الدماغ المصاب بعسر القراءة
تخضع جميع السلوكيات، ويشمل ذلك القراءة، لتحكم الدماغ. ولهذا، من الطبيعي أن نتساءل: أتوجد اختلافات في تركيب دماغ الشخص المصاب بعسر القراءة أو وظيفته تسبب صعوبات في تعلم القراءة؟
صحيح أن الدراسات الرائدة المبكرة أشارت إلى أن عسر القراءة، أو عمى الكلمات الخَلقي، عصبي المنشأ، لكن أول دليل مباشر على وجود اختلافات في الدماغ في حالة عسر القراءة ظهر على يد باحثين يعملون في بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية. في سلسلة من الدراسات التي تناولت عينات أخِذت بعد الوفاة من أدمغة ٥ ذكور لهم تاريخ من عسر القراءة، وجد الفريق البحثي تشوهات، تُسمى انتباذات، في طبقات القشرة الدماغية التي تقع — بشكلٍ أساسي — في المناطق الأمامية واليسرى المسئولة عن اللغة. وقد اقترح الفريق أن هذه التشوهات المجهرية الدقيقة كانت نتيجة هجرة الخلايا العصبية بطريقة خاطئة في أثناء نمو الجنين قبل مرحلة الولادة. علاوة على ذلك، أشارت الدراسات إلى تناظر غير منتظم في منطقة «المستوى الصدغي».
التصوير العصبي كأداة لفحص الدماغ
يمكننا تصوُّر الآلية التي يستند إليها تصوير الدماغ الوظيفي ببساطة. عندما تتطلب مهمة إدراكية ما معالجة نظام معين من أنظمة الدماغ، يزداد تدفق الدم إلى هذا النظام، حاملًا معه الأكسجين اللازم لهذه المهمة (مثلما يزداد تدفق الدم إلى العضلات خلال ممارسة التمارين البدنية). وبناءً على هذا، يمكن الاستعانة بالتغيرات في تدفق الدم ومستويات الأكسجين فيه للكشف عن مناطق الدماغ التي تكون نشطة في أثناء مهمة مثل القراءة. علاوة على ذلك، كشفت تقنيات مثل تخطيط الدماغ المغناطيسي، وتخطيط كهربية الدماغ، عن توقيت العمليات التي تتضمنها المهمة (بوحدة الملِّي ثانية).
الشبكات المسئولة عن القراءة في الدماغ
الدماغ المصاب بعسر القراءة
علاوة على ذلك، يبدو أن اضطراب هذه الشبكة يرتبط بتحوُّل التنشيط إلى مناطق أخرى في الدماغ، ومنها المنطقة الواقعة في مقدمة الدماغ. ونجد أيضًا أنَّ المناطق الواقعة في النصف الأيمن من الدماغ نشطة في حالات عسر القراءة مقارنة بحالات القراءة العادية التي تشارك فيها الأنظمة الموجودة في النصف الأيسر من الدماغ بشكلٍ أساسي. قد يعكس مثل هذا النشاط في النصف الأيمن العمليات التعويضية التي يقوم بها القارئ المصاب بعسر القراءة لمواجهة صعوبة فك شفرة الكلمات المكتوبة.
تناولت «دراسة كونيتيكت الطولية» أنماط تنشيط الدماغ في مجموعتين من الأشخاص، تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٢، ممَن شُخِّصوا بعسر القراءة منذ الطفولة. ظلت المجموعة التي لم تستعِنْ باستراتيجيات تعويضية تساعدها في التغلب على صعوبات القراءة، تواجه مشكلات في القراءة طوال سنوات الدراسة، بينما المجموعة الثانية — وهم القراء الذين استعانوا بوسائل تعويضية (كانوا يقرءُون بدقة، لكن ليس بطلاقة) — لم تعد تستوفي المعايير الخاصة بضعف القراءة بحلول الصفين التاسع والعاشر. في مهمة قراءة الكلمات الزائفة، أظهرت المجموعتان نقصًا في النشاط في المناطق العصبية المسئولة عن القراءة في المناطق الخلفية اليسرى من الدماغ، مقارنةً بالقراء غير المصابين بعسر القراءة من الدراسة نفسها. على الرغم من ذلك، لوحِظ أن القراء الذين استعانوا باستراتيجيات تعويضية نشطت لديهم الأجزاء الأمامية اليمنى بدرجة أكبر مما لوحظ لدى المجموعتين الأخريين. وهذا يشير إلى أنهم كانوا يستخدمون الأنظمة العصبية التعويضية لقراءة الكلمات العديمة المعنى.
