المرأة في الميزان
المرأة لغز جميل، قد يبدو لك سهلًا فإذا هو صعبٌ، وقد يبدو لك عسيرًا فإذا هو بسيطٌ سهل.
والمرأة في نظر بلزاك شيء لا يُفهم، فيقول: «هناك ثلاثة أشياء أحببتُها مدة حياتي دون أن أفهم كُنهها: الموسيقى، والرسم، والنساء.»
والمرأة قد تغضب لكلمة تسمعها، ولا تغضب لصفعة على وجنتها، وهذا مظهر من مظاهر غموضها تحيَّر الرجال في فهمه.
سئل الشاعر الإيطالي «دانتزيو» عن سرِّ توفيقه في غزو قلوب الجنس اللطيف، رغم أنه لم يكن حسن الطلعة فأجاب: «لقد وُفِّقتُ في عالَم المرأة لأنني أكتشفُ سرها، فإن كانت أميرة، عاملتها كما لو كانت خادمة، ولو كانت خادمة عاملتها كما لو كانت أميرة.»
وقد نصحَنا بعضُهم لكي نفهم المرأة على حقيقتها فقال: «إذا أردتَ أن تفهم المرأة، فانظر إلى ثغرها عندما تبتسم، وإن أردتَ إدراك طويَّة الرجل، فانظر إلى بياض عينيه عند ما يغضب.»
ويقول كبلنج: «المرأة وحدها هي التي علَّمتني ما هي المرأة.»
وهكذا جعل لغز المرأة سرًّا لا تقف عليه إلا امرأة مثلها.
إذَنْ، فما هي المرأة؟ وما هذا المخلوق الذي حيَّر الألباب، ولعب بالقلوب، وسَخِر من الرجال؟
سئل أحد الحكماء عن المرأة فقال: «حرب لا هُدنة فيها.»
وسئل ألفريد موسيه فقال: «هي الطريق الوحيد لارتكاب الأخطاء.»
وترى مدام ينكر أن المرأة خُلِقَت لتملأ الفراغات الصغيرة في الحياة، مثلها في ذلك مثل القش الذي يُوضَع بين الأواني الزجاجية في الصناديق، فإنه لا يساوي شروى نقير، ولكنه يحميها من الكسر!
والمرأة عند ماريشال كتاب مُفكَّك الأوراق، غلافه خير منه، فلا عجب إذا فضَّل الرجل قراءته ليلًا!
وهناك مَن يرى أن المرأة مخلوق عظيم كامل، فيقول جلادستون: «أعظم مخلوق هو المرأة، لو عرفَتْ قدر نفسها.» ويقول كونفوشيوس: «المرأة أكمل المخلوقات.» ويناقض كونفوشيوس أدينوس إذ يقول: «المرأة هي العمل الوحيد غير الكامل، الذي ترك الله أمر إتمامه للرجل.»
ويعتقد سوفوكليس أن المرأة خُلِقَت لتُشاهَد وليس لتُسمَع، وهي في نظر دانتي «مخلوقة ساعة» ويقول فولتير: «خُلِقَت المرأة لتعلمنا الظرف والأدب.» بينما يقول أوسكار وايلد: «خُلِقَت المرأة لتثير فينا الرغبة في تحقيق الروائع، وإن كانت هي نفسها التي تحول دائمًا بيننا وبين ذلك.»
وإذا كان شوبنهاور يصف المرأة بأنها حيوان طويل الشعر قصير الفِكر، فإن أناتول فرانس يصفها بأنها أنشودة مطربة من أناشيد السماء، ويصفها لاينباي بأنها زهرة لا يفوح أريجها إلا في الظلِّ فقط، ويصفها آخَرون بأنها كوكب يستضيء به الرجل، وبدونه يبيت في ظلام دامس.
ولقد سُئل سقراط عن أي بهيمة أجمل البهائم، فقال: «المرأة.»
كما سئل سيافيدس عن المرأة فكتب: «همُّ الرجل شرٌّ لا يُوصَف، فهو سبعٌ يعاشر لبؤة، فتكون حياته حربًا لا سِلم فيها.»
والمرأة في نظر ألن بو سلسلة من الانفعالات النفسية فيقول: «إنها الحياة عندما تغضب، والبحر عندما يثور، والنار عندما تضطرم، والنحلة المسكينة عندما تعمل، إنها تعمل ولا تجني عسلًا، هذه هي المرأة، سلسلة من الانفعالات النفسية.»
وسئل تباكوس ذات مرة عن أي الأشياء أكثر تغيُّرًا؟ فقال: «مجاري المياه وأعراض النساء.»
والمرأة على حدِّ قول البعض: ريحانة وشيطان، فيقول الشاعر:
وروي أنه جاءت سيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: «إن النساء رياحين خُلِقْن لكم، وكلكم يهوى شم الرياحين.» فأجابها عمر:
والنساء عند إسکندر ديماس: «حورٌ هربنَ من رضوان، وهجرنَ حدائق الجنان لتلطيف شقاء بني الإنسان.» وهن عند بيكنسفيلد: «كاهنات القضاء والقدر.» وهنَّ كما يقول ويلز: «موجودات في كل شيء.»
وهناك مَن يرى المرأة طفلًا صغيرًا، إن دلَّلْتَه بشَّ كثيرًا وأحبَّكَ، ورحَّبَ بلقائك، وإن أغضَبْتَه بكى غزيرًا ثم كرهك وتحاشاك.
وتُحدِّثنا الأسطورة الهندية عن المرأة فتقول: «وأخذ الله خفة الورق، ونظرة الظبي، وإشراق الشمس، ورطوبة الندى، وتقلُّب الرياح، ووداعة الأرنب، وصلابة الجوهر، وقسوة الفهد، وحلاوة العسل، وحرارة النار، وبرودة الثلج، ثم مزَج كلَّ هذه الأشياء مع بعضها، وخلق منها المرأة.»
ولا شك أننا نشعر بأهمية المرأة في الحياة العامة، وفي عمران الكون، وما من شك في أنه ليس لتأثير المرأة في حياتنا نهاية؛ فهي أصل كل ما يحدث لنا.
ولقد صدق أفلاطون حين قال: «لو أن الحقيقة صِيغَت امرأة لأحبَّها جميع الناس.» فهي إذَن مخلوق عظيم الأهمية لأن الجميع يحبه، ويقول أوسكار وايلد: «إن النساء وُجدن لكي نحبهنَّ.»
ولا ريب أن قيمة المرأة في كل أمة ميزان نهضتها، كما أن معاشرتها أكبر مهذِّب للأخلاق.
قيل لسقراط: «لمَ اخترتَ أسفَهَ امرأة؟» فقال: «لكي أضع فيها نفسي، فيصلح خلقي الخاص والعام.»
ومما يثبت عظم المرأة الحقيقية أنها الأم، والأم هي المعلِّم.
ومن ثَم فما أروع جوته حين يقول: «إني لا أعيش يا سيدي في هذه الحياة، إني أموت كلَّ يوم وكلَّ ليلة، إني أحسُّ بالبرودة تتسرَّب إلى كياني وإلى قلبي، إني أعيش بدون امرأة، أي امرأة.»
ويعظِّم هوجو من أهمية المرأة فيقول: «إذا صغر العالم كله، المرأة تبقى كبيرة.»
وتظهر أهمية المرأة في كيان الأسرة في كلمات إميل حين يقول: «المرأة إما خلاص أو هلاك للعائلة، لأنها تحمل في ثنيات ثوبها مصير كل فرد من أفرادها.»
والقول المأثور: «المرأة سلاح النعمة، أو سلاح النقمة.»
لذا يُخطئ مَن يقول إن المرأة جنس ضعيف، فهذا هراء في هراء؛ ذلك لأن الطبيعة أغدقت على المرأة قدْرًا من القوة خوَّف القوانين من بطشها، فحدت من قوتها، وصدقَ مَن قال: «لقد أخرجت المرأةُ آدم من الفردوس بقوة إرادتها، وضعفه هو.»
وصدق روسو إذ قال: «المرأة التي تهز المهد بيمينها، تزلزل العالم بيسارها.» أيتها المرأة، إنكِ سبب الثورة، وأنتِ أعظم مهیج للبشر، ولا أدل على ذلك من أنه إذا عجزت الشرطة عن استجلاء حادثة قتل غامضة، لجئوا إلى الحكمة الخالدة: «فتِّش عن المرأة.»
ولا جدال في أنه ما من أحد أقدَر من المرأة على فهم قوانين المد والجزر، والكرِّ والفرِّ، ولقد مكَّنها الرجال من إجادة هذا الفن بارتمائهم في أحضانها، وفي هذا ينصح أناتول فرانس الرجال قائلًا: «خير لكم أن تكونوا ألعوبة في يمين القدَر، من أن تكونوا لعبة في يسار المرأة.»
