حال المرأة
ولما استوت الطبيعةُ على كيانها، وتمكَّنت في بنيانها، طلبت الحافظ على دوامها، والذبَّ عن قيامها، فكانت المرأةُ ظرفَ تلك الظروف، وغصنًا داني القطوف، فبادلت الرجل نظرات الاقتراب، وغازلتهُ مغازلة الأحباب، فرتع في رياض جمالها، واقتطف ثمراتِ كمالها، حتى تمما وظائف الاقتران، وحفظا نوع الإنسان، وقد أُشير إلى ذلك في ثمرة العصيان، فحبلت المرأةُ وتوجَّعت، وتمخضت وتفجَّعت، فاندفعت إلى التربية والرضاع، وتهذيب البيت والمتاع، بينما الرجلُ يفلحُ الحقول، ويستغل البقول، ويكدح ويكد، ويجهد ويجد.
ولما أغناها شأنها عن المتاعب الدنيوية، والمصاعب الأرضية، وقعت في هموم الهجس، وغموم الهدس، فتطلبت الحلى والحلل، وهامت بالرقة والغزل، لتختلس نظرات النواظر، وتسترق خطرات الخواطر، حتى إذا لم ينجع رغابها، ولم ينجح طلابها، رجعت بصفقة الغبون، ذارفةً عبرات العيون، وتنظر إلى المرآة نظر المعتجب، وتقول: كيف هذا الجمالُ قد غُلب؟! وإذا ظفرت بالمطلوب، وانتصرت على القلوب، تاهت بفوزها وتباهت، وبدلالها تناهت. وكلما دنت فاستدنت، ولوت فاستولت، وللتصابي أولت. وإذا نفيس نفس أهملها، وفي غرورها أمهلها، رجعت فاسترجعت، ونجعت فاستنجعت. ولم تزل بين ورد وصدر، وبيان وحسر، إلى أن تسقط دولة ذلك الجمال الباهر، وتذبل زهرة ذياك الشباب الزاهر، فتعودُ تصدعُ الآذان بقصص صباها، وسير مرباها، ولا تشتغل حينئذٍ إلا بجمع الأشباح، وبتفريق الأرواح، فتصبح خابطةً خبط العشواء، وضايعةً في الغارة الشعواء.
أما المرأة فهي جوهر بديع البنية واللطافة، يشفُّ عن كل رقةٍ وظرافة؛ ولذلك فهي شديدة التأثر، كثيرة التفكر، سريعة التذكر، ولها في الفهم عقلٌ دقيقٌ، وفي العلم ذهنٌ رقيقٌ. إلا أنها بطيئة الاختراع والتبيان، سريعة السهو والنسيان. ولشدة تأثُّرها، وغموض تبصُّرها، كانت حليفة الجبانة، سهلة الأمانة. ومن شأنها حفظ الوداد والأدب، وسرعة زوال الغضب، فلقلبها الوفا، ولطبعها الصفا. وبالإجمال إنما المرأة جوهر الإنسان، وأجلُّ كيان، رغم كل عدوان.