتوقَّف دكتاتورية الرقابة على منع المسرحيات سواء أثناء أو قبل التمثيل، بل
وصلت إلى
حدِّ منْع المسرح نفسه عن بعض الجمعيات المسرحية. ففي ١٤ / ٥ / ١٨٩٧ «منعتْ نظارة الأشغال
الأوبرا الخديوية عن بعض الجمعيات التي تألَّفت لتشخيص الروايات وتخصيص دخلِها للإعانة
العسكرية. وقد بلغنا أن بعض أصحاب هذه الجمعيات رفعوا قضية على الحكومة أمام المحاكم
المختلَطة يُطالِبونها بالعطل والضرر الذي لحق بهم بسبب هذا المنع.»
٣٣
وإذا كانت الرقابة قد رفضتكما أن تحكُّم العناصر
الأجنبية — وأيضًا التركية
٣٤ — في الرقابة، أدَّى إلى منع العديد من
المسرحيات السياسية، التي تتعارض مع مصالح هؤلاء الأجانب، أو دُوَلهم. ففي يوم
١٨ / ١ / ١٨٩٨ قالت جريدة المقطم: «كانت جمعية السراج المنير قد عزمتْ على تمثيل رواية
«أدهم باشا» في المرسح العباسي مساء أمس، ولما كانت تلك الرواية تشتمل على أمور ليس من
الحِكْمة إظهارُها في مثل هذا الحين بعد أنِ انتهتِ الحرب وأوشكتِ العلائق السياسية أن
تعود
إلى مجراها الأول. فقد ارتَأَى سعادة محافظنا الفاضل وجناب حكمدارنا النشيط أن يعترضا
على
تمثيلها، فدعا سعادة المحافظ أعضاء جمعية السراج المنير وأبان لهم أن الحكومة لا تُبِيح
لهم
بتمثيل الرواية المذكورة.»
٣٥
وإذا كانت الرقابة قد رفضت — فيما سبق — مسرحية «يوسف» كمثال للمسرحية الدينية، ومسرحية
«أدهم باشا» كمثال للمسرحية السياسية، نَجِدها في الخبر التالي ترفض مسرحية «قطب العاشقين»
كمثال للتعريض برجال الدولة؛ ففي يوم ١٠ / ٤ / ١٩٠١ قالت جريدة الإخلاص تحت عنوان «هِمَّة
وغَيْرة»: «انتشر منذ مدة إعلان في العاصمة يُفيد عزم بعض القوم على تمثيل رواية تُدعَى
«قطب العاشقين» يَقصِد بها أصحابُها الحطَّ من مقام كبير من كبراء رجال الدولة وأئمة
المسلمين، فلما عَلِم حضرة الفاضل صاحب العزة نصري بك كرم بالإعلان المذكور رفع عريضة
لسعادة محافظ مصر سأله فيها منْعَ هذه الرواية، فأصدر سعادتُه للحال أمْرَه بمنْعِها،
فنشكر
صاحب السعادة على غَيْرته على الأدب والبك على هِمَّته وإخلاصه.»
٣٦
واستمرت الرقابة حتى عام ١٩١٩ تحت إدارة إنجليزية فرنسية، بمساعدة وزارة الداخلية.
فقد
كانت المسرحيات المُرخَّص بها تُختَم بخاتمين، أحدهما باللغة الإنجليزية والآخر باللغة
الفرنسية، وعليهما هذه العبارات الدالة على وظيفة صاحب التوقيع وتأشيرة الترخيص والجهة
المرخِّصة:
٣٧
وباعتلاء رجال إنجلترا وفرنسا قمة نظام الرقابة المسرحية في مصر، بدأ الصراع بينهما
وبين
الفنانين المسرحيين. فبدأت الرقابة تُصادِر وتَمنَع — بمساعدة رجالها من وزارة الداخلية
—
أية مسرحية تمسُّ الحياة السياسية أو تُلهِب شعور المصريين ضد الاستعمار. ومن غير المعقول
أن يوافق الاحتلال الإنجليزي على تمثيل مسرحية «دنشواي»، ولم يمضِ سوى أقل من عامين على
فضيحته في هذه الجريمة البشعة.
٣٨ فجريدة «الأخبار» قالت في ٨ / ٧ / ١٩٠٨: «طلب بعضهم من نظارة الداخلية تمثيل
رواية «دنشواي» فكتبتْ نظارة الداخلية أمس إلى الحكمدارية تستطلع رأيها في هذا الشأن،
فرفضتِ الحكمدارية رفضًا باتًّا قبول تمثيل هذه الرواية.»
٣٩
ومنذ ذلك التاريخ قررت الحكومة مراقبة التياترات العربية، وأخذت المحافظة تُرسِل
عددًا من
الخفر ورجال البوليس السري إلى كل تياترو عربي وقت التمثيل لمنع الممثلين من تمثيل الروايات
الممنوعة.
٤٠ فمُنعت حفلة تمثيلية للطلاب في ١٠ / ٨ / ١٩١٠.
٤١ وفي اليوم التالي مُنعت مسرحية «ضحايا المجد» المخصَّصة لجمعية إعانة البؤساء.