أما أن المرأة قوة لا تعرف الضعف، فلله دَرُّ مَن كتب:
«أواه، ما كان هذا يدرى أو يتصوَّر أن أمة قد نكبتها امرأة، فلو أنه كان ممن يؤمنون بذلك لآمَن أن في إمكان امرأة أن تهدم شخصيته، قد كان دولة في نفسه، وأمة في فهمه، وعالَمًا في خياله، كانت له سماء خاصة، وقمرًا وشمسًا دونهما قمر السماء وشمسها، وكانت له أنهارًا مياهها ذهبية، وأشجارًا ثمارها فضية، وأزهارًا أوراقها عاجية، ونعاجًا قرونها مرمرية، كان يعيش في دنياه هانئًا راضيًا، تهبه النعاج لبنها الدسم الشهي، وتطل عليه الشمس من طرفها فتكسبه رداء بهيًّا جميلًا، ويهديه القمر ابتساماته السخية، والنجوم تلتف حواليه في حلقات وردية، وكأنها قلائد في أعناق الحور ولكن وا حسرتاه، إن مثله اليوم مثل مَن ملك خاتم سليمان فتمتع به حينًا من الدهر، ثم انتزعته منه فتاة شيطانية، أو قل: كمثل مَن وُضِع على السجاد الطيار فحمله حينًا إلى حيث لا يعرف، فتمتع بهناء عظيم، ثم سلبَتْه من هذا النعيم عروس رقيقة الطرف، فتبًّا لكِ أيتها المرأة.»
وتختلف الآراء في المرأة وتتضارب، فهناك مَن يرى أن الله قد خلقَها من أجل عذاب الرجل وشقائه، وأن الرجل هو الذي يُمكِنه النجاة من عذاب المرأة لينال الحياة الأبدية.
إذَن، ما العلاقة بين الرجل والمرأة؟ وعلى أيِّ أساس تقوم؟ وما نظرة الرجل إلى المرأة؟ وما نظرة المرأة إلى الرجل؟ وما الفرق بين هذين المخلوقَين؟ وهل صحيح أن الرجل قوة الرأس واليد، أما القلب فهِبة المرأة؟
هناك حكمة غربية تقول: «إن الله تعالى حين أراد أن يخلق حواء من آدم، لم يشأ أن يخلقها من عظام قدمَيه، كَيْلا يطأها، ولا من عظام رأسه حتى لا تسوده أو تسيطر عليه، وإنما خلقها من أحد ضلوعه لتكون مساوية له قريبة إلى قلبه.»
فهل المرأة مساوية للرجل؟ يقول جبران خليل جبران: «تسلك المرأة طريق العبيد لتسود الرجل، ويسلك الرجل طريق الأسياد لتستعبده المرأة.»
ويقول موباسان: «يظل الرجل منا يتحكَّم في امرأته كما يشاء، مقابل أن تتحكَّم فيه هي كما تشاء.»
ويقول غوردون: «خُلق الرجل للقيادة والمرأة للإرشاد والمعاضدة في قيادته، ما كل رجل بقائد، وكثيرًا ما أبدَتِ المرأة كمالًا نادرًا في القيادة، ولا سيما في بعض المواقف الحرجة، التي لم يكشف ضوء نبراس الفيلسوف عن وجود رجل فرد فيها، بَيْد أن هذه شواذ وحالات نادرة، والنادر لا حكم له، فلا كمال في أعمال الحياة إلا باتحاد الرجل والمرأة معًا، وسيرهما في طريق الحياة جنبًا إلى جنب.»
ويضع هنري جيمس الرجل قبل المرأة فيقول: «سبق الرجل المرأة في الخليقة، ولا يزال يتقدَّمها منذ ذلك الحين حتى اليوم.»
ويحلِّل لنا إبسن وجه الخلاف بين الرجل والمرأة فيقول: «في هذه الحياة قانونان روحيان، أو نوعان من الضمير، يختلف كلٌّ منهما عن الآخَر تمام الاختلاف، أحدهما موضوع في جسد الرجل، والآخَر في جسد المرأة، لذا يُسيء الرجل تفسير أهداف المرأة، لأنه يحكم عليها حسب قوانينه هو وبضميره هو، وكأنها رجل لا امرأة.»
ويفرِّق یونج بين غرائز الرجل والمرأة فيقول: «المرأة بحكم غريزتها، تريد أن تقبض على الرجل، بينما الرجل بغريزته يريد أن يصيد أكبر عدد من النساء، ولذلك تراه يهرب من شباك المرأة التي تتعقَّبُه ما وسعة الهرب، والمرأة تفضِّل الفريسة التي تستعصي على غيرها من النساء، ولا تشعر بلذة الظفر إذا أمسكت برجل في متناول أي امرأة، ولكنها تتمسَّك به حتى لا يخرج من قبضتها، لأن الرجل بطبيعته يهرب من أي ثغرة إذا استطاع الهرب.»
أما من جهة العفَّة، فلا مراء في أنَّ المرأة أعفُّ من الرجال، لأنها ترى الخيانة انكسارًا، بينما يراها الرجل فخرًا.
ويخطئ مَن يعتقد أن المرأة أقلُّ خجلًا من الرجل، فقد جاء في إحصاء أجراه معهد فرنسي، أن الرجل أكثر خجلًا من المرأة، فإن ٧٠٪ من الرجال يخجلون إذا سُخر منهم، في حين أن هذه النسبة بين النساء لا تزيد على ٢٥٪، وأن ٦٧٪ من الرجال يخجلون إذا اتُّهموا بالكذب، وأن ١٩٪ منهم يخجلون إذا ظهر عيب في ملابسهم، وقد ثبت أن أشد ما يُخجِل المرأة هو الغضب والغيظ ونسبة ذلك بينهن ٦٠٪.
وقد يؤكد هذا الإحصاء قول أوسكار وايلد: «إذا أراد الرجل مغازلة امرأة، فإنه يغازلها خفية عن الأنظار، وهو يحسب حسابًا لتقوُّل الألسنة، أما المرأة فلن تقدم على مغازلة الرجل إلا إذا تأكدت من أن هناك مَن يراها ويرقب حركاتها.»
ويختلف الرجل والمرأة في نظرتهما إلى بعض مظاهر الحياة، فالرجل يهوى الحرية أكثر من حبه للقوة، بينما تحب المرأة القوة أكثر من تعطُّشها للحرية، والرجل يتصوَّر السعد، ولكن المرأة هي التي تقوده إليه، ويهم الرجل أن تتحدَّث عنه المرأة، ولكن المرأة يهمها أن تتحدث عنها امرأة أخرى، للرجل إرادته، وللمرأة طريقها، الرجل يعيش وكأن كل يوم هو آخِر أيامه، أما المرأة فتعيش وكأنها ملكت الخافقين، وحوبيت بالخلد، الرجل يحنُّ إلى ذكرى المرأة التي أبَتْ أن تتزوَّجه، بينما تحنُّ المرأة إلى ذكرى الرجل الذي أراد أن يتزوَّجها، يقول الرجال ما يحلو لهم عن النساء، بينما تفعل النساء ما يحلو لهن بالرجال.
روح الرجل يجعله يقول: «سأكون عظيمًا.» ولكن عطف المرأة يجعله عظيما بالفعل، غالبًا.
والنساء أحكم من الرجال، لأن معرفتهن أقلُّ منهن، بينما فَهْمهن أكثر، يقول جيمس ستيفنز: «النساء أحكم من الرجال لأنهن أقلُّ منهم علمًا، وأعظم فهمًا.» ويقول فان هرست: «إذا علَّمتَ رجلًا، فإنك تعلِّم فردًا، وإذا علَّمتَ امرأة فإنك تعلِّم أسرة.»
ويرى دوماس الكبير أنه لو ظنَّ الرجل نفسه نبيًّا، لخول للمرأة فرصة أن تخال نفسها إلهًا، ويقول ميشليه: «تدرك النساء تمام الإدراك، أنه كلما زاد تظاهرهن بالامتثال لأوامر الرجال، كلما زاد في الحقيقة تسلُّطهن عليهم.»
وعلى أية حال، فمهما اجتهدت المرأة في أن تقلِّد الرجل، فجل ما تصل إليه، أنها لا تصير رجلًا، ولا تعود امرأة.
والاستهتار للمرأة كالبطالة للرجل، كلاهما مرذول، فالأول: استهتار بالكرامة، والثاني: استهتار بالعمل.
والرجل المرأة هو الذي يحارب المرأة بسلاحها، لافتقاره إلى سلاح الرجولة، أما المرأة الرجل فهي التي تتشبَّه بالرجال، فتسوق سيارة أو تدخِّن، ظانة بذلك أنها تكسب ميل الرجل، كلاهما مكروه، لأن الرجل الرجل هو مَن كانت الرجولة سلاحه، والمرأة المرأة هي التي تتذرَّع بالأنوثة.
