العَقْدُ الْأَوَّلُ
عَشْرُ سِنِينَ مَرَّتْ، وَكَانَ الْبَارُودُ فِي طَرِيقِهِ لِلنَّفَادِ، وَكُنْتُ فِي حَاجَةٍ إِلَى الْعُثُورِ عَلَى وَسِيلَةٍ لِتَوْفِيرِ الطَّعَامِ لَا تَشْمَلُ الصَّيْدَ. فَلَوِ اسْتَطَعْتُ الْإِمْسَاكَ بِعَدَدٍ قَلِيلٍ مِنْ صِغَارِ الْمَاعِزِ، فَيُمْكِنُنِي تَرْوِيضُهَا، وَلَوِ اسْتَطَعْتُ تَرْوِيضَهَا، سَيَكُونُ لَدَيَّ طَعَامٌ دَوْمًا؛ إِذْ سَيَكْبُرُونَ سَرِيعًا حَتَّى يُصْبِحُوا قَطِيعًا كَامِلًا مِنَ الْمَاعِزِ.
اسْتَغْرَقَ الْأَمْرُ مِنِّي بَعْضَ الْمُحَاوَلَاتِ قَبْلَ أَنْ أَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِمْسَاكِ بِالْمَاعِزِ؛ فَإِذَا أَكَلَ الْمَاعِزُ الذُّرَةَ الَّتِي بَدَأْتُ بِزَرْعِهَا، لا تَقَعْ فِي الْفَخِّ! وَعِنْدَمَا يَعْمَلُ الْفَخُّ، لَا يَكُونُ الْمَاعِزُ بِالْجِوَارِ!
وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْمُحَاوَلَةِ، عُدْتُ إِلَى الْحُفْرَةِ ذَاتَ صَبَاحٍ لِأَجِدَ الْمَاعِزَ يَمْضُغُونَ بِسَعَادَةٍ الْأَكْلَ الَّذِي تَرَكْتُهُ، فَاقْتَدْتُ الْمَاعِزَ إِلَى الْمَرْجِ الْقَرِيبِ مِنْ بَيْتِي الصَّيْفِيِّ. وَكَانَ هُنَاكَ بِالْفِعْلَ سِيَاجٌ جَمِيلٌ مِنَ الشُّجَيْرَاتِ يُحِيطُ بِالْمِنْطَقَةِ، وَكُنْتُ قَدْ أَقَمْتُهُ كَيْ لَا تَهْرُبَ الْمَاعِزُ بِمُجَرَّدِ إِدْخَالِها إِلَى الْكَلَأِ. وَلَمْ يُحِبَّ صِغَارُ الْمَاعِزِ الثَّلَاثَةُ التَّقْيِيدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ سَبِيلٍ آخَرَ حَتَّى أَتَأَكَّدَ مِنْ بَقَائِهَا. وَكُنْتُ أُطْعِمُهُمُ الذُّرَةَ وَالْأُرْزَ، وَقَدْ أَحَبَّتْهُمَا كَثِيرًا حَتَّى إِنَّهَا غَالِبًا مَا كَانَتْ تَأْكُلُهَا مِنْ يَدِي مُبَاشَرَةً.
بَقِينَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ لِفَتْرَةٍ، يَأْكُلُونَ مَا أُقَدِّمُهُ لَهُمْ، فِي حِينِ ظَلُّوا مُقَيَّدِينَ. وَعِنْدَمَا تَيَقَّنْتُ مِنْ عَدَمِ تَحَوُّلِهِمْ إِلَى مَاعِزٍ بَرِّيٍّ، تَرَكْتُهُمْ يَتَحَرَّكُونَ بِحُرِّيَّةٍ فِي الْمَرْجِ. وَكَبِرَ الْقَطِيعُ بِاطِّرَادٍ عَلَى مَدَى السِّنِينَ الْقَلِيلَةِ التَّالِيَةِ، فَأَصْبَحَ لَدَيَّ الْآنَ حَصَادٌ وَأَشْجَارُ فَاكِهَةٍ وَمَاعِزٌ.
وَكُنْتُ فَخُورًا جِدًّا بِمَزْرَعَتِي الْمُتَنَامِيَةِ؛ فَكَانَتِ الذُّرَةُ تَنْمُو نُمُوًّا صِحِّيًّا، وَكَذَلِكَ الْأُرْزُ، كَمَا وَفَّرَ لِيَ الْقَطِيعُ كُلًّا مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ. وَبِالْإِجْمَالِ، تَطَوَّرَتِ الْأَشْيَاءُ كَمَا يَجِبُ أَنْ تَتَطَوَّرَ. وَصَنَعْتُ الْمَزِيدَ مِنَ الْمَلَابِسِ مِنْ جِلْدِ الْمَاعِزِ. وَكَانَ بول يُرَافِقُنِي فِي صُحْبَةٍ حَسَنَةٍ، إِلَّا أَنَّ شيبي كَبِرَ فِي السِّنِّ وَمَاتَ. وَبِالرُّغْمِ مِنْ أَنَّنِي كُنْتُ أُفَكِّرُ فِي رُجُوعِي لِلْقَارِبِ طَوَالَ الْوَقْتِ، إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ قَطُّ. وَمَرَّتْ سَنَوَاتٌ عَدِيدَةٌ قَبْلَ حَتَّى أَنْ أَقْتَرِبَ مِنْ مَكَانِ رَبْطِهِ!
بِوُسْعِكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ مَعِي كَيْفَ كُنْتُ أَبْدُو بَعْدَ قَضَاءِ عَشْرِ سَنَوَاتٍ كَامِلَةٍ كَشَخْصٍ مَنْفِيٍّ! كُنْتُ أَرْتَدِي مَلَابِسَ مِنْ جِلْدِ الْمَاعِزِ وَقُبَّعَةً كَبِيرَةً مُتَهَدِّلَةً، وَكُنْتُ طَوِيلَ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ، أَمَّا جِلْدِي فَكَانَ غَالِبًا أَحْمَرَ وَمُحْتَرِقًا. لَمْ أَكُنْ أَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ عَنْ صَيْحَاتِ الْمُوضَةِ فِي وَطَنِي، وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا لَمْ يُشَكِّلْ فَارِقًا بِالنِّسْبَةِ لِي، فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ عَلَى الْجَزِيرَةِ لِيَرَانِي عَلَى أَيِّ حَالٍ!