٤٢ وكفى عنوان المسرحية، الذي يوحي بالحديث عن زعماء مصر، أو ما شابه ذلك مما يؤثر
على الجمهور المصري بتذكر أمجاده، وبالتالي الثورة على أوضاعه في ظل الاستعمار. ومن هنا
انتهجتِ الرقابة أسلوبًا جديدًا في المنع، فأصدرتْ قائمة شاملة بالمسرحيات الممنوعة.
ففي يوم ١٢ / ٤ / ١٩١١ «أصدرت المحافظة منشورًا بمنع تمثيل خمس روايات؛ وهي رواية
«إسرائيل» و«الوقائع المدهشة» و«نابليون» و«الأزهر» و«دنشواي»، وشدَّدت على المأمورين
بملاحظة ذلك.»
٤٣ وأمام هذا النشاط البوليسي من قِبَل الرقابة والحكومة والمحافظة كان لا بد من
وضْع تقنين لأسلوب التعامل مع المسرحيات السياسية أو الدينية أو كل ما يُثِير حماس الشعب
ضد
الحكومة أو الاحتلال في مصر.
ففي ١٢ / ٧ / ١٩١١ صدرت الأحكام القانونية للائحة التياترات، ونشرتْها جريدة «الوقائع
المصرية» في ١٧ / ٧ / ١٩١١ وهذا نصها:
٤٤
الوقائع المصرية
الإثنين: ١٧ يولية سنة ١٩١١
القسم الرسمي، نظارة الداخلية، لائحة التياترات
الصادر بها قرار نظارة الداخلية الرقيم ١٢ يوليو سنة
١٩١١
ناظر الداخلية
بعد الاطِّلاع على الجمعية العمومية بمحكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ ٢٣ مايو
١٩١١ الصادر طبقًا للأمر العالي الرقيم ٣١ يناير ١٨٨٩، قرَّر ما يأتي:
عن الترخيص
- (١)
لا يجوز فتح تياترو للعموم أو تشغيله قبل الترخيص بذلك مقدمًا من
المحافظ أو المدير.
- (٢)
تُقدَّم طلبات المرخص على الأورنيك الذي تقرِّره جهة الإدارة
ويُوضَّح فيها ما يأتي:
- أولًا: اسم ولقب وسِنُّ ومحل ولادة وصناعة ومحل إقامة
وتبعية الطالب ومدير المحل.
- ثانيًا: نوع المَناظِر التي سيُفتح التياترو
لأجْلِها.
- ثالثًا: عدد محلات الجلوس التي يمكن أن يحتوي عليها.
- رابعًا: اسم ولقب ومحل إقامة وتبعية مالك العقار.
- خامسًا: قوة المحرِّك الميكانيكي إذا كان في المحل محرِّك من
هذا القَبِيل، وتُرفَق الطلبات برسم يوضح بالتفصيل
تقسيم التياترو من الداخل وكذلك الشوارع والأملاك
المتصلة به.
- (٣)
في المدن التي يتقرَّر سريان هذه اللائحة فيها طبقًا لأحكام المادة
يشكل قومسيون للتياترات [١٩]
٤٥ تُوضَّح كيفية تأليفه في ذات القرار الذي يصدر من نظارة
الداخلية بسريان اللائحة.
- (٤)
إذا وافق المحافظ أو المدير على موقع المحل يُقرَّر بعد أخذ رأي
قومسيون التياترات
٤٦ ما يلزم رعايتُه من الأبعاد، وما يجب اتخاذه من التدابير
المتعلِّقة بالبناء، وكذلك التنسيقات والإنارة، وعلى الخصوص الاحتياطات
اللازمة لمنع الحريق وحصره وتسهيل الخروج للعموم عند حدوثه.
- (٥)
لا تُعطى الرخصة بفتح التياترو إلا بعد أن يَتحقَّق القومسيون بأن
جميع الإجراءات التي تقرَّرت صار تنفيذها.
- (٦)
تُدرَج في الرخصة شروط تشغيل المحل والاحتياطات التي يلزم اتخاذها
للوقاية من الحريق، خصوصًا فيما يتعلق بالتحقق من صيانة الجرادل
والطلمبات والمواسير وأدوات المرسح (كالستائر والحبال والمسالك
المؤدِّية إلى المرسح) ومن مساعدة
رجال المطافئ والتحقق عمومًا من كفاءة جميع الاحتياطات التي صار
تقريرها.
عن التفتيش
- (٧)
لكي يتحقق قومسيون التياترات من
أن جميع الاحتياطات التي تقررت قد رُوعيت، له أن يُفتِّش بذاته وعند
اللزوم بواسطة مندوبين خصوصيين للتياترات كلما لزمتِ الحال، على أن
يكون هذا التفتيش مرة واحدة في السنة على الأقل.
- (٨)
عند ظهور مضارَّ خطيرة تتعلق بالأمن العام فعلى أصحاب التياترات
والقائمين بتشغيلها تنفيذ الاحتياطات التي يُقرِّرها المحافظ أو المدير
بناء على التقرير المقدَّم من قومسيون التياترات. فإذا لم يتمُّوا هذه
الاحتياطات في الميعاد الذي يتحدد لذلك فللسلطة المحلية إصدار الأمر
بإقفال التياترو مؤقتًا. وفي حالة وجود خطر مداهم فللسلطة المحلية
إصدار الأمر بتعطيل التشخيص.
