ما الاستراتيجيات الفعالة للتغلب على عسر القراءة؟
السؤال الذي يرغب الآباء في معرفة إجابته، والذي يطرحه كل شخص بالغ يعاني من عسر القراءة هو: «ما الذي يمكنه فعله بشأن عسر القراءة؟» يعج الإنترنت «بالعلاجات»، التي تلحق ضررًا كبيرًا بالأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة وعائلاتهم: لا يوجد «حل سريع» أو علاج لعسر القراءة؛ إذ إن عسر القراءة حالة تستمر مدى الحياة. ومع ذلك، ثمة طرق تساعد على تحسين القراءة والتهجئة، بالإضافة إلى طرق تساعد على التغلب على المشكلات التي تصاحب عسر القراءة. علاوة على ذلك، يمكن للتدخل المبكر أن يضع الطفل على الطريق الصحيح لتطوير مهارات القراءة والكتابة المناسبة.
لتقديم نصائح بشأن الاستراتيجيات الفعالة نحتاج إلى مناهج قائمة على أدلة. وما نقصده بالتدخلات «القائمة على أدلة» هي التدخلات التي أثبتت فعاليتها في عمليات التقييم الدقيقة. وعادةً ما تتمثل هذه التدخلات — بصفة عامة — في البرامج المصمَّمة استنادًا إلى نظرية سببية؛ ذلك أننا إذا فهمنا «أسباب» المشكلة، فإن هذا سيخبرنا عن «الجوانب» التي تستلزم التحسين. ينبغي أن تهدف التدخلات الموجهة للتغلب على عسر القراءة إلى تحسين العملية المعيبة أو العمليات، والتي أدت إلى مشكلة في القراءة. ومن سوء الحظ أنَّ التدخلات الموجهة للتغلب على عسر القراءة ليست جميعها مستندة إلى أدلة.
هل تشخيص عسر القراءة نقطة البداية؟
الخطوة الأولى للتدخل من أجل حل أي نوع من أنواع المشكلات هي تحديد الصعوبات التي يواجهها الطفل. في حالة الطفل المعرض لخطر الإصابة بعسر القراءة على وجه التحديد، من المهم مراقبة التقدم خلال المراحل الأولى من تعليم القراءة، والتدخل في أقرب وقت ممكن؛ وليس من الضروري الانتظار إلى حين تشخيص الطفل بعسر القراءة رسميًّا. فقد أدى النزوع إلى تأخير التدخل إلى أن يؤكد الإخصائي تشخيص الطفل ﺑ «عسر القراءة» إلى إحباط التقدم، لذا من المنطقي تمامًا مساعدة الطفل الذي يواجه مثل هذه الصعوبات في أسرع وقت ممكن؛ بهذه الطريقة، يمكننا أن نتجنب السقوط في دوامة الإحباط والضيق.
أصبحت اختبارات فحص عسر القراءة شائعة في المدارس. فالمدارس الجيدة ترغب في فعل كل ما في وسعها لتحديد الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بعسر القراءة. ورغم ذلك، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن الفحص باستخدام الاختبارات الرسمية هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا؛ فيمكن للتقييمات أو الفحوصات التي تُجرى مرة واحدة أن تصنِّف عددًا مبالغًا فيه من الأطفال على أنهم يعانون من صعوباتٍ؛ وفي هذا مضيعة للموارد. أوضح مشروع ويلكوم للغة والقراءة أنه في مرحلة ما قبل المدرسة (الروضة)، أفضل مؤشر يدل على إمكانية إصابة الطفل بعسر القراءة من عدمها هو «خطر الإصابة الناجم عن تاريخ عائلي»: إذا كان هناك حالات من عسر القراءة في الأسرة بالفعل، تزداد احتمالية أن يصاب الطفل بعسر القراءة، ويكون هذا المؤشر أفضل من القياسات الرسمية التي تُجرى في السنوات المبكرة. لكن الموقف يتغير بعد دخول المدرسة. فبحلول السنة الخامسة، يمكن التنبؤ بعسر القراءة جيدًا من خلال معرفة الطفل بالأحرف، ووعيه الفونيمي وأدائه في اختبار التسمية السريعة (ما يُعرف باسم الدعائم الثلاث). ومع ذلك لا يزال خطر الإصابة الناجم عن تاريخ عائلي يزيد من احتمالية أن يعاني الطفل من صعوباتٍ مستمرة.
يشير عسر القراءة إلى صعوبة محددة في اكتساب مهارات فك ترميز الكلمات المكتوبة والتهجئة. لذا يمكن الاشتباه في عسر القراءة عندما يُظهِر الطفل ضعفًا في القراءة والتهجئة. من النادر ألا يعرف المعلم من في صفه لا يتقدم بالمعدل المتوقع بالنسبة إلى عمره. وأنا أرى أنه لا بد من تمكين المعلمين، وتزويدهم بالمهارات التي تمكِّنهم من تحديد الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بعسر القراءة، من خلال الاستعانة بملاحظاتهم البارعة بشأن مهارات الطفل في القراءة والكتابة.
الفحص في الفصول الدراسية العادية
قبل بضع سنوات، قدمت حكومة المملكة المتحدة مجموعة من السياسات الخاصة بتدريس الطريقة الصوتية نظاميًّا لجميع الأطفال عند دخول المدرسة. وبعد ذلك بوقتٍ قصيرٍ، أي في عام ٢٠١٢، قدموا اختبارًا لقياس إتقان الطريقة الصوتية لدى جميع الأطفال في نهاية السنة الأولى (بعد عامين من تعليم القراءة رسميًّا). تضمَّن الاختبار القراءة الجهرية لعشرين كلمة لها معنًى، وعشرين كلمة أخرى عديمة المعنى، ويُحدَّد مستوى الإجادة وفقًا للمستوى المتوقع تحقيقه. في أثناء ذلك، أي حينما كان الاختبار يُجرى ويقدَّم في جميع أنحاء البلاد، تلقى جميع معلمي الصف الأول في منطقة يورك تدريبات على يد مستشار متخصص في شئون تعلم القراءة والكتابة لأخذ ملاحظات دقيقة بشأن تقدُّم تلاميذهم خلال مراحل تدريس الطريقة الصوتية، وتسجيل هذه الملاحظات رسميًّا. لذا فإنه بالنسبة إلى كل طفل، وفي كل مدرسة، كان من الممكن مقارنة التقييمات التي قدمها المعلمون بشأن التقدم في تعلم الطريقة الصوتية بأداء الأطفال في اختبار الطريقة الصوتية الحكومي. وقد أتاح هذا فرصة مثالية للتحقق من صحة الاختبار الحكومي بمقارنته بأحكام المعلمين.
