نساء العرب وطرائفهن
تكشف لنا هذه الطرائف جانبًا هامًّا من تفكير نساء العرب وما كنَّ يتَّصِفن به من رجاحة العقل، وسموِّ الفكرة، وسداد الرأي.
•••
تنازعَ أبو الأسود الدؤلي وزوجته في ابنٍ لهما، فكان كل منهما يقول أنا أولى به آخذه، فقال أبو الأسود: «حملتُه قبل أن حملتِه، ووضعتُه قبل أن وضعتِه.» فقالت امرأته: «حملتَه حتفًا وحملتُه ثقلًا، ووضعتَه شهوة ووضعتُه كرهًا، وكان حِجري فناءه، وبطني وعاءه، وثديي سقاءه.» فدُفع الولد إلى أمه.
•••
افتقر يحيى بن طلحة بعد ثراء ولم يجِد مَن يعينه وقت شدته، فقالت له امرأته: «أما ترى أصحابك إذا أيسرتَ لزموك، وإذا أعسرتَ ترکوك؟» فأجابها بقوله: «هذا من كرمهم، يأتوننا في حال القوة منا على الإحسان إليهم، ويتركوننا في الضعف عنهم.»
•••
رغب عربي في أن يتزوج سيدة ذكية، وكان مفلسًا، فاجتمعا يومًا في طريق فرأته يفكِّر، فقالت له: «لا تفكِّر، لها مدبِّر، إذا أجريتَ العقد وقدَّمت الصداق، وأركبتَني الخيل العتاق، في ليلة ليست بمحاق، فيحصل لنا التلاقِ، ويكثر بيننا العناق، ويكون لك أخذ الساق، وصلتَ إلى جزيرة واق واق بلا كلفة ولا مشاق، ولا تعب أو إرهاق.»
•••
ولدت أعرابية توأمَين متشابهين، فسمَّت أحدهما خالدًا والثاني جابرًا، فمات أحدهما في أسبوعه الأول، فبكته وهي تقول: «أبكي لأنه يحزنني ألَّا أعرف مَن مات منها، أهو خالد أم جابر؟» فأجاب، زوجها: «إذًا فلنبكهما معًا!»
•••
لما تزوج الحسن بن علي من خولة بنت منظور، أقامت عنده حولًا، لا تكتحل ولا تتزيَّن حتى ولدت له ولدًا، فدخل عليها وقد تزيَّنت فقال: «ما هذا؟» فأجابت: «خفتُ أن أتزيَّن وأتصنع فتقول النساء: تجمَّلَت فلم ترَ عنده شيئًا، فأما وقد جاء هذا — وأشارت إلى الولد — فلا أبالي.»
•••
قال الحجاج لامرأة من الخوارج: «والله لأعذبنكم عذابًا ولأحصدنكم حصدًا.»
فأجابته: «أنت تحصد والله يزرع، فانظر أين قدرة المخلوق من قدرة الخالق!»
•••
مرَّ أحمق على عربية جالسة إلى قبر تبكي، فرقَّ لها قلبه وسألها: مَن الميت؟
قالت: «زوجي.»
قال: «رحمه الله، وماذا كان عمله؟»
قالت: «حفَّار قبور.»
فقال: «لا، بل لعنه الله! أما علم أن مَن حفر لأخيه حفرة وقع فيها؟»
•••
سُئِلَت أعرابية متقدِّمة في السن، وقد احتفظت بنضارة شبابها وروعة جمالها وبهاء منظرها: «أي مواد التجميل تستعملين؟» فأجابت: «أستخدم لشفتي الحق، ولصوتي الصلاة، ولعيني الرحمة والشفقة، وليدي الإحسان، ولقوامي الاستقامة، ولقلبي الحب.»
•••
قال ابن السماك لجارية له، كانت تصغي إلى كلامه: «كيف تجدين كلامي؟»
قالت: «ما أحسنه! إلا أنك تكثر ترداده.»
قال: «إنما أردِّده ليفهمه مَن لم يفهمه.»
قالت: «إلى أن يفهمه مَن لم يفهمه، ملَّهُ مَن قد فهمه.»
•••
قال رجل لأعرابية: «أنا والله أحبكِ غاية الحب.»
قالت: «وما حجتك؟»
قال: «تدفعين لي قفيز دقيق فأعجنه بدمع عيني.»
قالت: «فالخبز لمَن؟»
قال: «في حرام عشق لا يساوي أرغفة.»
فضحكت منه وواصلته.
