وصف المرأة
سأحاول في هذا الباب أن أنتقي خير ما ورد على لسان الفلاسفة والحكماء والأدباء في وصف المرأة بصفة عامة، ووصف بعض أجزاء جسمها بصفة خاصة، تاركًا للقارئ حُكمه على ما في الوصف من جمالٍ ورقة، أو ما فيه من صحة ومغالاة.
وصف أعرابي امرأة فقال: «حسناء عربيدة، طويلة فارعة، سامقة القوام، حلوة يجري ماء النضارة والشباب في محيَّاها، تتهادى مستعلية برأسها في تيهٍ ودلال، وتتمايل في رشاقة وزهو كأنها غصنُ بانٍ يُحرِّكه النسيم العليل، ذات جسم رطب رخص، تغنِّي فوقه الطيور، ووجه باسم صبوح، وعينَين سوداوَين تشعان سهامًا تفتك بالقلوب، ووجنتَين انتهبتا من الورد حمرته، وشفتَين كالعناب الحلو المتبل بالرضاب، وأسنان كاللؤلؤ، وجِيد أتلَع، وصدر كعبَ ثدياه، فكانت ملتقى أشعة العيون وشركًا لاقتناص القلوب والعقول.»
وقال آخَر: «امرأة وضيئة قسيمة وذات شعر فاحم بسط، وعيون ساحرة ونظرات نفَّاذة آسِرة، وجيد أتلَع أغرَّ، وصدر ناهِد رطب، وقوام رخص بض.»
وقال أبو القاسم الشابي في وصف فتاة:
وقال آخَر:
وقال غيره:
وصف كاتب امرأة فقال: «يا لها من امرأة، لقد كانت أعجوبة الأعاجيب، بل قل ألعوبة الألاعيب، خفيفة كالطير سريعة كالخيل، قوتها في ساقَيها وقدمَيها الدقيقتَين، ولباقتها في لسانها اللولبي الذي لا يكل ولا يمل، صوتها جهوري، ثرثارة، جريئة في قحة تارة، وفي أدب تارة أخرى، مستهترة يجري الاستهتار في عروقها بسرعة جريان الدم في شرايينها، حتى لَيُخيَّل للمرء أن قد ورثَتْه جدًّا عن جدٍّ، ولا سبيل لها إلى الخلاص منه.»
ووصف أعرابي امرأة فقال: كأن وجهها السقم لمَن رآها، والبرء لمَن ناجاها.
قيل لأعرابي: «أتُحسِن صفة النساء؟» قال: «نعم، إذا عذب ثناياها، وسهل خدَّاها، ونهدَ ثدياها، وفعم ساعداها، والتفَّ فخذاها وعرض وركاها، وجدل ساقاها، فتلك همُّ النفس ومُناها.»
وذكر أعرابي امرأة فقال: «أرسل الحسن إلى خدَّيها صفائح نور، ورشق السحر عن لَحْظها سهم حداد، ولقد تأملتُ فوجدتُ للبدر نورًا من بعض نورها.»
ووصف آخَر امرأة فقال: «هي شمس تباهي بها شمس سمائها، وليس لي شفيع إليها غيرها في اقتضائها، ولكنني كَتوم لفيض النفس عند امتلائها.»
وقال غيره في وصف امرأة: «ما أحس من حبها نعاسًا، ولا أنظر إليها إلا اختلاسًا، وكل امرئ منها يرى ما أحب.»
وذكر أعرابي امرأة فقال: «لها جِلد من لؤلؤ رطب مع رائحة المسك الأذفر، في كل عضو منها شمس طالعة.»
وقال آخَر في وصفها: «هي السقم الذي لا بُرء منه، والبُرء الذي لا سقم معه، أسهل من الماء وأبعد من السماء.»
وقال آخَر:
وقال النابغة الذبياني يصف المتجردة زوج النعمان بن المنذر ملك الحيرة بقصيدة طويلة منها:
وقال أبو نواس:
وقال غيره:
وقال أبو صخر:
وقال غيره:
وقال آخَر:
وقال أبو الحسن:
وقال آخَر:
وقال أديب:
وقال غيره:
وقال آخَر:
وقال غيره:
وقال آخَر:
وقال نحوي يصف محبوبته:
وقال أحد الشعراء:
وقال آخَر يصف زند محبوبته:
ووصف أعرابي امرأة فقال: «كاد الغزال يكونها، لولا ما نقص منه وتمَّ فيها.»
