أَفْرِيقْيَا مِنْ جَدِيدٍ
صَعِدْتُ إِلَى سَطْحِ السَّفِينَةِ فِي الأَوَّلِ مِنْ سِبْتَمْبِرَ ١٦٥٩، بَعْدَ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ بِالضَّبْطِ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي قُمْتُ فِيهِ بِرِحْلَتِي الأُولَى المَشْئُومَةِ مِنْ هَالْ، لَكِنِّي حَاوَلْتُ أَلَّا أُفَكِّرَ بِهَذَا، فَلَمْ أُرِدْ أَنْ أُنْحِسَ رِحْلَتِي.
حَمَلَتِ السَّفِينَةُ ١٢٠ طُنًّا مِنَ الْمُؤَنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، إِضَافَةً إِلَى الْقُبْطَانِ، وَخَادِمِهِ، وَأَنَا. وَلَمْ تَكُنْ حَمُولَتُنَا كَبِيرَةً عَلَى ظَهْرِ السَّفِينَةِ، فَقَطْ مَا أَرَدْنَا مُقَايَضَتَهُ مَعَ الْأَفَارِقَةِ.
عِنْدَمَا بَدَأْنَا الرِّحْلَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَانَ الطَّقْسُ رَائِعًا، فَأَشْرَقَتِ الشَّمْسُ بِسُطُوعٍ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ فِي الِاتِّجَاهِ الْمُوَاتِي بِالضَّبْطِ. وَسَلَكْنَا طَرِيقَنَا شَمَالًا، قَاصِدِينَ الْإِبْحَارَ إِلَى أَفْرِيقْيَا، حَيْثُ وَصَلْنَا إِلَى دَائِرَةِ عَرْضِ عَشْرٍ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ دَرَجَةً.
ضَرَبَتْنَا عَاصِفَةٌ عَاتِيَةٌ بَعْدَ إِبْحَارِنَا بِاثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَمَاسَكَ بَيْنَمَا تَتَقَاذَفُ الْعَاصِفَةُ السَّفِينَةَ هُنَا وَهُنَاكَ. فَقَدْنَا ثَلَاثَةَ رِجَالٍ أَثْنَاءَ هَذَا الْإِعْصَارِ؛ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ مِنَ الِالْتِهَابِ الرِّئَوِيِّ، وَجَرَفَتِ الْمِيَاهُ الِاثْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِنْ عَلَى سَطْحِ السَّفِينَةِ، وَاسْتَمَرَّتِ الْعَاصِفَةُ تَعْصِفُ بِنَا لِأُسْبُوعَيْنِ مُتَوَاصِلَيْنِ، وَمَلَأَ الرُّعْبُ قُلُوبَنَا.
بَعْدَ مُرُورِ مَا بَدَا لَنَا دَهْرًا، هَدَأَ الطَّقْسُ أَخِيرًا، لَكِنَّنَا قُذِفْنَا بَعِيدًا عَنْ مَسَارِنَا وَأَرَادَ الْقُبْطَانُ مَعْرِفَةَ مَكَانِنَا الْحَالِيِّ، فَقَضَيْتُ سَاعَاتٍ فِي حُجْرَةِ الْقُبْطَانِ، أُحَاوِلُ مَعَهُ تَقْرِيرَ مَاذَا نَفْعَلُ؛ رَاجَعْنَا خَرَائِطَنَا، وَرُسُومَنَا الْبَحْرِيَّةَ، وَرُسُومَنَا الْبَيَانِيَّةَ.
قَالَ الْقُبْطَانُ بَعْدَ تَفْكِيرٍ مُتَمَعِّنٍ: «رُبَّمَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْنَا أَنْ نَذْهَبَ مِنْ حَيْثُ أَتَيْنَا.»
أَجَبْتُهُ: «لَكِنَّنَا بَعِيدُونَ جِدًّا عَنِ الْمَسَارِ، لَعَلَّ مِنَ الْأَسْلَمِ أَنْ نَتَّجِهَ إِلَى جُزُرِ الْكَارِيبِي، فَعَلَى الْأَقَلِّ يُمْكِنُنَا هُنَاكَ إِعَادَةُ تَهْيِئَةِ السَّفِينَةِ، وَقَدْ نَجِدُ اثْنَيْنِ مِنَ الْبَحَّارَةِ يَرْغَبَانِ فِي الِانْضِمَامِ لِطَاقَمِنَا.»
نَظَرَ بِعِنَايَةٍ فِي الْوَرَقِ عَلَى مِنْضَدَتِهِ وَقَالَ: «هَذَا صَحِيحٌ، يُمْكِنُنَا أَنْ نَصِلَ إِلَيْهَا فِي الْأَسَابِيعِ الْقَلِيلَةِ الْقَادِمَةِ. وَأَظُنُّ أَنَّكَ مُحِقٌّ، هَذِهِ هِيَ أَفْضَلُ الخُطَطِ.»
وَأَخْبَرَ الْقُبْطَانُ طَاقَمَ السَّفِينَةِ أَنَّنَا مُتَّجِهُونَ إِلَى الْكَارِيبِي، وَغَيَّرْنَا مَسَارَنَا فِي حِينِهِ. وَكَانَتِ السَّفِينَةُ مُتَضَرِّرَةً بِشِدَّةٍ، وَيَتَسَرَّبُ الْمَاءُ إِلَيْهَا بِكَثْرَةٍ. وَبِالرُّغْمِ مِنْ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ، فَكُنَّا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ إِمْكَانِيَّةِ بُلُوغِنَا باربادوس فِي غُضُونِ أُسْبُوعَيْنِ تَقْرِيبًا.