الديانة – الأخلاق – العادات – الآثار
(١) زرادشت والبُسْتاه١
وبعد امتحانات كثيرة ابتلاه بها سبحانه وتعالى أعطاه بيده كتابًا يحتوي على الشريعة، وهو البُستاه، ثم هبط عائدًا إلى الأرض ودعا إلى هذا الدين الجديد، فدخلت فيه الأمة الإيرانية بأسرها.
(٢) هرمز وأهرمان
وكان هرمز قد خلق كل شيء بفعل كلمته واتخذ لنفسه ستة أرواح أو آلهة من طبقات عليا يعينونه على حفظ نظام العالم وتدبير شئونه، وهم المعروفون بأميشاسبنتاس، وهؤلاء الآلهة اتخذوا أيضًا آلافًا من اليزتاس يحكمون عليهم وهم منتشرون في الكون للمحافظة على بقاء أعضائه ودوران دولابه، فجعل أهرمان آلهة ظلمات وشرور في مقابلة آلهة الخير والنور وعارض الأميشاسبنتاس الستة بستة أرواح شريرة تعادلها في القوة والشوكة، ثم سلط الأبالسة على أليزتاس وسماهم الديوة (الشياطين) وهم لا ينفكون عن محاصرة الكون، ومنع انتظام حركاته، ولا يزال القتال مستمرًا بين هذه الأرواح المتكافئة في العزيمة والبطش إلى انقضاء الزمان، ولا ينتهي كفاحها إلا بانقراض العالم إذ يتم النصر لهرمز على أهرمان.
(٣) العبادة والمجوس
فكان الإنسان يعيش بحسب الشرع والعدل في الدرجة التي قسمت له والآلهة يتنازعون ويتخاصمون وكان بجانبه حافظ له أمين عليه، يعرف بالفرافاشي، يسهر على وقايته ويدفع عنه كيد الشياطين مستعينًا باليزتاس، وكان القوم يعتقدون أن هرمز إنما أوجد الإنسان في هذا العالم لكي ينازع أهرمان في أقسام الأرض القاحلة، ولذلك كان أول الواجبات عليه أن يحرث الأرض ويستغل القمح منها، وثانيًا أن يحمي مخلوقات هرمز ويبيد مخلوقات أهرمان، وعندهم أن أفضل مخلوقات هرمز هو الكلب وأن من قتله وقع في الإثم، بل إن من أعطاه «عظامًا لا يمكنه أن يأكل منها شيئًا أو طعامًا ساخنًا يحرق فمه» ارتكب خطيئة فاحشة وأتى أمرًا نكرًا، وعندهم أن الرجل البار هو من كانت أفكاره حميدة، وأقواله حميدة، وأفعاله حميدة، فإذا خرج عن دائرة الكمال فلا يعود إليها مهما أكثر من تقديم القرابين والضحايا، إذ لا تُغتفر الهفوة إلا لمن تاب وعمل صالحًا. ومن مكفرات السيئات التي نصت عليها هذه الشريعة قتل الحيوانات المؤذية كالضفدع والثعبان والنمل وإحياء الأرض الموات، وتزويج العذراء الطاهرة التقية النقية بالرجل العادل الصالح.
(٤) الاحتفال بالجنائز
كان الفارسيون إذا مات الواحد منهم لا يجوز لهم إحراق جثته ولا دفنها ولا طرحها في نهر من الأنهار؛ لأن ذلك يدنس النار أو التراب أو الماء وكان لهم وسيلتان للتخلص من الجثة من غير أن يمسوا طهارة العناصر الأولى؛ وذلك أنهم يغطونها بطبقة من الشمع ثم يدفنونها؛ معتقدين أن هذا الطلاء يحول دون النجاسة التي تحصل من ملامسة الجثة للتراب مباشرة، والطريقة الثانية أنهم كانوا يتركونها للطيور الجارحة تفترسها وبنوا لهذا الغرض صروحًا كبيرة مستديرة مفتوحة من أعلاها، واتخذوها مقابر لموتاهم. أما الروح فكانوا يزعمون أنها تبقى بجانب جسدها الفاني ثلاثة أيام، حتى إذا كان فجر اليوم الرابع فارقته وذهبت إلى محل الدينونة، وهناك توزن أعمالها من خير ومن شر لتبرئة ساحتها أو للحكم عليها بحسب ما تشهد به حياتها، وبعد خروجها من المحكمة تُساق إلى قنطرة شنفال، وهي قنطرة مقامة فوق الجحيم ويتوصل المار عليها إلى النعيم، فإذا كانت من أهل الكفر والضلال لا يتيسر لها اجتيازها فتسقط إلى الدرك الأسفل، وإذا كانت من أهل الطهر والعفاف مرت عليها من غير عناء، ثم تمثل بين يدي هرمز فتجلس في مكان يُعين لها وتبقى فيه إلى يوم تحشر الأجساد.
