الفصل الثاني والعشرون
أَطفئُوا الشموع واحدًا تلو الآخر. وعادت الكنيسة الصغيرة إلى هدوئها السرمدي. أغلق رولف الباب وبدءوا يسيرون بحذر عبر الحقل يتقدَّمهم رولف. كان قد أخذ الكشاف وكان ضوءُه الدائري الذي يشبه قمرًا صغيرًا يتقافز مثل وهج المستنقعات فوق كتل العشب الذابل المتشابك، فيسقط لوهلة كأنه ضوء كاشف مصغر على زهرة مُتراقِصة وعلى رقع من أزهار الأقحوان بدت ساطعة كالأزرار فيُضيؤها. خلف رولف، كانت المرأتان تسيران معًا وقد تأبطت جوليان ذراع ميريام. بينما كان لوك وثيو يسيران في مؤخرة الركب. لم يتحدثا لكن ثيو استشعر أن لوك كان سعيدًا بصحبته. أدهشه أنه يمكن لمشاعر بتلك القوة أن تتملَّكه هو نفسه، وأن يجيش بالذهول والانفعال والرهبة، ومع ذلك يظلُّ قادرًا على ملاحظة وتحليل تأثير مشاعره على أفعاله وأفكاره. وأدهشَه أيضًا أن يجد للحنق مجالًا وسط كل ذلك الصخب. فقد كان يبدو شعورًا تافهًا وفي غير محله مقارنة بالأهمية الهائلة لتلك المُعضِلة. لكن الوضع كله كان مليئًا بالتناقضات. أيعقل أن تتباين الوسائل والغايات لمجموعة أشخاص لتلك الدرجة؟ أيوجد من هو أضعف وأقل كفاءة من أولئك المغامرين ليخوض مهمة بهذا القدر الهائل من الأهمية؟ لكنه لم يكن مضطرًّا لأن يكون واحدًا منهم. فبدون سلاح، لم يكن بوسعِهم أن يُجبروه على مرافقتهم بالقوة، كما أن مفتاح سيارته كان لا يزال بحوزته. بإمكانه أن يهرب، ويتصل بزان، ويضع حدًّا للأمر. لكنه إن فعل ذلك، فستموت جوليان. أو على الأقل هذا ما كانت تعتقده هي، وربما كان اعتقادها قويًّا بما يكفي لقتلها هي وطفلها. وقد تسبَّب في موت طفلة من قبل. وهذا كافٍ.
عندما وصلوا أخيرًا إلى البحيرة والمرجة حيث ركن سيارته الروفر، كان يتوقع أن يجدها محاطة برجال شرطة الأمن الوطني بهيئتهم السوداء المتسمِّرة، وأعينهم الجامدة، متأهبين بأسلحتهم. لكن القرية كانت مهجورة عندما وصلوا. وبينما كانوا يقتربون من السيارة، قرَّر أن يقوم بمحاولة أخيرة.
التفت إلى جوليان وقال: «أيًّا كان شعوركِ تجاه الحاكم، وأيًّا كان ما يخيفك، دعيني أتصل به الآن. دعيني أتحدث إليه. هو ليس شيطانًا كما تظنِّين.» كان رولف هو من أجابه بنفاد صبر. «ألا تَستسلِم قط؟ هي لا تريدك وصيًّا عليها. ولا تثق بوعودك. سنفعل ما خططنا له، سنبتعد قدر الإمكان عن هنا ونجد مأوًى لنا. سنسرق احتياجنا من الطعام حتى يولد الطفل.»
قالت ميريام: «ثيو، ليس أمامنا خيار آخر. لا بد أنه يُوجد مكان يمكننا أن نأوي إليه، كوخ مهجور في عمقِ غابة مثلًا.»
التفَت إليها ثيو. «يا لها من فكرة شاعرية، أليس كذلك؟ أتخيَّلكم جميعًا في كوخ صغير دافئ في فُسحة بغابة بعيدة، يتصاعَد دخان حطب مدفأته من المدخنة، وبالجوار بئر مياه عذبة، وتُحيط به الأرانب والطيور التي تَجلِس بانتظار أن تَصطادوها، وحديقة خلفية زاخِرة بالخضراوات. وقد تجدُون حتى بضع دجاجات وعنزة تحلبون لبنها. وبالطبع سيكون ملاكَه السابقين قد تركُوا بمُنتهى الكرم عربة أطفال في مخزن الحديقة.»