جاءت النتائج قيِّمة للغاية. كانت نتائج الأطفال في اختبار الطريقة الصوتية الحكومي على درجة قوية من الارتباط بأدائهم في اختبارات القراءة الموحدة التي أجريناها، وهو ما يؤكد صحة القياس. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن كلًّا من ملاحظات المعلمين والاختبارات القياسية تنبأت بالنتائج المحرَزة في اختبار الطريقة الصوتية بالقدر نفسه، وهو ما يؤكد أن المعلمين في دراستنا تدربوا جيدًا، وتلقَّوا الدعم المناسب لاستخدام الملاحظات لتقييم تقدم طلابهم. كان المقياس الذي استخدمه المعلمون جزءًا من منهج قراءة «الحروف والأصوات» الذي أوصت به مراجعة روز لتعليم القراءة (انظر المربع رقم ١). أظهرت النتائج أنه إذا تلقَّى المعلمون الدعم المناسب، فيمكنهم أن يشعروا بالثقة بشأن تحديد مَن يوجد في صفهم من الأطفال الذين يعانون من بطء في اكتساب مهارات الطريقة الصوتية، ومن ثَم تحديد أنهم معرضون لخطر الإصابة بعسر القراءة.
المربع ١: مقياس التقييم الذي يستخدمه المعلمون لمراقبة التطور الذي يحرزه الأطفال على مدار منهج الحروف والأصوات في المملكة المتحدة
الفحص الخاص بالحروف والأصوات
(١) التمييز بين الأصوات المختلفة في البيئة والوحدات الصوتية، وإظهار الوعي بالقافية والجناس الاستهلالي، والقدرة على دمج الأصوات معًا وفصل بعضها عن بعض شفهيًّا.
القدرة على دمج الأصوات معًا لتكوين كلمات لها تراكيب صوتية بسيطة (مثل: «متحرك – ساكن»، و«ساكن – متحرك – ساكن»)، أو تقسيم الكلمات إلى الأصوات المكونة لها، وقراءة تعليقات الصور المتمثلة في الحروف.
(٢ب) معرفة ١٩ تقريبًا من العلاقات بين الوحدات الصوتية المنطوقة والوحدات المكتوبة التي تمثِّلها، والعكس. القدرة على الدمج والتقسيم كما في السابق، ومعرفة بعض الكلمات الصعبة.
(٣) معرفة طريقة لتمثيل كل صوت من الأصوات البالغ عددها ٤٢. دمج الأصوات لتكوين كلمات من «صامت – متحرك – صامت»، بما في ذلك الوحدات المكتوبة المكونة من أكثر من حرف، والكلمات المكونة من مقطعين، والتعليقات على الصور، وتقسيم الكلمات إلى الأصوات المكونة لها. قراءة وتهجئة الكلمات الصعبة.
(٤) دمج الصوامت المتجاورة في الكلمات، وتطبيق ذلك عند قراءة نصوص غير مألوفة. فصل الصوامت المتجاورة في الكلمات، وتطبيق ذلك عند التهجئة.
(٥) معرفة طرق بديلة لتهجئة الوحدات المكتوبة ونطقها. الدمج/التقسيم. تهجئة الكلمات المعقدة باستخدام محاولات منطقية من الناحية الصوتية.
(٦) تطبيق مهارات الطريقة الصوتية بسلاسة متزايدة عند قراءة الكلمات غير المألوفة في النصوص. التعرف إلى عددٍ كبيرٍ من الكلمات المعقدة التي تشتمل على تطبيق قواعد إضافة البادئات واللواحق وتهجئتها.
•••
المصدر: الدليل الاسترشادي للحروف والأصوات، الصادر عام ٢٠٠٧ عن وزارة التربية والتعليم. يتضمن معلوماتٍ تتعلق بالقطاع العام، مرخصة بموجب الإصدار ٣٫٠ من الرخصة الحكومية المفتوحة.
مستويات التدخل
يُعد بوبي، الحالة التي تناولناها مسبقًا، مثالًا على الأطفال الذين احتاجوا إلى مساعدة خاصة في هذه المرحلة. تلقَّى بالفعل دعمًا للوصول إلى المستوى المتوقع ممن في عمره دون جدوى، وقد أكد سلوكه المتدهور ضرورة التدخل. وبما أنه كان لديه تاريخ من بطء الكلام ومشكلات سابقة في الكلام، كان من الحكمة تقييم مهاراته اللغوية على نطاق أوسع لتحديد ما إذا كان يعاني أيضًا من اضطراب في النمو يؤثر في اللغة المنطوقة، شأنه شأن نحو ٤٠ في المائة من الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة، أم لا.
الاستجابة للتدخل
يُعد نوع النهج التشخيصي الذي ناقشناه وسيلة لاستخدام نهج «الاستجابة للتدخل» كجزء من التقييم الديناميكي لعسر القراءة. يتضمن نهج الاستجابة للتدخل خطوات عديدة، أولًا: الفحص الشامل، وثانيًا: فرصة كافية للتعلم باستخدام نهج قوي (عادةً ما يشمل الطريقة الصوتية)، وثالثًا: مستويات التدخل، وأخيرًا المراقبة المستمرة للتأكد من تحقيق تقدم مُرضٍ (وهو يعني هُنا الوصول إلى المستوى المتوقع منه). لكن ثمة جدالًا حول ما إذا كان الأطفال الذين يعانون من صعوبات أكثر حدة يحتاجون حقًّا إلى المرور بالمراحل المختلفة. على أي حالٍ، إذا فشل الطفل في الاستجابة للتدخل المستند إلى أسس جيدة، ربما تكون هناك حاجة إلى تقييم أكثر شمولًا. لا بد أن يتضمن التقييم مقاييس مصمَّمة بعناية وفقًا لمعايير محددة لقراءة الكلمات وتهجئتها والمعرفة بالأحرف والوعي الفونيمي (انظر المربع رقم ٢). ويمثِّل هذا خط الأساس الذي تبدأ من عنده مراقبة المزيد من التقدم.
المربع ٢: إرشادات لإجراء تقييم لتشخيص عسر القراءة
إرشادات من أجل إجراء تقييم لتشخيص عسر القراءة:
لا بد من إجراء تقييم شامل قبل المستوى الثالث من التدخل.
لا بد أن يتضمن التقييم اختبارات محددة من المجموعات أ، وب، وج.
أما الاختبارات من المجموعتين د، وﻫ، فهي اختيارية.
في المراحل المبكرة من التقييم والمراقبة، يمكن إجراء اختبار واحد من المجموعة أ (القراءة)، وآخر من المجموعة ب (التهجئة) كل ستة أشهر لتقييم الاستجابة للتدخل (بعض المناهج المعنية بدراسة الاستجابة للتدخلات توصي باختبارات محددة).
