صبحٌ باسم
نشرت هذه القصيدة بمناسبة احتفال مصر بعيد جلوس الملك فاروق آخر ملوك مصر سنة ١٩٤٥ ميلادية.
بَسَمَتْ تتيهُ مُدلّةً بصباحها
زَهراءُ يَعْبثُ عِقدُها بِوِشاحِهَا
نَهَبتْ من المسك الفتيقِ سَوادَه
فأغار موتورًا على أنفاحِها١
وتزينت بحلَى الكواكبِ مثلمَا
تَتَزَينُ الحسناءُ في أفراحها
أرخى غدائرَها الحياءُ كأنها
عَذراءُ تخلِطُ لينها بجِماحها
هي ليلةٌ مزجَ السرورُ صباحَها
بمسائِها ومساءها بصباحها
نور الملائكِ من سَنِيِّ ضيائِها
وشذى جنانِ الخُلدِ من أرواحِها٢
نَشَرتْ جَناحَ السلم يخفِقُ بالمُنى
فارتاحت الدنيا لخفْقِ جَناحها
ومضى بها شَبَحُ الخُطوب مُفزَّعًا
ولكَمْ لِقينا الويلَ من أشباحها!
فُتِنَتْ بصفحتها القلوبُ فهلَ رأتْ
في لونِ صفحتها عيونَ مِلاحها؟٣
لو أنَّها عادتْ فكانتْ رَوْضَةً
لتَغَنَّتِ الدنيا على أدْواحها
هي ليلةُ الفاروقِ تتلو مجدَهُ
والدهرُ والأيامُ من ألواحها٤
قد أسفرتْ عن صُبْحِ يومٍ باسمٍ
برّاق سافرةِ المُنَى لمّاحها٥
يومٌ على مصرٍ أغَرُّ مُحجَّلٌ
لمستْ به الأملَ البعيدَ براحِهَا٦
مدّت له الأيامُ فَضْلَ عِنانِها
من بعد طول نِفارها وشياحها٧
وسما بها الفاروقُ نحو مطامحٍ
جاز الشبابُ بها مدى أطماحها٨
غُصنٌ من المجدِ النضيرِ بدوحةٍ
كم أصْغتِ الدنيا إلى أصْداحها٩
إن أشكلت دُهْمُ الأمورِ وأغلقتْ
أبوابَها، فسلوه عن مِفتاحها١٠
تُبْنَى الممالكُ، والبطولَةُ أُسّها
وعزائمُ الأحرار من صُفَّاحها١١
والمجدُ أنْ تَرِدَ الصعابَ بهمةٍ
شُمُّ الرواسي عِندَها كبِطاحها١٢
تُلقى على الأحْداثِ من بَسَماتِها
ما يُذهِلُ الأحداثَ عن إلحاحها
وَلرُبَّ نفسٍ ضَمَّها صدرُ الفتَى
ويضيقُ صدرُ الأرضِ عن فيَّاحها١٣
شَرَتِ المكارمَ حُلوةً بجهادها
مُرًّا، فكان الحمدُ من أرباحها
والناس أشباهٌ ولكنَّ العُلاَ
عَرَفَتْ فتى العزماتِ من مزَّاحها١٤
•••
فاروقُ أنت فتى العُروبةِ وابنُها
وبشيرُ وحْدتِها وزَندُ كِفاحها
جَمَّعتَ فُرقتها فأضحتْ أمّةً
أقوى وأصْلَبَ من حديد رماحها
بَسمَتْ لها الدنيا وأشرقَ وجهُها
من بعدِ ما عَبَستْ لطولِ نُواحها
وشفى الزمانُ جِراحَها، ولطالما
ضاق الزمانُ وطِبّهُ بجراحها
وتوحّدت راياتُها في رايةٍ
تُزْهَى الرياحُ بعُجبها ومِراحِهَا
أممٌ لها خُلْقُ السماحِ سَجيَّةٌ
ودماؤها في الحرب رَمزُ سَماحهَا١٥
في جَبهة التاريخ منها أسْطُرٌ
كَتَبَ الإباءُ حروفَها بسلاحِها
آياتُ مجدٍ مُشرِقاتٌ فاسألوا
عَمْروًا وسيفَ اللّه عن أوْضاحها١٦
نهضتْ بفاروقٍ فكانت آيةً
للبَعثِ بعد شَتاتها وطراحها١٧
ورأتْ بشائرَ يُمنها في طَلْعَةٍ
تُغْنى بها البسَماتُ عن إفصاحها١٨
وجهٌ كأنّ البدرَ ألقى فوقَه
لألاءَهُ والشمسَ نورَ لِياحها١٩
ومضاءُ نهَّاض العشيرة باسلٍ
حمَّال ألِويَة العُلا كَدّاحها٢٠
هبت به مصر إلى قصباتها
ريحًا تُسابق عاصفاتِ رياحها٢١
رَسَمَ النجاح لها فسارتْ حُرَّةً
مِنْ بَعْدِ مَا التبستْ طريقَ نجاحِهَا
والناسُ من هِممِ الملوكِ، وثوبُهم
من وحْيها، وصلاحُهم بصلاحها
وإذا السفينةُ لم تُبالِ زَعازعًا
فاسأل كبيرَ الشطِّ عن ملاَّحَها
•••
عيدَ الجلوسِ وفي جَبينك آيةٌ
للسلْم تُنجي الأرضَ من أتْراحهَا
حَرْبٌ طَوى الحلفاءُ فيها صَيْحةً
للظلم أزعجتِ الورى بنُباحهَا٢٢
والحربُ تبدأ كالحَصاة بزاخرٍ
لم يُدْرَ إنْ قُذفَتْ مدَى مُنداحها٢٣
كم هزَّت الدنيا صواعقُ نارها