مجددًا قالت ميريام بهدوء وهي تَنظُر إلى عينيه مباشرة: «ثيو، ليس أمامنا خيار آخر.»
وهو أيضًا لم يكن أمامه خيار آخر. فتلك اللحظة التي جثا فيها عند قدمَي جوليان، وشعرت يده بحركة طفلها، جعلت ارتباطه بهم لا رجعة فيه. وهم بحاجة إليه. صحيح أن رولف يَمقتُه لكنهم بحاجة إليه. إن وقعت أسوأ الاحتمالات، بوسعه أن يتوسَّط لهم لدى زان. وإن وقعوا في قبضة شرطة الأمن الوطني، فربما يصغون إليه.
أخرج مفاتيح السيارة من جيبه. مد رولف يده ليأخذها، فقال ثيو: «سأقود بنفسي. يُمكنك أن تختار أنت الطريق. أفترض أنك تستطيع قراءة الخرائط.»
كان تهكُّمه المبتذل ذلك تصرفًا أخرقَ. جاءه صوت رولف هادئًا إلى حدٍّ مُخيف: «أنت تَزدرينا، أليس كذلك؟»
«كلا، ولماذا أفعل؟»
«لست بحاجة إلى سبب. فأنت تَزدري العالم بأسره عدا أمثالك، من تلقَّوا التعليم نفسه، ويَنعمون بامتيازاتك واختياراتك نفسها. كان جاسكوين رجلًا أفضل منك بكثير. ماذا أنجزت أنت في حياتك؟ ماذا فعلت سوى الحديث عن الماضي؟ لا عجب أنك اخترت المتاحف أماكن للقاء. فأنت تشعر بالألفة فيها. بوسع جاسكوين أن يدمر منصة إرساء ويوقف فعالية راحة الموت وحده. أتستطيع أنت ذلك؟»
«تعني استخدام المتفجرات؟ لا، أعترف بأن ذلك ليس من ضمنِ إنجازاتي.»
قلد رولف صوته مستهزئًا: ««أعترفُ بأن ذلك ليس من ضمن إنجازاتي!» ينبغي أن تستمع لما تقول. أنت لست واحدًا منا، ولم تكن يومًا كذلك. فأنت لا تملك الشجاعة لذلك. ولا أظن أننا نُريدك حقًّا. ولا أظنُّ أننا نقبلك. أنت هنا لأنك ابن خالة الحاكم. وقد يكون هذا مفيدًا.»
استخدم ضمير الجمع لكن كلَيهما كان يعرف بلسان من كان يتحدث. فقال ثيو: «إن كنت معجبًا بجاسكوين إلى ذلك الحد، فلم لم تأتمنْه على السر؟ لو كنت أخبرته بأمر الطفل، لما خالف أوامرك. قد لا أكون واحدًا منكم، لكنه كان. كان من حقِّه أن يعرف. أنت مسئول عن اعتقاله، وإن مات، فسيكون موته مسئوليتك. لا تَلُمني أنا إن كنت تشعر بالذنب.»
وضعَت ميريام يدها على ذراعه. وقالت بنبرة آمرة هادئة: «اهدأ يا ثيو. إن تشاجرنا فسنموت. لنبتعد عن هنا، حسنًا؟»
عندما استقلُّوا السيارة، وجلس ثيو ورولف في المقعدَين الأماميَّين، قال ثيو: «إلى أي طريق سنتَّجه؟»
«سنذهب باتجاه الشمال الغربي حتى ويلز. سنكون في أمانٍ أكثر إن عبرنا الحدود. فسلطة الحاكم تسري هناك، لكن من يكرهونه هناك أكثر ممن يُحبُّونه. سنتحرَّك ليلًا وننام نهارًا. وسنَلزم الطرق غير الرئيسية. فالتخفِّي أهم لنا من قطع مسافة طويلة. كما أنهم سيَبحثون عن هذه السيارة. إن سنحت لنا الفرصة فسنغيرها.»
حينها استلهم ثيو الفكرة. جاسبر. جاسبر يَسكُن على بُعدِ مسافة قصيرة ملائمة، ولديه ما يكفي من المؤن. جاسبر الذي كان يريد بشدة أن ينتقل ليسكن معه في شارع سانت جون.