(أ) لا بد من تقييم القدرة على القراءة تقييمًا شاملًا:
• المعرفة بالأحرف (أسمائها والأصوات التي تمثِّلها، إذا لزم الأمر)
• قراءة كلمات منفردة — لتقييم دقة القراءة
• قراءة الكلمات التي ليس لها معنًى — لتقييم دقة فك الترميز
• قراءة الكلمات الحقيقية والكلمات الزائفة المحددة بمدة زمنية — لتقييم معدل القراءة
• الفهم القرائي — لتقييم الدقة والطلاقة في قراءة النثر وفهم النص
(ب) لا بد أن تكون التهجئة والكتابة جزءًا من التقييم:
• تهجئة الكلمات المنفردة — لتقييم الدقة
• عينة من الكتابة الحرة — لتقييم دقة التهجئة عند الكتابة واستخدام القواعد النحوية وعلامات الترقيم وسلاسة الكتابة
• عينة من الكتابة باليد — لتقييم معدل الكتابة وتكوين الأحرف
(ﺟ) المهارات الصوتية:
• الوعي الصوتي — لتقييم القدرة على تقسيم التراكيب الصوتية للكلمات والتلاعب بها
• التسمية السريعة — لتقييم سرعة المعالجة اللفظية
• تكرار الكلمات الزائفة أو الذاكرة اللفظية قصيرة المدى — لتقييم مهارات الذاكرة الصوتية
(د) القدرة الإدراكية العامة:
صحيح أن اختبار الذكاء لا يُستخدم في تعريف عسر القراءة، لكن اختبار القدرة الإدراكية العامة يمكن أن يقدم تلميحات عن طبيعة الصعوبة التي يعاني منها الطفل أو البالغ.
• قد تشير حصيلة المفردات المحدودة إلى الحاجة إلى مزيدٍ من التقييم للمهارات اللغوية
• قد تشير الصعوبات المتعلقة بضعف القدرات البصرية المكانية إلى الحاجة إلى مزيدٍ من التقييم للمهارات الحركية
(ﻫ) المهارات المتعلقة بالأعداد:
يوصى أيضًا بالتحقق من المهارات الحسابية للأطفال الذين يعانون من عسر القراءة، نظرًا إلى أنه من الشائع أن يتزامن عسر القراءة مع مشكلات في الرياضيات لدى الأطفال.
طرق علاج عسر القراءة
للإجابة عن هذا السؤال «ما الأساليب الفعالة؟» من الضروري إجراء دراسة تحصل فيها إحدى المجموعتين على الدعم اللازم، بينما تتلقى الأخرى التعليم بطرق التدريس المعتادة.
تجارب مضبوطة عشوائية
تُعد التجربة المضبوطة العشوائية المعيارَ الذهبي لإثبات فعالية تدخُّلٍ ما. في الوضع المثالي، ينبغي تقييم التدخلات المستخدَمة لتحسين عسر القراءة من خلال مثل هذه التجارب. تُسمى هذه التجارب بالعشوائية لأن الأطفال يقسَّمون عشوائيًّا إلى مجموعتين، إحداهما تحظى باستراتيجيات التدخل، والأخرى تتعلم «بالطرق المعتادة»، وتُسمى بالمضبوطة لأن الآثار المترتبة على التدخل الذي تتلقاه إحدى المجموعتين تُقارن بالآثار المترتبة على التدريس بالطرق المعتادة الذي تتلقاه المجموعة الأخرى (الضابطة). يشيع استخدام التجارب المضبوطة العشوائية في مجال الطب، لكنها تُستخدم بشكلٍ أقل بكثير في مجال التعليم. ويمكن القول إنها الطريقة المنصِفة الوحيدة للحكم على ما إذا كان البرنامج الجديد ناجحًا أم لا، وهذا في مصلحة جميع الأطفال.
يشير أفضل الأدلة لدينا إلى أن الأساليب الأكثر فعالية لعلاج عسر القراءة هي تلك التي تتضمن أنشطة متكاملة، تستهدف الوعي الفونيمي والمعرفة بالأحرف والربط بينهما، إضافةً إلى الأنشطة التي تتضمن الممارسة لتعزيز قدرات فك الترميز الناشئة وزيادة طلاقة القراءة. لا توجد حلول سحرية؛ فالعناصر التي تتضمنها برامج التدخل هي نفسها العناصر التي تشكِّل تعليم القراءة الفعال للقراء العاديين. كل ما في الأمر أنها تكون مكثفة بدرجة أكبر، وغالبًا ما تكون فردية (على الرغم من عدم وجود أدلة كافية على أن التدريس الفردي أفضل من التدريس في مجموعات صغيرة)، وعادة ما يقدمها ممارسون ماهرون لديهم خبرة في صعوبات التعلم. تلعب الممارسة دورًا حاسمًا لكي تكون هذه التدخلات فعالة، ومن ثَم فإن الممارسة — أولًا وأخيرًا — هي مفتاح النجاح!
أجرى زملائي بيتر هاتشر وتشارلز هولم وآندي إليس دراسة رائدة، قارنوا فيها ثلاثة أشكال من التدخل «بطرق التدريس المعتادة» لأطفال في سن السابعة، كانوا متخلفين — بشكلٍ كبيرٍ — عن أقرانهم في القراءة. تألَّفت التدخلات من إحدى الطرق الآتية: تدخل القراءة المنهجية، أو التدريب على الوعي الصوتي، أو النهج المتكامل الذي شمل التدريب على الوعي الصوتي في سياق القراءة من الكتب. كانت الطريقة الأخيرة، التي أطلِق عليها اسم «الربط الصوتي»، الأكثر فعالية في القراءة بعد ستة أشهر من التدخل وخلال المتابعة بعد نحو تسعة أشهر.
لا تُعد طريقة الربط الصوتي فريدة من نوعها؛ فعناصرها تتكرر في العديد من الأساليب المستخدمة مع الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة. أحيانًا نُطلِق عليها اسم «شطيرة القراءة». يبدأ الدرس بالقراءة، وينتهي بالقراءة (تمثِّل القراءة شريحتي الخبز)، وفي المنتصف يوجد التدريب على الوعي الفونيمي، والمعرفة بالأحرف والربط الصوتي (الحشوة). أقسام القراءة في الدرس مستمدَّة من أسلوب «إنعاش القراءة» لماري كلاي، وهي تستخدم كتبًا مصنَّفة حسب الصعوبة. ومن السِّمات المهمة للغاية، في هذه الطريقة، أن المعلم الذي يقدِّم الدرس يُدرَّب جيدًا على اختيار الكتب في المستوى المناسب لدعم الطفل في ممارسة مهارات فك الترميز الناشئة لديه وإتقانها. في كل درس، يُستخدَم كتابان: كتاب سهل لممارسة القراءة، وكتاب مناسب للمستوى التعليمي للمتعلمين. الكتاب السهل هو كتاب قرأه الطفل من قبل، غالبًا في الدرس الأخير، ويمكنه الآن قراءته بدقة، والهدف من إعادة قراءته هو زيادة حصيلة المفردات التي يمكنه التعرف عليها بمجرد النظر، ومن ثَم زيادة طلاقة القراءة، وهذا مهم لأن ممارسة القراءة يجب أن تكون ممتعة.