ويصدق أرسطو حين يقول: «لا تصنع الطبيعة النساء إلا عندما تعجز عن صنع الرجال.»
والرجل الذي يغيره تبرُّج النساء كالعصفور الذي تغرُّه حبوب الفخاخ.
والقول بأنه لا يوجد رجال قساة ولكن هناك نساء طيبات يناقضه قول بعضهم: «المرأة إناء من المسلى، والرجل قطعة فحم متقدة، وليس من الحكمة وضع المسلى بجانب النار.» أو قول الحكماء: «المرأة كالكبريت والرجل جذوة نار، فإذا اقترب كلاهما من الآخَر ساءت العاقبة.» أو قول لابروير: «النساء متطرِّفات، فإما أن تراهن أحسن من الرجال، وإما أن يكُنَّ أشرَّ منهم بكثير» ويقول القدماء: «المرأة كالعقرب، تشق طريقها بلدغ مَن يصادفها.»
وتختلف المرأة عن الرجل من حيث مهمتها في المجتمع، والمفهوم طبعًا أن مركز المرأة في المجتمع من أهم الأسس التي نستطيع بها أن نحكم على مقدار ما بلغه هذا المجتمع من مدنيَّة وثقافة.
ولعل أوَّل مهام المرأة في المجتمع، صيانتها للبيت، فما دام المنزل موجودًا، وجَب أن تظل المرأة مركز دائرته، وفي هذا الصدد قال بعض الحكماء: «ثلاثة لا تتم فائدتها إلا بثلاثة: البيت بالمرأة، والحارس بالسلاح، والجماعة بالرئيس.» وفي هذا المعنى أيضًا يقول تنيسون: «الحقل للرجل والموقد للمرأة، السيف للرجل والإبرة للمرأة، الرأس للرجل والقلب للمرأة، الأمر للرجل والطاعة للمرأة، وكلُّ ماعدا ذلك فهو فوضى.» والقول المأثور: «علموا أولادكم العوم والرماية، ومُرُوهم فليثبوا على الخيل وثبًا، ورَوُّوهم ما يجمل من الشعر، ونعم لهو المرأة في بيتها المغزل.»
ويرى جوته أن المرأة يجب أن تتعلم منذ نعومة أظفارها القيام بالدور الذي خُلقت له، وهو دور الخادمة.
ويحدثنا لورد بايرون عن دور المرأة في الحياة والمجتمع فيقول: «لو تأملتَ أيها القارئ، فيما كانت عليه في عهد اليونان، لوجدتَها في حالة يقبلها العقل ويستسيغها المنطق، ولعلمتَ أن الحالة الحاضرة ليست سوى بقية من همجية القرون الوسطى، حالة مصطبغة مخالفة للطبيعة، ولرأيت معي وجوب اشتغال المرأة بالأعمال المنزلية، مع تحسين غذائها وملبسها في البيت، ومنعها من الاختلاط بغيرها، وتعليمها الدين، وإبعادها عن الشعر والسياسة وقراءة الكتب التي تبحث في غير الدين والطهي، ثم لا بأس من قليل من الموسيقى والرسم والرقص وفلاحة البساتين من آنٍ إلى آخَر.»
ولئن كانت المرأة عمران البيت، فقد تكون كذلك خرابه، فالمرأة الفاضلة تعمر بيتها، والمرأة السفيهة تخربه.
ما موقف المرأة من الفضيلة والرذيلة؟ وهل هناك امرأة فاضلة ومَن هي هذه المرأة الفاضلة؟
لا شك أن المرأة بلا فضيلة كالوردة بلا رائحة؛ لذا يقول روسو: «الرجال من صنع المرأة، فاذا أردتم رجالًا عظامًا أفاضل، فعلِّموا المرأة عظمة النفس والفضيلة.» ويقول الشاعر العربي:
ويصيب زولا حين يقول: «قد يؤدي السوط بالمرأة إلى الرذيلة، ولكنه لا يمكن أن يدفعها نحو الفضيلة.»
وحدثنا كارتر عن موقف النساء من الفضيلة والرذيلة فيقول: «ليس للنساء حد أوسط، فإما أن يكُنَّ ملائكة الفضيلة والعفاف، وإما أن يكُنَّ شياطين الرذيلة والخبث، والباعث الذي يحدو بهنَّ إلى أحد الجانبَين هو الحب، فإذا كان الحب طاهرًا شريفًا، كنَّ شريفات مُحصنات، وإذا كان محبوبهنَّ شريرًا فاسد الأخلاق، كنَّ عاهرات ماجنات شريرات.»
وهناك مَن يرى أن عفاف المرأة يسلم إذا لم تتغرَّب، وكان وقتها تحت تصرُّف زوجها، وابتعدت عن الرجال.
ويشبِّه سرفنت المرأة الفاضلة بجوهرة نادرة، أما رد شفكول فيقول: «والمرأة التي تنأى بنفسها عما يعيب كنز دفين، ويجب على كلِّ مَن يسعده الحظ بالعثور عليها ألا يفتخر بها لئلا …»
وهناك مَن يعتقد أن المرأة الفاضلة لا وجود لها في العالم، فقد قال أحد الحكماء: «هناك امرأتان فاضلتان في العالم، إحداهما ماتت، والثانية لم تُخلَق.»
ويؤكد كارتر، أن المرأة مهما كانت صالحة وشريفة، فهي تضحِّي بشرفها وفضيلتها وعفافها في سبيل إرضاء حبيبها.
وكلنا يؤمن أن البيوت بدون النساء الصالحات قبور مُظلِمة، وأن المرأة الجميلة قد تسرُّ العين، بينما المرأة الشريفة تسرُّ القلب، وأن أدب المرأة مذهبها لا ذهبها، وأن المرأة الفاضلة تختار رجلها بعقلها لا بعينها.
وهناك فرق بين المرأة الفاضلة وغيرها من النساء، فالمرأة الفاضلة تقول: لا، والعاطفية تقول: نعم، واللعوب تقول: نعم ولا في آنٍ واحد، أما المستهترة فلا تنطق بنعم أو لا.
والمرأة الفاضلة تعرف فروض دينها من صوم وصلاة، وله ثوابها الطيب في الآخرة، وفي ذلك يقول النبي ﷺ: «إذا صلَّت المرأة خَمْسها وحفظَتْ فَرْجها، وأطاعَتْ زوجها دخلت الجنة.»
ولله در مَن كتب يخاطب المرأة بقوله: «أيتها المرأة كوني ريحانة ولا تكوني شيطانة، كوني أنيسة ولا تكوني إبليسة، فإن الريحان والأنس من نعم الله وبركاته، أما الشيطان وإبليس فمن لعناته.
أيتها المرأة، كوني حمامة ولا تكوني نسرًا، كوني بلبلًا ولا تكوني حِدَّأة، فالحمامة بشير السلام والوئام، أما النسر فدائم النزاع والخصام، والبلبل محبوب لتغريده، أما الحِدَّأة فمكروهة لصراخها.»
ولئن صدق الحكيم الذي يقول: «ثلاثة تقرُّ بها العيون: المرأة الفاضلة، والولد الأريب، والأخ الودود.» فما أجمل قول الرسول عليه السلام: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة.»
ويمثِّل لنا أعرابيٌّ المرأةَ الفاضلة فيقول: «أفضل النساء أطولهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت، وأصدقهن إذا قالت، التي إذا غضبت حلمت، وإذا ضحكت تبسَّمت، وإذا صنعت شيئًا جوَّدت، التي تطيع زوجها، وتلزم بيتها، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الودود الولود التي كلُّ أمرها محمود.»
ويقول أحد أدباء الصين: «المرأة الفاضلة هي التي تخرج من البيت مرتين: الأولى عندما تذهب إلى دار الزوجية، والثانية عندما تُحمَل جثة على آلة حدباء.» أما أبو حنيفة فيقول: «المرأة الصالحة تشبه الوالدة والأخت والصديق.»
قيل لعائشة رضي الله عنها: أيُّ النساء أفضل؟ فقالت: «التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لزوجها، والإبقاء في الصيانة على أهلها.»
وتخالف المرأة الفاضلة المرأة المجردة من الفضائل، الغارقة في خضم من الخيانة والغدر.
يقول ملتون: «لن تُطهِّر جميع عطور الأرض أنامل امرأة خائنة.»
ويقول هسيود، الشاعر الإغريقي: «لا تدع امرأة مترهِّلة في ثوبها الفضفاض تتملق إليك أو تخدعك أو تغشك؛ فإنها لا تسعى إلا وراء مذودك. ومثل مَن يثق في عنصر النساء، كمثل مَن يثق في ثلة من المنافقين.»
ولله در ذلك الشاعر العربي الحكيم، الذي قال:
وهناك مَن يعتقد أن المرأة الخائنة هي مَن فقدت عاطفة الحب، ولا شك أن الرجل الذي لا يعرف كيف يُسعِد مَن كانت تنتظر منه الهناء، يُؤْثِر أن يراها جثة هامدة، على ألا تظلَّ مخلصةً له.