علاوة على ذلك، تباين الأداء في مجموعتي القراء المصابين بعسر القراءة في إحدى مهام القراءة التي تضمنت قراءة كلمات فعلية. ربما على عكس المتوقع، أظهر القراء الذين يعانون من ضعفٍ مستمرٍّ في القراءة مستويات من النشاط في المناطق الخلفية من الدماغ تعادل مستويات النشاط لدى القراء العاديين، ومع ذلك، كشفت دراسات إضافية عن وجود اختلافات في طُرق ارتباط هذه المنطقة بالمناطق الأخرى. بدا أن القراء الذين يعانون من ضعفٍ مستمرٍّ في القراءة كانوا يستعينون بشبكة ذاكرة لقراءة الكلمات بشكلٍ كامل، في حين أن القراء البارعين كانوا يستخدمون استراتيجيات تحليلية لمعرفة الكلمات.
والحق أنَّ فحص البيانات السلوكية والديموجرافية المأخوذة من مجموعتَي القراء المصابين بعسر القراءة في بداية الدراسة يدعو إلى التفكير: كان القراء الضِّعاف الذين يستخدمون سلوكيات تعويضية يتمتعون بمعدل ذكاء أعلى من القراء الذين لا يستخدمون هذه السلوكيات، كما أنهم التحقوا بمدارس أفضل. ربما تكون المجموعة التي وصلت إلى مستويات طبيعية من دقة القراءة كانت لديها صعوبات متزامنة أقل — ومن ثَم كان أداؤها أفضل في اختبارات الذكاء — أو ربما تعلمت بشكلٍ أفضل. تشير بيانات الدماغ إلى أن مجموعتي الأطفال اتخذتا مسارات تنموية مختلفة؛ وما لم يزل غير واضح هو إلى أي مدى حُدِّدت مساراتهما من خلال الاختلافات الموجودة — مسبقًا — في بنية الدماغ أو ما إذا كانت الاختلافات في عمليات الدماغ تعكس الاختلافات في مدى إتقان المجموعتين للقراءة.
هل «السمت العصبي» لعسر القراءة واحد في جميع اللغات؟
في الدراسة التي تتناول عسر القراءة في مختلف اللغات، ظهر لدى الأفراد المصابين بعسر القراءة انخفاض النشاط — وهي الملاحظة التي تكررت حتى الآن في جميع الدراسات — في مساحات واسعة من المناطق الصدغية والقذالية اليسرى، باتجاه الجزء الخلفي من الدماغ، ولم يكن هناك أي دليل على زيادة النشاط في أي منطقة من الدماغ. وجدت الدراسات التالية التي أعقبت هذه الدراسة أدلة تدعم فكرة «الأساس البيولوجي المشترك بين اللغات»، لكن هذه الدراسات أشارت أيضًا إلى وجود بعض الجوانب الخاصة بكل لغة، فيما يُعرف باسم «السمت العصبي» لعسر القراءة. أكد التحليل البعدي لبيانات التصوير المأخوذة من ١٤ دراسة أُجريَت على اللغة الإنجليزية، و١٤ دراسة أخرى أُجريَت على لغات لها أنظمة كتابة منتظمة (ومنها الهولندية والألمانية والإيطالية والسويدية) أن انخفاض نشاط المناطق الموجودة على الجانب الأيسر من الدماغ، ويشمل ذلك منطقة التعرف على شكل الكلمات، من السمات العامة لعسر القراءة. غير أنَّ هذه الدراسات وجدت اختلافات في حالة الإنجليزية، وفي حالة أنظمة الكتابة المنتظمة فيما يتعلق بحجم المناطق التي يحدث فيها زيادة التنشيط أو انخفاض التنشيط وموقعها. يمكن القول إن ذلك متوقع نظرًا إلى الاختلافات اللغوية بين أنظمة الكتابة والمتطلبات التي تفرضها على فك الترميز.