يتطلب اختيار الكتاب المناسب للمستوى التعليمي مزيدًا من التحضير: يختار المعلم، من مجموعة متدرجة، كتابًا يعتقد أن قراءته ستمثِّل تحديًا للطفل (ولكن ليس بالقدر الذي يجعلهم يرغبون في الكف عن المحاولة). صاغ فيجوتسكي عبارة «منطقة التطوُّر الوشيك» للإشارة إلى المهارات التي يكون الطفل جاهزًا — تقريبًا — لاكتسابها، وهذا ما نعنيه هنا. لتحديد المستوى المناسب للنص التعليمي، يختار المعلم مقطعًا قصيرًا من الكتاب — يصل إلى قرابة ١٠٠ كلمة — ويطلب من الطفل قراءته في الوقت الذي يأخذ فيه تسجيلًا حرفيًّا لقراءته، يُطلق على التسجيل اسم «التسجيل الجاري». في وقت لاحق يحلِّل المعلم التسجيل لحساب دقة قراءة الطفل. الهدف من ذلك هو العثور على كتاب يمكن للطفل قراءته بأخطاء قليلة نسبيًّا، بدقة تبلغ نحو ٩٤٪ في المعتاد، وسيكون هذا ضمن منطقة التطور الوشيكة لديهم. يستخدم المعلم أيضًا التسجيل الجاري للنظر في العوائق التي تحُول دون تحقيق الدقة حاليًّا، ولتحديد نقاط تدريس محددة. يُستخدم الكتاب في الدرس التالي كمادة للقراءة، ويقدم المعلم الدعم للطفل في أثناء القراءة، مع التركيز على نقطة أو نقطتين تعليميتين فقط. وبدلًا من إمطار الطفل بوابلٍ من الملاحظات التصحيحية، يركز المعلم على التعزيز الإيجابي لاستراتيجيات القراءة الفعَّالة. وفور إتقان الكتاب التعليمي، يصبح أحد الكتب «السهلة» في الحصص المستقبلية. ويعتمد هذا الأسلوب على وجود مجموعة من الكتب المتدرجة في الفصل الدراسي أو مركز عسر القراءة. ومن سوء الحظ أنَّ طباعة الكتب تتوقف، وتصبح غير متاحة بعد فترة؛ لذا من المهم دائمًا أن يظل المعلمون على اطلاع بالعناوين الجديدة، وأن يجدوا المساعدة في تحديد مستوى هذه الكتب إذا لزم الأمر.
ومع ذلك، نظرًا إلى أنه أسلوب خاص بالتهجئة، فإنه يكون أقل فعالية بالنسبة إلى القراءة. عادة ما تكون المكاسب التي تتحقق في التهجئة قصيرة الأمد، ولا بد من توجيه المزيد من الاهتمام نحو مهارات القراءة الناشئة إذا أردنا الحفاظ على المكاسب.
تدريس التهجئة
لا يوجد سوى عددٍ قليل جدًّا من التجارب المضبوطة التي قيَّمت فعالية أساليب تدريس التهجئة، ومعظم البيانات التي حصلنا عليها نتجت عن النظر في تأثير تدخلات القراءة في الأداء في التهجئة. غير أنَّ التهجئة ليست نتيجة للقراءة فحسب، بل إنَّ مشكلات التهجئة عادة ما تكون أكثر استمرارًا من صعوبات القراءة، وتتطلب تدخلات محددة. تشير الممارسة الأفضل في مجال عسر القراءة إلى أنه ينبغي تدريس الأنماط الإملائية بوضوحٍ. فبينما يستطيع القارئ الجيد فهم الروابط الضمنية بين أصوات الكلمة وبين الحروف وسلاسل الحروف، لا يحدث هذا تلقائيًّا في حالة الإصابة بعسر القراءة. منذ عدة سنوات مضت، أشارت أوتا فريث إلى أن القراءة تعتمد على تلميحات جزئية (لا تحتاج إلى إدراك جميع الحروف لتقرأ بشكلٍ صحيحٍ)، لكن التهجئة تعتمد على تلميحات كاملة. إذا اعتمد الطفل على السياق ليعوِّضه عن فك الترميز غير الفعَّال (كما يفعل العديد من الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة)، فقد يصبح الاهتمام بتركيب الكلمات، حرفًا بحرفٍ، ضئيلًا للغاية. لكي يتمكن الطفل من التهجي، سيتعيَّن عليه الاعتماد على تحويل أصوات الكلمات إلى الأحرف التي تقابلها. لن يكون هذا سهلًا إذا كان الطفل يواجه مشكلات عند تقسيم الكلمات إلى وحدات صوتية، أو ليس على دراية بأنماط التهجئة التقليدية والتي تعتمد على السياق.
مقاومة العلاج
إحدى المشكلات التي تواجه جميع التدخلات الفعَّالة هي ما يجب فعله حيال الأطفال الذين لا يستجيبون، والذين يُطلَق عليهم أحيانًا «مقاوِمو العلاج». لا يزال لدينا القليل جدًّا من المعرفة حول أفضل السبل لتلبية احتياجات هؤلاء الأطفال؛ ويبدو مبدئيًّا أن الاستراتيجية الأنسب هي التدخل المكثف بدرجة أكبر، على الرغم من أن هذا مكلفٌ وفوائده غير معروفة. في إحدى الدراسات، أظهرنا أن بعض الأطفال الذين استجابوا بشكل سيئ للتدخل لتحسين مهارات القراءة كان أداؤهم أفضل بعد فترة من التعليم الإضافي بالطرق نفسها، مع استكمال العمل على المفردات. ونحن نخمن أن هؤلاء الأطفال لم يكونوا يتطورون بدرجة كبيرة بسبب صعوبات لغوية غير مشخصة. وبالمثل، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن التدخلات العلاجية لاضطراب فرط الحركة، وتشتت الانتباه، وفي ذلك الأدوية، يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على القراءة لدى الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة ونقص الانتباه. لكن الآليات غير معروفة، ومن ثَم لا يمكن التوصية بمثل هذه التدخلات بثقة. بشكلٍ عام، لا سيما بالنسبة إلى الأطفال الأكبر سنًّا الذين يعانون من عسر القراءة، لا توجد أدلة بشأن ما هو فعَّال. ونحن لا نعرف حتى الآن إلا القليل عن أفضل السبل لزيادة طلاقة القراءة أو تحسين مهارات التهجئة والكتابة.
