مَلَاذٌ مُؤَقَّتٌ
رَجَعْتُ فِي الْيَوْمِ التَّالِي مُبَاشَرَةً إِلَى السَّفِينَةِ لِأَرَى مَاذَا أَيْضًا يُمْكِنُنِي الِاحْتِفَاظُ بِهِ. وَكَانَ مِنَ الْمُهِمِّ تَجْمِيعُ كُلِّ شَيْءٍ صَغِيرٍ يُمْكِنُنِي جَمْعُهُ، فَرُبَّمَا تَعْصِفُ عَاصِفَةٌ أُخْرَى فِي أَيِّ دَقِيقَةٍ وَتَجْرِفُ السَّفِينَةَ بَعِيدًا، وَلَا أُرِيدُ إِضَاعَةَ فُرْصَتِي فِي الِاحْتِفَاظِ بِشَيْءٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ حَيَاتِي أَفْضَلَ، بَيْنَمَا لَا زِلْتُ مُحَاصَرًا فِي هَذِهِ الْجَزِيرَةِ. وَذَهَبْتُ مُجَدَّدًا عِنْدَمَا كَانَ التَّيَّارُ مُنْخَفِضًا. وَسَحَبْتُ الطَّوْفَ خَلْفِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَسْبَحُ بَعِيدًا إِلَى السَّفِينَةِ، ثُمَّ رَبَطْتُهُ بِنَفْسِ الْحَبْلِ الَّذِي اسْتَخْدَمْتُهُ لِلصُّعُودِ.
وَفِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، قَرَّرْتُ الِاسْتِعَانَةَ بِطَوْفٍ ثَانٍ؛ لِذَا صَنَعْتُ طَوْفًا آخَرَ مُسْتَعِينًا بِالْأَوَّلِ كَنَمُوذَجٍ. وَجَمَعْتُ الْعَدِيدَ مِنَ الْأَشْيَاءِ عَلَى هَذَيْنِ الطَّوْفَيْنِ! فَأَخَذْتُ مَسَامِيرَ وَالْمَزِيدَ مِنَ الْبَنَادِقِ وَبَعْضَ الْمَلَابِسِ وَالْمَزِيدَ مِنَ الطَّعَامِ وَجَمِيعَ مُسْتَلْزَمَاتِ الْبِنَاءِ الَّتِي أَمْكَنَنِي الْعُثُورُ عَلَيْهَا، بَلْ أَخَذْتُ أَيْضًا الشِّرَاعَ الِاحْتِيَاطِيَّ. وَعِنْدَمَا امْتَلَأَ الطَّوْفَانِ جَدَّفْتُ عَائِدًا تِجَاهَ النَّهْرِ وُصُولًا إِلَى مَكَانِ اخْتِبَائِي.
وَعِنْدَمَا عُدْتُ، وَجَدْتُ قِطَّةً بَرِّيَّةً جَالِسَةً عَلَى أَحَدِ صَنَادِيقِي!
فَصِحْتُ: «ابْتَعِدِي! اذْهَبِي! اتْرُكِي صُنْدُوقِي وَشَأْنَهُ!» لَكِنَّ الْقِطَّةَ لَمْ تَتَزَحْزَحْ، وَفَقَطْ نَظَرَتْ إِلَيَّ بِعَيْنَيْهَا الْوَاسِعَتَيْنِ الْجَمِيلَتَيْنِ كَأَنَّهَا تَقُولُ: «عَلَيْكَ أَنْ تُحَاوِلَ بِأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَيِّدُ!»
قَذَفْتُ بِقِطْعَةِ بَسْكَوِيتٍ بِاتِّجَاهِ الْغَابَاتِ، وَنَجَحَتِ الْحِيلَةُ! فَرَكَضَتِ الْقِطَّةُ خَلْفَهَا وَأَكَلَتْهَا فِي قَضْمَةٍ وَاحِدَةٍ سَرِيعَةٍ. وَمِنْ مَظْهَرِ الْأَشْيَاءِ، أَدْرَكْتُ أَنَّ الْقِطَّةَ لَمْ تُتْلِفْ شَيْئًا، بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ، لَمْ يَأْتِ أَيُّ حَيَوَانٍ آخَرَ إِلَى هُنَاكَ، وَكَانَ هَذَا مُؤَشِّرًا طَيِّبًا.
كَانَتْ خُطْوَتِي التَّالِيَةُ هِيَ بِنَاءَ خَيْمَةٍ مُنَاسِبَةٍ؛ لِذَا قَطَعْتُ أَوَّلًا بَعْضَ الْأَغْصَانِ مِنَ الشَّجَرِ الْمُحِيطِ بِمُخَيَّمِي الْجَدِيدِ، ثُمَّ اسْتَخْدَمْتُ الشِّرَاعَ الِاحْتِيَاطِيَّ مَعَ بَعْضِ الْحِبَالِ الَّتِي وَجَدْتُهَا عَلَى السَّفِينَةِ. وَبِمُجَرَّدِ الِانْتِهَاءِ مِنَ الْخَيْمَةِ، أَحْضَرْتُ لِلدَّاخِلِ كُلَّ شَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَفْسُدَ إِذَا أَصْبَحَ الْمَكَانُ شَدِيدَ الرُّطُوبَةِ مِنَ الْمَطَرِ أَوْ شَدِيدَ الْحَرَارَةِ مِنَ الشَّمْسِ. وَأَخِيرًا، صَنَعْتُ مَضْجَعًا أَكْثَرَ رَاحَةً بِالِاسْتِعَانَةِ بِأُرْجُوحَتَيْنِ شَبَكِيَّتَيْنِ تَسَنَّى لِي أَخْذُهُمَا مِنَ السَّفِينَةِ. وَأَسْلَمَنِي الْعَمَلُ الْمُضْنِي وَالمَكَانُ المُرِيحُ إِلَى النَّوْمِ عَلَى الْفَوْرِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ.
