المسألة الرابعة عشرة والمائة
حضر أبو بِشر متَّى صاحب شرح المنطق مجلسًا، فقال له أبو هاشم المتكلم عائبًا للمنطق: هل المنطق إلا في وزن مَفْعِل من النُّطْق؟
فحدِّثني: أأنصف أبو هاشم وحزَّ الحق أم تشيَّع وقال ما لا يجوز أن يُسْمَعَ منه؟ هذا مع محله وشدة توقِّيه في مقالته؛ فإن البيان عن هذا القدر يأتي على كنَائِن العلم ويوضِّح طُرق الحكمة.
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
أما من طريق الوزن فقد صدق فيه أبو هاشم، وأما من طريق الازدراء والعيب — إن كان قَصَدَ ذلك — فقد ظلم؛ لأنه لا عيب على العلم إلا من جهة خطأ المخطئ فيه لا من جهة اسمه، ولو كايله أبو بِشر مكايلةً فقال له: وهل المتكلم إلا في وزن مُتَفَعِّل من الكلام، وتصفَّح سائر العلوم فقال فيها مثل هذا، وقال: هل التَّفَقُّه إلا تَفَعُّلٌ من قولك: فَقَهْتَ الشيء؟ وهل النحو إلا مصدر قولك: نحَوْت الشيء، أي قصدته؟ لكان هذا مستمرًّا، وما أكثر ما يُسمَّى الشيء من العلم بما لا تستحقه رتبته! وما أكثر ما يُسمَّى بما يحط من رتبته! فلا ذاك ينفع في ذلك العلم، ولا هذا يضر في هذا العلم.
وقد عرفتُ قومًا سمَّوا أنفسهم المدرِكين، وسمَّوا علومهم الإدراك الحقيقي، وهو في غاية البعد من حقائق الأمور، وقد سمَّى قوم أنفسهم المستحقِّين، وأهل الحق، وما أشبه ذلك، فكانوا فيه مدَّعِين باطلًا، وهذا لا يستحق أكثر من هذا القول.