الْأَحْرَارُ
أَبْحَرْنَا لِمُدَّةِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ أَنْ نَتَوَقَّفَ. كُنَّا حِينَئِذٍ بَعِيدَيْنِ بِمَا يَكْفِي عَنْ مِينَاءِ سلا ثم أَبْحَرْنَا إِلَى أَعَالِي نَهْرٍ عَظِيمٍ، لَكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ تَحْدِيدًا أَيْنَ كُنَّا، لَكِنَّ هَذَا لَمْ يُهِمَّنِي، تَكْفِينِي حُرِّيَّتِي. إِلَّا أَنَّ قَصُوري لَمْ يَكُنْ مُتَحَمِّسًا مِثْلِي لِلِابْتِعَادِ عَنِ السَّيِّدِ، فَكَانَ مَذْعُورًا؛ وَكُلَّمَا أَبْحَرْنَا إِلَى أَعَالِي النَّهْرِ، ازْدَادَ رَجَاءً أَلَّا نَذْهَبَ إِلَى الشَّاطِئِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ سَمَاعِنَا أَصْوَاتًا عَالِيَةً لِحَيَوانَاتٍ لَا نَعْرِفُهَا. وَمَالَتِ الشَّمْسُ لِلْمَغِيبِ، فَفَعَلْتُ كَمَا طَلَبَ مِنِّي قَصُوري وَلَم أُغَامِرْ بِالنُّزُولِ مِنَ الْمَرْكَبِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، فَرَقَدْنَا عَلَى سَطْحِ الْمَرْكَبِ، وَنَظَرْنَا حَوْلَنَا نَتَرَقَّبُ.
بَعْدَهَا بِقَلِيلٍ وَقَعَ أَمْرٌ مَا! وُحُوشٌ ضَخْمَةٌ جَاءَتْ إِلَى الشَّاطِئِ، مُصْدِرَةً أَصْوَاتًا عَالِيَةً وَمُرْعِبَةً، أَصْوَاتًا مُخِيفَةً لَمْ تَسْمَعْهَا أُذُنَايَ مِنْ قَبْلُ.
انْخَلَعَ قَلْبَانَا مِنَ الرُّعْبِ، وَعِنْدَمَا سَبَحَ أَحَدُ الْوُحُوشِ تِجَاهَنَا فَزِعْنَا! مَاذَا لَوْ وَصَلَ إِلَى الْمَرْكَبِ؟ مَاذَا لَوْ صَعِدَ إِلَى سَطْحِ الْمَرْكَبِ؟ مَاذَا لَوْ أَغْرَقَ الْمَرْكَبَ؟ مَاذَا سَنَفْعَلُ حِينَهَا؟ هَرْوَلْتُ مُسْرِعًا وَأَمْسَكْتُ بِأَحَدِ بَنَادِقِنَا وَأَطْلَقْتُ النَّارَ فِي الْهَوَاءِ لِأُخِيفَهُ، وَوَقَعَ مَا أَرَدْتُهُ! فَأَسْرَعَ الْوَحْشُ وَسَبَحَ عَائِدًا إِلَى الشَّاطِئِ.
تَسَاءَل قَصُوري: «مَاذَا سَنَفْعَلُ؟»
أَجَبْتُهُ: «حَسَنًا، إِنَّنَا نَحْتَاجُ إِلَى مِيَاهٍ لِلشُّرْبِ، فَلَمْ يَتَبَقَّ مَعَنَا أَيٌّ مِنْهَا. وَبِالرُّغْمِ مِنْ فَزَعِنَا، عَلَيْنَا الذَّهَابُ لِلشَّاطِئِ غَدًا.»
ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ بَاكِرًا فِي صَبَاح الْيَوْمِ التَّالِي، وَجَدَّفْنَا بِبُطْءٍ نَحْوَ الْيَابِسَةِ، وَأَلْقَيْنَا بِالْمِرْسَاةِ. وَبَعْدَهَا، قَفَزْتُ أَنَا وَقَصُوري وَسَبَحْنَا سَرِيعًا قَدْرَ اسْتِطَاعَتِنَا إِلَى الشَّاطِئِ. فَكُنْتُ أَخْشَى أَنْ يَسْرِقَ مَرْكَبَنَا أَهْلُ الْبَلَدِ؛ لِذَا لَمْ أُرِدِ الذَّهَابَ بِهَا تِجَاهَ الشَّاطِئِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي، فَقَدْ سَمِعْتُ قِصَصًا مُرِيعَةً عَنْ بَحَّارَةٍ عَلِقُوا فِي بَلَدٍ غَرِيبٍ مَعَ أَشْخَاصٍ غَيْرِ وَدُودِينَ يَسْرِقُونَ قَوَارِبَهُمْ وَجَمِيعَ أَمْتِعَتِهِمْ، وَلَمْ يُسْمَعْ عَنْ هَؤُلَاءِ الْبَحَّارَةِ ثَانِيةً قَطُّ! وَقَالَ قَصُوري إِنَّهُ سَيَتَحَلَّى بِالشَّجَاعَةِ وَسَيَذْهَبُ لِإِحْضَارِ مَاءِ الشُّرْبِ. فَجَلَسْتُ بِجَانِبِ الْمَرْكَبِ أُرَاقِبُ بِمِنْظَارِي.
وَبَعْدَ وَقْتٍ قَلِيلٍ، جَاءَ عَدْوًا، فَظَنَنْتُ أَنَّ هُنَاكَ مَا يُلَاحِقُهُ؛ لِذَا جَرَيْتُ نَحْوَهُ لِأَرَى إِنْ كُنْتُ أَسْتَطِيعُ الْمُسَاعَدَةَ. وَعِنْدَمَا وصلت إليه، أَرَانِي قَصُوري بِفَخْرٍ أَنَّهُ اصْطَادَ حَيَوَانًا بَرِّيًّا، بَدَا كَأَنَّهُ أَرْنَبٌ بَرِّيٌّ، لَكِنَّ أَلْوَانَه مُخْتَلِفَةٌ وَأَرْجُلَه أَطْوَلُ، مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مَلِيئَةٌ بالْعَجَائِبِ!
صِحْتُ مِنَ الْمُفَاجَأَةِ: «حَسَنًا فَعَلْتَ يَا قَصُوري!»
أَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَكُنَّا فِي غَايَةِ السَّعَادَةِ لِعُثُورِنَا عَلَى الْمَاءِ وَالْغِذَاءِ دُونَ أَنْ نُلَاقِيَ أَيًّا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ تِلْكَ الْوُحُوشِ الَّتِي أَرْعَبَتْنَا لَيْلَةَ الْأَمْسِ.
دَفَعَتْنِي رِحْلَاتِي السَّابِقَةُ لِسَاحِلِ شَمَالِ أَفْرِيقْيَا إِلَى التَّفْكِيرِ بِأَنَّنَا كُنَّا عَلَى وَشْكِ الْوُصُولِ إِلَى جُزُرِ الْكَنَارِي، لَكِنْ بِدُونِ الْمُعَدَّاتِ، لَا يُمْكِنُنِي الْجَزْمُ بِمَكَانِنَا بِالضَّبْطِ. فَبِدُونِ مَعْرِفَةِ مَكَانِ اتِّجَاهِنَا، واصلنا الإبحار بِمُحَاذَاةِ الشَّاطِئِ. وَكَانَ أَمَلِي هُوَ مُصَادَفَةَ سَفِينَةِ تِجَارَةٍ إِنْجِلِيزِيَّةٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تُعِيدَنَا إِلَى وَطَنِي.
أَبْحَرْنَا بِمُحَاذَاةَ مَنَاظِرَ طَبِيعِيَّةٍ مُزْدَهِرَةٍ مَلِيئَةٍ بِالْحَيَوَانَاتِ الْمُثِيرَةِ. وَلَمْ نَتَعَرَّفْ عَلَى الْعَدِيدِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَجَوَّلَتْ حَوْلَنَا، لَكِنَّنَا أَيْضًا تَعَرَّفْنَا عَلَى الْعَدِيدِ مِنْهَا مِثْلَ الْأُسُودِ وَالنُّمُورِ وَالْفُهُودِ. وَكُنَّا نَتَوَقَّفُ كُلَّ يَوْمَيْنِ لِنَبْحَثَ عَنِ الْمَزِيدِ مِنْ مِيَاهِ الشُّرْبِ. وَاسْتَمْرَرْنَا عَلَى هَذَا النَّحْوِ كَثِيرًا دُونَ أَنْ نَرَى أَشْخَاصًا، حَتَّى اقْتَنَعْتُ بِأَنْ لَا أَحَدَ يَعِيشُ فِي هَذِهِ الْأَرْجَاءِ.