فارس الصحافة
تلقى الشاعر نبأة وفاة الأستاذ جبرائيل تقلا صاحب جريدة «الأهرام»، وهو في طريقه إلى الإسكندرية، فكتب هذه الأبيات في القطار وأرسلها إلى الجريدة عام ١٩٤٨م.
سدَّ القَضاءُ منافِذَ الأسماعِ
ماذا يقولُ إذا نعاكَ الناعي؟
بُهِتَ القريضُ فما يُبينُ، وأَذْهَلَتْ
نُوَبُ الخُطوبِ نوادبَ الأسجاع١
وتنكَّرَتْ صُورُ البيانِ وعقَّني
عن أنْ أبوحَ كما أشاءُ يراعي٢
تمحو سواجِمُهُ المِدادَ، فخطُّهُ
أسطارُ ملتَهِبِ الحَشا مُلْتاع٣
والشعرُ إن عقَدَ المُصَابُ لسانَهُ
فسكوتُه ضَرْبٌ من الإبداع٤
نَعْيُ الكريمِ العَبْقَرِيِّ لأُمَّةٍ
نَعْيُ الغَمامِ إلى رياضِ القاع٥
وَيْلَ المنونِ تطاولت أحْداثُها
فَلَوَتْ قناةَ الأَرْوَعِ الشَّعْشَاعِ٦
وطَغَتْ عواصفُها فغالَ هُبوبُها
أَضْواءَ ذَاكَ الكوكبِ اللمَّاع٧
بكتِ الصحافةُ فيه أشجَع فارسٍ
وأعزَّ مَدْعُوٍّ وأكَرمَ داعي٨
قد كان «جَبْرائيلُ» مُلْهِمَ وَحْيها
يرعَى جلالةَ قُدْسِها ويُراعِي
فإذا جفاني الشعرُ يومَ رِثائِهِ
فلقد رثَتْه مآثرٌ ومَساعي٩
وإذا فَرَرْتُ من الوداعِ وهَوْلِه
فلقد بعثتُ مع الدُّموعِ وَداعي
هوامش
(١) نوادب الأسجاع: من يعددون مناقب الميت.
(٢) تنكرت: جحدت. عقني: جافاني. يراعي: قلمي.
(٣) سواجمه: دموعه الهاطلة. ملتهب الحشا: متقد البطن بالحرارة.
ملتاع: محترق الفؤاد.
(٤) عقد: ربط. ضرب: صنف.
(٥) الغمام: السحاب. رياض القاع: الحدائق المستوية.
(٦) المنون: الموت. لوت: ثنت. قناة: رمح. الأروع: الشجاع. الشعشاع:
الطويل.
(٧) غال: أخذ.
(٨) مدعو: من يدعي.
(٩) جفاني: بعد ونأى عني.