رِحْلَةٌ إِلَى أَفْرِيقْيَا
تَعَافَى حَظِّيَ الْعَاثِرُ فِي لَنْدَنَ. الْتَقَيْتُ بِصُحْبَةٍ حَسَنَةٍ وَقَابَلْتُ الْقُبْطَانَ كولببر، الَّذِي كَانَ قَدْ عَادَ لِتَوِّهِ مِنْ أَفْرِيقْيَا. وَكَانَتْ رِحْلَتُهُ الْبَحْرِيَّةُ إِلَى أَفْرِيقْيَا نَاجِحَةً إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ عَلَى وَشْكِ الْخُرُوجِ فِي رِحْلَةٍ أُخْرَى. تَقَاْسَمْنَا الْعَدِيدَ مِنَ الْوَجَبَاتِ وَدَارَ بَيْنَنَا عَدَدٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الرَّائِعَةِ. وَعِنْدَمَا عَلِمَ الْقُبْطَانُ كولببر بِرَغْبَتِي فِي رُؤْيَةِ الْعَالَمِ، قَرَّرَ أَنْ يَصْحَبَنِي مَعَهُ.
كَانَ الْقُبْطَانُ كولببر رَجُلًا نَزِيهًا وَعَادِلًا؛ فَلَمْ يَكْتَفِ بِاسْتِئْجَارِي فِي رِحْلَتِهِ الْبَحْرِيَّةِ، بَلْ شَمِلَنِي بِرِعَايَتِهِ؛ فَسَاعَدَنِي فِي شِرَاءِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُمْكِنُنِي الْمُتَاجَرَةُ بِهَا لِأَتَمَكَّنَ مِنْ جَنْيِ رِبْحٍ صَغِيرٍ. وَبَيْنَمَا كُنَّا مُبْحِرِينَ، عَلَّمَنِي أَيْضًا الْحِسَابَ وَالْمِلَاحَةَ وَالْعَدِيدَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْأُخْرَى الَّتِي يَحْتَاجُ الْبَحَّارَةُ إِلَى تَعَلُّمِهَا، وَأَسْدَى لِي نَصَائِحَ رَائِعَةً.
تَسَبَّبَتِ الْحَرَارَةُ الْمُرْتَفِعَةُ عَلَى الْأَرَاضِي شَدِيدَةِ الْقُرْبِ مِنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ فِي إِصَابَتِي بِحُمَّى شَدِيدَةٍ. فَفِي مُعْظَمِ الْوَقْتِ الَّذِي قَضَيْنَاهُ فِي الْجَنُوبِ، كُنْتُ مَرِيضًا. وَبَعْدَ مَا يُقَارِبُ الْعَامَ فِي الْبَحْرِ، عُدْنَا إِلَى لَنْدَنَ. وَلَمْ تَكُنِ الْعَوْدَةُ سَالِمًا الشَّيْءَ الطَّيِّبَ الْوَحِيدَ الَّذِي خَرَجْتُ بِهِ مِنْ رِحْلَتِي، بَلْ عَرَفْتُ أَنَّنِي تَاجِرٌ مَاهِرٌ، وَجَنَيْتُ رِبْحًا وَفِيرًا مِنْ بَضَائِعِي.
وَبِالرُّغْمِ مِنْ تَحَسُّنِ حَالَتِي الصِّحِّيَّةِ لَدَى عَوْدَتِنَا لِلْأَجْوَاءِ الْأَكْثَرِ بُرُودَةً، فَقَدْ أُصِيبَ الْقُبْطَانُ كولببر بِالْحُمَّى نَفْسِهَا الَّتِي أَصَابَتْنِي لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْظُوظًا بِمَا يَكْفِي؛ إِذْ تُوُفِّيَ بَعْدَ عَوْدَتِنَا بِقَلِيلٍ. وَافْتَقَدْتُهُ أَيَّمَا افْتِقَادٍ، فَقَدْ كَانَ صَدِيقًا وَفِيًّا وَمُعَلِّمًا مُخْلِصًا.
أَقْنَعَنِي نَجَاحِي كَتَاجِرٍ بِأَنَّنِي أَصَبْتُ الِاخْتِيَارَ، فَتَجَاهَلْتُ نَصِيحَةَ وَالِدِ جون، وَحَاوَلْتُ أَلَّا يَعْتَصِرَنِيَ الْحُزْنُ عَلَى الْقُبْطَانِ كولببر. وَعِنْدَمَا عَرَضَ عَلَيَّ نَائِبُ الْقُبْطَانِ مَكَانًا عَلَى سَفِينَةٍ تُوشِكُ عَلَى الْإِبْحَارِ إِلَى أَفْرِيقْيَا، انْتَهَزْتُ الْفُرْصَةَ لِلذَّهَابِ مَعَ الْمُبْحِرِينَ، وَتَرَكْتُ مُعْظَمَ ثَرْوَتِي حَدِيثَةِ الْعَهْدِ مَعَ أَرْمَلَةِ كولببر لِحِفْظِهَا، وَانْطَلَقْتُ فِي مُغَامَرَةٍ أُخْرَى.