إجراءات لحفظ النظام والأمن
- (٩)
على كل مَن يروم تشغيل تياترو أن يُخطِر المدير أو المحافظ قبل
التشغيل لأول مرة بثمانٍ وأربعين ساعة على الأقل عما يأتي:
- أولًا: اسم كل جوق جديد.
- ثانيًا: مواعيد التشخيص باليوم والساعة.
- ثالثًا: بيان الروايات أو بروجرامات المناظر.
- (١٠)
ممنوع ما كان من المناظر أو التشخيص أو الاجتماعات مخالفًا
للنظام العام والآداب، وللبوليس
الحقُّ في منع ما كان من هذا القَبِيل وإقفال التياترو عند
الاقتضاء.
- (١١)
ممنوع ما يأتي:
- أولًا: المكوث في الممرَّات المخصصة للمرور أو وضْع الكراسي
فيها.
- ثانيًا: التدخين داخل التياترو في غير المحلات المُعدَّة
لذلك ما لم تكن هذه التياترات من التياترات المسموح
لها صريحًا بتَرْك الحضور يدخنون في محل المشاهدة
ذاته.
- ثالثًا: الضوضاء وكل ما مِن شأنه التشويش على التمثيل.
وللبوليس في حالة حصول شيء من التشويش طرْدُ المسبِّب
له.
- (١٢)
يخصص مكان موافق لضابط البوليس المنوط بالمراقبة وقت التمثيل.
- (١٣)
لا يجوز إبقاء التياترات مفتوحة إلى ما بعد الساعة الأولى بعد نصف
الليل إلا بتصريح خصوصي.
- (١٤)
كلما مسَّت الحاجةُ التمثيلَ إلى إطلاق عيارات نارية أثناءه فلا يكون
الإطلاق مصوَّبًا نحو صالة المتفرِّجين.
- (١٥)
إذا اقتضتِ الرواية تمثيل منظر نار مضطرمة أو إطلاق سهام نارية فمن
الواجب إخطار المحافظ أو المدير عن ذلك قبل الميعاد بأربع وعشرين ساعة
ليتمكَّن من اتخاذ وسائل المراقبة اللازمة لذلك.
٤٧
وأهم ما جاء في هذه اللائحة من مواد تختص بنظام الرقابة، المادة الثامنة، والعاشرة،
والثانية عشرة. ومنذ صدور هذه المواد بدأ بالفعل البوليس المصري في تنفيذها. ومن طرائف
هذا
التنفيذ ما ذكرتْه جريدة «الأخبار»، عندما قالتْ في يوم ١٥ / ١٢ / ١٩١٥: «عُهد إلى أحد
ضباط
البوليس في تنفيذ قرار القائد العام بإقفال المحلات العمومية والملاهي في الساعة الثانية
عشرة مساء، وكان جوق إخوان عكاشة يمثِّل ليلة تنفيذ الأمر رواية «اليتيمتين»، وهي رواية
ذات
خمسة فصول، وكانوا قد وصلوا في الساعة الثانية عشرة إلى
أول الفصل الرابع منها، فأمر الضابط بإنزال الستار وصرف الحاضرين. فكان له ما أراد.»
٤٨
ويلاحظ القارئ على لائحة التياترات السابقة أنها نصَّتْ فقط على خطورة ما يُعرض من
تمثيليات تشخيصية بالنسبة للأمن العام والآداب، دون تحديد هذه الخطورة، أو ضرب أمثلة
لها.
وهذا بدوره أعطى الحق للرقابة في منع ما تراه سواء بالحق أو بالباطل. هذا إذا علمنا أن
الرقابة منذ عام ١٩٢٠ أصبحتْ إنجليزية وتحت سيطرة الاستعمار بمساعدة رجال الداخلية من
المصريين. فالتراخيص ما بين عامَيْ ١٩٢٠–١٩٢٤ أصبحتْ تُوقَّع من قِبَل مدير الرقابة
الإنجليزي، وتُختم بخاتم إنجليزي يحمل هذه العبارة:
PASSED—POLITICAL
CENSORSHIP SUPPRESSED.
٤٩
وسيطرة الاستعمار الإنجليزي على الرقابة، وتقنين التعامل مع المسرح، خدع بعض المثقفين
ممن
توهموا أن الحكومة أصدرت لائحة التياترات حفاظًا على الآداب. ومن هؤلاء علي فكري — أمين
دار
الكتب المصرية — عندما قال في مايو ١٩٢٣: «نحن نشكر للحكومة عنايتها بدُور التمثيل الصامت
(السينما)، ونرجو إلفات نظرها إلى دَوْر التمثيل الهزلي، فلا تسمح بتمثيل رواية إلا بعد
نظرها بقلم مراقبة المطبوعات بوزارة الداخلية وإقرار تمثيلها أمام الجمهور حفظًا لآدابه».