وأصاب وجهَ الأرضِ من لَوّاحها٢٤
نفسي فداءُ البُسلِ في حَوْماتها
وفدَى الشبابِ يسيلُ فوقَ صِفاحهَا٢٥
تَشري شُعوبُ الحقِّ فيها مبدأً
بالنقْدِ من دمِها ومن أرواحهَا٢٦
النصرُ قد خَفَقَتْ لهم أعلامُه
والحربُ قد صاح البشيرُ بساحهَا
وغَدَتْ على الظمآن للدّم غُصّةً
وجَهنمًا أخْرَى على سَفّاحهَا٢٧
•••
عيدَ الجلوسِ وللقوافي رَنّةٌ
ألْهَتْ غصونَ الدوْح عن صَدّاحهَا
أرسلتُها ملءَ الأثير كأنما
وحْيُ السماء اختار غُرَّ فصاحهَا٢٨
ونَثرتُها دُررًا فودّتْ أنجمٌ
لو عَدّهُنَّ الحسنُ بين صِحاحهَا٢٩
عيدَ الجلوسِ وفيكَ ضاحكةُ المُنى
دَبَّ السرورُ بروحها وبراحهَا٣٠
ثمِلَتْ وأغصانُ الربيع تمايلتْ
فكأنهنّ شرِبْنَ من أقداحهَا
فاروقُ ذكْرُكَ في الورَى متجدِّدٌ
كالشمس بين غُدوِّها ورَواحهَا٣١
أجْهدتَ ساريةَ الخيال فأجْبلَتْ
ماذا تقولُ اليومَ في أمداحهَا؟٣٢
هوامش
(١) نهبت: أخذت ما شاءت. الفتيق: المستخرج بشيء تدخله عليه. أنفاحها:
رائحتها الفواحة الطيبة.
(٢) سنى: نور. شذى: رائحتها الذكية. أرواحها: رائحتها الذكية.
(٣) ملاحها: جمالها وحسبها.
(٤) ألواحها: صحفها.
(٥) أسفرت: كشفت. براق: متلألئ. سافرة المنى: ظهور الأماني. لماحها:
مبصرها.
(٦) أغر: منير. محجل: بيض قوائمه. براحها: بكفها.
(٧) فضل عنانها: ما زاد وطال من عنانها والعنان لجام الفرس. نفارها:
تجافيها وبعدها. شياحها: إعراضها، حذرها.
(٨) سما: ارتفع وعلا. مطامح: المآرب السامية. جاز: سار وتعدى.
(٩) النضير: الحسن الرونق. أصغت: استمعت. أصداحها: غنائها
الحسن.
(١٠) أشكلت: التبست. دهم الأمور: الأمور المبهمة الداهمة.
(١١) أسها: أساسها. صفاحها: الصفاح. حجارة عراض رقاق.
(١٢) ترد: تخوض. شم الرواسي: عالية الجبال. بطاحها: مسيل واسع فيه
حصى.
(١٣) فياحها: رائحتها الطيبة الذكية.
(١٤) العزمات: الارادة القوية. مزاحها: أهل اللهو واللعب.
(١٥) السماح: الجود والكرم. سجية: طبيعة.
(١٦) عمرو: عمرو بن العاص. سيف الله: خالد بن الوليد. من أشهر قواد
العرب في الإسلام. أوضاحها: جمع وضح وهو العزة والتحجيل في قوائم
الفرس والمراد أعمال المجد الواضحة المشهورة.
(١٧) شتاتها: تفرقها. طراحها: اتكالها.
(١٨) يمنها: بركتها.
(١٩) لياحها: اللياح، الصبح.
(٢٠) نهاض العشيرة: منجد الناس وقت الشدة. حمال ألوية العلا: حامل
أعلام العلا. كداحها: المجد في طلبها.
(٢١) قصباتها: المقصود مجالات التسابق.
(٢٢) حرب: المقصود الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء إنجلترا وفرنسا
وأمريكا ضد دولتي المحور وهما ألمانيا وإيطاليا.
(٢٣) منداحها: اتساعها. والبيت اقتباس من المثل القائل، ومعظم النار
من مستصغر الشرر.
(٢٤) لواحها: لسعتها ونارها.
(٢٥) البسل: الشجعان. حوماتها: ميادين القتال. صفاحها: جمع صفح وهو من
السيف عرضه والمقصود أرضها.
(٢٦) تشري: تشتري.
(٢٧) الظمآن للدم: المتعطش لإراقة الدماء والمقصود «هتلر» قائد
ألمانيا وهو الذي أشعل هذه الحرب. غصة: ما اعترض في الحلق
فأشرقه.
(٢٨) غر: أحسن. فصاحها: بليغها.
(٢٩) صحاحها: السليمة الجيدة.
(٣٠) براحها: مستراحها أو كفلها والمراد البدن وقيل: الأرض
المستوية.
(٣١) الورى: الخلق.
(٣٢) سارية الخيال: الساري هو السائر ليلًا والمقصود هو طائف الشعر
لدى الشاعر. أجبلت: أجبل الشاعر، امتنع عليه القول.