ووصفها آخَر فقال: «يجب أن يكون في المرأة أربعة أشياء سود: شعر الرأس، والحاجبان، وأشفار العين، والحدقة، وأربعة بيض: اللون، وبياض العين، والأسنان، والساق، وأربعة حمر: اللسان، والشفتان والوجنتان، واللثة، وأربعة مدورة: الرأس، والعنق، والساعد، والعرقوب، وأربعة طوال: الظهر، والأصابع، والذراعان والساقان، وأربعة واسعة: الجبهة، والعين والصدر، والوركان، وأربعة دقيقة: الحاجبان، والأنف، والشفتان، والأصابع، وأربعة غليظة: العجز، والفخذان والعضلتان، والركبتان، وأربعة صغيرة: الأذنان، والثديان، واليدان، والرجلان، وأربعة طيبة الريح: الفم، والعرق، والأنف، والفرج، وأربعة عفيفة: الطرف، والبطن، واللسان واليد.»
وإليك بعض ما ورد على لسان الكُتاب والأدباء في وصف المرأة:
هي غادة هيفاء، بديعة فريدة المثال، لها وجه يخجل الأقمار، وعليها من الملابس الثمينة التي لا تُقدَّر بقيمة، ومن الحلي والجواهر الغوالي ما لا يثمن بمال.
هي أغنية عذبة النغم، نشوى القرار، في قدها الريان، وعذوبتها الخضاب، تمشي فتجرُّ وراءها موكبًا من عيون رصعها الإعجاب، وتنظر فتنقل عيناها السحر إلى قلوب أقلقها دبيب الغرام.
هي فتاة يشتهي ندى الصباح أن يستقي نقاوته منها، ترتدي ثوبًا يبعث الحرارة في كل امرئ ما عداها، طويلة مشوقة، تمشي كأنها العلم، في وجهها هدوء، وفي عينها صفاء، ولصورتها رواء، هيفاء، متناسبة الطول والعرض، تسير في طريقها فلا تنحرف ولا تميل، ثيابها الغالية، وحليها الثمينة، وعطرها الزكي، كأنها فرقة موسيقية كاملة بارعة تعزف لحنًا ساحرًا.
هي روضة الحسن، ونضرة الشمس، وبدر الأرض، قد فرع عودها، وبرز نهداها، وترنَّح خصرها تحت الثوب الفضفاض الذي يخب فيه جسدها الفتيُّ المتفجِّر أنوثة وحياة، كما استدار وجهها وأناره جبين مشرق كأنه الهلال الوليد يطل من الأفق على عينَين سوداوَين كأن أهدابها الطويلة الساجية غلائل ليل حالك السواد، لها ثغر عذب المراشف، وشفتان قانيتان كأنهما حول الثنايا الملتمعة جمرتان لا تخبو لها نار، وصدر عريض ناهد، وثدي نزق، كأنه في انطباعاته جذوة نار حامية، عيناها زرقاوان، وشعرها قد اختلطت فيه الفضة والذهب، وقوامها ممشوق، تمشي على خفر واستحياء.
هي فتاة بارعة الحسن، مليحة الدل، فينانة ريَّانة، وكانت إذا تقدمت ترنو وتبتسم وتتبرج وتهتز، وتشد هذا الثدي، وتثني هذه الذراع، وتميل برأسها الذي كله خدود، وعيون وأصداغ.
هي فتاة يزينها جمال فاتن، وطلعة مشرقة، هي شقراء أميل إلى الطول منها إلى القصر، معتدلة القد، خفيفة الروح والحركات، لها شعر ذهبي لماع، كأنه إكليل من نضار توَّجَها به الجمال، وعينان زرقاوان فيهما السحر وفيهما الفتنة، وفيهما الوداعة وكرم الخلق وصفاء الضمير، لها جسم بضٌّ كأنه البلور المذاب، يكاد لصفائه تنعكس عليه الأشباح والصور.
هي فتاة وجهها جميل كالأماني، رقيق كأوراق الورد، مشرق كالضحى، وشعرها أسود ناعم، وأنفاسها كمطر تشتاقه الروح، وصوت كنغم من السماء، وبسمة يخشع لها القلب، نظراتها كوتَر الجيتار الناعم الحنون، وصوتها كاللحن الهادئ الذي ينساب في خفوت، ساقها ملتفة عبلة، وجسمها ممشوق سمهري، وثديها مثمر يتحلب نعيمًا.
كأنها البدر المنير في حسنها وجمالها، وقدها واعتدالها، لها أعين تصيد قلوب العاشقين، وحاجبان مقرونان، ومبسم لطيف، وقدٌّ أهيف ظريف، وخصر نحيف وأسنان كاللؤلؤ والمرجان، وفم مثل خاتم سليمان، إذا رأيتها ملكَتْ فؤادك وأسرَتْ قلبك وقيادك، وأصبحت قتيل هواها، ولا عدت تطلب من الدنيا سواها.
كانت فتاة ماكرة، غزلة لعوبًا، تعرف كيف تأسر في ثقة وتجذب في سكينة، وتفتن في صمت، وتستميل في إغراء هادئ مطمئن عميق لا يكشف سرها ولا يميط اللثام أبدًا عن حقيقة شخصيتها.