٥٠
ويؤكد هذا المعنى أيضًا قول محمود مراد عن قلم مراجعة الروايات (الرقابة) في عام
١٩٢٤
عندما قال: «… لا يمكن أن تمثَّل الروايات إلا بعد أن يُصدِّق عليها ذلك القلم؛ وذلك
محافظة
على الآداب العامة مما قد يكون في بعض الروايات من مفسدة للأخلاق كقبيح العبارات أو إغراء
على رذيلة.»
٥١
والحقيقة أن لائحة التياترات صدرت من أجْل المحافظة على الآداب في الظاهر — وهذا
ما
توهَّمه البعض في بادئ الأمر — ولكنها في الباطن كانت صادرة خدمة لأهواء السياسة المصرية،
٥٢ ولصالح الاستعمار،
٥٣ والجاليات الأجنبية ورجال الحكم.
٥٤
ومنذ عام ١٩٢٥ بدأت الرقابة عهدًا جديدًا في الإدارة؛ حيث قام بإدارتها المصريون.
وكان
أول مدير مصري لها هو محمد مسعود،
٥٥ الذي كان يتلقَّى تعليمات الرقابة من الإنجليز، بل كان يوقِّع على التراخيص
باسمه باللغة الإنجليزية.
٥٦ وكانت وظيفته تقع تحت رئاسة حكمدار العاصمة بوزارة الداخلية «رسل باشا» الذي
تولَّى هذا المنصب بين عامَيْ ١٩١٩–١٩٤٦.
وفي هذه الفترة كانت «الرقابة/وزارة الداخلية» لا تهتم بالشعور الوطني للشعب المصري،
بل
كانت تحارب كلَّ فِكْر مسرحي وطني أو سياسي. ومن هنا تهكَّم الناقد محمد عبد المجيد حلمي
قائلًا في ٣٠ / ٨ / ١٩٢٦: «… وبقيتْ بعد ذلك مشكلة «الوطنية»! هل إذا وضع كاتب رواية
محلية
تمثل «مجد مصر وعظمتها» يصرِّح قلم المطبوعات
٥٧ بتمثيلها وهو الذي يحاسب على الكلمة والحرف؟! لا أظن ذلك مطلقا، فإن التعليمات
شديدة في هذا الموضوع.»
٥٨
ومما يؤكد هذا المعنى أيضًا ما كتبتْه مجلة «الممثل» في ٤ / ١١ / ١٩٢٦ تحت عنوان
«مدير
قلم المطبوعات» عندما قالت: «نكتب هذه الكلمة بمناسبة الشكاوى التي تتصاعد يومًا فيومًا
من مديري الفِرَق التمثيلية
والمؤلِّفين من مدير قلم المطبوعات ناسبين إليه تداخُله الشديد الذي يؤدِّي غالبًا إلى
تشويه رواياتهم، وذلك بحذف جُمَل هامة أو مَشاهِد تؤثِّر في مغزى تلك الروايات … فمديرو
المسارح التمثيلية يتهمون مدير قلم المطبوعات بقضائه على كل مشهد حماسي أو عِظَة وطنية،
وبثورته المستمرة ضد الروايات السياسية. هذه هي تهمة مديري الفرق لمدير قلم المطبوعات،
وهي
تهمة خطيرة في مثل هذا العصر عصر الحرية والتفكير الحُرِّ. ونحن لا نريد أن نسترسل في
هذا
الموضوع ونرجو أن يكون هذا أولَ وآخِرَ ما يُكتَب في هذا الشأن منبِّهين حضرة مدير قلم
المطبوعات أن اليوم غير الأمس، والسلام.»
٥٩
ومن هذا المقال يتضح لنا أن نظم الرقابة أخذت في التطور، وتخطِّي حدود الموافقة أو
المنع
إلى حدود التدخُّل في النص سواء بتغيير الكلمات،
٦٠ أو شطب الجمل أو بعض المشاهد. هذا بالإضافة إلى إخماد الروح الوطنية عند
المصريين وعدم التعرض للموضوعات السياسية، وهذا بالقطع في صالح الاستعمار الأجنبي ورجال
الحكم في مصر، في ذلك الوقت. مما أدَّى إلى المناداة بإلغاء قلم المطبوعات (الرقابة)،
٦١ ولكن دون جدوى.
وأهم نقد لاذع وُجِّه إلى «قلم المطبوعات/الرقابة» — في تلك الفترة — كان في
٣٠ / ٤ / ١٩٢٨ عندما تحدث الناقد محمد علي حماد عن رواية رفضَها قلم المطبوعات لأن بها
أشياء لا يجوز إخراجها أمام النظارة على المسرح حيث إنها تمسُّ ولو مِن بُعد الحالة
السياسية في البلد. ويتهكَّم الناقد من أن الرواية خالية تمامًا من هذه الأشياء، ولكنه
تعسُّف قلم المطبوعات، الذي يَجهَل عملَه تمامًا؛ لأن العاملين به مِن غير المتخصِّصين
في
هذا المجال. وأخيرًا يقترح الناقد باختيار نخبة من المثقفين المتخصصين في مجال المسرح
كي
يقوموا بالعمل في هذا القلم.