ما الذي لا يصلح لعسر القراءة؟
تحذيران
لن يسعنا الحديث هنا عن العلاجات التي لا تُعد ولا تُحصى، التي يقال إنها تساعد في علاج عسر القراءة. بدلًا من ذلك، سنناقش بعض الأساليب التي حظيت بشهرة في السنوات الأخيرة، لكنها لا تعالج المشكلة الأساسية لعسر القراءة.
- أولًا: كما رأينا، غالبًا ما يُقتَرن عسر القراءة بمشكلات أخرى تتعلق بالنمو. من الممكن أن تمثِّل هذه الصعوبات المتزامنة (التي تُسمَّى أحيانًا بالاعتلال المصاحب) عائقًا إضافيًّا أمام التقدم التعليمي للطفل المصاب بعُسر القراءة؛ ويترتب على ذلك أن بعض العلاجات يمكن أن تخفف هذه الأعراض المتزامنة، لكنها لا تعالج العجز الأساسي. فمن المهم ألَّا نعتقد بأنها ستعمل بالضرورة على تحسين القراءة والكتابة.
- ثانيًا: يكون العديد من الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة قد فقدوا دافعهم عندما يبدأ آباؤهم البحثَ عن طرق أخرى. وقد يكون ما يتعرضون له من الضغط العائلي كبيرًا أيضًا. ومن ثَم، قد يُعزى تحسُّن الأعراض على المدى القصير إلى «تأثير العلاج الوهمي» (وهو تأثير مفيد يحرِّكه اعتقاد المريض بأن العلاج فعال لا فعاليته الفعلية)، إلا أن النتائج عادة ما تكون مخيبة للآمال على المدى الطويل. عندما لا يخضع التدخل لعملية تقييم محكمة، يمكن أن يتجلى العديد من العوامل المؤثرة في المشهد، ولن نعرف بالضرورة ما إذا كانت هذه التأثيرات فعالة أم لا، ولن نعرف سبب فعاليتها.
تدريب الذاكرة العاملة
من بين السِّمات الأساسية لعسر القراءة وجود مشكلة في الذاكرة اللفظية قصيرة المدى. يجد الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة صعوبة في تذكر العناصر على المدى القصير (أكثر من بضع ثوانٍ) ولكن ينبغي التفريق بين ذلك وبين ضعف الذاكرة العاملة. تشير الذاكرة العاملة إلى القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها في «مساحة عمل» ذات سعة محدودة، وهي تتضمن عمليات أخرى مختلفة عما تنطوي عليه عملية تحويل المعلومات إلى لغة منطوقة (حيث تكمن الصعوبة لدى الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة). في المقابل، يعاني الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، من مشكلاتٍ تتعلق بالذاكرة العاملة، دون أن تكون لديهم بالضرورة مشكلات تتعلق بالذاكرة اللفظية قصيرة المدى. فلا يوجد سبب بديهي للاعتقاد بأن الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة يحتاجون إلى تدريب الذاكرة العاملة.
يعتمد تدريب الذاكرة العاملة عادة على الكمبيوتر، ويتضمن تمارين منتظمة (يومية في المعتاد) لتدريب الذاكرة السمعية والبصرية باستخدام طرق حسية مختلفة من خلال الألعاب التي تتحدى الطفل للوصول إلى مستويات أعلى تدريجيًّا. أصبح استخدام تدريب الذاكرة العاملة شائعًا جدًّا في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن التحليل البَعدي الشامل لمدى فعالية مثل هذا التدريب بالنسبة إلى المهارات الأكاديمية يبيِّن أنه لا يوجد دليل على أن التحسينات المباشرة في مهارات الذاكرة المكتسبة من خلال تدريب الذاكرة العاملة تُترجم إلى تقدم تعليمي هادف. لا يوجد إذن دليل يثبت الادعاءات التي تروِّج أن تدريب الذاكرة العاملة يحسِّن القراءة.
التدريب لتحسين المهارات السمعية والحركية
اقتُرحت أيضًا برامج تدريبية لتحسين المهارات الأساسية الإدراكية أو الحركية الأساسية أو كلتيهما، باعتبارها تدخلات لعلاج عسر القراءة. يتمثل الأساس المنطقي لهذه البرامج في أن هذه الصعوبات هي أساس أشكال العجز الصوتي الملاحَظة. وكما رأينا بالفعل، لا يوجد دليل قوي على النظرية السببية القائلة بأن العجز في المهارات السمعية يؤدي إلى مشكلات في القراءة؛ ولا يوجد أساس للنظرية السببية للاعتقاد بأن التدريب على المهارات الحركية سيحسِّن التحصيل في القراءة والتهجئة.
العدسات والشفافيات الملونة
بدلًا من استهداف عملية معرفية بها أوجه قصور، ثمة نهج مختلف للتدخل يتمثل في توفير مساعدة أو «دعم» خارجي يمكنه التغلب على الحاجز الذي يُفترض أنه يعيق القراءة. إذا شكا شخص يعاني من عسر القراءة من إجهاد العين، أو الصداع، أو غيرها من الأعراض البصرية المزعجة في أثناء القراءة، فمن المنطقي أن نحاول توفير علاج لذلك. وما يعنيه هذا — عادةً — هو تخفيف التأثيرات المرئية التي تُحدِثها الخطوط السوداء على خلفية بيضاء على الصفحة أو شاشة الكمبيوتر.
لقد ظل توفير العدسات الملونة لتقليل الإجهاد البصري لدى الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة يُقابَل بالتشكك لسنوات عديدة، وكانت التكاليف باهظة. صرنا ندرك الآن أن هذه النفقات غير ضرورية؛ فالبديل الأقل تكلفة هو استخدام المرشحات الملونة، إما في صورة أوراق شفافة توضع على الصفحة، وإما من خلال تعديل تباين الخلفية ولونها أو كليهما، لتقليل الوهج، في حالة القراءة من شاشة الكمبيوتر. قد يؤدي توفير الشفافيات إلى بعض الراحة على المدى القصير، وقد يكون مفيدًا لمجموعة من الحالات، ومنها — على سبيل المثال لا الحصر — عسر القراءة. على الرغم من ذلك، لم يقيَّم تأثيره في القراءة (على عكس الاطلاع البصري السريع على النص) باستخدام طرق محكمة، ومن غير المرجح أن يساعد في التهجئة.
