تَحِيَّة الإِيَاب
استقبل الشاعر الملك فؤاد عند عودته من أوروبا في نوفمبر سنة ١٩٢٧م.
ذَاكَ لَأْلاؤُهُ وهذا رُواؤُه
والضِّياءُ الذِي تَرَوْنَ ضِياؤُهْ١
وبَهاءُ الرِّياضِ كَللَها الغَيـ
ـثُ فتَاهتَ بنَوْرِهنّ بَهاؤُهْ٢
والنَّسِيمُ الذِي جَرَى طَيِّبَ النَّشـ
ـرِ جَرَى ذِكْرُهُ به وثَناؤهْ٣
ذاك وَجْهُ المَلِيكِ، وَجْهُ أَبي الفا
رُوقِ هذَا سَنَاهُ هذَا سَنَاؤهْ٤
•••
ظَهَر الرَّكْبُ والقُلُوبُ حَوَالَيـ
ـهِ تُرَجِّيهِ والنُّفوسُ فِدَاؤُه
تَجْتَلِيه العُيُونُ مُسْتَبْشراتٍ
وبَرِيقُ السُّرور فيها وماؤُهْ٥
وهُتَافُ الإخْلَاصِ يَخْترِق الْجوْ
وَ فُتمْليهِ واضِحًا أَصْدَاؤهْ٦
وَدَّتِ النَّيْراتُ لو هَبَطَتْ فِيـ
ـهِ فزَاد ازْدِهاءَهُنَّ ازْدهاؤُهْ٧
مَوْكِبٌ لم يَنَلْهُ رَمْسِيسُ ذو التَّا
جَيْن في عَصْرِه ولا خُلَفاؤهْ٨
حَكَموا شَعْبَهْم ولم يَملكُوهُ
مِقْوَدُ الشَّعْبِ حُبُّهُ ووَلاؤُهْ٩
•••
عَاد للقُطْرِ ربُّهُ مثلَما عا
دَ إلى المِدْنَفِ العَلِيل شفاؤُهْ١٠
وَبدَا كالصَّبَاحِ فانْهَزَمَ اللَّيـ
ـلُ وَوَلَّتْ مَذْعُورةً ظَلْماؤهْ
مَلِكٌ شَادَ لِلْكَنَانةِ مَجْدًا
أَحْكَمَتْ وَضْعَ أُسِّهِ آباؤُهْ
كُلُّهمْ كانَ لِلْمَحامِدِ بَنَّا
ءً أبِيًّا عَلَى الزَّمَانِ بِناؤه
هِمَّةٌ تَفْرَعُ السمَاءَ وعَزْمٌ
لَيْس للسَّيْفِ حَدُّهُ ومَضَاؤه١١
ونَفَاذٌ في المُعْضِلاتِ برَأْيٍ
ثَاقِبٍ يَكْشِفُ الغُيوبَ ذَكاؤه
ومُحَيًّا فِيه مِنَ الله سِرٌّ
كَادَ يُعْشِيهِ نُورُهُ وحَيَاؤُه
صَفْحَةٌ خَطَّها الإلهُ ففيها
أَلِفُ النُّبْل — لو قَرَأْتَ — وياؤُه١٢
•••
بَهَرَ الغَرْبَ طَلْعَةٌ مِنْك كادَتْ
تَتَمَشَّى شَوْقًا لها أَرْجَاؤه
لَمَحُوا عِزَّةً وشَامُوا بِكَفَّيـ
ـك غَمَامًا هَتَّانةً أَنْدَاؤه١٣
وبَدَا للْعُيونِ والدُكَ المِسـ
ـمَاحُ تُحْيِيهِ ثانيًا أَبْناؤه
فِيكَ منهُ الْجَبينُ والْخلُقُ الرَّحـ
ـبُ وبُعْدُ المَدَى وفِيكَ إبَاؤه
لُحْتَ فيهم فأدْرَكُوا صَوْلَةَ الشَّرْ
قِ ومَرَّتْ بِذِكْرِهم أَنْبِياؤه
وَرَأوْا في الْجَلالِ «تُوتَنْخمونًا»
صاعِدًا جَدُّه رَفِيعًا لِواؤُه١٤
أَيْنما سَارَ فالْعُيونُ نِطَاقٌ
وقُلوبُ المُجَاهِدينَ وِقَاؤُه
تَتَمَشَّى في رَكْبِه الشَّمْسُ إكْبَا
رًا ويَنْشَقُّ عَنْ سَنَاها رِدَاؤُه١٥
أَنْتَ أعْلَى كَعْبًا وأبْقَى عَلَى الدَّهـ
ـرِ وإنْ زَاحَم الْخُلودَ بَقَاؤُه١٦
لَو وَزَنَّا بما أَقَمْتَ من الدُّسـ
ـتُورِ آلاءَه اخْتَفَتْ آلاؤه١٧
عَجَز الدَّهْرُ أنْ يُحِيطَ بمَعْنا
كَ وألْقَتْ قِيادَها شُعَراؤُه١٨
إنَّ مَنْ راَم لِلْكَواكِبِ عَدًّا
يَتَساوَى ابتداؤُهُ وانْتهاؤه١٩
هوامش
(١) اللألاء: السنا والضياء. الرواء: الحسن والبهاء.
(٢) بهاء الرياض: ما تظهر فيه من نضرة وازدهار. كللها الغيث: جعلها
تظهر مغطاة بالزهر والثمر. تاهت: ظهرت بمظهر المدل المعجب بحسنه
وجماله.
(٣) النشر: ما ينتشر عن الطيب من ريح يعبق به الجو ويطيب
الهواء.
(٤) السنا (بالقصر): الإشراق والتلألؤ. (وبالمد): الشرف
والرفعة.
(٥) تجتليه: تتطلع إليه وتنظر. مستبشرات: فرحات. ماء السرور: ما يفيض
به الوجه من لألاء وضياء.
(٦) الأصداء: ما يعود على المصوت بمثل صوته. وضوح الأصداء: دليل على
قوة الهتاف وشدته.
(٧) الازدهاء: ما تتيه به وتزدهي من آيات الحسن.
(٨) رمسيس: من ملوك مصر الأقدمين، ويريد بالتاجين: تاج الوجه القبلي
وتاج الوجه البحري.
(٩) المقود: ما تقود به.
(١٠) ربه: مالك أمره. المدنف: الذي أضناه المرض وثقل عليه فكاد يذهب
به.
(١١) تفرع السماء: تزيد عليها علوًّا وارتفاعًا. مضاؤه: نفاذه في
الأمور وقطعه لها.
(١٢) النبل: الشرف والرفعة. ويريد بالألف والياء: أنه جمع جميع خلال
النبل لم يفته منها شيء.
(١٣) لمحوا: رأوا. شاموا: نظروا. الهتانة: التي تمطر في كثرة وتتابع.
الأنداء: جمع ندى، وهو ماء السحاب.
(١٤) توتنخمون: هو توت عنخ أمون، أحد ملوك مصر الأقدمين، وكان عصره من
أزهى عصور مصر رخاء ورفاهية. الجد: الخط. اللواء: العلم.
(١٥) السنا: اللألاء والضياء.
(١٦) أعلى كعبًا، أي: أشرف منزلة وأعز مكانًا.
(١٧) آلاؤه: أياديه ونعمه على أمته.
(١٨) أن يحيط بمعناك: أن يلم بما اتصفت به من خلالك الحميدة.
(١٩) رام: قصد وأراد.