خاتمة الكتاب
الحقيقة معلومٌ وجودي، أو تصديقٌ تصوري، وكل حقيقة لا بدَّ من كونها إمَّا أوَّليةً، أو قضيةً. فالأولية هي حكم لا يحتمل الرد، والقضية هي حكم يحتمل القبول أو الرد. فإذا قلنا القمر جُرْمٌ إنما يكون ذلك أولية لعدم احتماله الرد، وإذا قلنا القمر مسكون إنما يكون ذلك قضية لاحتماله الرد إذ لا يوجد حجة قاطعة.
والحقيقة تنقسم إلى طبيعية وأدبية. أما الحقيقة الطبيعية فهي أمر ثابت الوجود في نفس الطبيعة، أو متجددٌ بين حوادثها، كثبوت وجود الشمس وتجدد حصول الفصول. أما الحقيقة الأدبية، فهي أمرٌ وهميٌّ يوخذ على التصورات العقلية وحوادثها، أو عن شرايعِ النظام البشري، كحقيقة نفع العلم وضرر الجهل.
والحقيقة الطبيعية تنقسم إلى أصلية وفرعية، وفاعلية وانفعالية، ولازمة ومتعدية، وذاتية ونسبية، وآلية وعضوية، وجوهرية وعرضية.
والحقيقة الأدبية تنقسم إلى وجودية، وعدمية، وأصلية، وفرعية، وحقيقية، ومجازية.
في الحقيقة الطبيعية الأصلية
إن الحقيقة الطبيعية الأصلية هي معلوم يستمد حكمهُ من أصله الطبيعي. وذلك كما إذا قلنا: المغناطيس يجذب الحديد، والهواءُ يحمل الصوت، والعصب آلة الحس. فإن جذب المغناطيس للحديد وحمل الهواء الصوت والعصب للحس هي حقايق طبيعية أصلية لعدم استمداد أحكامها من غيرها، فتأمل.
في الحقيقة الطبيعية الفرعية
إن هذه الحقيقة هي عكس المتقدمة لكون حكمها مستمدًّا من غيرها، أي من حقيقة أصلية. وذلك كما إذا قيل: لا تميل الإبرة إلا إلى الجنوب، ولا صوت في عدم الهواء، وإذا انفلج عضوٌ بطل حسهُ. فإن هذه الحقايق تُدعى فرعية لكون أحكامها مستمدة أو متفرعة من الحقايق الأصلية المتقدمة، وهي وجود كثرة المغناطيس في القطب الجنوبي، وكون الهواء يحمل الصوت، والعصب آلة الحس، فتبصَّر.
في الحقيقة الطبيعية الفاعلية
الحقيقة الطبيعية الفاعلية هي معلوم متى ذُكِر أحدث في الذهن صورة معلوم طبيعي آخر لوجود علاقة فعلية بينهما. كما إذا قيل: الحرارة تذيب، أو الخمرة تفرِّح، فإن ذلك يستوجد في الذهن حصول صورة جسم يذوب ونفس تفرح. على أن الإذابة والتفريح أفعال تستوجب لها مفعولات يدركها الفهم من طبيعة الفعل نفسه، وقِس على ذلك.
في الحقيقة الطبيعية الانفعالية
إن هذه الحقيقة هي عكس المتقدمة لأنها معلومٌ متى ذُكِر أقامَ في الذهن صورة حقيقية فاعلية لوجود تلك العلاقة الفعلية نفسها. وذلك كما إذا قيل: الأرض مستنيرة، فإن ذلك يُحدث في الذهن صورة الجُرْم المنير لها. وهكذا في قولك: الثمر مأكول، والزهر مشموم، ونحو ذلك.
في الحقيقة الطبيعية اللازمة
إن هذه الحقيقة الطبيعية اللازمة هي معلومٌ يستقر حكمه في نفسه بدون أن يتعدى إلى غيره لانقطاعه عن كل صلة أجنبية. كقولك: جبلٌ عالٍ، ووادٍ عميقٌ، وماءٌ جارٍ، وصخرٌ جامدٌ، فكل ذلك حقايق طبيعية لازمة، لا يدخل في قيامها أشياءُ أخر، وأحكامها مستقرة فيها.
