حال الطفولية
هذا هو الدور الأول لحياة الإنسان، والغلوة الأولى في طريق الزمان، حيثما يُقال للداخل طفلًا مولودًا، وللخارج شيخًا مفقودًا. ولما كان الإنسان في هذا المدخل عديم البصيرة، خالي السريرة، عاريًا من كل الكمالات الأدبية، غير حاصل على تمام الوظائف العقلية، فلا يرى إلا ما يقوم قربه، ولا يشعر إلا بما يستعطف قلبه، فيلعب بالتراب ويذريه، ويعبث بالتبر ويذريه، ويسخر بالمقبولات والمردودات، ويضحك على كلِّ الموجودات، فلا يهتم إلا بطلب الغذا، ولا يحفل إلا بما يورث الأذى. وإذ لا يبرح طايشًا بخفة بنيته، وضايعًا في تيه نيته، فلا يسمع دويَّ ضوضاء العوالم، ولا رويَّ قوافي العظايم، بينما يكون باكيًا تحت تأثيراتها وفواعلها، ومتحركًا وساكنًا تحت جوازمها وعواملها، ومسرعًا في طريق حياته إلى الدخول في أبوابها، والغوص في عبابها، فليت عينيه ترى ما يستقبله من الأوصاب، وما يستنظره من الأتعاب، فما الثدي إلا رمز الردى في طلب القوت، وما المهد إلا إشارة التابوت.