٦٢
وفي عام ١٩٢٨ توحَّدت الرقابة السينمائية
٦٣ مع الرقابة المسرحية تحت قواعد عامة تمثَّلت في فحص الأعمال الفنية حفاظًا على
الأخلاق، ومنع ما قد يَبُثُّ رُوحَ الإجرام وارتكاب الرذائل، أو ما يمسُّ شعور الجمهور
أو عقائده.
٦٤ ولكن بعد أيام قليلة انفصلتِ الرقابة المسرحية عن السينمائية. فالتوحُّد بينهما
كان في غير محلِّه، خصوصًا وبينهما هذا الفارق الكبير المتمثل في تاريخ كل فنٍّ على حِدَةٍ.
فالفن المسرحي في مصر أسبق بكثير من الفن السينمائي، هذا فضلًا عن انتشار المسرح بصورة
أكبر
من السينما التي كانت صامتة في ذلك الوقت. وكفى أن نعلم أن مصر في هذه الفترة كانت بها
أكثر
الفِرَق المسرحية عددًا وشهرة
٦٥ بصورة لم يَسبِق لها مَثيلٌ. بل وتُعتَبَر هذه الفترة أنضج فترات المسرح المصري
على الإطلاق.
وأمام هذا التطور في الفن المسرحي، وكثرة الفرق المسرحية، كان لا بد من وضْع قواعد
ولوائح
رقابية جديدة. فقد قالتْ جريدة مصر في ١٨ / ٧ / ١٩٢٩ تحت عنوان «حول مراقبة التمثيل
والملاهي»: «يذكر القُرَّاء ما كان من اهتمام حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد العزيز
البشري وكيل إدارة المطبوعات حيال ما سَرَى في البلاد من مخاطر التمثيل المضرِّ بالأخلاق
ومحالِّ الملاهي الأخرى كالسينما وغيرها، وقد أشرنا إلى اجتماعه بأصحاب المسارح والملاهي،
وقلنا إنه أخذ منهم قرارًا بعدم عودتهم إلى تمثيل ما يُخالِف الآداب وأنذرهم أن كل مَن
يجرُؤ على مخالفة التعليمات الأخيرة يُعاقَب بأشد عقاب. وهذا حسن، وإذا كنا جَاهَرنا
بارتياحنا لمجهود الأستاذ، إلا أننا نرجو من جهة أخرى تخصيص مندوب لكل مسرح ولكل رواية
توافق عليها إدارة المطبوعات ليتسنَّى لهذا المندوب إبداء ما يراه من الملاحظات لولاة
الأمور في نهاية كل حفلة، حتى إذا انحرف بعض أصحاب التمثيل والملاهي عن مراعاة الكرامة
المصرية والأخلاق والآداب يتسنَّى معاقبتُه وأن تُدوَّن الملاحظات على نفس «الأصل» المحتفظ
به في المطبوعات في نهاية صحائف الرواية، وأن يُخصَّص دوسيه — ملفٌّ — خاص بإدارة المطبوعات
لأعمال كل مسرح وملهًى للرجوع إليه حتى تستطيع إدارة المطبوعات والأمن العام إحصاء الروايات
التمثيلية لكل منها في العام والوقوف على البيانات الوافية من جهة الروايات التمثيلية
الأخلاقية والعلمية والأدبية والوعظية والاجتماعية والتاريخية منها سواء أكانت عربية
أم
أجنبية كما هو المعول به في البلدان الأخرى.»
٦٦
كما قالت جريدة «المقطم» في ١٧ / ١٠ / ١٩٢٩ حول هذا الموضوع أيضًا، وتحت عنوان «الرقابة
على المسارح ودور اللهو»: «رأتْ وزارة الداخلية أخيرًا العدول عن النظام الذي كان مرعيًّا
في رقابة إدارة المطبوعات على دُور اللَّهْو والمسارح والتريُّث حتى تضع لجنة الرقابة
الأدبية التي يرأسها حضرة صاحب العزة أحمد بك كامل وكيل الأمن العام نظامًا جديدًا يكفل
صون
الآداب العامة.»
٦٧
ثم وصل الأمر إلى التهكُّم من لائحة التياترات
القديمة والمطالبة بتغييرها لتتلاءم مع العصر الحالي. وفي ذلك يقول ناقد جريدة «مصر»
الفني
في ٢١ / ٩ / ١٩٣٠ تحت عنوان «لائحة المسارح والملاهي»: «في مصر لائحة للمحالِّ العامة
التي
يَغشَاها الجمهور وضعتْها وزارة الداخلية ويُشرِف على تنفيذها رجال البوليس، وهي نفسُها
التي تُطبِّقها على المسارح والملاهي ومحالِّ الرقص ولكن هل يَجِد ولاة الأمور فيها الكفاية
لتطبيقها على المسارح وتُنظِّم أعمالها؟ إن هذه اللائحة قديمة، فلم يحاول ولاة الأمور
أن
يُدخِلوا عليها من التعديل ما يتفق مع نظام المسارح المتجدِّد، بالرغم من أنها وُضعتْ
أيامَ
كانت لا توجد في مصر إلا الفِرَق المتنقلة، واكتفت الحكومة بأن يُصدِر مدير الأمن العام
بين
وقت وآخر قرارات وقتية، إما بناء على اقتراحات مدير قلم المطبوعات أو رجال الضبطية العامة،
وهذه القرارات ليستْ لها صفة القانون بالرغم من أنها كل يوم تتجدد وينسخ بعضُها بعضًا.
