رَشيدُ تحيّي الفَارُوق
نظم الشاعر هذه القصيدة في شهر نوفمبر سنة ١٩٣٦م يحيي فيها الملك فاروق حينما زار مدينة رشيد بلد الشاعر بالمرور عليها بسفينته.
أغْدِقْ عَلَيْهَا سَحَابا
وَامْلَأْ مَدَاها شَبَابَا
وَافْتَحْ عَلَى النَّاسِ فِيهَا
لِلْخَيْرِ بَابًا فَبَابا
جُزْتَ الطَريقَ فَصَارَتْ
تِبْرًا وَكَانَتْ تُرَابا
الْيُمْنُ يَحْدو ذَهَابًا
وَالسَّعْدُ يَشْدُو إيَابا
وَالنَّخلُ ماسَتْ وَمَالَتْ
تَشَوُّقًا وَاْجِتذَابَا
قَدْ هَزَّهَا الشّوْقُ حَتَّى
كادَت تُجَارِي الركابَا
•••
وَالزَهْرُ يَنْضَحُ عِطْرًا
بَيْنَ الربَا وَمَلابَا١
لَهُ ابْتِسَامُ حَبِيبٍ
أَنْسَى الْمُحِبَّ الْعِتابا
يَرْنُو فَيُرْخِي حَيَاءً
مِنَ الْكمامِ نِقَابا
رَأَى شَبَابًا وَضِيئًا
عَمَّ الْقُرَى وَالرحَابا
رَأَى خَلَائِقَ زُهْرًا
كَاْلِمْسك طَابَتْ وَطَابا٢
•••
تَطَامَنَتْ هَضَبَاتٌ
ماذَا أَصَابَ الْهِضَابَا؟٣
كَانَتْ تُسَامِي الثرَيَّا
وَالْيَوْمَ تَحْنِي الرقابَا٤
رَأَتْ جَلَالًا مَهِيبًا
فَمَا وَنَتْ أَنْ تَهَابَا
وَهَالَهَا مِنْك عزْمٌ
لَوْ لَامَسَ الصخْرَ ذَابَا
•••
وَالْبَحْرُ يدْنُو وَيَعْلُو
تَطَلُّعًا وَارْتِقابًا
لَمَّا تَلَقَّاك قُلْنَا:
لَاقَى الْعُبَابُ الْعُبَابَا
«فَارُوقُ» أَعْظَمُ نَفْسًا
مِنْهُ وَأَسْخَى جَنابَا٥
يزْجِي السحابَ ثِقَالًا
وَأَنْتَ تُزْجِي الرغَابَا٦
•••
وَالنيلُ يَنْسَابُ تِيهًا
بَيْنَ الْمُرُوجِ انْسِيَابَا
كالْخوْدِ ضَمَّتْ ثِيَابًا
عُجْبًا وَأَرْخَتْ ثِيَابَا٧
صَفَا لُجيْنًا نَقِيًّا
وَمَاجَ تِبْرًا مُذَابَا٨
أَلْقَى الدَّرَاهِمَ بُشْرَى
بِكُمْ فَكانت حَبابَا٩
توثَّبَ الْمَوْجُ فِيهِ
لِنَظْرَةٍ ثُمَّ ثَابا١٠
جَرَى ذَلُولًا بِمَلْكٍ
ماضٍ أذَلَّ الصعَابا
إذَا رَأَى كَانَ حَقًّا
أوْ قَالَ كَانَ صَوَابًا
•••
وَالناسُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ
تَهْوِي إلَيْكَ انصِبَابا
جَاءُوا شُعُوبًا شُعُوبًا
حَتَّى أَسَالُوا الشعَابا١١
يَرْجُونَ مِنْكَ دُنُوًّا
فَيَرْجِعُونَ اهْتِيَابا١٢
وَالشمْسُ أَعْلَى مَكَانًا
مِنْ أنْ تُنَالَ اقْتِرابا
لهُمْ دُعاءٌ أَمَاطَتْ
لَهُ السمَاءُ الحِجَابَا١٣
إنْ تَلْقَهُمْ تَلْقَ مَوْجًا
إنْ قَارَبَ الشَطَّ آبَا١٤
تلْقَى عَجِيجًا وَشَوْقًا
وَزَفْرَةً وَاصْطِخابا١٥
قُلُوبُهُمْ في يَدَيْهِمْ
تُهْدَى إلَيْكَ احْتِسَابا١٦
وَحُبُّهُمْ فِي وُجُوهٍ
فَاقْرَأهُ فِيهَا كِتَابا
لَاحَ السَّفِينُ فَهَامَتْ
«رَشِيدُ» تَعْدُو وِثابا
وَأَقْبَلَتْ وَهْيَ تَرْنُو
مَآذِنًا وَقِبَابَا
تَوَدُّ خَوْضًا إلَيْهِ
لَوِ اسْتَطَاعَتْ ذَهَابا
وَالشَّوْقُ إنْ غَالَ نَفْسًا
لا تَسْتَطِيعُ غِلَابا١٧
أَعْلَامُها خافِقاتٌ
كَمَا هَزَزْتَ الْقِضابا١٨
قَدْ زَارَهَا مِنْكَ غَيْثٌ
فَانْهَلَّ فِيها انْسِكابا
وَلُحْتَ فِيهَا فَصَارَتْ
خِصْبًا وَكانَتْ يَبَابا١٩
اللهُ أَكْبَرُ عادَتْ
بَعْدَ الْمَشِيبِ كَعَابا!٢٠
إنْ سُوئِلَتْ عَنْ سِنيهَا
قَالَتْ: نَسِيتُ الْحِسَابَا
فِيهَا نُهَى ثاقِبَاتٌ
كَمَا أَضَأُت الثقابا
كَالتبْرِ غَطَّاهُ تُرْبٌ
وَالدرُّ فِي الْبَحْرِ غَابا
كَمْ عَامِرَاتِ عُقُولٍ
تَأْوِي الديَارُ الْخرابا!