•••
سأل سائل رجلًا تزوَّج: «كيف المرأة التي تزوجتها؟»
قال: «نصف.» قال: «شر نصفها حصل في يدك.»
•••
سُئل الأوزاعي في رجل اطَّلَع على امرأته بالزنا.
أيصلح له إمساكها؟ قال: لا يحرم إمساكها.
وقال أبو قلابة إذا اطَّلع الرجل من امرأته بالزنا أيصلح إمساكها على فاحشة؟ قال: لا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع عنه.
•••
زوَّج حكيم ثلاثة بنين: فلما كان رأس الحول سأل الأول عن امرأته، فقال: هي امرأة من خير النساء إلا أنها خرقاء لا تعمل شيئًا، فقال: أنزِلْها من بني فلانٍ فإن نساءهم صنَّاع لتتعلم، وسأل الثاني فقال: إنها لا تدفع يد لامس، فقال: أنزِلْها من بني فلان فإن نساءهم عفيفات، وسأل الثالث فقال: سيئة الخلق، فقال: طلِّقها، فهذا شيء لا حيلة له.
•••
وقفت عجوز على قيس بن سعد فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال: ما أحسن هذه الكناية! املئوا بيتها خبزًا وسمنًا وتمرًا.
•••
قال رجل لامرأة: إنك قد أخذتِ بمجامع قلبي، واستوليتِ على فؤادي وجناني فلستُ أستحسن سواك، فقالت: إن لي أختًا هي أحسن مني، وها هي واقفة خلفي، فالتفت الرجل، فقالت له: «يا كذَّاب، تدَّعي هوانا، وفيك فضلٌ لسوانا؟»
•••
نظرت السيدة عائشة رضي الله عنها إلى رجل كاد يموت تخافتًا، فقالت: «ما لهذا؟» قالوا: «أحد القرَّاء.» فقالت: «كان عمر بن الخطاب سيد القراء، فكان إذا قال أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع.»
•••
نظر الحسن إلى صبية في جنازة أبيها تقول: يا أبتِ! مثل يومك لم أرَهُ، فضمَّها الحسن وقال: أيْ بنية، وأبوكِ مثل هذا اليوم لم يره، فبكى الناس.
•••
قيل لرجل: أي النساء أشهى؟ قال: التي تخرج من عندها كارهًا وترجع إليها والهًا.
•••
تزوَّج شريح امرأة من بني تميم اسمها زينب، فنقم عليها شيئًا فضربها، ثم ندم فقال:
•••
دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: مَن هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه تفاحة القلب، قال: انبذها عنك، قال: ولمَ؟ قال: لأنهنَّ يلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن، فقال: لا تقل ذاك يا عمرو، فوالله ما مرض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الأحزان مثلهنَّ، وإنك لواجد خالًا قد نفعه بنو أخته، فقال عمرو: ما عليك إلا حببتهن إليَّ.
•••
قال قيس: «ما وُلِدَت لي ابنة إلا وأدتها، سوى بنية ولدتها أمها وأنا في سفر، فلما عُدتُ ذكرَتْ لي أنها ولدت ابنة ميتة، فأودعتها أخوالها حتى كبرت، فأدخلتها منزلي متزينة، فاستحسنتها، فقلت: مَن هذه؟ فقالت: هذه ابنتك وهي التي أخبرتك أنني ولدتُها ميتة، فأخذتها ودفنتها حية، وهي تصيح وتقول: «أتتركني هكذا؟» فلم أعرج عليها، قال ﷺ: «مَن لا يَرحم لا يُرحم».»
•••
جيء إلى زياد والي الكوفة بامرأة من الخوارج تُسمَّى الشيماء؛ فقال لها: ما تقولين في أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه؟ قالت: ماذا أقول في رجل أنت خطيئة من خطاياه؟ فقال بعض جلسائه: احرقها بالنار يا أيها الأمير، وقال البعض الآخَر: اقطع يدَيها ورجلَيها وقال آخَرون: اسمل عينَيها، فضحكَتْ ملء شدقَيها وقالت: عليكم لعنة الله، فقال لها زياد: ممَّن تضحكين؟ قالت: كان جلساء فرعون خيرًا من هؤلاء، فقال لها: ولمَ؟ قالت: استشارهم في موسى فقالوا أرجِه وأخاه، وهؤلاء يقولون: اقطع يدَيها، ورجلَيها، واقتلها. فضحك منها وخلَّى سبيلها.