ففرضت وزارة الداخلية على كل فرقة من الفرق أن ترسل إلى قلم المطبوعات الرواية التي تُريد
تمثيلَها وإخراجَها سواء أكانت مُعرَّبة أو كانت موضوعة، ويَعهَد قلم المطبوعات إلى بعض
موظَّفيه في قراءة هذه الرواية ومراعاة تطبيقها على الآداب العامة ومواقفها على قوانين
الدولة، حتى إذا لم يجد هذا الموظف فيها شيئًا ممنوعًا أجاز تمثيلَها وإخراجها ورفعها
إلى
مدير المطبوعات مشفوعة برأيه، وبعد ذلك تُختم بخاتم الإدارة ثم تُرسَل إلى الفرقة مع
قرار
السماح بتمثيلها، وبعد ذلك يُعهَد إلى بعض هؤلاء الموظفين بحضور البروفات والليالي الأولى
من تمثيلها حتى إذا عنَّ لهؤلاء شيء من الملاحظات أفضَوْا به لولاة الأمور، وطلبوا إلى
الفرقة إصلاحَه. وهذا عمل إداري محض، فلا يتعرَّض هؤلاء الموظفون لنوع الرواية الفني
ولا
لمغزاها ولا لشيء من ذلك. ولكن هذا النظام قد أَثبَتَتِ التجاربُ فسادَه فإن الحكم فيه
موكول إلى موظف واحد، قد لا يكون ناضج الرأس، أو بعيد النظر، وقد يكون مُغرِضًا في قراره
وحكمه، والعصمة لا تكون إلا للأنبياء، وعند ذلك تتعرَّض مصلحة الفرقة للضياع.»
٦٨
واستمر الصراع بين الرقابة والفن المسرحي، أو بين رجال الحكم ورجال الفن، حول أحقية
الفن
المسرحي في التعبير عن حياته وحياة شعبه، سواء بالتعرض إلى أحواله الاجتماعية أو السياسية
أو الاقتصادية، وبين تعنُّت وديكتاتورية رجال الرقابة (رجال الحكومة)، في منع وصول هذا
التعبير بكل صورة ممكنة إلى الجمهور. وأصبح «الفنان يرسم جوانب الحياة ويستعرضها من الزاوية
التي يُحسُّها هو … ولكن الرقيب يُحدِّد الجانب الذي يصوِّره الفنان ويضع أمام الفن حدودًا
ونهايات. والفن لا يعرف القيود ولا يؤمن بالحدود؛ لأن الفن ليست له نهاية … ومن هنا يصطدم
الفن مع الرقابة، وطبيعة الفن نفسها تحتِّم هذا التصادم.»
٦٩
واستمر هذا التصادم أو هذا الصراع بين الفنان والرقيب حتى عام ١٩٥٥، عندما صدر قانون
الرقابة المعمول به إلى الآن.
ففي ٣ / ٩ / ١٩٥٥ صدر القانون رقم ٤٣٠ لسنة ١٩٥٥
لتنظيم الرقابة المسرحية من أجْل المحافظة على الأمن والنظام العام وحماية الآداب ومصالح
الدولة العليا فيما يتعلَّق بمصلحتها السياسية في علاقاتها مع غيرها من الدول. ومن أهم
موادِّه وبنوده:
- (١)
عدم عرض أي عمل مسرحي إلا بترخيص من وزارة الثقافة.
- (٢)
لا يجوز للمرخَّص له إجراءُ أي تعديل أو تحريف أو إضافة أو حذف بالمسرحية
المرخَّص بها.
- (٣)
يجوز للسلطة القائمة على الرقابة أن تسحب بقرار مسبَّب الترخيص السابق إصداره
في أي وقت، إذا طرأت ظروف جديدة تستدعي ذلك.
- (٤)
يجوز التظلُّم من القرارات المتعلقة برفض الترخيص
٧٠ أو تجديده أو سحبه.
٧١
وفي ٢٧ / ٥ / ١٩٧٦ أصدرتْ وزارة الثقافة القرار رقم ٢٢٠ لسنة ١٩٧٦، بهدف الارتقاء
بالمستوى الفني، وتأكيد قِيَم المجتمع الدينية والروحية والخلقية، والمحافظة
على الآداب العامة والنظام العام وحماية النشء من
الانحراف، ومن أهم مواد وبنود هذا القرار: عدم الترخيص بعرض أو إنتاج أو إعلان عن أي
مسرحية، إذا تضمَّنتْ أمرًا من الأمور الآتية:
- (١)
الدعوات الإلحادية والتعرض بالأديان السماوية والعقائد الدينية وتحبيذ أعمال
الشعوذة.
- (٢)
إظهار صورة الرسول ﷺ صراحة أو رمزًا، أو صور أحد من الخلفاء الراشدين
وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة أو سماع أصواتهم وكذلك إظهار صورة السيد
المسيح أو صور الأنبياء عمومًا، على أن يُراعَى الرجوع في كل ذلك إلى الجهات
الدينية المختصة.
