تقاريظ
وردت إلينا التقاريظ العديدة من بعض الأساتذة الفضلاء، والأصدقاء النجباء. فاقتصرنا على نشر ما يأتي مع الشكر الكثير لحضراتهم، ونلتمس من أصحاب التقاريظ الأخرى معذرة في عدم نشرها وذلك لضيق المقام.
حمدًا لمن تفرَّد بالبقاء، وقضى على غيره بالفناء، وصلاة وسلامًا على من حُمدت سيرته، وعلى من صدقت في محبته سريرته. وبعد، فإن التاريخ ديوان الأخبار، وسجل تُسطر فيه الآثار؛ ليكون كمرآة تمثل أعمال من سلف، لمن يكون بعدهم من الخلَف، وحسبك ما قيل:
ولذا كان أعظم باعث على التحلي بالفضائل، وأقوى رادع في التخلي عن الرذائل. وقد تفنن في الترغيب فيه مؤلفوه، وتنوع في طرق الإقبال عليه مصنفوه، حتى مثلوا بعضه بهيئة روايات؛ ليكون أدعى إلى الرغبات. من ذلك كتاب «كولمب والعالم الجديد»، الذي لرقة عبارته أخذ بمجامع القلوب، ولفوائد مباحثه كان أجل مطلوب. وقد احتفل بوضعه وتعريبه حضرة الفاضل الأديب، والكاتب الأريب نجيب أفندي المندراوي الذي أحكم أسلوبه العربي حتى حَسُنَ عند قارئه وقْعه، وكَثُرَ لدى مُطالعه نفعه. أكثر الله من أمثال هذا الفاضل النجيب، ومنحه من نجاح العمل أوفر نصيب.
إذا بسط الأغنياء من أبناء هذا الوطن العزيز يد العطاء، وبذل كل منهم بعض ما جادت به نفسه في سبيل نشر المعارف والآداب، وشد أزرهم كل من رضع لُبان العلوم، وجاد بما وهبه الله منها — والجود بالمعرفة أثمن وأغلى — أصبحت حياتنا راقية، وعيشتنا راضية. الجود بالمعارف والعلوم على الأمة قوة لها، وقوة الأمم معارفها. فعلى الأغنياء والمتعلمين أن يشد بعضهم بعضًا لنتقدم ونفلح.
ويقيني أن حضرة مؤلف هذا السِّفْر الفريد بادر بالقيام بالواجب عليه نحو بني وطنه خير قيام. الكتاب يُقرأ من عنوانه، وحسبُنا أنه يشمل سيرة الرجل الذي اكتشف عالمًا بأسره، ولا أغالي إذا قلت بعقد جواهرها تعلو همتي، وأستسهل الصعب حتى أدرك المنى. لا سيما إذا نظم دررها مثل حضرة الكاتب البليغ ألا وهو صديقي الفاضل نجيب أفندي المندراوي، أكثر الله من أمثاله. وما كنت لأكتم الحق فأقول: كل الصيد في جوف الفرا.
سبحان من أظهر غامض الأخبار من منسي الزوايا، ورفع الستار عن الخبايا، ويسَّر لنا النظر فيما غبر، وجعلنا نعتبر بأحوال البشر، وصير الأولين قدوة للآخرين، وجعل في أخبارهم فائدة للعالمين.
وبعد، فقد جاء هذا الكتاب من أجلِّ الأسفار لما فيه من محاسن الآداب، وصفوة الأخبار. الأمر الذي يشهد لصاحبه بحسن التحرير، ويثبت طول باعه في فن التحبير. كيف لا والكتاب بين أيدينا جليل، يثني على مؤلفه الثناء الجزيل.