في الحقيقة الطبيعية المتعدية
إن الحقيقة الطبيعية المتعدية هي معلوم يدخل في حكمهِ أمور أجنبية عنه، بحيث لا يمكن قيامه بدون اتِّصاله إلى غيره، وذلك إمَّا بأداة أو بغير أداة. فالحقيقة المتعدية بأداة هي كقولك: السحاب مخيمٌ، والنهر حايلٌ، والجذب وسيطٌ، فإن تخييم السحاب يستوجب أشيا يقوم عليها ويتم بأداة الاستعلا، وهكذا النهر الحايل يقتضي موضوعات يحول بينها ويتم بأداة الفصل، وكون الجذب وسيطًا يلزم كونهُ واسطة لجمع الأجسام المتفرقة ويتم ذلك بأداة ذهنية وهي الربط أو الضم. وعلى ذلك تعرف كل حقيقة متعدية بالأداة. وما يتعدى بغير أداة أي رأسًا هو كقولك: سم قاتل، فإن القتل يتوجه من الفاعل إلى المفعول رأسًا بغير واسطة، فتأمل.
في الحقيقة الطبيعية الذاتية
إن الحقيقة الطبيعية الذاتية هي معلوم يأخذ حكمهُ من ذاته لا بالنسبة إلى غيره، كما إذا قيل: الأرض كروية، فإن الحكم بكروية الأرض قد أُخِذ من ذات شكلها، من دون وجود أدنى نسبة.
في الحقيقة الطبيعية النسبية
إن هذه الحقيقة هي عكس المتقدمة لأنها معلوم يأخذ حكمهُ بالنسبة إلى غيره، وذلك كقولك: أشرقت الشمس وأغربت، فإن شروق الشمس أو غروبها إنما يتم بالنسبة إلى حركة الأرض على محورها بحيث لولا هذه الحركة لما حدث شروق ولا غروب؛ لكون الشمس تعتبر ثابتة على مركز دايرة البروج، وما يدور من الشرق إلى الغرب إلا الأرض على محورها؛ ولذلك فالمسير اليومي للشمس إنما هو حقيقة طبيعية نسبية، وقِس على ذلك.
في الحقيقة الطبيعية الآلية
الحقيقة الطبيعية الآلية هي كل معلوم يحتوي في طبيعتهِ عمل الآلات الصناعية، وهذه الحقيقة تقوم إمَّا بالإسناد، أو بإضافة السبب إلى مسببهِ، أو بنعتهِ بهِ، أو بغير وجوه. كما لو قيل: الكهرباءُ ممزقةٌ، أو زلزلة كهرباء، أو تكسيرٌ كهربائي. فلما كانت الكهرباءُ تحوي في طبيعتها هذه الأعمال الآلية، وهي التمزيق والزلزال والتكسير، كان كلٌّ من تلك الأمثال حقيقة طبيعية آلية.
في الحقيقة الطبيعية العضوية
إن هذه الحقيقة هي كل معلوم يؤخذ من حصول مؤثرات وتأثيرات بين الطبايع العضوية، وذلك كما إذا قيل: الخمر مهيِّجٌ، والأفيون مسكِّنٌ، والنور منبِّهٌ. فإن كل ذلك تراه حقايق طبيعية عضوية، مأخوذة مما يشاهد من تأثير طبيعة الخمر على طبيعة الأعضاء بالتهيج، وهكذا الأفيون والنور بالتسكين والتنبيه. وعلى ذلك تجري كل حقيقة طبيعية عضوية إمَّا بالإسناد كقولك: الخمر مهيِّجٌ، أو بالإضافة كقولك: تسكين الأفيون، أو بالوصفية كقولك: تنبيه نوراني، أو بغير وجوه.
في الحقيقة الطبيعية الجوهرية
إن الحقيقة الطبيعية الجوهرية هي كل شيءٍ يقوم في ذاتهِ بدون أن يكون عارضًا عن غيره، وذلك كما إذا قيل: هذا ذهبٌ، فإن الذهب جوهر قايم في ذاته غير عارض عن شيءٍ آخر، وهكذا في قولك: إنسان، وحيوان، وشجر، ونحو ذلك.