فماذا عن نظام كتابة مختلف تمامًا مثل الصينية؟ الرموز الصينية أشكال لها مظهر وتركيب معقد تمثِّل مقاطع، ولها علاقة وثيقة بالمعنى (الوحدات الصرفية)، إذا ما قورنت بالوحدات المكتوبة في أنظمة الكتابة الأبجدية. كشفت إحدى دراسات تصوير الدماغ، قارنت — على نحو مباشر — بين أنماط نشاط الدماغ لقرَّاء أحاديي اللغة يتحدثون إما باللغة الصينية وإما الإنجليزية تتراوح أعمارهم بين ١٣ و١٦ سنة في أثناء قيامهم بمهمة المطابقة الدلالية التي تتضمن كلمات مكتوبة (أو صورًا) عن نتائج مثيرة للاهتمام: في أثناء القراءة، نشطت المناطق الأمامية لدى قراء الصينية العاديين بدرجة أكبر مما لوحِظ لدى قراء الإنجليزية، بينما كانت المناطق الصدغية الخلفية هي التي نشطت لدى قراء الإنجليزية بدرجة أكبر. يكمن التفسير الأكثر ترجيحًا لهذا في حقيقة أنه في اللغة الصينية يوجد ارتباط مباشر بين الرمز ونطق الكلمة، بينما يحتاج قراء الإنجليزية إلى استدعاء التمثيلات الصوتية للأحرف من أجل قراءة الكلمات، غير أنَّ ما يبعث على الحيرة، بدرجة أكبر من ذلك، أن القراء المصابين بعسر القراءة لم يُظهِروا أي اختلافات تتعلق باللغة الصينية أو باللغة الإنجليزية في المناطق الأمامية والخلفية. استنتج المؤلفون أن استراتيجيات القراءة الخاصة بنظام كتابة معين، والتي تُحدد ثقافيًّا، تكون أقل وضوحًا عندما تكون القراءة أقل كفاءة. بعبارة أخرى، تعلُّم القراءة يحسِّن شبكات الدماغ من أجل تطويعها وفقًا للغة التعلم، وهذا لا يحدث بالقدر نفسه في حالة عسر القراءة، بغض النظر عن اللغة.
هل المعرفة بالقراءة والكتابة تغير الدماغ؟
جاءت المقارنة بين أدمغة «المصابين بعسر القراءة» و«غير المصابين بعسر القراءة» نتيجة السعي لإيجاد سبب بيولوجي لصعوبات التعلم المرتبطة بعسر القراءة. غير أنَّ نتائج الدراسات التي تتناول لغات متعددة تكشف عن مشكلة؛ وهي أن المعرفة بالقراءة والكتابة تغيِّر من الدماغ. لقد ركزنا حتى الآن على التغيرات الوظيفية في تنشيط الدماغ التي ترتبط بمهارات القراءة. لكن، نظرًا إلى أن نشاط الدماغ ليس سوى انعكاس للاختلافات في العمليات الإدراكية، اتجهنا الآن إلى دراسة تأثير تعليم القراءة في جوانب من تركيب الدماغ.
إنَّ جميع جوانب التعلم تؤدي إلى تغيرات في بنية الدماغ. وما نعنيه ببنية الدماغ هو كثافة الخلايا العصبية، وعدد الروابط العصبية الموجودة بين هذه الخلايا وطولها (الوصلات العصبية). في حالة النمو الطبيعي، ليس من السهل الفصل بين تغيرات بنية الدماغ الناتجة عن المعرفة بالقراءة والكتابة، وبين غيرها من التغيرات النمائية التي تُعزى إلى عمليات النضج أو العمليات الاجتماعية. على الرغم من ذلك، ثمة حالات نادرة تتمثَّل في دراسة البالغين الذين لم يتعلموا القراءة إلا في مرحلة متأخرة من حياتهم، مما يتيح لنا الفرصة لفحص تغيرات الدماغ التي تلي بداية تعلم القراءة والكتابة، بينما النضج مكتمل في جميع النواحي الأخرى.
وقد حدثت مثل هذه الفرصة في كولومبيا، حيث عاد البالغون الأميون الذين لم يتلقَّوا أي تعليم رسمي إلى المجتمع بعد فترة طويلة من الحرب، وأتيحت لهم فرصة تعلم القراءة. وكانت هذه فرصة لمقارنة البالغين الذين تعلموا القراءة والكتابة في العشرينيات من العمر (وهي سن متأخرة لتعلم القراءة والكتابة) بمَن ظلُّوا أميين، وبمجموعة مقارنة من نفس السكان الناطقين بالإسبانية الذين تعلموا القراءة عندما كانوا أطفالًا. استخدم الفريق البحثي تقنية قياس الأشكال القائم على فوكسل لمقارنة الاختلافات في بنية الدماغ بين هذه المجموعات.