زيت السمك والمكملات الغذائية
اكتسبت التدخلات العلاجية التي تستهدف التغذية قدرًا من الرواج. المثال الأساسي هو زيت السمك الذي يحتوي على أوميجا ٣ الذي يوفر الأحماض الدهنية التي تساهم في وزن الدماغ. والأساس المنطقي لهذه التدخلات أن نقص هذه الأحماض سيؤثر في وظائف الدماغ، ومن ثَم فإن تكملة النظام الغذائي بزيت السمك سيحسِّن وظائف الدماغ، مما سيخفف من صعوبات القراءة والتهجئة. غير أنه لا يوجد سوى عددٍ قليلٍ جدًّا من التقييمات المحكومة لهذا التدخل، كما أن التقييمات التي أُجريت لم تكن تستهدف عسر القراءة على وجه التحديد. لا توجد أيضًا أدلة تدعم فعالية التدخلات التي تهدف إلى إزالة بعض المنتجات أو الإضافات من النظام الغذائي.
ثمة نقطة يجب تأكيدها، وهي أن الهدف من التدخلات الغذائية بعيدٌ كل البعد عن الجانب السلوكي، حيث يكون التغيير مطلوبًا، والسلوك المطلوب تغييره في هذه الحالة هو القراءة. ويترتب على ذلك أن التأثيرات يمكن أن تكون صغيرة في أحسن الأحوال (أما الحالات التي يبدو أنها شهدت تحسنًا، فعادةً ما يكون ذلك بسبب تقديم تدخلات أخرى في الوقت نفسه تقريبًا).
هل يكمن الحل في التدخل المبكر؟
أصبحنا نعرف الآن الكثير عن العوامل التي قد تؤدي إلى الإصابة بعُسر القراءة. ويمكن القول إن هذا من شأنه أن يسمح بتدخلات مبكرة بدرجة أكبر، وتستهدف المشكلة على نحوٍ أفضل. ومثلما رأينا، يمكن لجوانب البيئة المنزلية لتعلم القراءة والكتابة أن تؤثر في الخطوات الأولى نحو تعلم القراءة والكتابة. لكنَّ عددًا قليلًا فقط من الدراسات استقصى فعالية التدخل في مرحلة ما قبل المدرسة بالنسبة إلى الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بعسر القراءة نظرًا إلى تاريخ عائلي. تمثَّل النهج الرئيسي لهذه الدراسات في توفير الدعم التعليمي لتعزيز أسس فك ترميز الكلمات، من خلال العمل على تحسين الوعي الصوتي، ومعرفة الأحرف. في إحدى الدراسات، استُخدم هذا النوع من التدخلات إلى جانب العمل على تحسين مهارات اللغة الشفهية، مثل المفردات وسرد القصص، كما استُخدمت طريقة تُسمى «القراءة الحوارية» وقد حققت بعض النجاح. في القراءة الحوارية، يقرأ الطفل والقارئ البالغ «كتابًا معًا» ويطرح البالغ على الطفل أسئلة عن القصة في أثناء تطور الأحداث لخلق حوار معه. كانت النتائج واعدة؛ إذ كان الأطفال يذهبون إلى المدرسة وهم أكثر استعدادًا، لكن نتائج المتابعة بعد عام أو عامين كانت مخيبة للآمال، وهو ما يشير إلى أنه ينبغي الاستمرار في تنفيذ التدخلات لكي يتمكن القراء «المعرضون لخطر الإصابة» من مواكبة أقرانهم.
وعلى الرغم من ذلك، هناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن التدخلات المبكرة التي يقدمها مساعدو المعلمين المدربون يمكن أن تكون فعَّالة في تعزيز أسس المعرفة بالقراءة والكتابة لدى الأطفال المعرضين بدرجة كبيرة لخطر الإصابة بعسر القراءة المرتبط بضعف اللغة الشفهية عند الالتحاق بالمدرسة. في مشروع «نوفيلد للقراءة من أجل تطوير اللغة» الذي بدأ في عام ٢٠٠٤، درست مجموعتنا مدى فعالية تدريب الأطفال بعمر خمس سنوات على الوعي الصوتي ومهارات القراءة الناشئة، خلال السنة الأولى من تعليم القراءة الرسمي. كانت الدراسة عبارة عن تجربة عشوائية محكومة قُسِّم فيها الأطفال إلى مجموعتين، إحداهما تحصل على برنامج يجمع بين القراءة وعلم الأصوات، والأخرى تحصل على تدخل، لتحسين اللغة الشفهية، منظم بشكلٍ مماثل. يعتمد محتوى البرنامج، الذي يجمع بين القراءة وعلم الأصوات إلى حدٍّ كبير، على برنامج الربط الصوتي الناجح المشار إليه سابقًا، والذي طوِّع ليناسب الفئة العمرية الأصغر سنًّا. يتكوَّن هذا البرنامج من ثلاثة عناصر: أنشطة تتعلق بالربط بين الأحرف والأصوات التي تقابلها، وأخرى تتعلق بالدمج والتقسيم، وأخرى ترتبط بالقراءة الجماعية والقراءة بشكلٍ منفردٍ. يُقدَّم هذا البرنامج يوميًّا ولمدة عشرين أسبوعًا، بالتناوب بين الجلسات الجماعية الصغيرة والجلسات الفردية. تمثَّلت الجلسات الجماعية في أربعة أطفال يعملون معًا على تطوير معرفتهم بالعلاقة بين الأحرف والأصوات التي تقابلها وتقسيمها ودمجها، وفي الجلسات الفردية ركزت الأنشطة على القراءة، مع تخصيص وقت إضافي لتعزيز فهمهم للحروف والأصوات.
لتحديد الأطفال المراد إشراكهم في الدراسة، فحصنا جميع الأطفال الذين التحقوا بعشرين مدرسة في يوركشاير ذلك العام، واخترنا من كل مدرسة الأطفال الثمانية الذين كان أداؤهم هو الأضعف في اختبارات تتطلب تسمية الأشياء لفظيًّا باستخدام الكلمات وتذكُّر الجمل. يُوزع أربعة من هؤلاء الأطفال عشوائيًّا لتلقي البرنامج الذي يجمع بين القراءة وعلم الأصوات، وأربعة لتلقي برنامج تحسين اللغة الشفهية. كان تقييم البرنامج حذرًا ومتأنيًا: فقد تلقى جميع الأطفال تعليم القراءة بالطريقة الصوتية في الفصول الدراسية العادية، وشمل البرنامج مجموعة «ضابطة» تلقَّت بعض التدخل العلاجي، وتلقَّى الأطفال — في كلا مجموعتي الدراسة — الكثير من الاهتمام الإضافي.