في الحقيقة الطبيعية العرضية
إن هذه الحقيقة هي كل أمرٍ يعرض عن غيره ولا يكون موجودًا بذاته، فيكون عكس المتقدم. وذلك كالثقل والبرودة والظلمة، فإن الثقل ليس له وجود ذاتي في الطبيعة بل هو أمر يعرض عن جاذبية الأرض للأجسام التي على سطحها، وهكذا البرودة والظلمة، فالأولى تعرض عن ذهاب الحرارة، والثانية عن ذهاب النور؛ ولذلك فالثقل والبرودة والظلمة هي حقايق طبيعية عرضية.
كلام على ما تقدم
لما كان مدار الحقايق الطبيعية يقوم على المعلومات الوجودية الخاضعة للإدراك الحسي والعقلي، كانت منزلتها أعلى من منزلة الحقايق الأدبية التي لا تدور إلا على التصديقات التصورية الخاضعة لأحكام العقل الهفوي وأوهامه بدون علاقة مع أحكام الحس المعصوم. وهكذا فالحقايق الطبيعية تشتمل على الصحة والقبول بديهيًّا غير محتملة ما تحتمله الحقايق الأدبية من النضال والجدال والقبول والرد، فلا يسع العين إنكار وجود النور، ولا تحتمل الأذن جحد رنين الأصوات، ولا يمكن الشم رفض وجود الروائح، ولا يطيق الذوق نفي الطعم، ولا يستطيع اللمس جهل الملموسات؛ ولذلك فأصحاب الحقايق الطبيعية لا يختلفون في أحكامهم إلا عرضيًّا لأنهم لا يأخذون أحكامهم إلا من طبيعة المحكومات الراهنة، ولا يقبلون حقيقةً ما لم تقم لهم الحجة على صحتها من نفس طبيعتها، ولا يبنون براهينهم إلا على المشاهدة والعيان، فتكون كل قضاياهم أولياتٍ أساسية، بحيث لا يحفلون أصلًا بما تحتفل به تصورات العقل وتبتدعه أغراض الأوهام.
ويدخل في مبحث الحقيقة الطبيعية كل الحقايق الحسابية والهندسية والمنطيقية والفوق الطبيعية، لثبوت أصولها ورسوخ قواعدها وصدق نتايجها المطردة، فإنه يستحيل ألا يصدَّق قولنا: ثلاثةٌ في ثلاثةٍ تسعة، وقولنا: حاصلا مضروبٍ فيهِ متساوٍ متساويان في خارج قسمتهما عليه ومتناسبان، وقولنا: حاصل ركني الوسط يعادل حاصل ركني الطرف في النسبة الأربعية الأركان. وقولنا في الهندسة: منفرجة وحادَّة تعدلان قايمتين، والمنحي يصنع قوس دايرة، والأقطار المارة من المحيط في المركز هي متساوية، ومن كل ضلع معلوم وزاوية معلومة يخرج مجهول. وقولنا في المنطيقية: المتناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان. وفي الفوق الطبيعية: الله موجود، والنفس بسيطة، وكل الحقايق الدينية المدروجة في الوحي الصادق والمسنودة إليه فكل هذه الحقايق لها أن تدخل في مقام الحقايق الطبيعية لاشتراكها معها في الثبوت والرسوخ والصدق.
في الحقيقة الأدبية الوجودية
إن الحقيقة الأدبية الوجودية هي تصديق تصوري يستنتجه العقل من تصورات يستفيدها من الحوادث المخبورة والمسموعة، وذلك كحقيقة نفع العلم وضرر الجهل، فإن تصور العلم المستفاد من الخبرة أو السماع، وتصور النفع المستفاد منهما أيضًا، يطبعان في الذهن تصور علاقة أدبية تضم النفع إلى العلم ضم المعلول إلى العلة، وهكذا يحكم العقل بكون العلم نافعًا، ويكون حكمهُ هذا حقيقة وجودية أدبية. فقولنا حقيقة إنما هو لكون نفع العلم صحيحًا، وقولنا وجودية إنما هو لكون هذا النفع موجودًا، وقولنا أدبية إنما هو لكون هذه الحقيقة قد تولدت تصوراتها تولدًا وهميًّا غير مشتمل على تماثيل حسية نظير الحقايق الطبيعية.
