حَيَاةُ الزِّرَاعَةِ
عَلَى مَدَى السَّنَتَيْنِ اللَّاحِقَتَيْنِ، تَوَسَّعَتْ رُقْعَةُ أَرَاضِيَّ وَزَادَتْ مَحَاصِيلِي، وَلَكِنَّ إِنَتَاجِي كَانَ قَلِيلًا، وَكَانَ بِالأَسَاسِ يَسُدُّ حَاجَتِي وَحَاجَةَ طَاقَمِ الْعَمَلِ مِنَ الْغِذَاءِ وَيُحَافِظُ عَلَى صِحَّتِنَا. وَمَعَ هَذَا، بَدَتْ بَشَائِرُ النَّجَاحِ مُبْهِرَةً، وَكُنْتُ سَعِيدًا بِتَقَدُّمِي حَتَّى ذَلِكَ الْحِينِ.
كَانَ هُنَاكَ شَابٌّ صَغِيرٌ يَمْتَلِكُ الْمَزْرَعَةَ الْمُجَاوِرَةَ لِمَزْرَعَتِي، وَكَانَ بُرْتَغَالِيًّا بِالْمِيلَادِ، وَلَكِنَّ أَبَوَيْهِ كَانَا إِنْجِلِيزِيَّيْنِ، وَكَانَ يُدْعَى ويلز. أَصْبَحْنَا صَدِيقَيْنِ عَزِيزَيْنِ، بَلْ وَحَتَّى جَارَيْنِ فَاضِلَيْنِ. وَعَلَى مَدَى هَاتَيْنِ السَّنَتَيْنِ، نَمَتْ مَزَارِعُنَا بِنَفْسِ السُّرْعَةِ تَقْرِيبًا، فَكَانَ كُّلٌّ مِنَّا يُجِيدُ طَرِيقَتَهُ فِي امْتِلَاكِ مَزَارِعِ قَصَبِ سُكَّرٍ نَاجِحَةٍ.
كُنْتُ أَنَا وَويلز فِي الْعَادَةِ نَسِيرُ فِي جَوْلَاتٍ طَوِيلَةٍ مَعًا. تَحَدَّثْنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ: مَزَارِعِنَا وَخُطَطِنَا لِلْمُسْتَقْبَلِ وَمَاضِينَا، وَأَذْكُرُ أَنَّنِي أَخْبَرْتُهُ يَوْمًا مَا أَنَّنِي أَشْعُرُ كَأَنِّي رَجُلٌ عَلِقَ فِي جَزِيرَةٍ مَهْجُورَةٍ هُنَاكَ فِي الْبَرَازِيلِ، وَأَخْبَرْتُهُ عَنْ وَالِدِي، وَعَنْ مَدَى اشْتِيَاقِي إِلَيْهِ هُوَ وَوَالِدَتِي.
قَالَ إِنَّهُ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنْ أَفْتَقِدَ وَالِدَيَّ. وَكَانَ مُحِقًّا، فَكَانَ أَبِي لِيَسْعَدَ بِرُؤْيَتِي؛ إِذْ بَنَيْتُ حَيَاةً كَرِيمَةً، وَكُنْتُ سَعِيدًا فِيهَا وَآمِنًا، وَفِي طَرِيقِي لِأُصْبِحَ ثَرِيًّا.
جَنَيْنَا مَحْصُولًا جَيِّدًا فِي السَّنَةِ التَّالِيَةِ كَذَلِكَ. وَكَانَ لَدَيَّ كُلُّ مَا قَدْ يَتَمَنَّاهُ الْإِنْسَانُ؛ مَزْرَعَةٌ مُثْمِرَةٌ، وَمَالٌ، وَأَصْدِقَاءٌ. لَكِنِّي لَمْ أَكُنْ هَانِئًا؛ فَفِي عَمِيقِ قَلْبِي، أَدْرَكْتُ أَنَّ المَشَاعِرَ سَتَنْتَصِرُ عَلَى المَنْطِقِ، فَنَزْعَتِي الْحَمْقَاءُ لِلْإِثَارَةِ غَالِبًا مَا تَكُونُ لَهَا الغَلَبَةُ.
فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، تَحَدَّثْتُ عَنْ مُغَامَرَاتِي فِي الْبَحْرِ لِأَيِّ شَخْصٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَمِعَ، وَمَعَ كُلِّ مَرَّةٍ أَرْوِي فِيهَا الْحِكَايَاتِ، تَكْبُرُ الْقِصَصُ. وَاسْتَحْوَذَ الِاهْتِمَامُ الشَّدِيدُ بِرِحْلَاتِي عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَزَارِعِ الْآخَرِينَ، فَحَمَّسَتْهُمُ الْفُرْصَةُ فِي أَنْ يُصْبِحُوا أَكْثَرَ ثَرَاءً. وَعَاجِلًا، وَضَعْنَا الْخُطَطَ لِتَجْهِيزِ سَفِينَةٍ لِرِحْلَةٍ بَحْرِيَّةٍ إِلَى أَفْرِيقْيَا.
عَرَفْتُ بِقَلْبِي أَنَّ هَذَا الْقَرَارَ أَحْمَقُ، لَكِنَّهُ مَا إِنْ دَخَلَ حَيِّزَ التَّنْفِيذِ كَحَجَرٍ بَدَأ فِي التَّدَحْرُجِ لِأَسْفَلِ تَلٍّ، لَمْ يَكُنْ بِيَدِي حِيلَةٌ لِإِيقَافِهِ. فَلَمْ أَكُنْ فِي حَاجَةٍ لِأَنْ أَزِيدَ ثَرْوَتِي، وَلَمْ أَكُنْ فِي حَاجَةٍ لِأُغَيِّرَ حَيَاتِي، وَلَمْ أَكُنْ فِي حَاجَةٍ إِلَى أَيِّ مُغَامَرَةٍ، بَلْ كُنْتُ أَنَا مَنْ دَمَّرَ نَفْسِي. وَلَمْ أَسْتَطِعْ مُقَاوَمَةَ الْعَرْضِ، مِثْلَمَا رَفَضْتُ الْإِصْغَاءَ لِوَالِدِي مُنْذُ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ.
تَحَدَّدَتْ تَوَارِيخُ الرِّحْلَةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَبَعْدَهَا بِوَقْتٍ وَجِيزٍ كَانَتِ السَّفِينَةُ جَاهِزَةً لِلِانْطِلَاقِ. وَوَضَعْنَا خُطَطَ التِّجَارَةِ الرَّسْمِيَّةَ وَكَتَبْتُ وَصِيَّةً، وَتَرَكْتُ ويلز مَسْئُولًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَاثِقًا أَنَّهُ سَيَعْتَنِي بِمَزْرَعَتِي أَثْنَاءَ غِيَابِي.