الجامعة المصرية
ألقيت في احتفال علمي رائع في سنة ١٩٣٢م، احتفالًا بافتتاح الجامعة المصرية.
دَعَوْتُ بَيانِي أن يفَيضَ فَأَسْعدَا
ونَادَيْتُ شِعري أن يُجيبَ فغرَّدا
وأبدعْتُ نَظْمًا كالرَّبيع مفوَّفًا
يُجَمِّلُ عَصْرًا كالشَّبابِ مُجدَّدا١
وما الشِّعرُ إلَّا تَرْجُمانٌ مُخلَّدٌ
يَقُصُّ على الأجْيالِ مَجدًا مُخلَّدا
فَلَولا السَّجَايا الغُرُّ ما قال قَائِلٌ
ولولا «فؤادٌ» ما غَدَا النِّيلُ مُنْشِدَا٢
فَسَلْسَالُه أَضْحَى بِنُعْمَاهُ كَوْثَرًا
وقِيعَانُه أمستْ بِمَسْعاه عَسْجَدا٣
مَليكٌ حَبَتْه مِصرُ مَحْضَ وَلَائِها
صَمِيمًا، وأَوْلَى مِصرَ عِزًّا وسُؤدَدا
أصالَةُ عَزْمٍ أَخْجَلَتْ كلَّ صَارِم
مِنَ البيضِ، حَتَّى خاف أنْ يَتَجَرَّدا
وَرَأْيٌ كَوَجْهِ الصُّبْحِ ما ذَرَّ نُوره
على مُدْلَهِمِّ الْخَطْبِ حتَّى تَبَدَّدا٤
وَوَجْهٌ كأنوارِ اليَقينِ رَأَيْتُه
فأبْصَرتُ فيه المجْدَ والنُّبْلَ والنَّدَى
أَلَمْ يُعْلِ صَرْحَ العِلْمِ شُمًّا قِبَابُه
تُطَالِعُهَا زُهْرُ الكواكِبِ حُسَّدَا؟٥
فَمِنْ مَعْهَدٍ يُبنَى على إِثْرِ مَعْهَدٍ
إلى أنْ غَدَتْ أرضُ الكنَانةِ مَعْهَدًا!
•••
زُهِينَا على الدُّنْيا بِجَامِعَةٍ غَدَت
حَدِيثًا بأُذْنِ الشَّرْقِ حُلْوًا مُرَدَّدا
ترُدُّ الشَّبَابَ الغضَّ حَزْمًا وَحِكْمَةً
وتصْقُلُه صَقْلَ القُيونِ المُهَنَّدا٦
تُزَوِّدُهُ التَّوفيقَ في كلِّ مَطْلَبٍ
وَمَنْ طَلَبَ العِلْمَ الجِليلَ تَزَوَّدا
غَدَتْ دَوْحَةً فَيْنَانَةً حُلْوَةَ الْجَنَى
بَعيدَةَ مَدِّ الظِّلِّ فَيَّاحَةَ المَدَى
غَرَسْتَ وهذا فضلُ ما قد غَرَسْتَه
وهذا هوَ الغُصْنُ الذي كان أَمْلَدا٧
تَعَهَّدْته كالزَّارعِ الطَّب نَوْمُه
غِرَارٌ إلى أن يُبْصِرَ الزَّرْعَ أَحْصَدا٨
بِكَفٍّ من الإحْسانِ والرِّفقِ صُوِّرَتْ
وعَيْنٍ تَرَى في يَوْمها ما تَرَى غَدَا
كَذاكَ ابنُ إسماعيلَ يَنْتَهِبُ المُنَى
دِرَاكًا، ويَمْضِي لِلْمَحَامِدِ مُصْعِدَا٩
وَيُدْرِكُ ما يُعْيِي الْجَحَافِلَ وَحْدَهُ
وَيَبْلُغُ شَأْوًا يُعْجِزُ الْجمْعُ مَفْرَدا
وَيَسعى إلى أنْ يُذْهِلَ النَّجْمَ سَعْيُه
وَيبذُلُ حتى يُدْهِشَ الْجُودَ وَالْجَدا١٠
ويَرْقب رَبَّ العَرْشِ فِيما يُريدُه
ويَنْصُرُ دِينَ الْحَقِّ والنُّورِ والهُدَى١١
إذا مَا انْتَهَى مِنْ مَقْصِدٍ لانَ صَعْبُه
دعاهُ هَوى مِصرٍ فجدَّدَ مَقْصِدا١٢
رُوَيْدَكَ أجهَدْتَ المُؤرِّخَ! ما وَنَى
ولا فَارَقَتْ يَوْمًا بَرَاعَتُه اليَدَا
هَزَزْتَ إلى التَّأْليفِ كُلَّ مُبَرِّزٍ
أَدِيبٍ إذَا مَا أَرْسلَ الفِكْرَ سدَّدا١٣
فَفَاضَتْ بَجَدْواك العقولُ وَبَلَّلَتْ
بمصْرَ ظِماءً كان حَرَّقَهَا الصَّدَى١٤
فَفِي كلِّ يومٍ لِلْعُلُومِ مُجَلَّدٌ
