الفصل الخامس عشر
إلى شعب بريطانيا
- (١)
إجراء انتخابات عامة وعرض سياساتِه أمام الشعب.
- (٢)
منح العمال الوافدين حقوق المواطنة كاملة، وفيها حق السكن في بيوتهم الخاصة، واستقدام عائلاتهم، والبقاء في بريطانيا بعد انقضاء مدة عقد خدمتهم.
- (٣)
إيقاف فعاليات راحة الموت.
- (٤)
التوقُّف عن إرسال المجرمين المُدانين إلى مستعمرة جزيرة مان العقابية، وضمان حياة آمنة كريمة لأولئك الذين يعيشون فيها بالفعل.
- (٥)
إيقاف فحوصات الحيوانات المنوية والفحوصات التي تخضع لها النساء الشابات الصحيحات، وإغلاق المحالِّ الإباحية العامة.
صدمته الكلمات من فرط بساطتها ومعقوليتها وجوهَرِها الإنساني. وتساءل عن السبب وراء أنه كان متأكدًا من أن جوليان هي التي كتبتْها. لكنها ما كانت ستُجدي نفعًا. فما الذي تَنشُده جماعة «السمكات الخمس»؟ أتريد أن يخرج الناس في مسيرات احتجاجية أمام المجالس المحلية أو أن يَقتحمُوا مبنى وزارة الخارجية القديم؟ هذه الجماعة كان ينقصها التنظيم ولم تكن تملك أي أساس للسلطة، ولا المال، ولا خطة واضحة لحَملتِها. أقصى ما كان يمكنهم أن يَطمحوا إلى تحقيقه هو أن يستحثوا الناس على التفكير، وأن يُثيروا السخط العام، ويُشجِّعُوا الرجال على التخلف عن موعد فحوصات الحيوانات المنوية القادم، وأن يُشجِّعُوا النساء على رفض الحضور إلى الفحص الطبي النسائي القادم. وما الفارق الذي سيصنعُه ذلك؟ فقد أصبحت الفحوصات تؤدَّى لمجرد التخلص من الواجب؛ إذ لم يَعُد ثمة أمل.
كانت الورقة ذات جودة رديئة، وكانت الرسالة مطبوعة عليها بطريقة تفتقر للاحترافية. على ما يبدو أنهم كان لديهم مطبعة مخبأة في سرداب كنيسة أو داخل حظيرة بغابة معزولة لكن يسهل الوصول إليها. لكن حتَّامَ ستظل سرًّا إن أخذت شرطة الأمن الوطني على عاتقها مطاردتَهم؟
قرأ المطالب الخمسة مرةً أخرى. على الأرجح لن يُثير المطلب الأول قلق زان؛ فالشعب لن يرحب بالنفقات التي سيتكلَّفها إجراء انتخابات عامة أو الاضطرابات التي سيثيرها ذلك، لكن إن دعا إلى إجرائها، فستؤكِّد الأغلبية العظمى أحقيته في السلطة، سواء وُجِد من يملك من الرعونة ما يجعله يقف أمامه أم لا. سأل ثيو نفسه كم من الإصلاحات الأخرى المطلوبة كان بإمكانه أن يُحقِّق لو ظلَّ مستشارًا لزان. لكنه كان يعرف الإجابة؛ فعجزه حينها كان لا يختلف عن عجز جماعة «السمكات الخمس» الآن. لولا أوميجا، لاعتُبِرَت تلك المطالب أهدافًا يمكن للمرء أن يحارب من أجلها أو حتى يُلاقي الأهوال في سبيلها. لكن لولا أوميجا، لما وجِدَت الشرور من الأساس. كان من المنطقي أن يُناضل المرء أو يعاني أو حتى يموت في سبيل أن يَحظى بمجتمع أكثر عدلًا ورحمة، لكن ذلك ليس منطقيًّا في عالم لا مستقبل له، عالم ستَصير فيه الكلمات «عدل» و«رحمة» و«مجتمع» و«نضال» و«شر» في القريب العاجل مجرد أصداء لا يسمعها أحد تدوي في هواء لا يستنشقه أحد. ستقول جوليان أن ننقذ ولو عاملًا وافدًا واحدًا من سوء المعاملة، أو نمنع ترحيل مجرم واحد فقط إلى مستعمرة مان العقابية؛ أمرٌ يستحق النضال والمعاناة. لكن مهما فعلت جماعة «السمكات الخمس»، فلن يتحقق ذلك؛ فذلك خارج حدود قدراتهم. أعاد قراءة المطالب الخمسة فشعر بالشفقة التي انتابتْه في بادئ الأمر تزول. قال في نفسه إن أغلب الرجال والنساء، الذين حُرِموا من أن يكون لهم نسل، يَبذُلون أقصى ما بوسعهم كي يحملوا عبء أحزانهم وندمهم، وقد تدبر كلٌّ منهم ملذات بديلة، واستغرقوا في توافِهِهم الشخصية البسيطة، وصاروا يُعاملون الآخرين وأي عمال وافدين يقابلونهم باحترام. فبأي حق تسعى جماعة «السمكات الخمس» لفرض عبء الفضيلة البطولي الذي لا جدوى منه على أولئك المسلوبين غير المبالين؟ أخذ الورقة إلى المرحاض وقطَّعها بدقة إلى أرباع وألقاها فيه ثم سحب المدفقة. بينما كانت المياه تسحبها وتُدوِّرها لتختفي عن نظره، تمنَّى للحظة فقط لو كان بوسعه أن يشاركهم الحماسة والطيش اللذَين يَربطان بين أفراد تلك الجماعة غير المسلحة المثيرة للشفَقة.