حال الحرب
خربت الأرض خرابًا، وانقلبت الجماعة انقلابًا؛ لأن الحرب انتشبت، والفتنة انتصبت، فتباعدت الشعوب، وتنافرت القلوب، وخيَّم سحاب البغض، واكفهرَّ محيَّا الأرض، حتى إذا ما كثرت مضارب السيوف، وتطنبت مضارب الحتوف، جرت الدماء كالجواري، وتضوَّرت الناس كالضواري، فهبطت جواشن النظام، وانقلعت شواجن الانضمام، وانثلت عروش الصنايع، وانسدَّت مسالك البضايع، وسقطت التجارة، وانقطعت الإجارة، وتقوضت البلاد، وانجزر الإمداد، وذهب الجار يعوث بالجار، والمزار يشط عن المزار، وراح كلٌّ يزيغ في وعث البلى، ويروغ في وعكة القلى. فما هذا الدثار العام والدمار التام، إنما هو الحرب والطعن والضرب، حيثما الفيالق تحمل على الفيالق، والبنادق تسطو على البنادق، والكتائب تتجاذب الكتايب، والركائب تغور على الركائب، والقنابل تصادم القنابل، والذوابل تستميل الذوابل، فتنكسر السنابك على السنابك، وتلتطم المسابك في المسابك، إذ تلعلع المدافع بأهوالها، وتهال الأرض فتزلزل زلزالها، بينما تنجفُّ القماقم، وتتطاير الجماجم، وتتساقط الهياكل المتحركة، وتنهدم المباني المدرَّكة. يوم يصفرُ البحر بالأمواج، وتلغط الأودية بالرجراج، ويلبس الجو جلباب القتام، وتغور السماءُ في حجاب الظلام، ترقد عيون الدراري، وتدلهم وجوه الثراري، فظلماتٌ بعضها فوق بعض، وبلابل تبلبل السماءَ مع الأرض. فما ذاك من شأن الصواب، وما هو إلا رجسة الخراب، ووقوع العذاب والمصاب. فكيف تنزل البشر منازل البهايم العارية، ويفعل الإنسان فعل الوحوش الضارية، إذ ينثر عقد شمله، ويفرِّق مجامع جمله، شاهرًا حسام القراع، وساهرًا بأعين النزاع على عزيمة الصراع، ليختلس جيرانه، ويقتبس أقرانه، محرضًا من عدو الطمع الألدِّ، ووساوس الحسد الأشد، يستزيد ذاته بنقص الغير، وينسج خيره بنقض الخير. ولذلك لا يفتر مشتغلًا بتتميم العِدد، وتكثير العدد. فسوف ينجم النقصان عن التمام، ويستقر الوجود من الإعدام، والحسام يبطل الحسام، فالضرب يغلب الضرب، والحرب تقلب الحرب.