المسألة الثانية عشرة: مسألة طبيعية
لِمَ أحبَّ الإنسان أن يعرف ما جرى من ذِكْره بعد قيامه من مجلسه حتى إنه لَيَحِنُّ إلى أن يقف على ما يُؤبَّن به بعد وفاته ويحب أن يطَّلع على حقيقة ما يكون ويُقال؟
وكيف لم يتصنع لفعل ما يُحب أن يكون منسوبًا إليه مزيَّنًا به هذا ومحبته لذلك طبيعة لو رامَ زواله عنها لمَا أطاق ذاك وإن كابَرَ طباعه وأراد خداعه؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
قد تقدَّم لنا في بعض هذه الأجوبة التي مضت أن للنفس قوتين: إحداهما هي التي بها يشتاق الإنسان إلى المعارف واستثباتها، ولما كانت هذه المعرفة عامة له في سائر الأشياء كانت بما يخصه في نفسه التي هي محبوبته ومعشوقته أولى.
فالإنسان يشتاق إلى هذه المعرفة بالطبع الأول والقوة التي هي ذاتية للنفس، ثم يتزيد هذا التشوق ويشتعل ويقوى لأجل اختصاصه بمعرفة أحوال نفسه المحبوبة.
•••
فأما تصنُّعه لفعل ما يحب أن يكون منسوبًا إليه فإنه ليس يتركه إلا أن يعترضه عارضٌ آخر من شهوة عاجلة تقاومه فهي أغلب وأشد مجاذبة له، كما ضربنا به المثل فيما تقدَّم من علم المريض بحفظ الصحة وحاجته إليها، ثم إيثاره عليها نيل شهوة دنية عاجلة، وإن فاتته الصحة المؤثرة في العاقبة.
ولولا هذه الشهوات الدنية المعترضة على السعادات المؤثرة ما تميَّز الفاضل من الناقص ولا مُدِحَ العفيف وذُمَّ النهم، وكنا حينئذٍ لا ننتفع بالآداب والمواعظ، وكان لا يحسُن منا التعب والرياضة فيما على الطبيعة فيه كُلْفَةٌ ومشقة.
وهذا بيِّن كافٍ في جواب المسألة.