المربع رقم ٣: عناصر التدخل
البرنامج الذي يجمع بين القراءة وعلم الأصوات | برنامج تحسين اللغة الشفهية |
---|---|
معرفة العلاقة بين الأحرف والأصوات التي تقابلها | التحدث |
الوعي الصوتي الشفهي | الاستماع |
الطريقة الصوتية | المفردات |
تعليم الكلمات بالنظر | القيام بالسرد |
قراءة كتاب سهل | الفهم |
قراءة كتاب في المستوى التعليمي | تكوين أسئلة |
لتقييم فعالية البرنامج التدريبي الذي حصلوا عليه، قورن التقدم الذي حققه الطلاب في البرنامج الذي يجمع بين القراءة وعلم الأصوات في الاختبارات بالتقدم الذي أحرزه الأطفال في المجموعة التي تلقَّت مساعدة لتحسين اللغة الشفهية. أظهر الأطفال الذين حصلوا على البرنامج، الذي يجمع بين القراءة وعلم الأصوات، تفوقًا في الوعي الفونيمي، ودقة قراءة النثر وقراءة الكلمات الزائفة والتهجئة في نهاية الدراسة، وظهرت النتيجة نفسها في المتابعة بعد نحو خمسة أشهر، وهو ما أوضح أن البرنامج كان فعالًا في تعزيز مهارات القراءة المبكرة. علاوة على ذلك، أوضحت مقارنة النتائج التي حصل عليها هؤلاء الأطفال، بنتائج عينة كبيرة مكونة من ٧٠٠ من أقرانهم في الفصول الدراسية العادية، أن أداء ٥٠ في المائة منهم جاء ضمن النطاق المتوقع لمهارات قراءة الكلمات. قدمت هذه التجربة أيضًا دليلًا مبدئيًّا على أنه يمكن تقديم التدريب على اللغة الشفهية عن طريق مساعدي المعلمين المدربين: وجدت دراستنا أن التدخل لتحسين اللغة الشفهية أدى إلى تطور في المفردات والقواعد على الرغم من أنه لم يكن من الواضح ما إذا كانت هذه التحسينات ستمتد خارج نطاق الأنشطة التعليمية. وقد رأينا أنه إذا كانت اللغة الشفهية الأساس لتعلم القراءة، فسيكون من الجيد بدء هذا الشكل من أشكال التدخل في وقت أبكر، ربما في مرحلة ما قبل المدرسة. في دراستنا التالية، قدمنا نسخة ممتدة (لمدة ثلاثين أسبوعًا) من برنامج تحسين اللغة الشفهية للأطفال بعمر أربع سنوات في الفصل الدراسي السابق على بدء المدرسة، وواصلنا ذلك إلى مدة فصلين دراسيين إضافيين بعد دخول المدرسة.
بعد استخدام عملية فحص مشابهة للعملية السابقة، ولكن بإشراك أطفال مرحلة الروضة في المملكة المتحدة هذه المرة، وزَّعنا الأطفال ذوي المهارات اللغوية الضعيفة، عشوائيًّا إما للمشاركة في برنامج لتحسين اللغة الشفهية مدته ثلاثين أسبوعًا، وإما ليكونوا جزءًا من مجموعة ضابطة دُرِّست بالطرق المعتادة. تكوَّن البرنامج من ثلاثة عناصر رئيسية: تحسين مهارات السرد الشفهي والمفردات والاستماع. في الروضة، كانت الأنشطة تمارَس في مجموعات تتراوح من طالبيْن إلى أربعة طلاب، لمدة ثلاث مرات في الأسبوع. في صف الاستقبال (مرحلة تقع بعد الروضة في النظام التعليمي البريطاني) ازدادت كثافة البرنامج ليصبح ثلاث حصص أسبوعيًّا مدة كلٍّ منها ثلاثون دقيقة، وحصتين فرديتين مدة كلٍّ منهما ١٥ دقيقة، يكون التركيز خلالها على مهارات السرد. في الأسابيع العشرة الأخيرة، دُعِّمت الحصص بأنشطة لتحسين معرفة الروابط بين الأحرف والأصوات والوعي الصوتي.
بعد التدخل، أظهر الأطفال، الذين تلقَّوا تدخلًا لتحسين مهارات اللغة، تحسنًا في المفردات ومهارات السرد والفهم السماعي، وكذلك في استخدام القواعد من أجل التعبير. وأثَّر التدخل أيضًا في قراءتهم الناشئة في اختبارات معرفة الأحرف، ومطابقة الجناس الاستهلالي في الكلمات، والقدرة على التهجئة الصوتية.
على الرغم من عدم وجود تأثير كبير للأنشطة المتعلقة بتحسين اللغة الشفهية في فك الترميز في حد ذاته، لا بد أن يؤخذ في الاعتبار أن هذا لم يكن الهدف الأساسي من التدخل الحالي. علاوة على ذلك، تعلم الأطفال في المجموعة الضابطة الطريقة الصوتية النظامية في الفصل العادي. والأهم أنه، على الرغم من هذا، كان الأطفال الذين تلقَّوا تدخلًا لتحسين مهارات اللغة متقدمين على أقرانهم في فهم القراءة بعد ستة أشهر. لم يكن الفهم القرائي مستهدفًا في التدخل، لذلك لا بد أن هذا التأثير نتيجة ثانوية للأنشطة التي تستهدف تحسين مهارات اللغة الشفهية. وقد أكد هذا نموذجٌ إحصائي لتأثير التدخل: أي إن التحسُّن في الفهم القرائي يُعزى بالكامل إلى تطوير المهارات اللغوية (وليس بسبب تطوير القدرات المتعلقة بفك ترميز الكلمات المنفردة؛ أي نطقها). معنى هذا أن التركيز على اللغة الشفهية في سنوات المدرسة المبكرة له فوائد تتجاوز التحدث والاستماع، ومن شأنه أن يدعم تطور القراءة من أجل المعنى، وهو عنصر حاسم لتعلم القراءة والكتابة المبكر.
ما الذي يجب على الوالدين فعله؟
الآباء والأمهات هم أول من يقلقون حيال تقدُّم أطفالهم في القراءة والكتابة. إذا لم يستوعب أحدٌ مخاوفهم، أو لم يُتخَذ حيالها أي إجراء، فقد يبدأ الآباء في الشعور بالتوتر والقلق. ومن ثَم تصبح المشكلة مركزة على «الآباء القلقين» وتتحوَّل المشكلة من الطفل إلى الشخص البالغ. من خلال تجربتي، نادرًا ما يكون الوالد القلِق مخطئًا؛ فلا بد أنهم قد أجروا مقارنات مع أطفال من نفس العمر وأطفال آخرين في الأسرة، بالإضافة إلى طلب مشورة غير رسمية. وسيشهدون أيضًا — بشكلٍ مباشر — رد فعل أطفالهم العاطفي تجاه صعوبة التعلم لديهم، سواء كان ذلك بسبب الإحباط أو الانزعاج، وغالبًا ما يمكن إخفاء ذلك في المدرسة.
