الشباب
نشرت هذه القصيدة بمجلة الهلال في سنة ١٩٤٧م.
أهبْتُ بالشعر أن يعودا
إلى الصبا ناعمًا رغيدَا١
يذكرُ ما مرّ من عهودٍ
لله ما أنضرَ العهودا!
في كل يومٍ أرى فَنَاءً
وهو يرى حوله خلودا
طار حثيثًا بكل أفقٍ
لمّا مشت خُطْوتي وئيدا
وصَوَّحتْ دوحتي ومالت
ولم يزل صادحًا غريدا٢
يأخذُ ما أبقت الليالي
ويبتغي فوقه مزيدا
تجاربِي الباكياتُ عادت
تجري بأوتاره نشيدا
في حكمةِ الشيبِ لي عَزاءٌ
وكم وعيدٍ حَوى وعودا!٣
كادت أياديه وهي بيضٌ
تُنسى حُلِيَّ الشبابِ سودا٤
•••
علوتُ طودَ الزمان حتَّى
رأيتُ من فوقه الوجودا٥
وبان ما لم يَبِنْ لغيري
وكان عن عينِه بعيدا
كان شبابي رفيقَ عمري
فعشتُ من بعده وحيدا
غاب فلمّا مضى وولَّى
جعلتُ شعري له بريدا
أبعثُ بالشوق كلَّ يومٍ
ويبعثُ الهجر والصدودا٦
وكم محوت السطورَ لَثْمًا
أحْسَبُها للصبا خدودَا
يُصوِّر الحبَّ في إطارٍ
فأبصِرُ الغِيدَ فيه غيدا
ويرسُمُ الماضيَ المولِّي
كعهده باسمًا سعيدا
ألمحُ شخصي به كأنِّي
ألمحُ شخصًا به جديدا
أين ورودي وأين كأسي؟
ماذا دَهى الكأس والورودا؟
لم يَبقَ مِنِّي سِوى لسانٍ
يُجيد ما يشاء أن يجيدا
وفكرةٍ صُوِّرت نُضارًا
وحكمةٍ نُظِّمت عقودا٧
•••
فيا شبابَ البلاد صونوا
شَرْخ الصبا قبل أن يَبيدا٨
يعود في الكون كلُّ شيءٍ
وذاهبُ العمر لن يعودَا
إن اشتكى النيلُ مسَّ ضيمٍ
فحرِّموا حوله الورودا٩
تجارةُ الرِّق قد تولَّت
فما لنا نلمَحُ القيودا؟١٠
قد ذهب العمرُ في جِدالٍ
كُنَّا لنيرانه وقودا
لا يدركُ السؤْل غير عزمٍ
مثابرٍ يقرَع الحديدا
فأيقظوا مصرَ من جديدٍ
فإنها ملَّتِ الرقودا
لا ترسُموا للطموح حدًّا
فالمجدُ لا يعرف الحدودا
العلمُ أمضَى من المواضي
فجرِّدوا نحوه الجهودا
مصرُ تريدُ السماء وثبًا
وأولُ النُّجْحِ أن تريدا
هوامش
(١) أهبت: دعوت.
(٢) صوحت: جفت. دوحتي: الدوحة الشجرة الكبيرة. مالت: انثنت.
(٣) وعيد: تهديد. حوى: اشتمل. وعودا: بالخير.
(٤) حلي: زينة.
(٥) طود: الجبل العظيم.
(٦) الصدود: الإعراض.
(٧) نضارا: الذهب وقيل: هو الخالص من كل شيء. نظمت عقودا: انتظمت في
هيئة عقد وهو الذي تتحلى به النساء.
(٨) شرخ الصبا: أول الشباب. يبيدا: يذهب ويندثر ويباد.
(٩) ضيم: ظلم. الورودا: إتيان الماء من منهله.
(١٠) الرق: العبودية.