أكان لا بد يا ذلك العام؟!
ويبدو أن «قلبة» العداد السنوية، اقترابها ثم حدوثها، تترك بصماتها على نفوسنا البشرية؛ انقباضٌ ما، إحساس أنك في قبضة زمن لا يرحم، وأنك مع هذا ضائع، شعورٌ عميق أن الزمن يتحرَّك ضدك وأنك لا تتحرَّك معه، وربما من أجل هذا قال صاحب الموَّال القديم: آه يا زمن.
إنها نفس الكوارث التي تُصيب اقتصادنا أحيانًا وتُصيب مصانعنا؛ عدم الدراية وعدم الخبرة، والقرارات الفورية غير المدروسة، وانعدام الخطة والحكمة من الخطة.
الحادثة الثانية مأساة باترا، والمساكين من تجار الشنطة والحُجاج الذين غرق منهم ٩٥ راكبًا، على حين لم يُصَب أيُّ بحَّار من الباخرة بخدش. كيف يترك القبطان عمله كقبطان ويذهب كالفدائي يُطفئ النار بنفسه؟ إن لحظة اشتعال النار في باخرة كلحظة الدخول في معركةٍ بحرية رهيبة تحتاج من قائد الباخرة إلى سيطرةٍ كاملة حاسمة باترة على بحَّارته وعلى ركَّابه، فكيف يترك القائد موقعه هذا ويذهب ليُطفئ النار بنفسه، وتكون النتيجة أن تحدث — بغياب القائد — هذه الفوضى الضارية التي ذهب ضحيتَها هؤلاء المساكين الذين صارعوا الرعب والنار ليُنقذوا بضاعتهم، فاستشهدوا فداءَ لقمة عيش يابسة؟
صحيحٌ أن قبطان الباخرة أخطأ بتركه موقع القيادة، ولكنه كان شجاعًا، وعُذره أنه كان حديث العهد بالخدمة وربما بالقبطنة، ولكن هناك قبطانًا آخر شجاعًا أريد أن أحيِّيه، قبطان روسي يقود ناقلة بترول عليها ٣٠ ألف طن بترول قابلة للاشتعال، إلى درجة أنهم يُحرِّمون التدخين تمامًا فوق سطح الباخرة، هذا الرجل سمع الاستغاثة، وغامر بشحنته الرهيبة مُقتربًا من باخرةٍ تحترق وعُرضة للانفجار؛ وبالتالي عرَّض باخرته ونفسه وبحَّارته وحمولته للنسف الكامل من أجل أن يُنقذ أرواح الركاب المصريين، وفعلًا نجح في إنقاذ ٢٠٩ ركاب وبحَّارة.
تحية لك أيها الروسي الشجاع.