حال السلم
ولما وقعت دول الحروب، وسكنت حركات الشعوب، تبسم ثغر السلم عن شنبِ الهدو، وطافت كئوس البشرى على الآصال والغدو، وأسفرت الأرض عن محيا الابتسام، فاغتبطت الناس في بشاير الأمن والسلام، حتى اتشحت البوادي بجلابيب التهاني، وامتصت الصوادي أنابيب الأماني، وعاد الورى ينضمُّ إلى الورى، والقوم يحمدُ السرى، وازدهت البلاد، وازدهرت العباد، وتمكنت مباني الأعمال، وتوطدت مغاني الأشغال، وبذخت قصور العمار، واستقرت متون القرار، وانتظمت سلوك الوفاق، وانفصمت عرى الشقاق، فخرس الفمُّ الفاغر، وانكسر الذراع الكاسر، وانقهر الطبع القاهر، حتى نام الطرف السهود، وطاب الفؤاد المفوود، ونعم عوف الجبان، وأمن خوف الزمان، وفكَّ الغنى طلاسم كنوزه، وأخذ الذهب ببروزه، فرنت الأغاني في المغاني، وغنَّت الأواني على الأواني، وقلَّص نهار الأفراح ليل الأتراح، واستظهرت الأقلام على الصفاح. فما هذه الحالة الهادية، والعيشة الراضية، إنما ذلك طلوع السلام، ووقوع الخصام، حيثما تنعم الناس، ويتبادلون الإيناس، آمنين على بيوتهم، وظافرين بقوتهم، فيعيشون حسب خوفهم، يموتون حتف أنوفهم، فليعش السلم المبتغى، وليمت الحرب والوغى.