إلى الأستَاذِ الإمام
قيلت هذه القصيدة والشاعر طالب بالأزهر سنة ١٩٠١م، وكان يتلقى دروس البلاغة والتفسير على الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده. فمدحه بهذه القصيدة ونحا فيها منحى الشعراء المتقدمين في الوصف والأسلوب. وندّ عن الذاكرة عدد غير قليل من أبياتها.
الْمَجْدُ فَوْقَ مَتُونِ الضُّمَّرِ الْقُودِ
تَطْوِي الْفَلَا بَيْنَ إيجَافٍ وتَوْخِيدِ١
إذَا رَمَتْ عُرْضَ صَيْهُودٍ مناسِمُها
رَمَتْ إلَيْهَا اللَّيَالي كُلَّ مَقْصُودِ٢
أَوْ مَزَّقَتْ طَيْلَسَان اللَّيْلِ مِنْ خَبَبٍ
كَسَتْ خَيَالَ الْأَمَانِي ثَوْبَ مَوْجُودِ٣
تُدْنَى مِنَ الْمَجْدِ إنْ شَطَّ الْمَزَارُ بِهَا
فَحَبَّذَا هُوَ تَقْرِيبٌ بِتَبْعِيدِ!٤
الْمَجْدُ بالسيْفِ إنْ عَزَّتْ وَسَائِلُهُ
لَا يُغْمِدُ الْحَقَّ سَيْفٌ غَيْرُ مَغْمُودِ
فَكَمْ شَقَقْتَ فُؤَادَ الْبِيد مُنْصَلِتًا
مَنْ يَطْلُب المَجْدَ لَا يَبْخَلْ بِمَجْهُودِ
تَرْمي التنُوفَةُ بي أُخْرَى بِجانِبِهَا
وَأَقْطَعُ الْبِيدَ بَعْدَ الْجَهْدِ لِلْبيدِ!٥
كَأنَّنِي الْكَأْسُ بَيْنَ الشرْبِ مُتْرَعَةً
يُدِيرُهَا الْقَوْمُ مِنْ بِنْتِ الْعَنَاقِيدِ٦
فِي كُلِّ بهْمَاءَ لَمْ يَعْبُرْ مَنَاكِبَها
طَيْفٌ مِنَ الجِنِّ إلَّا خَافَ أَنْ يُودِي٧
لا يُرْسِلُ الطرْفَ فِي ميْدانِها قَدَمًا
إلَّا بِزَجْرٍ وَإيعادٍ وتَهْدِيدِ٨
إذا بَدَا الْفَجْرُ ظَنَّتْهُ ضَرَاغِمُهَا
سَيْفًا فكَرَّتْ إلَيْه كَرَّ صِنْدِيدِ
وَأَقْبَلتْ لِغديرِ الْمَاءِ وَاثِبَةً
تَظُنُّهُ لَأْمَةً مِنْ نَسْجِ دَاوُدِ٩
فَكنْت بَيْنَ مَرُوعِ الْقَلْبِ مُرْتَجِفٍ
كَأَنَّني صَارِمٌ فِي كَفِّ رِعْدِيدِ١٠
أَطْوِي الدُّجَى فَإذَا مَا اليَأْسُ أَدْرَكَني
وَفَلَّ عَزْمِي بِسَيْفٍ مِنْهُ محدُودِ١١
ذَكَرْتُ عَزْمًا مِنَ الْأُسْتَاذِ فَاتَّجَهَتْ
عَزيمتِي بَيْنَ إقْدَامٍ وَتسْدِيدِ١٢
وَسِرْتُ مِثْلَ قَضَاء الله لَيْسَ لَهُ
نَقْضٌ وَلا سَهْمُهُ يَوْمًا بِمَرْدُودِ
مَوْلَايَ عَلَّمْتَني كَيْفَ الثَّبَاتُ إذَا
لَمْ يَتْرُكِ الرُّعْبُ قَلْبًا غَيْرَ مَزْءُودِ١٣
عَلَوْتَ فَازْدَدْتَ بَيْنَ النَّاسِ مَعْرِفَةً
وَالنَّجْمُ يَعْلو فَيَبْدُو شِبْهَ مَفْقُودِ!
وَأَصْبح الدينُ تَيَّاهًا بِنَاصِرِهِ
وَالضادُ تزْهَى بِتَجْمِيلٍ وَتَجْدِيدِ
دَعِ الْحَسُودَ، أَمَا يَكْفيكَ أَنَّ لَهُ
نَفْسًا تفوُرُ، وَحَظًّا غَيْرَ مَجْدُودِ؟١٤
•••
يَا فارِسَ الشعْرِ لا تَجْزَعْ لِنَازِلةٍ
إذَا دَعَوْتَ إلَيْهَا فَارسَ الْجُودِ١٥
فَنَظْرَةٌ مِنْهُ لَوْ مَسَّتْ ظَلامَ دُجًى
ما زُمِّلَ اللَّيْلُ في أثْوابِه السُّودِ١٦
هوامش
(١) المجد: العز والشرف. المتون: جمع متن وهو الظهر. الضمر: جمع ضامر
وهو الناقة أو الجمل الذي أصابه الضمور والهزال من كثرة الأسفار.
القود: جمع أقود وهو البعير الشديد العنق. الفلا: جمع فلاة وهي
القفز، أو المفازة لا ماء فيها. وطي الفلوات اجتيازها وقطعها
بالسير فيها. الإيجاف: ضرب من سير الإبل والخيل. التوخيد: ضرب آخر
من سير الإبل، وهو الإسراع أو سعة الخطوة، أو أن يرمي البعير
بقوائمه كمشي النعام.
(٢) عرض الشيء: ناحيته وجانبه. الصيهود: الفلاة لا ينال ماؤها،
المناسم: جمع منسم وهو خف البعير.
(٣) الطيلسان: من لباس العجم كساء مدور كان يلبسه الخواص من العلماء.
الخبب: ضرب من العدو، أو كالرمل، أو أن ينقل الفرس أيامنه جميعًا
وأياسره جميعًا. أو أن يراوح بين يديه، أو هو السرعة.
(٤) تدنى: تقرب. شط: بعد. المزار: الزيارة.
(٥) التنوفة: المفازة. أو الأرض الواسعة البعيدة الأطراف، أو الفلاة
لا ماء بها ولا أنيس.
(٦) الشرب: جمع شارب. مترعة: مملؤة. بنت العناقيد: كناية عن
الخمر.
(٧) البهماء: الفلاة لا يهتدى فيها. المناكب هنا: الأنحاء. يودي:
مضارع أودى أي: هلك.
(٨) الطرف: الفرس الكريم. الإيعاد: الوعيد لا يكون إلا في
الشر.
(٩) اللأمة: الدرع وقد اشتهر نبي الله داود — عليه السلام — بصنع
الدروع.
(١٠) الروع: الفزع، مروع القلب: خائف فزع. مرتجف: مضطرب. الصارم:
السيف القاطع.
(١١) الدجى: جمع دجية وهي الظلمة. فله: ثلمه وكسره. محدود: مسنون
قاطع.
(١٢) التسديد: التوفيق للسداد وهو الصواب والقصد من القول
والعمل.
(١٣) المزءود: المذعور الخائف.
(١٤) فارت القدر: جاشت وغلت. غير مجدود: غير سعيد.
(١٥) يريد بفارس الشعر نفسه. جزع: ضد الصبر. النازلة: الكارثة
والشديدة من شدائد الدهر. الجود: السخاء.
(١٦) زمله في ثوبه: لفه.