ويحدثنا إثيان راي عن أمثال هذه المرأة، فيصوِّرها لنا بقوله: «إنك لتهجر امرأة تحبها، وبعد قليل تفكِّر في حزنها ودموعها، فتخجل من أنك كنتَ قاسيًا، فتعود مُشفِقًا لتراها، وتفاجئها، فإذا هي تغرق في الضحك وإلى جانبها رجل.»
وترى ماري كورلي أن لا دواء للمرأة الخائنة غير الطلاق إذا كانت متزوِّجة فتقول: «يعاقب القانون اللص والقاتل، أما المرأة الخائنة فينصح بطلاقها، فإن هذا أفضل دواء لأشنع داء.»
ويجرنا الكلام عن خيانة المرأة، إلى الحديث عن علاقة الحب بتلك التي يقول عنها ملتون: «أجمل رذائل الطبيعة.»
تقول أليصابات: «تحتقر المرأة مَن يحبها من الرجال وهي تُعرض عنه.»
بيد أن هناك مَن يعتقد: «أن سعادة المرأة ليست بمجد الرجل وسؤدده، ولا بكرمه وحلمه، بل هي بالحب الذي يضم روحها إلى روحه، ويسكب عواطفها في كبده، وجعلها عضوًا واحدًا في جسم الحياة الواحد، وكلمة واحدة على شفتَي الإله الواحد.»
وليس أصعب من حياة المرأة التي تجد نفسها واقفة بين رجل يحبها وآخَر تحبه، يقول لابروير: «المرأة المتردِّدة هي التي لا تعرف إن كانت تحب أو لا تحب ولا تعرف حبيبها.»
وهناك مَن يرى أن المرأة ملاك إذا أحبَّتْ، شيطان إذا كرهت، ولذلك هناك مَن ينصح قائلًا: «خذ من حب المرأة ما يأخذ الزاهد من الخمر، ولكن لا تثق به أبدًا.»
والحقيقة التي لا مراء فيها، أن في قلب المرأة بئرًا عميقة من الحب يتعذَّر على الأجيال أن تُجمِّد ماءها، وأن المرأة لا تلعن قط مَن أخلصت له الحب الصادق من الرجال، بل تصفح عن كل أخطائه، وتستمر في حبه إذا أرغمه الزمان مُكرهًا على تركها.
ولكن هناك مَن يتبرَّم بحب المرأة، فيقول برنارد شو: «إن تقلب المرأة التي أحبها لا يعادله في النكد سوى بؤس ثبات النساء اللواتي يحببني.»
أما جونسون فيقول: «أن تجد امرأة لم يكن لها حبيب قط أسهل بكثير من أن تجد امرأة كان لها حبيب واحد فقط.»
والمفهوم طبعًا، أن المرأة إما أن تحب وإما أن تكره، ولا ثالث لها، ولن يكون بغضها بأية حال أشد من بغضها لغريمتها المرأة.
وللأديب الصيني لين يونانج رأيه الخاص في حب المرأة، فقد سُئل ذات مرة: «مَن هو أعظم رجل في العالم؟» فقال: «هو الرجل الذي يستطيع أن يعيش بدون حب.» ثم سُئل: «مَن هي أعظم امرأة في العالم؟» فأجاب: «هي المرأة التي تعيش على الحب.»
ويرى كامل الشناوي أن المرأة لا تحب إلا الأطفال، فهي تحب ابنها إذا كان طفلًا، وتحب زوجها إذا كان طفلًا كذلك.
وطبيعي أن المرأة تظل ميَّالة إلى الحب، أي إلى خدمة أمانيها، ما دامت لم تلِدْ، فاذا أنجبت خلَفًا شعرَتْ بمعنى المسئولية والتضحية، وقدرت السعادة الزوجية حقَّ قدرها، ولكن هناك من النساء مَن تظل تبحث عن الحب حتى بعد الأمومة.
وتتغير نظرة المرأة إلى الحب كلما تقدَّم بها العمر، فالفتاة في سن العشرين، تحب لتتزوج، وفي الثلاثين لتسعد، وفي الأربعين لتثبت أنها ما زالت جميلة، أما إذا أحبَّت بعد ذلك، فلكيلا تفكِّر في الشيخوخة، فما أعجب المرأة! وما أعجب السر الذي يطويه قلبها!
إنك مهما قرأت عن المرأة، ومهما عرفتَ من النساء، وعن النساء، فلا تستطيع أن تعرف طبيعة المرأة.
كيف تحب؟ ولماذا تحب؟ وكيف تختار مَن تحب؟ هل هي تحب المال؟ أم تعبد الجمال، أم تعشق القوة؟ أم تسعى إلى الشهرة والعظمة؟
لا أحد يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة إجابة صحيحة، فالمرأة مجموعة من المتناقضات، وبحر من الأسرار.
نجد المرأة أحيانًا تُعرِض عن رجل واسع الثراء عريض الغنى، يتحدث عن ثرائه، وطورًا تنأى عن رجل كله حياة وقوة وجمال، وتارة أخرى تفرُّ من عالِم ذاع صيته في الآفاق وأصبح أستاذًا عالميًّا.
بل قد يلفت نظرك وأنت سائر في الطريق، امرأة رائعة الفتنة والجمال، كاملة الأنوثة، يجري في وجهها ماء الشباب الناضر، تتأبط ذراع رجل ليس من الجمال في شيء، بل قد يكون أقرب إلى دمامة الخِلْقة وبشاعة المنظر منه إلى أيِّ شيءٍ آخَر، ويبدو من مظهره رقة الحال وبساطة مركزه الاجتماعي، فيدهشك كيف تترك المرأة المال والجمال، لتُقبِل على الدمامة ورقة الحال؟
وكلما بحثتَ عن السبب تزداد حيرة …
ولكن هكذا المرأة في الحب، تحب وهي لا تدري كيف تحب؟ أو حتى، لماذا تحب؟
ولعل أصدق ما يعبِّر عن نفسية المرأة ما كتبَتْه الكاتبة الفرنسية جورج ساند، تقول: «أعطاني الأول عقدًا من اللؤلؤ يعدل مدينة بأسرها، بمعابدها وعبيدها وقصورها، ونظَمَ الثاني من أجلي ديوانًا من الشعر قال فيه:
والثالث، كانت تحمَرُّ وجنتا أمه حياءً عندما تُقبِّله لفرط جماله، فكان هذا الجميل يجثو أمامي واضعًا يده على ساقي، وشفتَيه على قدمي!
أما أنت يا مَن أحبه، فلم تُعطِني شيئًا، ولم تقُل لي شيئًا، ولستَ جميلًا!
ولكنك أنت وحدك الذي أحب.»
ويعظِّم فولتير حب المرأة بقوله: «إذا اجتمعَتْ عقول الرجال في كفة ميزان، فإنها لا تعادل حب امرأة واحدة في الكفة الأخرى.»
وتؤمن اليابانيات بأنه ليس لحياة المرأة طعم إذا لم تجد في حياتها مَن أحبَّها، ومَن مقَتَها، ومَن حسَدَها.
ومن أقوى ما قيل في حب المرأة، ما قاله هذا الأعرابي: «المرأة تكتم الحب أربعين سنة، ولا تكتم البغض والكراهية يومًا واحدًا.»
ويقول مارك ريد في هذا الصدد: «تتمسَّك المرأة بعروة الأخلاق الكريمة القويمة إذا لم تجد مَن تحب، فإن وجدَتْه تراخَتْ له وتهاونَتْ، أما الرجل فعلى نقيضها، إذا لم يحب امرأة فإنه يحيد عن الطريق القويم وإذا ما أحَبَّها، كان خليقًا أن يسير على سُنَّة من الأخلاق الفاضلة دونها جهد النسَّاك والمتعبدين.»
والأمر الذي لا شك فيه، أن سعادة البشر إما تنبثق من قلب المرأة الحساس، ومن عواطف نفسها الشريفة تتولَّد عواطف نفوسهم، وأنَّ أرق الألحان وأعذب الأنغام لا يعرفها إلا قلب المرأة المَرِحة، ولقد صدق مَن قال: «قلب المرأة شيء فوق التصوُّر.»
يقول لونجفلو: «إذا مرَّت ريح الحب بقلوب النساء ارتعشت واهتزَّت كما تهتزُّ أوراق الأشجار، ثم تعود فتسكن، وغيرهنَّ لا تهتز قلوبهنَّ، بل تضطرب وتهيج إلى حدٍّ يعز عليها فيه أن تعود إلى السكينة.»
