حال الشبوبية
أما الشبوبية فهي الدور الثالث للأجل، ومحل الكد والعمل، وموقع اليأس والأمل، حيثما يوجد الإنسان ضائعًا في مفازة العمر حائرًا في تنوفة النهي والأمر، فيرى نفسه قايمًا في وسط هذه الدنيا ممنطقًا بكافة الأشياء، ملتطمًا بأمواج العالم وأهوائهِ، مصروعًا ومأخوذًا بضجَّاته وضوضائه، وهكذا فتنهض في قلبه ثورة الحواس، وتشبُّ في دماغه نار الوسواس، وتصفر في سريرته ريح الأهجاس، فيندفع إلى منازلة الأقدار والأيام، ومقاتلة الحقايق والأوهام، فتارةً تهبُّ به الآمال إلى أوج الأفراح والمسرَّات، وطورًا تكبُّ به الخيبات في حضيض الأتراح والحسرات. يرى العالم قريب المنال، فيندفع وراه على متون الأهوال، حتى إذا ما ظفر بالبعض طمِع بالكل، وإذا فاز بالشبح رغب في الظل، فلا يكون إلا مضغة في أفواه المطامع، وكرة تتلقفها القوامع؛ ولذلك إنما يوجد مهبطًا لحوادث الحدثان ومسقطًا لمكائب الزمان. ولا تزال زهرة هذا الشباب الزاهي بين ذبول وافترار، ولا يبرح بدر هذا العصر الباهي بين خسوفٍ واسفرار، إلى أن تنثر الشيخوخة تاج تلك الزهرة، ويصفع الهرم وجه هاتيك القمرة، حيثما يسقط الشباب من فرشهِ، ويرتفع المشيب على عرشهِ.