أولًا: بفحص مناطق اللغة الموجودة في الجزء الخلفي من الدماغ، والتي تشكِّل شبكة القراءة، وجد الباحثون زيادة في المادة الرمادية لدى الأشخاص الذين تعلموا القراءة والكتابة متأخرًا، مقارنة بالأميين من الفئة العمرية نفسها. ثانيًا: وجدوا أن زيادة المادة البيضاء تشير إلى وجود اتصال أقوى في مناطق الجسم الثفني الذي يسمح بالتواصل بين جانبي الدماغ. وقد لوحظت تغييرات مماثلة من قبل في أدمغة الأطفال وهم يتعلمون القراءة. وصحيح أننا لا نزال في حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث لفهم دور هذا الاقتران الواضح بين بِنى الدماغ اليمنى واليسرى، لكن يتضح أن هذا الاقتران نتيجة لمعرفة القراءة والكتابة، وليس شرطًا أساسيًّا لتطورها.
هل يُعَد تصوير الدماغ من المؤشرات؟
هل يمكن لتصوير الدماغ مساعدتنا في التنبؤ بالاختلافات الفردية في تطور القراءة؟ صحيح أنَّ الباحثين الذين يستخدمون طرق تصوير الدماغ أصبحوا الآن على دراية بمشكلة الفصل بين الأسباب والنتائج، لكن لا يزال هناك سؤال مثير للاهتمام حول ما إذا كانت الاختلافات الدماغية قد تجعل تعلم القراءة أسهل لبعض الأطفال من غيرهم. إحدى طرق الإجابة عن هذا السؤال هي مقارنة الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة بأقرانهم الأصغر سنًّا الذين يقرءُون بالمستوى نفسه؛ من خلال هذه الطريقة، يتمتع الأطفال بخبرات قراءة متساوية، وبذلك يمكن أن تُعزى أي اختلافات في الدماغ إلى عسر القراءة. يتمثل النهج الثاني في إجراء دراسات طولية تبحث في أهمية قياسات الدماغ بوصفها مؤشرات للتنبؤ بالفروق الفردية في مهارات القراءة. تُعد هذه الاستراتيجيات أساس البرنامج البحثي الذي ترأسه فوميكو هوفت في الولايات المتحدة.
تابع فريق البحث دراسة دور كل من نظام الدماغ الأيسر والأيمن في التنبؤ بنتائج القراءة باستخدام نهج طولي (تتبُّعي) أكثر إحكامًا. شمل ذلك متابعة الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة، والذين لا يعانون منه لمدة عامين ونصف، مع جمع البيانات السلوكية والمتعلقة بقياس نشاط الدماغ بهدف التنبؤ بتطور القراءة. في بداية الدراسة، خضع الأطفال للتصوير الدماغي في أثناء إكمالهم مهمة تحديد ما إذا كانت الكلمات المكتوبة متماثلة القافية أم لا كالمهمة التي شرحناها للتوِّ. جرى تحليل صور الدماغ لتحديد نشاط الدماغ وبنيته في المناطق المعنية. لم تقدم أيٌّ من البيانات السلوكية تنبؤات بشأن تطوُّر القراءة. غير أنَّ البيانات المتعلقة بقياس وظيفة الدماغ وتركيبه قدمت مثل هذه التنبؤات، وذلك لمجموعة المصابين بعسر القراءة فقط.
لدراسة هذه المسألة بتعمقٍ أكبر، ركز الفريق البحثي على نمو بنية الدماغ لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات وست. على وجه الخصوص، فحص الباحثون، على وجه التحديد، بنية «المسار الصدغي» (الحزمة المقوسة). أكمل الأطفال أيضًا تقييمات لمهارات ما قبل مرحلة القراءة والمهارات الإدراكية في روضة الأطفال، ثم أعيد تقييم مهارات القراءة لديهم في الصف الثالث. معًا، ساهمت تقييمات مهارات القراءة والكتابة المبكرة والقياس النشط لكيفية نمو بنية الدماغ بمرور الوقت في فهم ٥٦٪ من الاختلافات في أداء القراءة بحلول الصف الثالث. وكان الأهم هو دراسة التغيُّر في كثافة المادة الرمادية في المسار الصدغي. باختصارٍ، أظهرت هذه الدراسة أن نمو المسار الصدغي — الوصلات التي تربط بين مناطق الدماغ الأمامية والصدغية الجدارية — يتنبأ بالفروق الفردية في القراءة، وذلك بعد مراعاة تأثير عوامل، مثل: مهارات ما قبل القراءة في رياض الأطفال والمقاييس الديموجرافية الأخرى مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وبيئة تعلم القراءة والكتابة المنزلية، والتاريخ العائلي لمشكلات القراءة. يقترح الباحثون أنه يمكن اعتبار نمو الألياف في المسار الصدغي علامة على مرونة الدماغ في المنطقة المطلوبة للمعالجة الصوتية وتعلم الكلمات. ومن المنطقي أن هذه المرونة تخضع للتأثير الجيني.