ويقول جبران خليل جبران: «إن قلب المرأة لا يتغيَّر مع الزمن، ولا يتحوَّل مع الفصول، قلب المرأة ينازع طويلًا، ولكنه لا يموت، قلب المرأة يشابه البرية التي يتخذها الإنسان ساحة لحروبه ومذابحه، فهو يقتلع أشجارها، ويحرق أعشابها، ويلطِّخ صخورها بالدماء، ويغرس تربتها بالعظام والجماجم، ولكنها تبقى هادئة ساكنة، مطمئنة، ويبقى فيها الربيع ربيعًا والخريف خريفًا إلى نهاية الدهور.»
أما لوثير فيقول: «لا تعرف السماء شيئًا أرقَّ من قلب المرأة الذي تسكنه الشفقة.»
ويتكلَّم صموئيل سمايلز عن النساء وقلوبهن فيقول: «لكي نحظى بمجتمع صالح، يجب على النساء تصفية ما بقلوبهنَّ، وتجنُّب الأعمال التي تطغى على القلب والخلق والضمير، كما يتجنَّبنَ السم الزعاف، الذي إن تجرَّعه المرء مرة، تعذَّر عليه الخلاص منه، وظلَّ ينغِّصُ عليه الحياة أبد الدهر، إنْ كثيرًا أو قليلًا.»
والدموع من مستلزمات المرأة، كالسلاح للجندي، تستخدمها دفاعًا عن كيانها، كما يستخدم الجندي السلاح دفاعًا عن حياته وحياة دولته.
ترى البارونة أوركزي أن حجة المرأة في دموعها، ويرى بوبليليوس سيرون أن دموع المرأة توابل للمكر والخبث والرياء، بينما يقول بيلي: «دموع المرأة ثروتها.» ويعتبر بعض الحكماء دموع المرأة سلاحها في المآزق والمواقف الحرجة.
ويقول كولن إليس: «تشعل المرأة النار بابتساماتها، وتحاول عبثًا أن تطفئها بدموعها.»
وتضحك المرأة إن تمكَّنَت من الضحك، ولكنها تبكي متى أرادت، فهي تتسلَّط بدموعها وضعفها، ولكنها أحيانًا لا تبكي إلا إذا تعذَّر عليها الانتقام.
والمرأة إذا بكت، لا تستطيع الشمس أن تجفِّف دموعها، وهي إذا بكت أمام الرجل كانت موضع عطفه، أما إذا بكى الرجل أمامها كان هذا منه سببًا في غرورها بنفسها، والبون شاسع بين بكاء المرأة وبكاء الرجل، فدموع النساء كدموع التماسيح، أما الرجل فلا يذرف الدمع إلا إذا فاض به الكيل من شدة ما يعانيه.
ولله در ثاكري حين يقول: «تُبلِّل الدموع كتاب المنطق الأنثوي من كل موضع، أما العدالة في قضائهنَّ، فتحكمها دائمًا سورة الهوى.»
ومع أن هذا هو رأي الأدباء والحكماء في دموع المرأة، فإنهم كذلك يحدِّثوننا عن عيونها بما يرضي وما لا يرضي، فيقول شكسبير: «أي شعر فوق عين المرأة في السحر؟» ويقول بلزاك: «إذا عدمت المرأة جمال الأسنان، ضحكَتْ بعينها.» ويقول طاغور: «في ابتسامة المرأة عظمة الحياة وجمالها، وفي عينها دهاؤها وعمقها.» ويرى مور أنك تستطيع قراءة قصة المرأة في عينَيها، ويرى غيره أن لعين المرأة بريقًا يخترق حجب الخيال بأشعته تارة، ويتلقَّى إيحاءات الخلود المنتظرة تارةً أخرى.
وللناس مشاربهم المختلفة في النساء، أما نظرتهم إلى جمالها، تكاد تكون واحدة.
قال حكيم: «ثلاثة لا تُجدي فيهم النصيحة: مثقَّف مغرور، وامرأة جميلة، وشاب مراهق.»
قال تشارلز شواب: «الجمال للمرأة كالرحيق للزهرة.»
ويقول قاسم أمين: «كلما تخيَّلتُ السعادة تمثَّلتُ أمامي صورة امرأة جميلة لها عقل الرجل.»
ولا شكَّ في أن حياة المرأة في جمالها ولذلك قيل: «المرأة الجميلة تموت مرتين.» ويعتقد ماكولي أن «أجمل منظر في العالم يؤثر في النفس، هو منظر امرأة جميلة تتألَّم.»
وما أسهل أن تتصوَّر امرأة رائعة الجمال، عظيمة الذكاء.
ومع أن المرأة الجميلة ليست دائما طيبة، فهي أشبه شيء بالصورة الجميلة المعروضة للبيع لا يحصل عليها ولا يقتنيها إلا مَن يبالغ في ثمنها أكثر من غيره.
ولا جدال في أنه كما لا تجري المصيدة وراء الفأر، كذلك المرأة الحسناء لا تجري وراء الرجل.
ويشبِّه بايرون النساء بالنجوم، غير أنه يعتقد أن «روعة جمالهن لا تنير إلا في الليل»، وهناك مَن يُشبِّههنَّ بالورد جمالًا وعطرًا مع فارق واحد، ذلك هو أن الورد إنْ فصَلَه المرء عن شجيراته عاش مدة قصيرة، ثم ذبلَ وطواه الردى، وهو عدو الحياة، أما المرأة إن فصَلَها الإنسان عن ذويها، عاشَتْ طويلًا وأينعَتْ، وأنجبت أطفالًا هم ذخر الحياة ونعيمها، «فما أحلاكِ، وما أذكاكِ، أيتها الورود!»
إذَن فسلاح المرأة جمالها، وسلاح الرجل رجولته، كلاهما يطعن فيدمي، بيد أنه إن تعاون السلاحان وتآزرا نسيا ماهية التنكيل والفتك، وكانا عونًا على الوفاق والوئام.
ولسينيكا الفيلسوف الروماني رأيه الخاص في المرأة الجميلة إذا يقول: «ليست الفتاة الجميلة والغادة الفاتنة، هي التي تطري فيها محاسن عقبها أو ذراعها، بل هي التي ينسيك جمال شكلها العام أن تتشدَّق بجمال أجزائها منفردة.»
كما أن لأكثم بن صيفي رأيه الخاص كذلك، فيقول: «ولا يفلتنكم جمال النساء عن صراحة النسب، فإن المناکح الكريمة مدرجة الشرف.»
ويحدِّثنا جبران خليل جبران في هذا الصدد فيقول: «إن المرأة التي يمنحها الله جمال النفس مشفوعًا بجمال الجسد، هي حقيقة ظاهرة غامضة، نفهمها بالمحبة، ونلمسها بالطهارة، وعندما نحاول وصفها بالكلام تختفي عن بصائرنا وراء ضباب الحيرة والالتباس.»
وبالرغم من كل ذلك الذي ذكره الفلاسفة والأدباء والحكماء، فإنه من العسير تعريف جمال الأنثى، فإن «الجمال» يتوقف على نظرة الناظر إليه.
ووجهة نظر النساء في هذا الشأن أدقُّ وأوفى، فإنهن يحببن الأناقة والرشاقة، ويعجبن بالشعر المصفَّف تصفيفًا بديعًا، وينظرن من المرأة إلى التفاصيل مفردة، على حين ترى الرجل يفتنه من المرأة أو يرده عنها ذلك الأثر الذي تتركه في نفسه جملةً واحدة، فالرجال أكثر افتتانًا برقعة المرأة ومفاتن جسدها وخفتها، ويحبون المظهر الطبيعي غير المتصنع فيها.
وثمة نوعان من النساء، يجذبن إليهن أنظار الرجال، الأول: المرأة ذات المظهر والأبهة التي تألَّقَت فيها يد الصنَّاع، هذه يُعجَب بها الرجال، ولكنهم لا يرتاحون إليها إذا ضمَّهم وإياها مجلس في خلوة أو سامر. والثاني: المرأة التي حبَاها الله الحسن مع الحنان والعطف، وهي التي تفيض على صاحبها المتعة والسعادة داخل البيت وخارجه.
وتناسق قسمات الوجه أمرٌ لا بد منه للجمال، ولكنه أول المرحلة فحسب، فإن كثيرًا من الفتيات — إذا حكَّمنا مقاييس الجمال — من أروع النساء جمالًا وفتنة، غير أنه لا يكاد المرء يَراهُنَّ حتى يعجل بغض الطرف عنهن، فمشيتهنَّ مشية النوق العجال، وأصواتهنَّ مُنكَرة لا عذوبة فيها ولا رقة، وعقولهنَّ قاع ضحضاح لا غور لها.
إن للمرأة الجميلة بهاء يشع من ذات نفسها، فالجمال الحق يفيض من داخل النفس، وقد يبدو هذا مبتذلًا، ولكنه الحقيقة التي لا مراء فيها، وإلا فلماذا تكون المرأة أفتن ما تكون يوم عرسها؟
ولا يقل عقل المرأة عن جمالها مكانة، فهو منجل متين يهدم جميع أدمغة البشر، فيقول شبشرون: «لعقل المرأة ولجمالها من المزايا والعيوب، فهو خلَّاب ولكنه ضعيف، وإن خفة عقل المرأة لتثقل قلب الرجل.»