الدور الأول للوالد أو مقدِّم الرعاية هو الدفاع عن طفله. والدور الثاني هو معرفة احتياجات طفله من المختصين، وأحيانًا تقديم دعم مخصص تحت إشراف المعلم أو المعالج. والدور الثالث يتمثَّل في تشجيع الطفل على إحراز تقدم في مجالات قوته، مثل الموسيقى أو الرسم أو الرياضة أو المسرح، والتأكد من أن التعليم الإضافي أو الواجبات المدرسية الإضافية لا تحل محل هذه الأنشطة. وأخيرًا، ينبغي للآباء تذكُّر أنهم ليسوا المعلمين النظاميين لأبنائهم؛ لذا يتعين عليهم في النهاية أن يؤدوا دورهم كآباء وأمهات، والاستمتاع بصحبة أبنائهم، والاحتفاظ بروح الفكاهة، ووضع توقعات واقعية. قد يكون أداء الطفل المصاب بعُسر القراءة أقل من المستوى الأكاديمي — بل من المرجح أن يكون كذلك — ولكن الدعم في مجالات أخرى، يتضمن ذلك الدعم الاجتماعي من أقرانه، هو الذي سيوفر له المرونة العاطفية التي يحتاج إليها بشدة.
ما الذي يمكن للمدرسة فعله؟
تلعب المدارس ومديروها دورًا حاسمًا في دعم الأطفال المصابين بعسر القراءة. فهم يتحمَّلون مسئوليات، لا سيما فيما يتعلق بتقييم التدخلات ومراقبتها وتقديمها. ويتعين عليهم ضمان تحقيق تكافؤ الفرص بين الطلاب، وذلك من خلال توفير سبل الدعم اللازم للطلاب المصابين بعسر القراءة كي يتمكنوا من التفاعل مع المنهج الدراسي، ومن خلال تقييمهم بإنصافٍ. وسيتعين على المعلم المسئول عن الأطفال ذوي القدرات الخاصة أيضًا مواكبة التطورات المتعلقة بالتدخل والتكنولوجيا المساعدة. فوفقًا للتقارير الأخيرة، يوجد ٨٥٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٩ و١٦ عامًا في أوروبا، يستخدمون الإنترنت في واجباتهم المدرسية، كما يقرأ الأطفال الآن على الأجهزة الإلكترونية أكثر من المواد المطبوعة. ولم تتطرق الأبحاث بعدُ إلى تأثير ذلك في عسر القراءة على الرغم من أن بعض الأدلة المحدودة التي تفيد بأن قراء الكتب الإلكترونية قد يستفيدون من إمكانية تعديل حجم الخط والتنسيق (كاستخدام أسطر نصية قصيرة على سبيل المثال).
ينبغي ألا تشعر المدارس بأنها تتحرك بمفردها. بالنسبة إلى حالات عسر القراءة الأكثر تعقيدًا، قد تقترح المدارس إشراك متخصصين آخرين، مثل معالجي النطق واللغة أو المعالجين المهنيين، للمساعدة في تطوير الخطط الصحية والتعليمية. في بعض الأحيان، قد يكون من المناسب اقتراح طلب مساعدة إضافية، وتلعب المدارس دورًا حيويًّا في توجيه الآباء نحو كيفية الحصول على الدعم فيما يتعلق بمشكلات الانتباه أو السلوك التي تؤثر في الأسرة، وكذلك في الطفل في المدرسة.
ما الذي يمكن لأصحاب العمل فعله؟
تعزيز استراتيجيات للتعامل مع عسر القراءة
على الرغم من وجود كمٍّ هائل من الأبحاث والدراسات حول عسر القراءة، ما زلنا لا نعلم سوى القليل جدًّا عن أفضل السبل لعلاجه. ثمة نظرة متشائمة تفيد بأنه غير قابل للعلاج. هذا صحيح إلى حدٍّ ما، فهي حالة تستمر مدى الحياة. ولكن من المؤكد أن هناك طرقًا للتعامل معها، وهي تبدأ بتحديد مخاطر المشكلة، وتوفير وسائل التدخل المبكر. ما زلنا لا نعرف السن المناسبة للتدخل. أنا لا أؤيد تعليم القراءة بشكلٍ نظامي قبل دخول المدرسة، لكن اللغة المنطوقة مهمة بالتأكيد. ربما تتمثَّل إحدى أفضل الطرق لإثراء تطور اللغة في قضاء وقت منتظم في قراءة الكتب المناسبة للعمر (ويتضمن ذلك الكتب المخصصة للأطفال الصغار جدًّا في مرحلة ما قبل تعلم القراءة بشكلٍ نظامي) ومناقشة القصص مع الأطفال. يمكن للألعاب التي تتضمن التلاعب بالأصوات، كما في حالة استخدام الكلمات المقفاة والجناس الاستهلالي ولعبة التخمين «آي سباي (أنا أتجسس)»، أن تساعد الأطفال على أن يكونوا أكثر إدراكًا ووعيًا بأصوات الكلام، وهو أمر ضروري لتطوير الوعي الصوتي. ومن المفيد أيضًا تعليم الطفل الحروف قبل الذهاب إلى المدرسة، وثمة أدلة على أنه يمكن للآباء تعزيز الاستعداد للقراءة إذا حصلوا على الدعم المناسب.
بالنسبة إلى الطفل في المدرسة، فإنَّ المراقبة والتقييم والتدخل كلها عمليات ترتبط معًا بشكلٍ معقد. عندما تعجز التدخلات المقدَّمة عن إحداث فرق، لا بد من التفكير في استراتيجيات تعويضية. توجد وفرة من الوسائل التكنولوجية التعليمية التي من شأنها أن تساعد الطفل الذي يعاني من عسر القراءة، ولكن من المهم أن نتذكر أنه في حاجة إلى معرفة كيفية استخدام هذه الأجهزة استخدامًا فعالًا. وينطبق الشيء نفسه على الحلول المعتادة بدرجة أكبر — على سبيل المثال، يستفيد التلاميذ الذين يعانون من عسر القراءة من تخصيص وقت إضافي لهم — ولكن كيف يستفيدون من ذلك؟ يمكن للطلاب تحسين جودة عملهم إذا وضعوا خطة لكتابة مقال. لكن بالنسبة إلى الطلاب الذين يعانون من عسر القراءة، ولم يحصلوا على خبرة كبيرة في الكتابة المطولة حتى الآن، فقد لا تتطور هذه المهارة لديهم بسهولة. كانت معلمة عسر القراءة العظيمة، مارجريت بيرد روسون، تؤمن بشدة بأنه «إذا لم يتمكَّن الطفل من التعلم، فأنت لا تعلمه بشكل صحيح!» بالنسبة إليها، يقع عبء النجاح على عاتق المعلم، وليس الطفل.