هل توجد مؤشرات حيوية لخطر الإصابة بعسر القراءة؟
السؤال الحاسم الذي تقوم عليه أبحاث الدماغ في عسر القراءة هو: هل تظهر لدى الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بعسر القراءة أية اختلافات في الدماغ في سنوات ما قبل المدرسة، قبل تعلم القراءة؟ هل يمكن أن تكون هناك علامات دماغية يمكنها تمييز الأطفال المعرضين لخطر الإصابة نتيجة تاريخهم العائلي، وهم من تزيد احتمالية إصابتهم بعسر القراءة؟ لا شك أننا لا نزال بعيدين بعض الشيء عن الإجابة عن هذا السؤال، لكننا نحرز فيه تقدمًا.
في دراساتٍ رائدة، سُجِّلت جهود الدماغ المرتبطة بالحدث من أدمغة الأطفال حديثي الولادة في أثناء تعريضهم لتسلسلات عشوائية من الأصوات الكلامية والأصوات غير الكلامية. بعد ذلك، استُخدمت البيانات للتنبؤ بمستوى أداء هؤلاء الأطفال في القراءة بعد مرور ثماني سنوات، حيث صُنِّفوا لثلاث مجموعات: ٢٤ قارئًا عاديًّا، و١٧ قارئًا مصابًا بعسر القراءة، وسبعة قراء ضعاف في القراءة (بمستوى ذكاء أقل). وقد ميَّزت البيانات بين المجموعات بدقة بلغت ٨١٫٢٥ في المائة، وصنَّفت ٧٦٫٥ في المائة من القراء الذين يعانون من عسر القراءة تصنيفًا صحيحًا.
استُخدمت أساليب مماثلة في دراستين طوليتين لأطفال معرضين لخطر الإصابة بعسر القراءة نتيجة لتاريخ عائلي، وهما دراسة يوفاسكولا في فنلندا ودراسة الأسرة الهولندية في هولندا. أسفرت الدراسات عن بعض النتائج المثيرة للاهتمام. إضافة إلى ملاحظة الاختلافات بين «المعرضين لخطر الإصابة» وغير «المعرضين لخطر الإصابة» لدى كلٍّ من الرضع والأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة في جوانب الإدراك السمعي والكلامي. ويشير بعض هذه الدراسات إلى وجود ارتباطات ضعيفة بين هذه القياسات والقياسات اللاحقة للمهارات الصوتية والقراءة والتهجئة. على الرغم من ذلك، فإن عينات الدراسة صغيرة، وليس لدينا سوى القليل من الأدلة — حتى الآن — على أن مثل هذه الاستجابات في فترة حديثي الولادة يمكن أن تتنبأ بالأطفال الذين سيصابون بعسر القراءة.
في وقتٍ لاحقٍ من نمو الطفل، في المرحلة التي يبدأ فيها الأطفال للتوِّ في تعلم القراءة، تشير الأبحاث إلى وجود علاقات بين القراءة وجوانب تركيب الدماغ في المناطق اللغوية الحرجة، وإلى الاختلافات بين الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بعسر القراءة نظرًا إلى تاريخ عائلي، والضوابط. ثمة نتيجتان بارزتان. أولًا: يُلاحَظ أنَّ سُمك القشرة الدماغية في المناطق المرتبطة بالقراءة في الجانب الأيسر من الدماغ أقل بين الأطفال المعرضين لخطر الإصابة نظرًا إلى وجود تاريخ عائلي، في حين أن مساحة سطح المناطق القشرية اليمنى المرتبطة بعسر القراءة تكون أكبر. ثانيًا: يُعد وجود تاريخ عائلي من الإصابة بعسر القراءة من ناحية الأم، لا الأب، مؤشرًا على انخفاض المادة الرمادية في المناطق المرتبطة باللغة في النصف الأيسر من الدماغ، لكن ليس مؤشرًا على كثافة المادة البيضاء. وكلما ازدادت حدة تاريخ مشكلات القراءة من جانب الأم، قلَّت مساحة سطح القشرة بدرجة أكبر. لا نزال في حاجة — بالطبع — إلى مزيد من الأبحاث للتأكد من هذه النتيجة، لكن النتائج التي توصلت إليها الدراسات التي أُجريت على الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بعسر القراءة نتيجة لتاريخ عائلي تقدِّم فرضيات مثيرة للاهتمام بشأن الكيفية التي يمكن أن تعكس بها بنية الدماغ تأثير الجينات على تعلم القراءة، واحتمال الإصابة بعسر القراءة.