كانت لغزًا أنثويًّا حيًّا ممثلًا في قامة مشوقة، وشعر أسود مجعد، وعينَين واسعتَين متقدتَين، ونظرات ناعسة حادة تقترن فيها العذوبة والرقة بالإباء والغطرسة والشموخ.
امرأة تناثرت الدموع من عينها كما يتناثر اللؤلؤ من عقد انفصم سمطه، فكان منظرها من أعظم المناظر وأشهاها، وأظرفها وأحلاها.
كانت شفتاها كزورق وحيد تائه على صفحة الماء بين أوراق الأشجار الجافة المتساقطة، أما قوامها فكشعاع القمر عندما يتسلل من خلال أغصان الأشجار، لها وجه كالبدر في كامل استدارته، وأهداب كظلال الخلد كحيلة سوداء، وجيد مهتز ناضج، وفم شتيت حلو أودعت فيه السماء أسرارها، وصبغته عرائس الفنون بحمرة القُبل، فهو دائمًا يبتسم، وكل ابتسامة منه تحيي وتميت.
إنها تتمايل تمايُل الأغصان إذا حرَّكها النسيم، بقدود مائسات، وعيون ناعسات، كأنها أشبه بالبدر المنير بين النجوم السواطع، لا يبدو وجهها إلا مليحًا صبوحًا واضحًا، لا تعبس أبدًا، وقد تبتسم.
هي تجتذب بظاهر فيها قلبًا بعد قلب، وإذا هي تورد القلوب موارد المنون، طلقة المحيا، وادعة الأسارير، يستبين وجهها في إطار من خمار أسود قشيب، البِشر في عينيها، والفرحة كأمواج النسيم تداعب عطفيها، فمها ينبوع ماء حي يودُّ أن يعبَّ منه كل ظمآن، أسنانها بيضاء كياسمين منضد، صقيلة لماعة كأندر وأغلى العاج، جبينها ناصع كالصراحة، ونظرتها باترة كالعزيمة، وضحكتها مدوية كالحرية، ولمعة تفكيرها العبقري تجثم في عمق عينيها كما يجثم سر الحياة الكبرى في مقدس بدنها الغض الجميل.
لها وجه كأنه إشراقة الصبح أو صفحة البدر، أو تبلج الحق بين ظلمات الشكوك، به عينان حوراوان امتزجت بهما صولة السحر بنشوة التمر، فكانتا شِباك الفتنة لصيد القلوب، وأنف حسَّن الله تقويمه وأبدع تكوينه، فزاد وجهها جمالًا، وثغر دري ياقوتي، تهيم به الشفاه، وتحوم حوله القلوب ظمأى، كما تحوم طيور الصحراء حول معين الماء العذب النمير.
كانت فتاة فارعة القدِّ ممتلئة الجسم، جرى حديث جمالها الفاتن من فم إلى فم، وتنقَّل من دار إلى دار، حتى أصبحت مضرب المثل بين فتيات المدينة، ومقياس الجمال كلما عرض ذكر الجمال.
كانت فتاة جميلة فائقة الحسن، فاتكة اللحظات، رائعة القسمات، لم تطلع الشمس على أنضر منها وجهًا ولا أملد عودًا، ولا أشد إغراء وفتنة، يصدق فيها قول الشاعر:
ولعل أجمل ما قيل في وصف المرأة: «كلما تأملت الوردة المنتفخة، تمثلت فمك الساخر، حيث يضحك في رياء دم شرفك المطعون، وكلما تأملت الثمرة الناضجة، تمثلت صدرك الفاجر، حيث يمرح في دهاء سر قلبك المدفون، وكلما تأملت النجمة الساطعة، تمثلت بصرك الزائغ، حيث يلسع في هدوء خبث عقلك الملعون، أنت الشوكة لا الوردة، والدودة لا الثمرة، والسحابة لا النجمة، والشقوة لا النعيم.
لقد عرفتك، ومَن عرف المرأة معرفتي بك آثَرَ حرقة الزهد على وهم التمتُّع، ولَوْعة الوحدة على فرح الحياة، وكبرياء النفس على ذل الحب، حتى ولو كان في الزهد والوحدة والكبرياء فناء الجسم وموت القلب وعذاب السعير.
حقًّا، آهٍ منكِ أيتها المرأة، لقد كنت الوردة والثمرة والنور، كنتِ وردة للروح، وثمرة للجسد، ونورًا للعقل، كنتِ الجمال، وكنتِ الكمال، فكيف خدعتِني يا أيتها المرأة وغدرتِ بي؟ وكيف استحال قلبك في مثل خطف البرق من هيكل للحب إلى مرعى للديدان؟»