- (٣)
المشاهد الجنسية المُثِيرة أو مشاهد الشذوذ الجنسي والحركات المادية
والعبارات التي تُوحي بما تقدَّم.
- (٤)
المناظر الخليعة ومشاهد الرقص بطريقة تؤدِّي إلى الإثارة أو الخروج عن
اللياقة والحِشْمة في حركات الراقصين والراقصات والممثلين والممثلات.
- (٥)
استخدام عبارات أو إشارات أو معانٍ بذيئة أو تَنْبُو عن الذوق العام أو تتسم
بالسوقية وعدم مراعاة الحصافة والذوق عند استخدام الألفاظ المقترنة اقترانًا
وثيقًا بالحياة الجنسية أو الخطيئة الجنسية.
- (٦)
عرض الحقائق التاريخية وخاصة ما يتعلق منها بالشخصيات الوطنية بطريقة
مُزيَّفة أو مشوَّهة.
- (٧)
التعريض بدولة أجنبية أو بشعب تربطه علاقات صداقة بجمهورية مصر العربية
وبالشعب المصري، ما لم يكن ذلك ضروريًّا لتقديم تحليل تاريخي يقتضيه سياق
الموضوع.
- (٨)
عرض المشكلات الاجتماعية بطريقة تدعو إلى إشاعة اليأس والقنوط وإثارة الخواطر
أو خلق ثغرات طبقية أو طائفية أو الإخلال بالوحدة الوطنية.
٧٢
وإذا كنا قد سردنا — فيما سبق — تاريخ الرقابة المسرحية منذ نشأتها حتى صدور قانون
الرقابة المعمول به الآن، فسنحاول في الصفحات القليلة القادمة، سرد هذا التاريخ بصورة
وثائقية، من خلال أختام وتأشيرات الرقابة منذ عام ١٩٠٧، حتى عام ١٩٧٠.
التاريخ التوثيقي لأختام وتأشيرات وتوقيعات الرقابة ١٩٠٧–١٩٧٠
-
(١)
على الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «العفو القاتل» لسليم ميخائيل فرنيني
بتاريخ ٢٠ / ٣ / ١٩٠٧، يوجد خاتم دائري مطبوع باللغة الفرنسية وسطه نجمة يحوطها
هلال بوسطه توقيع المدير الفرنسي. وبهذا الخاتم عبارتان، الأولى:
COMMISSION DES THEATER والثانية:
MINISTER DE L’INTERIEUR (أي وزارة
الداخلية)، وعلى اليسار يوجد توقيع مدير الرقابة الإنجليزي أسفله خاتم مطبوع
بعبارة
PRESIDENT OF THE THEATER COMMISSION؛
أي مدير كومسيون — أو لجنة — المسرح، المركز رقم ٩٨٣.
٧٣
-
(٢)
على يمين الصفحة الأولى من مسرحية «مصارع الشهوات أو الشريط الأحمر» لعباس
علام بتاريخ ٢٧ / ٥ / ١٩١٩، يوجد خاتم دائري مطبوع باللغة الفرنسية وسطه نجمة
يحوطها هلال بنفس معنى الأختام السابقة وسطه توقيع المدير الفرنسي، وبهذا الخاتم عبارتان،
الأولى:
COMMISSION DES THEATER والثانية:
MINISTER DE L’INTERIEUR (أي وزارة
الداخلية) وعلى اليسار يوجد خاتم مطبوع بهذه العبارة POLITICAL
CENSORSHIP PASSED ثم توقيع مدير الرقابة الإنجليزي،
المركز رقم ١٢٦٩.
-
(٣)
على الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «السلطان صلاح الدين الأيوبي» لنجيب حداد
بتاريخ ٦ / ١١ / ١٩٢٠، يوجد هذا الخاتم POLITICAL CENSORSHIP
SUPPRESSED وأسفله توقيع المدير الإنجليزي، المركز رقم
٦٧١.
-
(٤)
على الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «الغول» لبديع خيري بتاريخ
٢٠ / ١ / ١٩٢٥، يوجد خاتم مطبوع بعبارة
PRESS
DEPT ثم توقيع مدير الرقابة محمد مسعود، المركز ٩٤٠.
٧٤
-
(٥)
على الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «البرنسيسة» ومسرحية «دولة الحظ» لفرقة
يوسف عز الدين بتاريخ ٢١ / ٢ / ١٩٢٧، كتب مدير الرقابة المصري عبد الرحمن
الجميعي ترخيص المسرحية باللغة الإنجليزية، كما وقَّع باسمه أيضًا باللغة
الإنجليزية، المركز رقم ٢٩٩ «للبرنسيسة» ورقم ٥٥١ «لدولة الحظ».
-
(٦)
على الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «دي مراتي أو شيء يجنن» اقتباس محمود عبد
المجيد فهمي بتاريخ ٢٧ / ٥ / ١٩٢٨، يوجد خاتم مطبوع مستطيل الشكل مكتوب فيه:
وزارة الداخلية، أمْن عام: قسم المطبوعات، ثم تأشيرة المدير الإنجليزي بمنع
المسرحية، وكذلك نفس التأشيرة باللغة العربية من المدير المصري سليم عز الدين،
المركز رقم ٥٤٠.