قال: «لديَّ صديق يسكن خارج قرية أستهول، وهي تقريبًا القرية التالية. لديه مخزون من الطعام وأظنُّ أنني أستطيع إقناعه أن يعيرنا سيارته.»
سأل رولف: «ولمَ تظنَّ أنه سيُوافِق على ذلك؟»
«لأنني أستطيع أن أعطيه شيئًا يريده بشدة.»
قال رولف: «لا وقتَ لدينا لنُضيِّعه. كم من الوقت سيستغرق إقناعه؟»
كتم ثيو حنقَه وقال: «الحصول على سيارة أخرى وملؤها بالمؤن التي نحتاجها ليس مضيعة للوقت. بل كنت سأقول إنه ضرورة. لكن إن كان لديك اقتراح أفضل، فكلي آذان مصغية.»
قال رولف: «حسنًا إذن، لننطلق.»
رفع ثيو قدمه عن دواسة التعشيق وانطلق بالسيارة بحرص في الظلام. عندما وصلوا إلى أطراف أستهول، قال: «سنَستعير سيارته ونترك سيارتي في مرأبه. إن حالَفنا الحظ فلن يصلوا إليه إلا بعد وقت طويل. وأعتقد أن بإمكاني أن أعدكم أنه لن يتكلَّم.»
مالت جوليان إلى الأمام وقالت: «ألن يعنيَ ذلك تعريض صديقك للخطر؟ يجب ألا نفعل ذلك.»
قال رولف وقد نفَد صبره: «سيضطرُّ لأن يغامر بذلك.»
قال ثيو موجهًا كلامه إلى جوليان: «إن قُبِض علينا، فلن يجدوا بيننا وبينه أي رابط سوى السيارة. وبإمكانه أن يدَّعي أنها أُخِذت أثناء الليل، أننا سرقناها، أو أجبرناه أن يتعاون معنا.»
قال رولف: «ماذا إن رفض التعاون معنا؟ من الأفضل أن أصحبك كي أضمن أن يتعاون.»
«بالقوة؟ لا تكن أحمقَ. لِكَم من الوقت سيبقى فمه مطبقًا بعدها إن فعلت؟ سيتعاون معنا، لكن ليس إن شرعت في تهديده. سأحتاج أن يرافقني شخص واحد. سآخُذ ميريام.»
«ولماذا ميريام؟»
«لأنها تَعرف ما ستحتاج إليه من أجل الولادة.»
لم يجادله رولف أكثر. تساءل ثيو إن كان قد تعامل مع رولف بحصافة كافية، ثم شعر بالغيظ من غطرستِه التي جعلته مضطرًّا لتلك الحصافة. لكن عليه بطريقة ما أن يتجنَّب وقوع مشاجَرة. ومقارنة بسلامة جوليان، والأهمية الهائلة لما هم مقدمون عليه، بدا له حنقُه المتزايد من رولف رفاهية خطرة رغم تفاهتها. فقد اختار مرافقتهم بإرادته، لكن في الواقع لم يكن أمامه خيار. لم يكن يَدين بالولاء إلا لجوليان ولطفلها الذي لم يُولد بعد، ولا أحد سواهما.
عندما رفع يده ليضغط على زر الجرس عند البوابة الضخمة الموجودة بالسور، أدهشه أن وجدها مفتوحة. أشار إلى ميريام لتتبعه ودخَلا معًا. وأغلق البوابة بعد أن دخلا. كان المنزل بالكامل يسبح في الظلام عدا غرفة الجلوس. كانت ستائرها مسدلة لكن يظهر مِن ورائها بصيصٌ من الضوء. رأى أيضًا أن المرأب لم يكن مغلقًا؛ فقد كان بابه مرفوعًا، وكانت السيارة الرينو الداكنة مركونة بداخله. لم يتفاجأ عندما وجد الباب الجانبي مفتوحًا. أضاء نور الردهة، ونادى بصوت خافت، لكن لم يأتِه أي رد. سارَ في الممر، وبجواره ميريام، حتى غرفة الجلوس.
اقتربت منه ميريام ولمست أصابعه الباردة في لفتة تعاطُف غريزية لا طائل منها، وقالت: «يا له من رجل مسكين! يا له من رجل مسكين!»
