حال العيلة
ولما أُشْعِرَ الإنسان برسوم وجوده، وإدراك لزوم حدوده، أنِفَ الشتات والانفراد، وطلب الزواج والعقاد، لينفصل عن هيئة الجهل ويتصل إلى آداب العقل، وفاقًا لإمكان نفسه، وخلافًا لعجز ساير جنسه، فعاهد زوجتهُ على حفظ العهد، وحالفها على دوام الود، وعلى قيود هذه الشريعة، أخذا يفلحان الطبيعة، فجادت لهما بالأولاد، وطبعت بهم لهما الانقياد، فحنَّ الأب إلى بنيه، ومال الابن إلى أبيه. وبقيام تلك الأحوال، تقوَّمت الأعيال، وتبادلت بينهما الأميال. وهكذا فالمودة الاقترانية، والمحبة الوالدية، هما أركان العيلة والذرية؛ ولذلك فالنمو يحرض الأفراح، والنقص يحضرُ الأتراح، فيئنُّ الويل للمفقود، ويرن الهناء للمولود، وما تلك الأعمار الطوال، إلا حياة أسماء العيال.