الفصل التاسع والعشرون
استيقظ ثيو في المساء الباكر ليجد جوليان تقف بجواره. قالت: «لقد غادر رولف.»
على الفور استفاق. «هل أنتِ متأكِّدة؟»
«أجل متأكِّدة.»
صدقها، لكنه مع ذلك شعر بأن عليه أن يقول لها تلك الكلمات التي تحمل أملًا زائفًا: «ربما ذهب ليتمشى، ربما كان بحاجة للاختلاء بنفسه كي يفكر في الأمر.»
«لقد فكَّر في الأمر، وها قد غادر.»
حاول بإصرار أن يُقنعها مع أنه كان غير مقتنع، فقال: «إنه غاضب وذهنه مشوش. لم يعد يريد أن يكون إلى جوارك عندما يولد الطفل، لكني لا أعتقد أنه سيخونك.»
«ولمَ لا؟ فقد خنتُه أنا. من الأحرى أن نوقظ ميريام.» لكنهما لم يحتاجا لذلك؛ فقد بلغت كلماتهما مسمع ميريام؛ فهبَّت جالسة ونظرت إلى حيث كان رولف راقدًا. قالت وهي تنهض بصعوبة: «إذن فقد ذهب. كان من الأحرى أن نتوقع أن يفعل ذلك. على كل حال ما كنا سنَستطيع أن نمنعه.»
قال ثيو: «بل ربما كنت سأستطيع حمله على البقاء؛ فمعي المسدس.»
كانت ميريام هي من أجابت عن السؤال البادي في عيني جوليان. «معنا مسدس. لا تَقلقي، فقد ينفعنا.» التفتت من جوليان إلى ثيو. «ربما كنا سنحمله على البقاء معنا، لكن لكم من الوقت؟ وكيف؟ بأن يصوب أحدنا المسدس إلى رأسه طوال اليوم، ونتناوب على النوم، وعلى مراقبته؟»
«هل تعتقد أنه ذهب إلى المجلس؟»
«ليس للمجلس بل للحاكم؛ فقد تبدَّل ولاؤه. دائمًا ما كان مفتونًا بالسلطة. وها هو سينضمُّ إلى مصدر السلطة. لكني لا أعتقد أنه سيهاتف مكتبه بلندن؛ فذلك الخبر أهم بكثير من أن يخاطر بتسريبه. سيود أن يبلغه بنفسه للحاكم وحده. وهذا يَمنحنا بضع ساعات، وربما أكثر، لنقل خمس ساعات إن كنا محظوظين. هذا يعتمد على موعد مغادرتِه لنا، والمسافة التي قطعها حتى الآن.»
قال ثيو في نفسه: «ما الفارق إن كانت خمس ساعات أو خمسين؟» تسلَّل شعور باليأس إلى ذهنه وسرى إلى أطرافه، فأوهن جسده حتى كادت تتمكن منه رغبة غريزية في أن يخرَّ على الأرض. وللحظة، ليس أكثر، تجمدت أفكاره؛ لكنها لم تَدُم. عاد ذكاؤه ليثبت وجوده، وبعودته تجدد أمله. ماذا كان سيفعل لو كان مكان رولف؟ هل سيتوجَّه إلى الطريق ويُوقف أول سيارة تمر ويجد أقرب هاتف؟ ولكن هل الأمر بتلك البساطة؟ رولف رجل مطارد ليس معه أي مال أو وسيلة انتقال أو طعام. كانت ميريام محقَّة؛ فالسر الذي كان يحمله كان بالأهمية التي تحتم أن يكتمه حتى يتسنى له أن يبلغه للرجل الذي يعنيه أكثر من غيره أن يعرفه وسيدفع أعلى ثمن كي يحصل عليه؛ زان.