-
(٧)
على الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «وش الدستة» لمحمود حلمي بتاريخ
٦ / ٧ / ١٩٢٩، يوجد ثلاثة أختام: الأول دائري باللغة العربية والفرنسية.
فبالعربية مكتوب: وزارة الداخلية قلم المطبوعات، وبالفرنسية مكتوب
MINISTER DE L’INTERIEUR
وBUREAU DE LA PRESSE، والثاني على يسار
الصفحة وهو مطبوع باللغة العربية — على شكل مستطيل — مكتوب فيه: وزارة
الداخلية، أمن عام … إدارة المطبوعات … مراقبة الروايات التمثيلية، والثالث
خاتم شخصي باسم مدير المطبوعات سليم عز الدين، المركز رقم ١١٠٦.
-
(٨)
على الصفحة الأولى من مسرحية «دقة بدقة» لسعد الدين الشريف بتاريخ
١٣ / ١ / ١٩٣٧، يوجد ثلاثة أختام الأول دائري صغير مطبوع باللغة الفرنسية
والعربية؛ فباللغة الفرنسية مكتوب: MINSTER DE LE
CAIRE وDEPARTEMENT DE LA PRESSE PUBLICITE
ET CULTURE وباللغة العربية مكتوب: «وزارة الداخلية: إدارة
الصحافة والنشر والثقافة بمصر»، والثاني على يسار الصفحة وهو مطبوع باللغة
العربية — على شكل مستطيل — مكتوب فيه: «وزارة الداخلية، أمن عام … إدارة
المطبوعات … مراقبة الروايات التمثيلية»، والثالث خاتم شخصي باسم مدير
المطبوعات سليم عز الدين — المركز رقم ٥٥٩.
-
(٩)
على الصفحة الأولى من مسرحية «الحاكم بأمر الله» لإبراهيم رمزي الخاصة
بالفرقة المصرية بتاريخ ٢٩ / ٩ / ١٩٤٨، يوجد خاتمان الأول دائري مكتوب فيه
باللغة العربية: «وزارة الشئون الاجتماعية، إدارة الدعاية والإرشاد الاجتماعي،
قسم المسرح والسينما»، والثاني دائري أيضًا مكتوب باللغة الفرنسية والعربية؛
فبالفرنسية مكتوب: PUBLICITY CENSORSHIP – CENSORSHIP
DEPARTMENT وبالعربية مكتوب: «مراقبة النشر» المركز رقم
٤٤٧.
-
(١٠)
على الصفحة الأولى من مسرحية «بنت العمدة» لمحمد التابعي بتاريخ
١١ / ٣ / ١٩٥٧، يوجد خاتم دائري مطبوع، مكتوب فيه: «وزارة الإرشاد القومي:
مصلحة الفنون: إدارة الرقابة على المسرحيات والسيناريو» المركز رقم ٢٧٨.
-
(١١)
على الصفحة الأخيرة من أوبريت «العشرة الطيبة» بتاريخ ٢٢ / ٩ / ١٩٥٩، يوجد
خاتم الترخيص ومكتوب فيه: «وزارة الثقافة والإرشاد القومي، إدارة الرقابة على
المصنفات الفنية، إدارة المسرحيات والسيناريو.
٧٥
-
(١٢)
على الصفحة الأخيرة من مسرحية «صباح الخير» لشكري عبد المعطي بتاريخ
٢٦ / ٥ / ١٩٦٥، يوجد خاتم به: «مصلحة الاستعلامات: الإدارة العامة للرقابة
الفنية: إدارة رقابة المسرحيات.»
٧٦
-
(١٣)
على الصفحة الأخيرة من مسرحية «النار والزيتون» لألفريد فرج بتاريخ
٥ / ٢ / ١٩٧٠، يوجد خاتم مستطيل مكتوب فيه: «وزارة الثقافة: الإدارة العامة
للرقابة على المصنفات الفنية: إدارة الرقابة على المسرحيات.»
٧٧ وهو الشكل المعمول به حتى الآن.
وهكذا نكون قد تحدثنا عن تاريخ الرقابة المسرحية في مصر منذ بدايتها حتى الآن، من
خلال أخبارها في الدوريات القديمة، وأيضًا من خلال القوانين واللوائح، وأخيرًا من خلال
الأختام والتأشيرات.
وبعد هذه الإطلالة النظرية على تاريخ الرقابة، يبقى لنا أن نتحدث عن الجانب العملي،
أو التطبيقي للرقابة، في تقييمها للنصوص المسرحية المرفوضة. وفي الفصل التالي سنتعرض
لهذه النصوص منذ عام ١٩٢٣ حتى عام ١٩٣٦، وهي النصوص التي توفَّرت بين أيدينا. وسندعم
هذا الفصل بصور وثائقية نادرة عن تقارير الرُّقَباء الأوائل، وأيضًا تأشيرات وأختام
الرقابة في هذه الفترة. كما أن ترتيب المسرحيات سيكون ترتيبًا تاريخيًّا حسب تاريخ
الرفض الرقابي.