التَّمَرُّدُ وَالْحُرِّيَّةُ
تَوَقَّفَتِ الْأَمْطَارُ، مِثْلَمَا كَانَ الْحَالُ عَلَى مَدَى مَوَاسِمَ عَدِيدَةٍ. وَبَدَأْتُ أَنَا وجمعة فِي الْإِعْدَادِ بِجِدِّيَّةٍ لِرِحْلَتِنَا. اعْتَنَيْنَا بِالْمَحْصُولِ عِنَايَةً جَيِّدَةً، وَبَدَأْنَا فِي تَرْتِيبِ جَمِيعِ الْمُؤَنِ، وَلَمْ يَتَبَقَّ سِوَى التَّأَكُّدِ مِنْ تَوَافُرِ الْغِذَاءِ الْكَافِي بِحَوْزَتِنَا.
وَسَأَلْتُ جمعة: «هَلْ تُمَانِعُ فِي الذَّهَابِ إِلَى الْمَنْزِلِ الصَّيْفِيِّ وَتَجْمِيعِ بَعْضِ الزَّبِيبِ لَنَا؟»
فَأَجَابَ: «عَلَى الْإِطْلَاقِ، سَأَذْهَبُ مِنْ فَوْرِي.»
وَلَمْ تَكَدْ تَمْضِي سَاعَةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَجْرِي عَلَى الطَّرِيقِ صَاعِدًا وَهُوَ يَصْرُخُ: «روبنسون! روبنسون! أَقْبِلْ بِسُرْعَةٍ. يُوجَدُ مَرْكَبٌ هُنَا! مَرْكَبٌ!»
الْتَقَطْتُ بُنْدُقِيَّتَيْنِ وَأَنَا فِي طَرِيقِي خَارِجًا مِنَ الْبَابِ، وَأَلْقَيْتُ بِوَاحِدَةٍ لجمعة، وَأَسْرَعْنَا إِلَى التَّلِّ الْعَالِي، وَاخْتَبَأْنَا بِهُدُوءٍ وَرَاقَبْنَا سَفِينَةً إِنْجِلِيزِيَّةً وَهِيَ تُبْحِرُ نَحْوَ الْجَزِيرَةِ.
وَهَمَسَ لِي جمعة: «مَاذَا تَظُنُّهُمْ فَاعِلِينَ؟»
فَأَجَبْتُ: «لَسْتُ أَدْرِي، لَكِنَّهُ بِالتَّأْكِيدِ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، فَهَذَا لَيْسَ طَرِيقَ تِجَارَةٍ مُعْتَادٍ؛ وَلَمْ أَرَ سَفِينَةً إِنْجِلِيزِيَّةً لِمَا يُقَارِبُ ثَلَاثِينَ سَنَةً.»
أَلْقَتِ السَّفِينَةُ بِمِرْسَاتِهَا عَلَى الشَّاطِئِ مُبَاشَرَةً، وَجَرَّ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الرِّجَالِ الْغَاضِبِينَ حَادِّي الطِّبَاعِ ثَلَاثَةَ أَسْرَى مِنَ السَّفِينَةِ إِلَى الشَّاطِئِ. وَكَانَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَقْدَامُهُمْ مُقَيَّدَةً، ثُمَّ تَرَكَ الْأَشْرَارُ هَؤُلَاءِ الرِّفَاقَ الْمَسَاكِينَ فِي حَرَارَةِ الشَّمْسِ بِلَا غِذَاءٍ وَلَا مَاءٍ فِي حِينِ ذَهَبُوا هُمْ لِيَسْتَكْشِفُوا الْجَزِيرَةَ.
أَشَرْتُ لجمعة بِأَنْ يَتْبَعَنِي، وَتَسَلَّلْنَا بِبُطْءٍ هُبُوطًا عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى الشَّاطِئِ. وَحِينَ تَيَقَّنْتُ أَنْ لَا أَحَدَ بِجِوَارِنَا، تَسَلَّلْتُ إِلَى الرِّجَالِ وَسَأَلْتُهُمْ مَنْ هُمْ وَلِمَاذَا أَتَوْا إِلَى الْجَزِيرَةِ.
فِي الْبِدَايَةِ ارْتَبَكُوا أَيَّمَا ارْتِبَاكٍ، وَلَمْ يُجِيبُونِي عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَلَا بُدَّ أَنَّ مَنْظَرِي بَدَا شَدِيدَ الْغَرَابَةِ لَهُمْ؛ كَإِنْسَانٍ هَمَجِيٍّ وَمَجْنُونٍ يَظْهَرُ مِنَ الْعَدَمِ!
قُلْتُ لَهُمْ: «لَنْ أُوذِيَكُمْ، أَنَا هُنَا لِمُسَاعَدَتِكُمْ.» وَنَادَيْتُ عَلَى جمعة لِيَأْتِيَ، وَبِاسْتِخْدَامِ سِكِّينِهِ قَطَعَ قُيُودَهُمْ. وَبَيْنَمَا كُنَّا نُحَرِّرُهُمْ، شَرَحَ لَنَا أَحَدُ الرِّجَالِ: «أَنَا قُبْطَانُ هَذِهِ السَّفِينَةِ الْعَظِيمَةِ، وقد حَدَثَ عَلَى مَتْنِهَا تَمَرُّدٌ، فَقَرَّرَ طَاقَمُ السَّفِينَةِ الْإِبْحَارَ خَارِجَ الْمَسَارِ الْمُحَدَّدِ. وَهَكَذَا رَسَوْنَا هُنَا.»
قُلْتُ لَهُمْ: «تَعَالَوْا بِسُرْعَةٍ، عَلَيْنَا أَنْ نُبْعِدَ ثَلَاثَتَكُمْ عَنْ هُنَا قَبْلَ أَنْ يَعُودُوا.»
– «بِالْمُنَاسَبَةِ، أَنَا الْقُبْطَانُ والش، أَمَّا هَذَانِ الرَّجُلَانِ فَهُمَا نَائِبَايَ، مُورْجَانُ وَبَاسُ.»
– «أَنَا روبنسون كروزو، وَهَذَا جمعة.»