•••
نظر رجل إلى امرأة بالبصرة وكانت نضرة الوجه، فقال: ما رأيتُ مثل هذه النضارة، وما ذاك إلا من قلة الحزن، فقالت: يا عبد الله إني لفي حزنٍ ما يشاركني فيه أحد، قال: فكيف؟ قالت: إن زوجي ذبح شاة في يوم عيد الأضحى، وكان لي ولدان مليحان يلعبان، فقال أكبرهما للآخَر: أتريد أن أريك كيف ذبح أبي الشاة؟ قال: نعم، فأخذه وذبحه، وما شعرنا به إلا متشحِّطًا في دمه، فلما ارتفع الصراخ هرب الغلام، فلجأ إلى جبل فأدركه ذئب فأكله، وخرج أبوه يبحث عنه فمات عطشًا من شدَّة الحر، قالت: فنكبني الدهر، فصرت كما ترى.
•••
نزل عبد الله بن جعفر إلى خيمة أعرابية ولها دجاجة وقد دجنَتْ عندها فذبحَتْها، وجاءت بها إليه وقالت: «يا أبا جعفر، هذه دجاجة لي كنت أدجنها وأعلفها من قُوتي، وألمسها في آناء الليل فكأنني ألمس بنتي، فنذرت لله أن أدفنها في أكرم بقعة، فلم أجد تلك البقعة المباركة إلا بطنك، فأردتُ أن أدفنها فيه.» فضحك عبد الله بن جعفر، وأمر لها بخمسمائة درهم.
•••
كانت صدوف امرأةً تأبدُ الكلام وتسجع في المنطق، وكانت واسعة الثراء ذات مال كثير، فأتاها قوم كثير يخطبونها، فردَّتهم، وكانت تتعنَّت خطابها في المسألة وتقول: «لا أتزوج إلا مَن يعلم ما أسأله عنه ويجيبني على حدِّه لا يعدوه.» فلما انتهى إليها حمران بن الأقرع، قام قائمًا لا يجلس، وكان لا يأتيها خاطب إلا جلس قبل إذنها، فقالت: ما يمنعك من الجلوس؟ قال: حتى يُؤذَن لي، قالت وهل عليك أمير؟ قال: رب المنزل أحق بفنائه، ورب الماء أحق بسقائه، وكلٌّ له ما في وعائه.
فقالت: اجلس، فجلس. قالت له: ما أردت؟
قال: حاجة، ولم آتك لحاجة.
قالت: تُسِرُّها أم تُعلنها؟
قال: تُسَر وتُعلَن.
قالت: فما حاجتك؟
قال: قضاؤها هيِّن، وأمرها بيِّن، وأنتِ بها أخبر، وبنجمها أبصر.
قالت: فأخبرني بها.
قال: قد عرَّضتُ، وإن شئتِ بيَّنتُ.
قالت: مَن أنت؟
قال: أنا بشر وُلدت صغيرًا، ونشأت كبيرًا، ورأيت كثيرًا.
قالت: فما اسمك؟
قال: مَن شاء أحدث اسمًا، وقال ظلمًا، ولم يكن الاسم عليه حتمًا.
قالت: فمَن أبوك؟
قال: والدي الذي ولدني، ووالده جدي.
قالت: فما مالك؟
قال: بعضه ورثته، وأكثره اكتسبته.
قالت: فممَّن أنت؟
قال: من بشر كثيرٌ عدده، معروفٌ ولده.
قالت: ما ورَّثك أبوك؟
قال: حسن الهمم.
قالت: فأين تنزل؟
قال: على بساط واسع، في بلد شاسع، قريبُه بعيد، وبعيدُه قريب.
قالت: فمَن قومك؟
قال: الذين أنتمي إليهم، وأجني عليهم، ووُلدت لديهم.
قالت: فهل لك امرأة؟
قال: لو كانت لي، لم أطلب غيرها، ولم أضيع خيرها؟
قالت: كأنك ليست لك حاجة.
قال: لو لم تكن لي حاجة، لم أنخ ببابك، ولم أتعرَّض لجوابك، وأتعلَّق بأسبابك.
قالت: إنك لحمران بن الأقرع الجعدي.
قال: إن ذلك ليُقال.
فزوَّجَتْه نفسها، وفوَّضَت إليه أمرها.
•••
قال أنس رضي الله عنه: «كنت عند الحسين عليه السلام، فدخلَتْ عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيَّتْه بها فقال لها: أنتِ حرة لوجه الله تعالى. فقلتُ: تُحيِّيك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ قال: كذا أدَّبنا الله تعالى فقال: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، وكان أحسن منها عتقها.»