الْعَوْدَةُ إِلَى الْوَطَنِ
الْتَقَيْتُ بجمعة أَمَامَ الْمَنْزِلِ الصَّيْفِيِّ وَنَزَلْنَا إِلَى الشَّاطِئِ مَعًا. وَكُنْتُ قَدْ حَزَمْتُ بِالْفِعْلِ الْأَشْيَاءَ الْقَلِيلَةَ الَّتِي أَرَدْتُ أَخْذَهَا مَعِي: قُبَّعَتِي مِنْ جِلْدِ الْمَاعِزِ وَمِظَلَّتِي وَآخِرَ بَبَّغَاوَاتِي الْأَلِيفَةِ، وَبِالتَّأْكِيدِ كُلَّ الْأَمْوَالِ الَّتِي عَثَرْتُ عَلَيْهَا وَاحْتَفَظْتُ بِهَا مُنْذُ كُلِّ هَذِهِ السَّنَوَاتِ سَتَكُونُ الْآنَ ذَاتَ نَفْعٍ كَبِيرٍ!
غَادَرْنَا الْجَزِيرَةَ فِي التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ دِيسَمْبِرَ ١٦٨٦؛ بَعْدَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا وَشَهْرَيْنِ وَتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ نُزُولِي عَلَيْهَا. وَبِحُلُولِ يُونْيُو مِنَ الْعَامِ التَّالِي، وَصَلْنَا إِلَى إِنْجِلْتِرَا. وَبَيْنَمَا كُنْتُ أَسِيرُ فِي شَوَارِعِ يُورْك، لَمْ أُصَدِّقْ مِقْدَارَ التَّغْيِيرِ الَّذِي حَدَثَ عَلَى مَدَارِ الْخَمْسِ وَالثَّلَاثِينَ سَنَةً الْمَاضِيَةِ؛ فَالْمَدِينَةُ صَارَتْ أَكْبَرَ، وَالشَّوَارِعُ أَكْثَرَ ازْدِحَامًا، أَمَّا أَبَوَايَ فَقَدْ تُوُفِّيَا مُنْذُ سَنَوَاتٍ. وَمَا تَوَقَّعْتُ حَقًّا، فِي أَعْمَاقِي، أَنْ يَكُونَا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، لَكِنِّي حَزِنْتُ عَلَى خَسَارَتِهِمَا بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.
بَعْدَ قَضَاءِ بَعْضِ الْوَقْتِ فِي يُورْكَ، قَرَّرْتُ السَّفَرَ إِلَى الْبَرَازِيلِ. فَقَدِ انْتَابَنِي الْفُضُولُ لِأَرَى مَاذَا حَلَّ بِمَزْرَعَتِي؛ لِأَرَى هَلْ لَا يَزَالُ شُرَكَائِي عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَهَلْ مَزْرَعَتِي لَا تَزَالُ قَائِمَةً.
بَدَأْنَا رِحْلَتَنَا أَنَا وجمعة فِي الْبَحْرِ مُتَّجِهَيْنِ إِلَى الْبَرَازِيلِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَبْرِيلَ سَنَةَ ١٦٨٨. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْبَلَدُ أَيَّمَا اخْتِلَافٍ! وَتُوُفِّيَ الْكَثِيرُ مِنْ أَصْدِقَائِي وَشُرَكَاءِ الْعَمَلِ الْقُدَامَى. وَلِحُسْنِ الْحَظِّ أَنَّ وِيلْزَ، صَدِيقِي الْقَدِيمَ وَجَارِي، كَانَ لَا يَزَالُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَكَانَ قَدِ ازْدَادَ ثَرَاءً مِنْ نَجَاحِ مَزْرَعَتَيْنَا، وَحِينَ وَصَلْتُ أَنَا وجمعة إِلَى عَتَبَةِ بَابِهِ، فُوجِئَ جِدًّا لِرُؤْيَتِي؛ حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّفْ عَلَيَّ فِي الْبِدَايَةِ! وَاسْتَعَدْتُ مَزْرَعَتِي، وَجَنَيْتُ رِبْحًا وَفِيرًا حِينَ بِعْتُهَا بَعْدَ بِضْعَةِ أَشْهُرٍ.
بَدَأْنَا سَرِيعًا فِي تَنْفِيذِ خُطَطِ الْعَوْدَةِ إِلَى إِنْجِلْتِرَا، فَقَدْ تُقْتُ إِلَى الْحَيَاةِ الْهَادِئَةِ الْمُطْمَئِنَّةِ، الَّتِي أَرَادَهَا لِي أَبِي مِنْ قَبْلُ مُنْذُ كُلِّ هَذِهِ السَّنَوَاتِ؛ قَبْلَ زَمَنٍ مِنْ شُرُوعِي فِي أَيِّ مُغَامَرَةٍ، وَقَبْلَ زَمَنٍ مِنْ قَضَاءِ مَا يُقَارِبُ عُمْرِي كُلَّهُ حَبِيسًا عَلَى جَزِيرَةٍ مَهْجُورَةٍ. وَلَعَلِّي أَسْتَطِيعُ الْآنَ — فِي شَيْخُوخَتِي — الِاسْتِمْتَاعَ بِالْحَيَاةِ الَّتِي أَرَادَهَا أبي لِي. لَكِنْ عَلَيْنَا، أَنَا وجمعة، الْعَوْدَةُ إِلَى الْوَطَنِ أَوَّلًا. وَهَذِهِ الْمُغَامَرَاتُ، يَا أَصْدِقَائِي الْأَوْفِيَاءَ، هِيَ أَحْدَاثُ قِصَّةٍ أُخْرَى لِاحِقَةٍ.