في الحقيقة الأدبية العدمية
إن حصول هذه الحقيقة هو عين حصول الحقيقة المتقدمة، ولكنها تختلف من جهة كونها مأخوذة عن حوادث كاذبة غير حقيقية، وذلك كحقيقة ظلم الدهر وإصابة العين، والارتباط ما بين أعمال الإنسان وحركة الفلك، وزوس اليونانيين وأبو هول المصريين وبرهمة الهند، وما شاكل ذلك. فإن كل هذا كان يُعتبر عند أهله كحقايق وجودية صحيحة، مع أنهُ عدميٌّ لا أصل له. فإن الدهر كلمةٌ لا يوجد لها معنى لعدم دلالتها على شي وجودي؛ لأن الدهر ليس شيئًا، وهكذا ظلمهُ، وكل الحوادث التي ينسبها الناس إليه إنما هم خليقون باستحداثها، فلا دهر إلا أعمالهم وشرايع هيئتهم. وهكذا في إصابة العين وهلمَّ جرًّا، فإن العين موضوعة للبصر لا للإصابة، والفلك للأزمنة والأوقات لا للسعد والنحس، وزوس وأبو الهول وبرهمة آلهةٌ لا وجود لها، وربما كانوا بشرًا تألهوا على بشر.
في الحقيقة الأدبية الأصلية
إن مدار هذه الحقيقة يتوقف على مبادٍ وأوضاعٍ تنشأ عن أحكام الاتفاق أو صواب العقل، وذلك كقولك في الوضعيات: الكل أعظم من جزأيهِ، ومساوي المساوي مساوي، وكقولنا في الأدبيات: كل لسان بإنسان، وكل حال تزول. فالمثلان المتقدمان هما حقيقتان مأخوذتان عن صواب العقل، وأصليتان لكونهما منشأ حقايق فرعية كثيرة. والمثلان المتأخران هما حقيقتان مأخوذتان عن أحكام الاتفاق، وأصليتان لكونهما مقياس عدد وافر من الحقايق الأدبية. وقِس على ذلك.
في الحقيقة الأدبية الفرعية
إن هذه الحقيقة تأخذ صدورها من الحقيقة المتقدمة لأنها تتفرع عنها، وذلك كقولنا: النهر جزءٌ من البحر فالبحر أعظم منه، والحيوان كلِّي للإنسان فهو أعظم منه، وزيدٌ مساوٍ لعمرو وعمرو مساوٍ لبكر فزيد مساوٍ لبكر، وفلان يتكلم لسانين فهو يعدل إنسانين، وحال زيدٍ في نعيمٍ أو في شقا فهي تزول. فإن كل ذلك يُدعى حقايق أدبية فرعية لأنه قد تفرع عن الحقايق الأصلية المتقدم إيرادها.
في الحقيقة الأدبية الحقيقية
إن الحقيقة الأدبية الحقيقية هي التي يُعبَّر عنها بالإسناد الوضعي الحقيقي، وذلك كما إذا قلنا: الصدق ثابتٌ، والكذب زايلٌ، والقدح شرٌّ، والمدح خيرٌ، وزيدٌ شجاعٌ، وعمرٌو جبانٌ، فجميع هذه الأمثال هي حقايق أدبية حقيقية إذ يعبَّر عنها بكلام وضعي لمعانيها، لأن إسناد الثبوت إلى الصدق هو إسناد حقيقي، وهكذا الزوال إلى الكذب، والشر إلى القدح، والخير إلى المدح، والشجاعة إلى زيد، والجَبانة إلى عمرو، وقِس على ذلك.