قال النبي ﷺ ما معناه: «إنهن ناقصات دين وعقل.» فقيل: «وما نقصان دينهن وعقلهن؟» قال: «إن إحداهن تقعد نصف شهر لا تصلي، وأما نقصان عقولهن، فشهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل الواحد.»
وقال أعرابي: لا شيء أصيَدُ للمرأة، ولا أذهَبُ لعفتها من أن يُحاط علمها بأن رجلًا يحبها، فإذا رأت أنه أدمع عينه، ولو كانت أنسك ما يكون، ذهب عقلها.
وقال آخَر: «قد عاقب الله النساء بعشر خصال: بشدة النفاس والحيض، وجعل ميراث اثنتَين ميراث رجل، وشهادتهما بشهادة رجل واحد، وجعلها ناقصة الدين والعقل لا تصلي أيام حيضها ولا يسلم عليها، وليس عليها جُمعة ولا جماعة، ولا يكون منهنَّ نبي، ولا تسافر إلا بوليٍّ.»
قال النبي عليه السلام: «ما من ناقصة عقل ودين أغلَبُ للرجال ذوي الأمر من النساء.»
وما أجدر أن نسجِّل هنا ما كتبه المستر سونبرن في صدد عقل المرأة وعقل الرجل حيث يقول: «يعتمد عقل الرجل على الاستدلال والابتكار، إلا عقل المرأة فيعتمد على الذاكرة والتقليد، فمن الرجال مَن عقله مثل عقل المرأة، ومن النساء مَن عقلها كعقل الرجل، الأول هو العقل الرجليُّ، والثاني هو العقل النسويُّ، ويمتاز العقل النسائي بأخذه بالمسلَّمات، واحترامه القديم، وتصديقه التعاليم والأحكام التي قال بها السلف، ولو لم يقُم على صحتها دليل، أما الرجال ذوو العقول النسائية، فتراهم مُقيَّدين بقيود التقليد، خاضعين لأحكام المسلَّمات، وتعاليم القدماء، بخلاف الرجال ذوي العقول الرجُليَّة، فإنهم فَكُّوا قيود التقليد، وخرجوا عن أحكام المسلَّمات، واختطوا لأنفسهم خططًا جديدة، وهم الذين أوجدوا العمران الحديث، وبثوا فيه قوة النمو.»
•••
والآن، ما الرأي فيما يقوله بوب: «ليس لمعظم النساء خلق على الإطلاق»؟
حقًّا، إن المرأة تفسد إذا تعاطت المسكر، وعاشرت الشريرات السادرات أو تغيَّبَتْ عن زوجها، وأفرطت في النوم أو أكثرت من الإقامة في بيوت الجيران، وهي لا تسقط إلا إذا أعطيت استقلالًا، أو قصدت محافل الأفراح، وشاركت الرجال في أعمالهم.
ولعلَّ أصدق كلمة قيلت في أخلاق النساء، تلك التي قالها الإمام علي كرَّم الله وجهه: «في النساء ثلاث خصال من خصال اليهود: يحلفن وهنَّ الكاذبات، ويتظلَّمن وهنَّ الظالمات ويمتنعن وهن الراغبات، فاستعيذوا بالله من شرارهنَّ، وكونوا من خيارهنَّ على حذَر.»
وعلى أية حال، فإن مجتمع النساء قد يهذِّب الطباع، ولكنه يُضعِف الأخلاق.
وأخبث ما في المرأة اتِّصافها بالكبرياء، قال بعض الحكماء: «ما أبشع المرأة المتكبرة، إنها تدفع الثمن غاليًا بأن تبقى عانسًا.»
ولا يحب أسعد رستم الوقاحة في المرأة، فيقول: «أحبُّ الورد لأنه جميل، والتينة لو لم يلعنها المسيح، والسهول لأنها مبسوطة، والشتاء لاحتياجي فيه إلى الحرارة، وأكره في المرأة الوقاحة، وفي الرجل الجبانة.»
ومن أخلاق المرأة إيمانها بالصبر، إنها تتغلَّب على العذاب بقوة صبرها، تأمل حياة الممثلة، وما في دنياها من صخب، ومع ذلك فإنها تبدو فوق المسرح باسمة حينًا، وضاحكة حينًا آخَر، فيا لصبرها.
ويقول فريدريك بروكوش في كتابه «المتآمرون»: «يُخيَّل إليَّ أن الفارق الحقيقي الذي يفرِّق بين الرجال والنساء، هو الصبر على العذاب، فالمرأة تتعوَّد احتمال تباريح العذاب، سواء أحاق بجسمها أو بنفسها، أما الرجل فيظل يناضل، فيُضعِفه النضال رويدًا رويدًا، حتى يُغلَب على أمره، ولكن العذاب لا يُضعِف المرأة ولا يغلبها على أمرها قط، بل يصير عنصرًا من عناصر كيانها، ويُدنيها من سرِّ الحياة، أما الرجل فعلى نقيضها، فإن العذاب يُدنيه من ظلمة الموت.»
والغضب من شيم بعض النساء، وهو أشد ما تُهدِّد به أعداءها، وكذلك الاستبداد، فإن تاريخ المرأة أسوأ تواريخ ألوان الاستبداد، وهو استبداد الضعيف بالقوي، ولكنه الوحيد الذي يدوم.
قال لقمان لابنه: «كيف وجدتَ أهلك؟» قال: «خير النساء، إلا أنها امرأة سيئة الخلق.» فقال: «فارِقْها، فلا حيلة معها.»
ويُروى أن النبي عليه السلام قال: «إياكم وخضراء الدِّمَن: المرأة الحسنة في المنبت السوء.» وقال عليه الصلاة والسلام: «خير النساء التي إذا أُعطِيَت شَكرَتْ، وإذا حُرِمَت صَبرَتْ، تسرُّك إذا نظرت، وتُطيعك إذا أمَرْت.»
أما محمد بن علي فيقول: «اللهم ارزقني امرأة تسرني إذا نظرت، وتطيعني إذا أمرت، وتحفظني إذا غِبت.»
وقال أعرابي: «شرُّ أخلاق الرجال الجبن والبخل، وهما خير أخلاق النساء.»
وقال الشاعر:
ويقول روسو: «قد تغفر المرأة القسوة والظلم، ولكنها لا تغفر عدم المبالاة بها.»
وهناك مَن ينصح المرأة — لكي تحظى برضاء الرجل — بأن تكون باشَّة ولا تقطِّب، لأن التقطيب علامة سيئة، وأن تكون جادة ولا تستهتر، لأن الاستهتار صفة رديئة، وأن تكون معتدلة ولا تعوج، لأن الاعوجاج عادة بذيئة لا تتفق والخلق الحميد.
ومن طباع المرأة أنها تنظر إلى السر على أنه سر تافه لا يستحق الكتمان، أو على أنه سر عظيم يجب أن يعرفه الجميع، وعلى أية حال فهي لا تستطيع مطلقًا أن تكتم السرَّ، وإن حدث أن كتمت سرًّا فإنما يكون سرَّها هي، وفي ذلك يقول شكسبير: «وما أصعب على المرأة أن تكتم أمرًا.»
ويقول لا بروير: «يمكن للرجل أن يكتم سر غيره خيرًا من سر نفسه، أما المرأة فتكتم أسرارها خيرًا من أسرار غيرها.»
وقال أحد الحكماء: «حذار حذار أن تُطلِع صديقتك على أسرار قلبك، فمَن ملكَتْ سرَّك ملكَتْ قلبك، وكان في يدها أول خنجر تُهدِّدك به إن لم تشبعك به طعنًا.»
وإليك مجمل بعض طبائع المرأة:
يقول برنارد شو: «النساء يقلبن كلَّ شيء رأسًا على عقب، وعندما تدع المرأة تدخل في حياتك، سترى أنها تهدف إلى شيء، وأنت تهدف إلى شيء آخَر.»
والمرأة ثرثارة، فقد سُئل زعيم آسيوي عن رأيه في الخمر فقال: «أظن أنها رحيق مستمد من ألسنة النساء وقلوب الأُسُود، فما إن شربتُ كفايتي منها، حتى أصبحتُ قادرًا على الكلام إلى الأبد، وعلى مقاتلة الشيطان.»
والأنانية كذلك أحد طباع المرأة، يقول كامبل: «لا تهتم المرأة إلا بزينتها وهندامها ليس غير، لأنها لا تستطيع أن تحب إلا شخصًا واحد هو نفسها.»
