أَثَرُ قَدَمٍ
ذَاتَ يَوْمٍ، خِلَالَ جَوْلَتِي الصَّبَاحِيَّةِ الطَّوِيلَةِ الْمُعْتَادَةِ، قَرَّرْتُ قَطْفَ بَعْضِ الْعِنَبِ لِعَمَلِ الزَّبِيبِ، لَكِنْ حِينَهَا انْتَابَتْنِي لَحْظَةُ شَجَاعَةٍ.
وَفَكَّرْتُ: «لَعَلِّي أَذْهَبُ لِأَتَأَكَّدَ مِنْ وُجُودِ قَارِبِي هُنَاكَ، فَأَنَا أَشْعُرُ بِالشَّجَاعَةِ الْيَوْمَ.» لِذَا بَدَلًا مِنْ زِيَارَةِ بَيْتِي الصَّيْفِيِّ انْعَطَفْتُ فِي مَسِيرِي بِاتِّجَاهِ الشَّاطِئِ لِلْمَكَانِ الَّذِي رُبِطَ فِيهِ الْقَارِبُ، وَعِنْدَمَا وَصَلْتُ هُنَاكَ، وَجَدْتُ أَثَرَ قَدَمِ إِنْسَانٍ فِي الرِّمَالِ.
تَعَجَّبْتُ وَقُلْتُ: «آهٍ! لَا! مَنْ يَكُونُ هَذَا؟ لَا بُدَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْجَزِيرَةِ! لَا أُرِيدُهُمْ أَنْ يَرَوْنِي! وَلَا أُرِيدُهُمْ أَنْ يَعْرِفُوا بِأَمْرِي! جَرَيْتُ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ طَوَالَ طَرِيقِ عَوْدَتِي لِلْمُخَيَّمِ. وَنَظَرْتُ خَلْفِي مِرَارًا وَتَكْرَارًا، بَيْنَمَا أَجْرِي. مَاذَا لَوْ وَجَدُونِي؟ مَاذَا سَيَفْعَلُونَ بِي؟ وَبَعْدَ الْجَرْيِ لِمَا يُقَارِبُ السَّاعَةَ، وَصَلْتُ عَائِدًا إِلَى سِيَاجِي، وَقَفَزْتُ عَلَى سُلَّمِي، وَسَحَبْتُهُ لِلدَّاخِلِ بَعْدَ صُعُودِي.
تَقَلَّبْتُ فِي فِرَاشِي طَوَالَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؛ فَهُنَاكَ الْكَثِيرُ مِمَّا لَا أَعْرِفُهُ؛ فَهَلْ هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَحَسْبُ، أَمْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؟ هَلْ سَيَأْتُونَ لِي؟ وَإِذَا كَانُوا قَدْ وَجَدُوا مَرْكَبِي، فَسَيَعْرِفُونَ أَنَّنِي هُنَا! وَكَانَ قَلْبِي تَتَسَارَعُ دَقَّاتُهُ، وَيَدَايَ تَرْتَعِشَانِ، وَخَشِيتُ مِنْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بَنَيْتُهُ كَانَ عَلَى وَشْكِ التَّدْمِيرِ.
مَرَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَامِلَةٌ قَبْلَ حَتَّى أَنْ أُغَادِرَ مُخَيَّمِي، وَحَتَّى حِينِهَا، لَمْ أُرِدِ الذَّهَابَ، لَكِنَّنِي احْتَجْتُ الْمَاءَ وَكَانَ عَلَيَّ حَلْبُ مَاعِزِي، فَاتَّخَذْتُ مَسَارًا تَسَتَّرْتُ فِيهِ عَنِ الرُّؤْيَةِ طَوَالَ الطَّرِيقِ حَتَّى بَلَغْتُ بَيْتِيَ الصَّيْفِيَّ، وَلَمْ أَرَ أَيَّ شَيْءٍ غَيْرَ عَادِيٍّ؛ لِذَا قَضَيْتُ هُنَاكَ بِضْعَةَ أَيَّامٍ فِي مُحَاوَلَةٍ كَيْ أَهْدَأَ.
قُلْتُ لِنَفْسِي: «روبنسون! رُبَّمَا يَكُونُ رَدُّ فِعْلِكَ مُبَالَغًا فِيهِ، فَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْأَثَرُ هُوَ أَثَرَ قَدَمِي أَنَا، وَأَنَا لَمْ أَلْحَظْ أَنَّنِي تَرَكْتُهُ.» فَاسْتَجْمَعْتُ شَجَاعَتِي كُلَّهَا وَسِرْتُ عَائِدًا إِلَى الشَّاطِئِ لِأُلْقِيَ نَظْرَةً أُخْرَى، وَكَانَ الْأَثَرُ لَمْ يَزَلْ هُنَاكَ!
وَعِنْدَمَا وَضَعْتُ قَدَمِي بِجَانِبِ أَثَرِ الْقَدَمِ وَجَدْتُ أَنَّ أَثَرَ الْقَدَمِ ضِعْفُ حَجْمِ قَدَمِي تَقْرِيبًا! فَقُلْتُ: «هَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ!» وَبَدَأْتُ أَرْتَعِشُ وَأَتَصَبَّبُ عَرَقًا فِي ذَاتِ الْوَقْتِ. وَاسْتَغْرَقْتُ بِضْعَ دَقَائِقَ لِكَيْ أَسْتَجْمِعَ أَفْكَارِي، ثُمَّ جَرَيْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ بِأَقْصَى سُرْعَتِي.
قَضَيْتُ لَيْلَةً أُخْرَى مُؤَرَّقًا، أُفَكِّرُ فِي أَثَرِ الْقَدَمِ تِلْكَ. وَفِي نَوْبَةِ جُنُونٍ قَرَّرْتُ اقْتِلَاعَ كُلِّ مَحَاصِيلِي وَإِطْلَاقَ سَرَاحِ مَاعِزِي؛ وَبِهَذَا لَنْ يَعْرِفَ أَحَدٌ أَنَّنِي كُنْتُ هُنَا. وَطَلَعَ الصُّبْحُ، وَكَانَ الْيَوْمُ صَافِيًا وَمُشْرِقًا، وَوَجَدْتُ مَزْرَعَتِي مَا زَالَتْ بِأَكْمَلِهَا كَمَا هِيَ، وَعَرَفْتُ حِينَهَا أَنَّهُ لَا دَاعِيَ لِتَدْمِيرِ كُلِّ شَيْءٍ بَنَيْتُهُ، وَأَنَّنِي فَقَطْ فِي حَاجَةٍ لِأَنْ أَكُونَ حَرِيصًا.
مَرَّتْ سَنَتَانِ لَمْ أَرَ فِيهِمَا أَحَدًا، وَلَمْ يَظْهَرْ مَزِيدٌ مِنْ آثَارِ الْأَقْدَامِ عَلَى الرَّمْلِ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ وَيُبَاغِتْنِي فِي اللَّيْلِ، وَاسْتَمَرَّتِ الْحَيَاةُ كَالْمُعْتَادِ.