(٥) الفنون الفارسية
(٦) الزخرفة بالمينا
فجميع ما في هذه القطعة بالغ في الإبداع، والجمال يظهر فيها بطء حركة الجنود المثقلة بالسلاح، وعلى وجوههم مخايل المهابة، وثبات الجنان، ويرى على قامتهم سيما الشمم والاقتدار، فهي كنموذج اختلط فيه العرفان بالبساطة؛ فظهرت حرية الحركة الخاصة بالفنون اليونانية ممزوجة بطرائق الصنائع المشرقية القديمة، وقد لونوها كلها تلوينًا جمع بين الكثرة والتناسب، بحيث لا يتسنى لأرباب الفنون عندنا في هذا الزمان أن يحاكوهم فيها، بل هم — والحق يقال — يعجزون عن مجاراتهم، ويقعدون عن مباراتهم في هذا المضمار، فإن اختلاف الألوان في هذه القطعة، وتركيبها بجانب بعضها هما على شكل يوجب زيادة قيمة كل منها في البهاء الرواء، وربما كانت هذه القطعة أجمل ما خلفه لنا السلف من نموذجات الزخرفة في العمارات.
خلاصة ما تقدم
-
(١)
كانوا يقولون إن ديانة الماديين والفارسيين هي من صنع زرادشت، وأن كتاب البستاه يحتوي على مبادئها.
-
(٢)
ومن مقتضى هذه الديانة أن هناك أصلين متعاديين وهما هرمز (أو رمزد) أصل الخير وأنجورمينيوس (أهرمان) أصل الشر، وكان كل واحد منهما يتسلط على الكون بواسطة جماعة من الأرواح يقتتلون على الدوام، ولا يزالون على هذه الحال إلى أن ينقرض العالم بهزيمة أهرمان.
-
(٣)
فكان الإنسان يعيش بحسب الشرع والعدل، والآلهة متنازعون متخاصمون ويكفر عن سيئاته بالتوبة والعمل الصالح لا بالقربان، وعبادتهم كانت في غاية البساطة وتحصل في بيوت النار؛ حيث يقيم الكهنة الموكلون بحفظ النار المقدسة وكانوا في بلاد ماداي عبارة عن طبقة مخصوصة تُعرف بالمجوس، وقد صار لهم نفوذ عظيم حتى كانوا يتجاوزون حدود وظيفتهم في بعض الأحيان.
-
(٤)
وكان الفرس يتركون جثث موتاهم للطيور الجارحة، وأما الروح فإنها بعد الدينونة تسقط في مهوى الجحيم أو تذهب إلى فردوس النعيم على قنطرة شنفال بحسب ما يقضى لها أو عليها.
-
(٥)
أما الفنون الفارسية فهي خليط من عناصر آشورية ومصرية ويونانية.
-
(٦)
ومع ذلك لم تكن قصور الملوك مجردة عن العظمة عارية عن جمال الائتلاف، فإن اللبن المطلي بالمينا المنقوش بالنقوش البارزة التي كانت تزدان به هاتيك القصور كان مصنوعًا على طراز معجب جميل وذا لون رائع، وأجود أنواع هذا اللبن هو ما جلبه المسيو ديولافوا وزوجته وهو محفوظ إلى الآن بمتحف اللوفر.