والخجل حلية من حلى طباعها، كالشجرة زينة الحديقة، ومتى زادت أشجار الحديقة زاد جمالها، وتضاعف إقبال الناس عليها، كذلك المرأة إن كثر حياؤها زاد بهاؤها، وتضاعف إقبال الرجال عليها. تقول باحثة البادية:
ويقول أوسكار وايلد: «تفرح المرأة بالكلمة النابية، فهي فرصة تستطيع أن تُظهِر فيها قدرتها على الخجل.» ويقول غيره: «لا تصدِّق المرأة إذا أقسمَتْ، وصدِّقها إن احمرَّ وجها.»
ويُحدِّثنا جون دي کاستين عن طبيعة المرأة فيقول: «متى بلغت المرأة الأربعين من عمرها، فهي تحنُّ إلى الصبا، فتُضحِّي بكل مرتخص وغالٍ في سبيل إيجاد مَن يُعيد على ذاكرتها صورة أيام الشباب، ويرجع إليها بعض اللذات التي أفقدَتْها إياها الأيام، نعم إنها تضحِّي بزوجها ومالها وأولادها في سبيل هذه الغاية.»
ومن طباع المرأة أنها لا تأسف على قلة ما عندها، بل على كثرة ما عند غيرها، وأنها لا تجد صعوبة في تقليد الرجل، ولكنها تجد كل صعوبة في تقليد الرجل المهذب.
وإنها لتقلق إذا لم تجد مَن يقلق من أجلها، كما أنها أقدر من الرجال على تصوير الوهم حقيقة، والخيال واقعًا.
والمرأة هي التي توحي إلينا بالأشياء العظيمة التي تمنعنا هي نفسها من تحقيقها.
وإذا خفضت المرأة صوتها كان ذلك دليلًا على أنها تريد شيئًا، وإذا ما رفعت صوتها كان هذا دلالة على أنها لم تحصل عليه.
وللصينيين رأيهم الخاص في طباع المرأة وأخلاقها، ولذلك فهم يقولون: «اضرب امرأتك «علقة» من وقت لآخَر، فأنت لا تعرف لماذا تضربها، ولكنها تعرف ما ارتكبَتْه هي حتى تستحق من أجله ذلك الضرب.»
ومهما قيل عن طباع المرأة، فإن بلزاك يقول: لقد درستُ طبائع النساء طويلًا، وإني لأفاخر بأني لم أُضِع وقتي سدى؛ فقد عرفتُ أني لا أعرف عنهنَّ شيئًا.
ولا شك في أن المرأة تحب أن ترى أباها غنيًّا وهي طفلة، وتحب أن ترى زوجها مليونيرًا وهي متزوِّجة، وتحب أن ترى نفسها أغنى امرأة في العالم وهي مُطلَّقة، ولن تسمح لك بأي حال من الأحوال أن تبطش بأعز صديقة لها، ولكنها تنتزعها من بين يدَيك لتقضي هي عليها.
ومن طباع المرأة حب الظهور، فقد تزيَّنَتْ فتاة وبرزت للنظَّارة، فقال لها الفيلسوف سقراط: «لقد برزتِ لتنظر المدينة إليكِ لا لتنظري إليها.»
والنساء أشكال وألوان، يقول أوسكار وايلد: «هناك نوعان فقط من النساء: الأول: سهل بسيط، أما الثاني فمُعقَّد مطلي بالألوان الزاهية.»
حقًّا، إن وجوه بعض النساء تبدو في إشراقها وتألُّقها كالنبوءة الجميلة السارة، كما أن بعض الوجوه تبدو في كآبتها كمأساة تاريخية أليمة.
يُحدِّثنا بونج عن بعض ألوان النساء فيقول: «كن حذرًا من المرأة الهادئة، فإن وراءها شرًّا مستطيرًا، وهي مليئة بالمفاجآت، ولا تحكم بالظواهر على المرأة الثرثارة لأنها في معظم الأحيان تثرثر لتهرب من الحديث فيها هو أهم.»
ويرى بتلر أن النساء كلهنَّ سواسية «فهنَّ صافيات كاللبن الحميم ما دُمن عذارى، فإذا أصبحنَ زوجات أسندت الواحدة منهنَّ ظهرها إلى وثيقة زواجها، وجلسَتْ تتحداك.»
ولذلك صدق مَن قال: «ما أقبح النسوة اللائي لا يعرفن حرمة الكمال، ولا يُقدِّرن واجباتهن نحو خالقهن وأزواجهن.»
وينحى الراوي باللائمة على النساء الجاهلات فيقول: «المرأة الجاهلة آفة العائلة، وهي عضو ساقط في الهيئة يُخشَى أن تمتد عدواه إلى غيره من الأعضاء السليمة.»
غير أن يوريبيديس يمقت المرأة المتعلِّمة، فيقول: «إني أجاهر بمقتي للمرأة المتعلِّمة، ليت بيتي لا يأوي أبدًا امرأة تعرف أكثر مما يجب عليها معرفته.»
ويرى جبران خليل جبران، أن السيدة العاقر مكروهة في كل مكان، لأن الأنانية تصوِّر لأكثر الرجال دوام الحياة بأجساد الأبناء، فيطلبون النسل، ليظلوا خالدين على الأرض.
ويقسِّم دافید إینزورث النساء إلى أنواع فيقول: «النساء كالقلاع بعضُها يُؤخَذ عنوة بهجوم خاطف، وبعضها لا يقع إلا بعد حصار مُحكَم طويل.»
ويفضِّل نابليون من النساء مَن أنجبنَ أكبر عدد مُمكِن من الأطفال.
وهناك نوع من النساء يميل إلى التحدُّث مع كثير من الرجال، كالنقود التي تتداولها الأيدي الكثيرة، فيعلوها الصدأ، ويلحقها السواد يشوِّه شكلها، وتعافها النفس، فيجب أن يتخلص منها بسرعة.
وهناك مَن تتحايل في سَيْرها كالحية التي تتلوى في زَحْفها، فإن كان غرض الأولى اقتناص البشر بإغرائها، فإن غرض الثانية صيد فريستها بسُمِّها، فالإغراء ضرب من السم، وكلاهما فتَّاك.
يقول بشار بن برد:
ولقد قال معاوية لصعصعة: «أيُّ النساء أشهى؟» قال: «المواتية لما تهوى، المجانبة لما لا ترضى.» وسُئل آخر فقال: «التي تخرج من عندها كارهًا، وترجع إليها والِهًا.»
وقال أعرابي: «النساء ثلاث: فهَيِّنة ليِّنة، عفيفة مسلمة، تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاء للولد، وأخرى غلٌّ قمِلٌ يضعه الله في عنق مَن يشاء. والرجال ثلاثة: فهَيِّن ليِّن عفيف مسلم يصدر الأمور مصادرها ويوردها مواردها، وآخَر ينتهي إلى رأي ذي البتِّ والمقدرة، فيؤخذ بقوله ويُنتهى إلى أمره، وآخَر حار بائر لا يأتمر لرشد، ولا يطيع المرشد.»
ويُحدِّثنا الشيخ نجيب الحداد عن ألوان أخرى من النساء فيقول:
«لا أكره المرأة البغيَّة تدفعها يد الفقر إلى البغاء، ولا ألوم الفتاة الساقطة تطرحها عوامل الاحتياج في مطارح الفحشاء، ولا أحتقر الغريبة النازحة تلجئها كفُّ الضرورة إلى بيع العفة والحياء، ولا أستهين باليتيمة الجائعة تبذل نفسها دون السؤال والاستعطاء، ولا أنفر من المُرضِع إذا ارتكبَتْ مُنكَرًا لإطعام أطفالها، ولا أبغض الوحيدة المنقطعة إذا أخسرها الدهر سنَدَها فتاجرَتْ بجمالها، ولا أفند بنات الهوى يتخطَّفن الفتيان من قوارع الطرقات، ولا أذم بغايا الأسواق يجهرن بما يأتينه من المنكرات، فإنما هنَّ مخلوقات أنزلها الشقاء في منازل الذلة والهوان، فلم تُخفِ ما رمَتْها به يد الأقدار ولم تُنكِر ما أصابتها به طوارق الحدثان، بل هي قد استوفَتْ من ذلها وانحطاطها بعض العقاب عن أعمالها، ونالت من قبح سمعتها جزاء واجبًا عما بذلَتْه من محاسن جمالها، ولا تلُمِ المرأة الساقطة في مهاوي عارها وإذلالها، إنك لا تدري تحت أيِّ حملٍ سقطت من أحمال الدنيا وأثقالها.