«كان رولف سيقول إنه أسدى إلينا خدمة. فلن يَضيع الوقتُ في إقناعه الآن.»
«لماذا أقدم على ذلك؟ ماذا كتب في الملاحظة؟»
«إنه قول مقتبَس عن هوراس. وهو يعني أنه: لا جدوى من نزع شوكة واحدة إن طالتك شوكات عدَّة. إن لم يكن بإمكانك أن تحيا حياة جيدة، فالأحرى بك أن تُغادر الحياة. على الأرجح وجد ذلك الاقتباس في «كتاب أكسفورد للاقتباسات».»
كان الجزء المكتوب تحته بالإنجليزية أوضح وأكثر اقتضابًا: «أعتذر عن الفوضى. تبقَّت رصاصة واحدة في المسدس.» تساءل ثيو إن كان ذلك تحذيرًا أم دعوة؟ وما الذي دفع جاسبر إلى أن يُقدم على ذلك الفعل؟ أكان الندم، أم الوحدة، أم اليأس، أم إدراكه أن الألم كان لا يُمكن أن يُشفى حتى بعد أن نُزِعَت الشوكة؟ قال: «على الأرجح ستجدين الأغطية والبطاطين بالأعلى. سأتولى أنا أمر المُؤَن.»
كان سعيدًا لأنه ارتدى معطفه الريفي الطويل. فالجيب الداخلي ببطانته سيكفي بسهولة لوضع المسدس به. تأكَّد من أن حجيرة المسدس تحوي بالفعل رصاصة واحدة، ثم أخرجها ودس المسدس والرصاصة في جيبه.
كان المطبخ، بأسطحِه الخاوية، وصف فناجين معلقة من مقابضها في خط مستقيم، قذرًا لكنه كان مرتبًا ولم يكن يوجد ما يدل على أنه استُخْدِم من قبل إلا منشفة صحون مُكَرمَشَة، من الواضح أنها غُسِلت حديثًا، وفُرِدَت على حامل الأطباق الفارغ لتجف. وكانت النغمة الناشزة الوحيدة في تلك المعزوفة المحكمة هي حصيرتان لُفَّتا وأُسنِدتا إلى الحائط. هل كان جاسبر ينوي أن يقتل نفسه هنا لكنه قلق من أن يَصعُب تنظيف الأرضية الحجرية من الدماء؟ أم كان ينوي أن يمسح الأرضية مرةً أخرى ثم أدرك تفاهة اهتمامه الأخير بالمظاهر؟
كان باب مخزن المؤن غير موصد. بعد خمسة وعشرين عامًا من الاقتصاد والتدبير الحريص، وبعد أن صار لا يحتاج إلى مخزونه المكتنز، تركه مفتوحًا، كما ترك حياته لينهبها العابرون. هنا أيضًا كان كل شيء مرتبًا ومنظمًا. ارتصَّت على الحوامل الخشبية علب كبيرة من القصدير، ملفوف حول حوافها شريط لاصق. كان على كل منها ملصق مكتوب بخط يد جاسبر الأنيق: «لحم»، «فواكه معلبة»، «مسحوق حليب»، «سكر»، «قهوة»، «أرز»، «شاي»، «دقيق». أثار منظر الملصقات، والأحرف المخطوطة عليها بعناية، في نفس ثيو رجفة بسيطة من التعاطف، كانت مؤلمة وثقيلة، موجة من الشفقة والندم، لم يستحثهما منظر دماغ جاسبر المبعثَرة ولا بقعة الدماء التي كانت تلطخ صدره. تركها تتملكه لوهلة ثم ركز على مهمته التي كان بصددها. كان أول ما خطر على باله هو أن يبعثر العبوات على الأرض ثم يَختار مجموعة من الأشياء التي يرجح أن يحتاجوها، على الأقل في الأسبوع الأول، لكنه قال في نفسه إن الوقت لن يتَّسع لذلك. فحتى نزْع الشريط اللاصق كان سيُؤخِّره. من الأفضل أن يأخذ مجموعة دون أن يَفتحها، من كل من اللحم ومسحوق الحليب والفواكه المجفَّفة، والسكر والخضراوات المعلبة. كانت العلب الأصغر المكتوب عليها «أدوية» و«حقن»، و«أقراص منقية للماء»، و«أعواد ثقاب» اختيارات واضحة، وكذلك كانت البوصلة. لكن قرار أخذ موقدَي الكيروسين كان أصعب. كان أحدهما موقدًا من طراز قديم له شعلة واحدة، أما الآخر فكان أحدث، وأضخم، وله ثلاث شعلات، استثناه لأنه كان سيَشغل حيزًا كبيرًا. شعر بالاطمئنان عندما عثر على علبة كيروسين وعلبة تحوي جالونين من الوقود. كان يأمل ألا يكون خزانُ الوقود بالسيارة فارغًا.