حَقيقٌ بما أَسْدَيْتَ يَتْلُو مُجلَّدا
سَلوا مكْتَباتِ الْعِلْمِ تَنْطِقُ كُتْبُهَا
بآثَارِ مَجْدٍ يَنْتَمِينَ لِأَحْمَدَا
وَمنْ بَيْنَ فَوْقَ العِلمِ وَالعدلِ مُلكَه
رَفيعًا، فَقَدْ أَرسَى الأساسَ وَوطَّدا
بَهرْتَ رِجالَ العلمِ في الغَرْبِ فَانْثَنُوا
إليكَ يَسوقونَ الثنَاءَ المنضَّدا١٥
وأَوْلَوْكَ ألْقَابًا نَواصعَ كالضُّحَا
ضِخامًا على آثارِ فَضْلكَ شُهَّدا
وَأصبحتَ رَمْزًا عالَميًّا سَعتْ له
جَهابِذَ أهلِ الأرضِ مَثْنَى وَمَوْحَدا١٦
فِخَارًا أبا الفارُوقِ لم يَبْقَ مَنهَجٌ
إلى العلمِ إلَّا صار سَهْلًا مُعَبَّدا
تَطَلَّعتِ الآمالُ شرْقًا وَمَغْرِبًا
فَلم تَجدِ الآمالُ إلَّاكَ مَعقِدا
وحامَتْ قُلوبُ الشَّعبِ حَولكَ مِثْلَمَا
تحومُ عِطَاشُ الطَّيْرِ أَبْصَرنَ مَوْرِدا١٧
فَعِشْ لِبني مِصرٍ غِيَاثًا ورَحمةً
فَآمالهمْ في أن تَعيشَ وَتَسْعَدا١٨
وَعاشَ وَلِيُّ العهدِ قُرَّةَ أَعْيُنٍ
وَدامَ مِنَ اللهِ العزيزِ مُؤَيَّدا١٩
هوامش
(١) مفوفًا: فيه خطوط بيض.
(٢) السجايا: جمع سجية وهي الخلق. الغر: جمع غراء أي: بيضاء.
(٣) السلسال: الماء العذب. النعمى: اليد البيضاء الصالحة. الكوثر:
نهر في الجنة يتفجر منه جميع أنهارها. القيعان: جمع قاع وهو الأرض
المطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام. العسجد: الذهب.
(٤) ذر: طلع وأشرق. الخطب: الأمر. المدلهم: الشديد الظلمة.
(٥) الصرح: البناء العالي. شُمًّا: جمع شماء أي: مرتفعة. زهر: جمع
أزهر وهو المتلألئ.
(٦) ترد: تصير. الغض: الناضر. الحزم: ضبط الأمور والأخذ فيها بالثقة.
الحكمة: العلم بحقائق الأشياء. تصقله: تجلوه. القيون: جمع قين وهو
الحداد وصانع السيوف. المهند: السيف المشحوذ.
(٧) الأملد: من الغصون الناعم اللين.
(٨) الطب: الماهر الحاذق بعمله. الغرار: القليل. أحصد: أي حان أن
يحصد.
(٩) المنى: جمع منية. وهي الأمنية. الدراك: اللحاق السريع. المحامد:
جمع محمدة وهي الخصلة يحمد عليها. مصعدًا: اسم فاعل من أصعد في
الأرض إذا مضى. والمراد المضي في ارتفاع.
(١٠) يذهل: يدهش. الجدا: العطية.
(١١) رب العرش: الله سبحانه وتعالى. يرقب أي: ينتظر جزاءه وثوابه فيما
يعمل.
(١٢) مقصد: مطلب من مطالب الخير للبلاد.
(١٣) هززت: حركت ونشطت. المبرز: من يفوق أصحابه فضلًا.
(١٤) الصدى: العطش. الجود: العطية. الظماء: جمع ظمآن وهو
العطشان.
(١٥) المنضد: ما كان بعضه فوق بعض.
(١٦) الجهابذ: جمع جهبذ بالكسر وهو النقاد الخبير.
(١٧) المورد: مكان الماء. حام الطير على الشيء: دوم.
(١٨) غياث: إغاثة ومعونة.
(١٩) قرة أعين: من قرت العين تقر بالكسر والفتح قرة بالفتح والضم بردت
وانقطع بكاؤها أو رأت ما كانت متشوقة إليه. والقرة: ما قرت به
العين.