كان يتعين على رولف أن يصل إلى زان، وأن يصل إليه بطريقة آمنة. لم يكن بوسعه أن يُخاطر بالوقوع في الأسر، أو أن تصيبه عرضًا رصاصة طائشة من سلاح أحد أفراد شرطة الأمن الوطني. حتى وقوعه في قبضة حرس الجرينادير لن يكون أقل كارثية؛ فسيُسجَن في زنزانة تحت رحمتهم، وسيُقابَل طلبه بمقابلة حاكم إنجلترا في الحال بالسخرية والازدراء. كلا، سيُحاول أن يشق طريقه إلى لندن، مسافرًا كما فعلوا تحت ستار الليل، ويقتات على ثمار البرية. وما إن يصل إلى العاصمة سيتوجه إلى مبنى وزارة الشئون الخارجية القديم، ويطلب مقابلة الحاكم، وهو مطمئن إلى أنه بلغ المكان الذي سيؤخَذ فيه طلبُه بجدية؛ حيث توجد السلطة المطلقة وتُمارَس. وإن فشل في إقناعهم ومُنِع من الدخول، فسيستخدم ورقته الأخيرة. «يجب أن أراه. أخبره عني أن المرأة حُبلى.» حينها سيوافق زان على مقابلته.
لكن فور أن يُبلغهم بذلك الخبر ويصدقوه، سيأتون بسرعة. حتى إن ظن زان أن رولف يكذب فسيأتون أيضًا. حتى إن ظنوا أن هذا هو آخر حمل كاذب، وأن تلك الدلالات والأعراض، والبطن المنتفِخ، كلها ستنتهي نهاية هزلية، سيأتون أيضًا. فالأمر أهم من أن يدَعوا احتمالًا للخطأ. سيأتون بطائرة مروحية محملة بالأطباء والقابلات، وبمجرد أن تتأكد لهم حقيقة الأمر سيأتون ومعهم كاميرات التلفاز أيضًا. ستُؤخذ جوليان برفق لتوضع في فراش مستشفى عام، وتحظى برعاية تكنولوجيا الولادة التي ظلت غير مستخدمة طيلة خمسة وعشرين عامًا. سيترأس زان بنفسه الأمر وسيُعلن الخبر للعالم المتشكِّك. لن يكون مهد ذلك الطفل محاطًا برعاة بسطاء كمهد المسيح.
قال: «أظنُّ أننا على بعد خمسة عشر ميلًا من ليومنستر. الخطة الأصلية لا تزال صالحة. بإمكاننا أن نجد مأوًى، كوخًا أو بيتًا في أعماق الغابة. من الواضح أن فكرة الذهاب إلى ويلز لم تعد قائمة. لكن بإمكاننا أن نتجه صوب الجنوب الشرقي إلى غابة دين. نحتاج إلى وسيلة تنقُّل ومياه وطعام. فور أن يحل الظلام سأسير إلى أقرب قرية وأسرق سيارة. فنحن نَبعُد حوالي عشرة أميال عن أقرب قرية. لقد رأيت أضواءها قبل أن ينقضَّ علينا الأوميجيون.»
توقع أن تسأل ميريام كيف سيفعل ذلك. لكنها قالت: «الأمر يستحق المحاولة. لكن لا تجازف إلا للضرورة.»
قالت جوليان: «أرجوك يا ثيو، لا تأخذ المسدس معك.»
التفت إليها كاظمًا غضبه. «سآخذ ما أحتاج إليه وسأفعل ما أنا مضطر له. لكم من الوقت ستصمدين من دون مياه؟ لا يُمكننا أن نعيش على التوت البري. نحن بحاجة إلى طعام وشراب وأغطية ولوازم للولادة. نحن بحاجة إلى سيارة. سيكون لدينا أمل إن استطعنا الوصول إلى مخبأ قبل أن يصل رولف إلى المجلس. أم أنك بدلتِ رأيك؟ ربما تريدين أن تتبعي خطاه وتُسلِّمي نفسك إليهم.»
هزت رأسها نفيًا دون أن تَنطِق بكلمة. رأى الدموع تترقرق في عينَيها. أراد أن يضمها بين ذراعَيه. لكنه ظل واقفًا على مسافة منها، ووضع يده في جيب معطفه الداخلي وتحسس ثقل المسدس البارد.