صَحِبْتُ فِيهَا شبابي
فَما ذَمَمْتَ الصحَابا
سَقْيًا لِمَلْعَبِ أنْس
شَابَ الزَّمان وَشابا!
إنْ يَجْرِ فِي الْوَهْمِ يَوْمًا
جَرَتْ دُمُوعِي اكْتِئَابا
مَنْ غاض مَاءُ صِباهُ
رَأَى الْحَيَاةَ سَرَابا
أَبُوكَ راشَ جَناحِي
حَتَّى لَمَسْتُ السحابا٢١
وَكانَ يُصْغِي لِشِعْري
وَكانَ شِعْرِي عُجَابا
•••
«رَشِيدُ» لَاقَتْ رَشِيدًا
شَهْمًا مُجِيبًا مُجابا
سَوَّاهُ مَوْلاهُ نُورًا
صِرْفًا، وَمَجْدًا لُبابا
نَالَتْ بِيُمْنِ سَناهُ
مِصرُ الْمُنَى وَالطِّلَابا
هوامش
(١) الربا: جمع ربوة وهي ما ارتفع من الأرض. الملاب: نوع من الطيب،
أو هو الزعفران.
(٢) الخلائق: جمع خليقة وهي الطبيعة والخلق. زهر: جمع زهراء أي:
صافية خالصة غراء. المسك: أفضل أنواع الطيب عند العرب. طاب: جمل
وحسن.
(٣) تطامنت: انخفضت.
(٤) تسامى: تفاخر وتبارى في السمو. الثريا: اسم لنجوم كثيرة متقاربة
يضرب المثل بها في الرفعة والعلو.
(٥) الجناب: الناحية.
(٦) يزجي: يسوق سوقًا رقيقًا. ثقال: جمع ثقيلة. الرغاب: جمع
رغبة.
(٧) الخود: المرأة الحسنة الخلق الشابة الناعمة. العجب: الكبر
والفخر.
(٨) اللجين: الفضة. ماج: اضطربت أمواجه. التبر: ما كان من الذهب غير
مضروب ولا مصوغ.
(٩) الحباب: فقاقيع الماء التي تطفو كأنها الدراهم.
(١٠) ثاب: رجع.
(١١) الشعوب: جمع شعب وهو القبيلة العظيمة. الشعاب: جمع شعب بكسر
الشين وهو الطريق.
(١٢) الدنو: القرب. الاهتياب، مصدر اهتابه بمعنى هابه أي: أجله
وعظمه.
(١٣) أماطت: كشفت.
(١٤) الشط: جانب النهر. آب: رجع.
(١٥) العجيج: رفع الصوت مصدر عج يعج من باب ضرب. الزفرة: التنفس
الطويل الممدود، الاصطخاب: الجلبة والأصوات المختلطة، والعجيج
والزفرة والاصطخاب كلها من مظاهر الزحام.
(١٦) الاحتساب: مصدر احتسب الأجر على الله أي: ادخره عنده لا يرجو
ثواب الدنيا.
(١٧) غاله: أخذه من حيث لم يدر والمراد استولى وسيطر. الغلاب:
المغالبة مصدر غالبه.
(١٨) الأعلام: جمع علم وهو الراية. خافقات: مهتزة. القضاب: السيف
القطاع.
(١٩) اليباب: الخراب.
(٢٠) الكعاب: الجارية نهد ثدياها.
(٢١) راشه: جعل فيه الريش.