كان بوسعه أن يسمع حركة ميريام السريعة الخافتة بالأعلى، وبينما كان عائدًا بعد أن نقل الدفعة الثانية من العبوات للسيارة، قابلها تنزل السلم وهي تحمل أربع وسادات.
قالت: «لا بأس من أن نكون مرتاحين أيضًا.»
«ستشغل حيزًا لا بأس به. هل جلبتِ كل ما تحتاجينه للولادة؟»
«جلبتُ عددًا كافيًا من المناشف والأغطية. وبإمكاننا أن نجلس على الوسائد. ويوجد أيضًا خزانة أدوية في غرفة النوم. أفرغتُ محتوياتها كلها، ووضعتها داخل غطاء وسادة. سيكون المطهر مفيدًا، لكن أغلبها أدوية بسيطة؛ أسبرين وبيكربونات وشراب للسعال. هذا المنزل به كل شيء. خسارة أننا لا نستطيع أن نمكث هنا.»
عارَضَ ذلك الاقتراح مع أنه كان يعلم أنه لم يكن اقتراحًا جادًّا. «بمجرد أن يكتشفوا أنني مفقود، سيكون ذلك أول مكان يزورونه. سيَزورُون جميع معارفي ويستجوبونهم.»
تعاوَنا معًا بصمت ومنهجية. بعد أن امتلأت حقيبة السيارة، أغلقها بهدوء ثم قال: «سنضع سيارتي في المرأب ونُوصِد بابه. وسأوصد البوابة الخارجية أيضًا. لن يمنع ذلك شرطة الأمن الوطني من الدخول، لكنه قد يَمنعهم من اكتشاف الأمر قبل أوانه.»
بينما كان يوصد باب الكوخ، وضعت ميريام يدها على ذراعه وقالت بسرعة: «المسدَّس. من الأفضل ألا يعرف رولف أنه معك.»
كان ثمة نبرة إلحاح سلطوية نوعًا ما في صوتها الذي وجد صداه في قلقه الغريزي. قال: «لا أنوي إعلام رولف.»
«ومن الأفضل ألا تُخبر جوليان أيضًا. سيُحاول رولف أن يأخذه منك وجوليان ستريدُكَ أن تتخلص منه.» قال باحترام: «لن أخبر أيًّا منهما. وإن كانت جوليان تريد حماية نفسها وطفلها، فسيتعين عليها أن تتقبل الوسيلة. أتطمح أن تكون أتقى من ربها؟»
أخرج السيارة الرينو من البوابة بحرص وأوقفها خلف الروفر. كان رولف يجول حانقًا جيئة وذهابًا بجوار السيارة.
«لقد تأخرتما كثيرًا. هل واجهتكما أي مشاكل؟»
«كلا، لقد مات جاسبر. انتحر. لقد جمعنا من المؤن بقدر ما تتسع السيارة. قُدِ السيارةَ الروفر وأدخلها إلى المرأب وسأوصد بابه وكذلك البوابة الخارجية. لقد أوصدت أبواب المنزل بالفعل.»
لم يكن يوجد ما يستحق نقله من السيارة الروفر إلى الرينو عدا خرائط الطريق ونسخة ورقية من رواية «إيما»، وجدها داخل درج القفازات. دس الكتاب في جيب معطفه الداخلي الذي يَحتفظ بداخله بالمسدس ودفتر يومياته. وبعد دقيقتين كانوا جميعًا يجلسون داخل السيارة الرينو. جلس ثيو في مقعد السائق. وبعد برهة من التردد، جلس رولف في المقعد المُجاور له، وجلست جوليان في الخلف بين ميريام ولوك. أوصد ثيو البوابة وألقى بالمفتاح من فوقها إلى الداخل. كان لا يُرى من المنزل المعتم سوى انحدار سطحه العالي الأسود.