في الحقيقة الأدبية المجازية
إن هذه الحقيقة هي عكس المتقدمة؛ لأنها تقوم بالإسناد المجازي، أي بكلام غير موضوع لمعناه، وذلك كما إذا قيل: الصدق غالب، والكذب هارب، والقدح جلَّاد، والمدح صديق، وزيد أسد، وعمرو أرنب. فإن كل ذلك يُدعى حقايق مجازية لاشتمالها على الإسناد المجازي بوجود وجه معنوي بين ركني الكلام، كالوجه الموجود بين الصدق والغلب وهو القوة، والوجه الموجود بين الكذب والهرب وهو الضعف، وهكذا فعل الصيت بين القدح والجلَّاد، والموالاة بين المدح والصديق، وكذلك حصول وجه الاستعارة المجازية بين زيد والأسد وهو الشجاعة، وبين عمرو والأرنب وهو الجَبانة. وعلى ذلك تجري كل حقيقة تتضمن مجازًا إسناديًّا أو استعاريًّا أو مُرسلًا، فتأمل.
ويدخل في هذه الحقيقة كثيرٌ من الحقايق التي تكون طبيعية لفظًا وأدبية معنًى، أو طبيعية المادة وأدبية الصورة، وذلك كقولي من قصيدة مطلعها:
إلى أن أقول:
فهنا ترى في البيت الأخير حقيقة كل ألفاظها طبيعية محضًا وأدبيةً معنًى؛ لأن المراد هو عصاوة الميل المعبر عنها بفواد من حديد، والاستعطاف المعبر عنه بسحر من مغناطيس أي حسن البيان، والوجه في هذه الحقيقة هو الشبه الحاصل بين الحديد والقساوة وبين المغناطيس وحسن البيان، على أنه كما أن المغناطيس يجذب الحديد هكذا حسن البيان في التكلم يجذب الخواطر القاسية.
كلام على ما تقدَّم
إنه لما كانت الحقايق الأدبية مشيدة على التصورات والأوهام، أو على الصواب والاستحسان، أو على الحوادث الاجتماعية والمبادي العرفية، كان جوقها خاضعًا لأحكام العقل عليها، وتصرف الزمان بها؛ ولذلك كان أغلبها يتقلب حسب تقلب أهواء البشر، ويتغير حسب تغير الظروف، وينتقل تبعًا لتنقل الأزمنة والأجيال. وهكذا فإننا نرى كثيرًا من الحقايق الأدبية التي كانت تُعتبر قديمًا كحقايق صحيحة راهنة صارت تعتبر اليوم كخرافات وأراجيف. وكذلك يوجد من هذه الحقايق ما يختلف اعتباره بين البشر اختلاف أجناسهم ونواميسهم وأذواقهم، ومن هذه الحقايق ما يختلف مقامه اختلاف عقول الأفراد بأحكامها، فما يراه الإفرنج صحيحًا يراه العرب عليلًا، وما يراه الفرس صادقًا يراه الغول باطلًا، وما يحكم عليه زيدٌ بكونهِ صوابًا يحكم عليه عمرٌو بكونه خطأً. وهكذا فإننا نرى عددًا وافرًا من هذه الحقايق الأدبية قد صار سببًا لكثيرٍ من الحروب بين البشر والفتن والقلاقل والبلابل والاضطهادات حتى ولكثيرٍ من الانقلابات والدثار والدمار.
وطالما نرى بين أصحاب الحقايق الطبيعية وأصحاب الحقايق الأدبية نزاعًا وقراعًا لا يفتران، على أن كلًّا من الفريقين يكافح ويقارع الآخر بأسلحة حقايقهِ ليستظهرها ويستنصرها، فهذا يهجم بقوات الطبيعة والهَيُولَى، وذاك يهجم بقوى العقل والصواب، هذا ينقض بأجنحة المشاهدة والمعاينة، وذاك ينقض بأجنحة الاستقراء والاستنتاج. وخاصةً حزب الحقايق العدمية، فإن إيقاد نيرانهم ضد حزب الحقايق الوجودية لا يفتر شراره، ولا يخبو أواره، ولا يزالون ساعين في تدمير معاهد الحقايق الوجودية وتهبيط كل مشاداتها لإيجاد المعدوم وإعدام الموجود، وحسبنا شهادة كل التواريخ على ذلك.
بيان
إيضاح
وقلت: