حال النبات
فهبَّ النبات من مرابضه الحيوية، وانتشر على سطح الكرة الأرضية، فتوَّج الجبال ووشَّح التلال، وظلَّل المنحدرات والوديان، وجلَّل السهول والقيعان، فتكلَّل الشجر بالسحاب، والْتَحفَ النبت بالضباب. وما زالت الطبيعةُ تفلح المثوى، والأرضُ تصلح المأوى، حتى تنوعت الأجناس وتحددت، وتفردت الأنواع وتعددت، فذهب النوع يحمي ذريته، والشخص يحفظ بنيته، فأعضاءٌ تهتم بالتثبيت والتشييد، وأخرى تخدم للتوليد والتجديد، وأجزاءٌ تردُّ غارات التقلبات، وآلات تردع طبائع المؤثرات، كتضعيف اشتداد الضو، وتلطيف كثافات الجو. فالزهور تبتسم عن أصول الحياة القوتية، والجذورُ والأوراقُ تستقي وتنتقي المواد الغذوية، على حالة البهيمية، فيتقوَّم الجهاز العضوي، ويتشيَّد البنيان الحيوي، ليكون طعامًا للحيوان ومقامًا للإنسان، فكانَ النباتُ طبَّاخَ الأكوان، والحيوان أكَّال الألوان. ولما كانت الحياةُ عرضةً للعوارض، وموقعًا للقوارض، جعلت أجناد ذلك الوجود الأكبر، تغذو قوايم هذا الكون الأخضر، فبينما الجذوع تتيه بقاماتها النضرة، والأغصان تزهو بأوراقها الخضرة، والرياضُ تبتسم بأزهارها لدى سقوط الأنداء، والغِيَاضُ تهتز بأدواحها رافلةً بمطارف الأفياء، يهبُّ الجو عليها برامحات أهوائه، وسافحات أنوائه، فتنقضُّ الصواعق آخذةً بالجذوع، فتصابُ بالهجوع، وتفتك السيول بالجذور، وتنثر عقود الزهور، فيما أن الكل يكون ملاعب الحوادث الجمادية، وفرايس الطبيعة الحيوانية، لإخراجها عن فصلها وإيلاجها في أصلها.