وإني لأكره المرأة الغنية ترفل في حُلَل الدِّمَقس والديباج، وتسمع بالفقر والاحتياج سماعًا ولم يذقها الدهر طعم الاحتياج، وهي ترى نفسها في القصور الشاهقة تعقد في العلا سببًا، وترى ثيابها سراجًا وهَّاجًا بما حلاها الغني ذهبًا، وتجد زوجها يوالي عليها أصناف الهدايا وأنواع النعم، وقد حفَّها من كرمه ووداده بجيش حافل من الوصائف والخدم، فهي لا تنقل قدمًا إلا في المركبات الفاخرة تجرها الخيل الجياد، ولا تنطق بكلمة من أوامرها إلا انحنَتْ لأقوالها المناكب والأجياد، ولا تُلقي رأسها إلا على وساد يتمنى كل فؤاد أن يكون ذلك الوساد، وقد أغنتها الأيام فما تجد فيها إلا الغبطة والهناء، وتجلَّت لها الأرض جنة الخلد حتى لو خُيِّرت بينها لاختارت الأرض على السماء، أكره هذه المرأة حين تزاحم البغي في خيانتها وبغائها، وتُجاري بنات الهوى في خلع الحياء، وهي متسترة وراء مجدها وعلائها، وتأتي منكرات الأعمال وهي غير محتاجة إلى إتيانها، وتبذل حسنها عفوًا مجانًا لقوم يحتاجون أحيانا إلى إحسانها، تلك التي تسير في مركبتها وأبصارها تنهب الوجوه انتهابًا، أو تطل من شرفة قصرها وعينها تنتخب الفتيان انتخابًا، والتي تواعد خليلها جانب البستان أو في أقصى المدينة مكانًا قصيًّا، وتخون زوجها شر الخيانة وهو لم يُسِئ إليها ولم يأتِ شيئًا فريًّا، تلك التي أكرهها ويجب أن تكرهها القلوب والأحداق، لأنه إذا كانت بغايا الأسواق شر العناء، فتلك شر من بغايا الأسواق.»
وقبل أن أختم هذا الباب، سأتعرَّض لأولئك الذين اعتبروا المرأة شرًّا لا بد من تجنُّبه.
فالمرأة كالأفعى، ليِّن ملمسها، ولكن في أنيابها الخشونة والأسِنَّة القاتلة.
وهناك مثل إفريقي يقول: «خلق الله السماء والأرض، واستراح، ثم خلق البحر والأسماك واستراح، ثم خلق الرجل والحصان والكلب وسائر الحيوان واستراح، واستراح الجميع، وأخيرًا خلق المرأة، فلم يعُد أحد يشعر براحة.»
ولقد صدق مَن قال: «مراقبة كيلة من البراغيث أهون من مراقبة امرأة واحدة.»
قال صموئيل بتلر: «سمعتُ رجلًا يقول: إن قطَّاع الطرق يسألونك كيس نقودك أو حياتك ولكن النساء يطلبن الاثنين معًا.»
وقال سليمان الحكيم: «وجدتُ أمرَّ من الموت، المرأة التي هي شِباك، وقلبها شِراك، ويداها قيود بأشواك.» وقال سیبریان: «المرأة شيطان يُدخِلك الجحيم من باب الجنة.»
فعلى الرجل أن يحذر مخالطة النساء فإن لحاظ المرأة سهام، وألفاظها سموم، قال فيثاغورث لابنه: «أوصيك وصيتي فاحفظها تسلم: لا تكثر مجالسة النساء.»
وقال سقراط: «أبغضُ البغضاء عندي ثلاثة أشياء: كتاب النحو، والفقر، والمرأة، ولقد تغلبت على الأول بكثرة الدرس والحفظ، وعلى الثاني بالسعي والصبر، ولكني لم أجِد حيلة في المرأة.»
ويقول هوميروس: «آهٍ منكِ أيتها المرأة! فحينما ينزع عقلك إلى الشر، لا يكون في الجحيم شيطان أكثر خسة، ولا أعظم دناءة منكِ.»
وقال جبران خليل جبران: «أحب الوحدة لكي لا ألتقي بالنساء الممدودات الأعناق، اللواتي يسرن غامزات العيون، وعلى ثغورهن ألف ابتسامة، وفي أعماق قلوبهن غرض واحد.»
ويحسم لنا ستيفن شرور المرأة فيقول: «إذا جُمع ما أوقعته المرأة من الأذى على مَرِّ العصور، فإن الأرض لن تتسع له، والجو يضيق عنه، والشمس العظيمة لن تستطيع أن تنيره أو تهبه الحرارة.»
يقول شوبنهور: «لو كانت الحياة امرأة لهربتُ منها.» ويقول لقمان: «اتبع الأَسْود والأسد، ولا تتبع المرأة، ومَن ترك المرأة ترك الحزن.»
ويعتقد هسيود أن مَن يثق في عنصر النساء، شبيه بمَن يثق في ثلة من المنافقين، ولذلك فهو ينصح الشباب قائلًا: «لا تدعِ امرأة ترفل في ثوبها الفضفاض، تتملَّق إليك أو تخدعك أو تغشك، فهي لا تسعى إلا وراء مذودك.»
وأما كون المرأة شرًّا مستطيرًا، فيؤيده تولستوي بقوله: «وعندما أدخل إحدى قدمي في القبر، سأقول الحقيقة عن شر المرأة، ثم أقفز بعدئذٍ إلى لحدي، وأُطبِقُه على نفسي، وأقول لها: افعلي الآن ما تشائين.»
ولعل تولستوي محق في تصرُّفه هذا، فان معاهد الإحصاء الأمريكية وجدت أن المرأة هي السر المختفي وراء ٦٥٪ من جرائم القتل.
وتكاد تكون تلك النسبة عالية، غير قاصرة على الولايات المتحدة وحدها.
ولذلك فقد صدق أبو عبيد عبد الواحد حين قال: «ثلاثة أشياء القليل منها خير من الكثير: صحبة السلطان والنساء والمال.»
أو قول إخوان الصفا: «المرأة تفسد المرأة، كما أن الأفعى تأخذ السم من الأفعى.»
وقول فرانسوا فيون: «سواء أكانت شقراء أم سمراء، فإن السعيد السعيد مَن يبتعد عن هذه وتلك.»
ولم تخلُ حِكَم قدماء المصريين من التحذير من شر المرأة، فقد قال أحد عظمائهم: «إذا أردت لصداقتك دوام البقاء، فتجنَّبْ محادثة النساء في المنازل التي تزورها، فكم آلاف من الرجال جروا وراء هذه المخلوقات الجميلات الفاتنات، فعاد عليهم ذلك بالبوار، خدعتهم الأجسام الناعمة اللدنة، فإذا هم يصدمون أشياء أجفى من الصخر الجلمود.»
وقال إلياس أبو شبكة: «والعظيم العظيم تُضعِفه أنثى فينقاد كالحقير الحقير.»
وقد سأل النعمان طبيبه عن السوأة السوآء، والداء العياء، فقال: «المرأة.»
ونظر أبقراط إلى رجل يُحدِّث امرأة، فقال له: «تنحَّ عن هذا الفخ يا فتى لئلَّا تقع فيه.»
قال بعضهم: «ما دخلَ داري شرٌّ قط.» فقال له حكيم: «ومن أين دخلت امرأتك؟»
ورأى سقراط امرأة تحمل نارًا فقال: «عجبتُ لنار تحمل نارًا والحامل شر من المحمول.»
وقال أعرابي: «شرُّ النساء النحيفة الجسم، القليلة اللحم، والممراض المصفرَّة، البطرة النفرة، تضحك من غير عجب، وتبكي من غير سبب، وتدعو على زوجها بالحرب، تدفن الحسنات وتفشي السيئات، تُعين الزمان على بَعْلها ولا تُعين بَعْلها على الزمان، ليس في قلبها عليه رأفة، ولا عليها منه مخافة، إن دخلَ خرجَتْ وإن خرجَ دخلَتْ، وإن ضحكَ بكَتْ، وإن بكى ضحكَتْ، كثيرة الدعاء قليلة الادعاء، ضيقة الباع مهتوكة القناع، صبيها مهزول وبيتها مزبول، إذا حدَّثت تشير بالأصابع وتبكي في المجامع، بادية من حجابها، نباحة عند بابها وهي ظالمة، وتشهد وهي غائبة، قد أدلى لسانها بالزور وسال دمعها بالفجور، ابتلاها الله بالويل والثبور وعظائم الأمور.»
قال علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: «إياك ومشورة النساء، فإن رأيهنَّ إلى أفن وعزمهن إلى وهن، اكفف أبصارهن بالحجاب فإن شدة الحجاب خير لهنَّ من الارتياب، وليس خروجهنَّ بأضر من دخول مُن لا يوثق به عليهن، فإن استطعت ألَّا يعرفن غيرك، فافعل.»
وإن خير ما يمكننا أن نختم به هذا الباب هو ما ورد على لسان النبي ﷺ عن المرأة الشريرة إذ قال: «كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرَّت بالمجلس فهي زانية.»
ثم قال: «أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، كل عين زانية.»
وقال أيضًا: «ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغضُّ بصره، إلا أحدثَ الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه.»
وقال: «لَأنْ يُطعَن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.»
وهو القائل كذلك: «ما من صباح إلا وملكان يناديان: ويل للرجال من النساء، وويل للنساء من الرجال.»