وَعَلَى مَدَى الْأُسْبُوعَيْنِ التَّالِيَيْنِ، اسْتَمْرَرْتُ عَلَى نَفْسِ مِنْوَالِ أَوَّلِ يَوْمَيْنِ، فَفِي الصَّبَاحِ، وَبَعْدَمَا يَهْدَأُ التَّيَّارُ، أَسْبَحُ إِلَى السَّفِينَةِ سَاحِبًا خَلْفِي طَوْفَيَّ، وَأَبْحَثُ مِنْ مُقَدِّمَةِ السَّفِينَةِ حَتَّى مُؤَخَّرَتِهَا عَنْ أَيِّ شَيْءٍ رُبَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا. وَبَعْدَ قَضَاءِ نَحْوِ السَّاعَتَيْنِ فِي تَجْمِيعِ الْمُؤَنِ، أُجَدِّفُ عَائِدًا بِالطَّوْفَيْنِ لِلشَّاطِئِ. وَعَلَى سَطْحِ السَّفِينَةِ وَجَدْتُ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ الْأَكْثَرَ إِثَارَةً، وَمِنْهَا مِقَصٌّ (وَكَانَ عَظِيمَ الْفَائِدَةِ فِي الْحَقِيقَةِ!) وَشَفْرَةُ حِلَاقَةٍ، حَتَّى يُمْكِنَنِي الْحِلَاقَةُ، كَمَا وَجَدْتُ صُنْدُوقًا بِهِ مِنَ الذَّهَبِ مَا تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَنْ ثَلَاثِينَ جُنَيْهًا، وَلَمْ أَرَ لَهُ أَيَّ نَفْعٍ، إِلَّا أَنَّنِي أَخَذْتُهُ مَعِي عَلَى أَيِّ حَالٍ، بِالرُّغْمِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ مَكَانٍ أُنْفِقُهُ فِيهِ!
وَفِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنَ الْأُسْبُوعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ انْقَلَبَ الطَّقْسُ فِي النِّهَايَةِ، وَكَانَتْ بِالْفِعْلِ آخِرَ رِحْلَةٍ لِي إِلَى السَّفِينَةِ، فَلَدَيَّ تَقْرِيبًا كُلُّ شَيْءٍ يَمْكِنُنِي اسْتِخْدَامُهُ، بَلْ وَأَكْثَرُ. هَبَّتِ الرِّيَاحُ سَرِيعًا، وَكَانَتِ الْبَضَائِعُ ثَقِيلَةً بَيْنَمَا كُنْتُ أُجَدِّفُ جَاهِدًا لِلْعَوْدَةِ إِلَى الشَّاطِئِ، وَعَرَفْتُ حِينَهَا أَنَّ لَدَيَّ فُرْصَةً وَاحِدَةً فَقَطْ لِلْعَوْدَةِ قَبْلَ الْعَاصِفَةِ؛ لِذَا وَلِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَدَى عِدَّةِ أَسَابِيعَ، كُنْتُ أُجَدِّفُ لِلنَّجَاةِ بِحَيَاتِي. فَاضَتْ مِيَاهُ الْأَمْوَاجِ الْمُتَلَاطِمَةِ فَوْقَ الطَّوْفَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيَّ الْوَقْتُ حَتَّى لِلتَّفْكِيرِ فِي مَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ؛ فَجَدَّفْتُ وَجَدَّفْتُ، وَكَانَ عَلَيَّ الْعَوْدَةُ.
لَمْ تَذْهَبْ مَجْهُودَاتِي سُدًى، وَعَمَّا قَلِيلٍ أَصْبَحْتُ مُرْتَاحًا فِي خَيْمَتِي، أَسْتَمِعُ إِلَى صَوْتِ الْمَطَرِ يَهْطِلُ مِنْ حَوْلِي. ضَرَبَتِ الرِّيَاحُ شِرَاعَ الخَيْمَةِ بِقُوَّةٍ، وكَانَ بِإِمْكَانِي سَمَاعُ تَأَرْجُحِ الْأَشْجَارِ، وَحَفِيفِ أَوْرَاقِهَا. وَلَا بُدَّ أَنَّ الْعَاصِفَةَ اسْتَمَرَّتْ طَوَالَ اللَّيْلِ، لَكِنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَدْ نِمْتُ قَرِيرَ الْعَيْنِ فِي خَيْمَتِي الَّتِي اصْطَنَعْتُهَا بِيَدَيَّ. وَاسْتَيْقَظْتُ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي وَجَرَيْتُ نَحْوَ الشَّاطِئِ لِأَجِدَ أَنَّ السَّفِينَةَ اخْتَفَتْ تَمَامًا!
فَتَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِي: «حَسَنًا، مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ الْحَظَّ ظَلَّ يُرَافِقُنِي لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِمَا يَكْفِي.» وَقَفْتُ هُنَاكَ لِدَقِيقَةٍ أَنْظُرُ إِلَى الْمَكَانِ الْخَاوِي وَأُفَكِّرُ فِي السَّفِينَةِ وَالطَّاقَمِ وَقُبْطَانِنَا. وَفَكَّرْتُ كَذلِكَ كَمْ كَانَتْ حَيَاتِي مُخْتَلِفَةً مِنْ أُسْبُوعَيْنِ فَقَطْ.