المسألة العشرون والمائة
ما السبب في استيحاش الإنسان من نقل كُنْيَته أو اسمه؟ فقد رأيتُ رجلًا غيَّر كُنْيته لضرورة لَحِقَتْه وحالٍ دعته، فكان يتنكَّر ويقلق، وكان يُكْنى أبا حفص فاكْتَنَى أبا جعفر، وكان سببه في ذلك أنه قصَد رجلًا يتشيَّع فكَرِهَ أن يعرفه بأبي حفص.
وكيف صار بعض الناس يمقُت الشيء لاسمه دون عيْنه أو للقبه دون جوهره؟
وما النُّفُور الذي يُسرِع إلى النفس من النَّبْز واللقب؟
وما السكون الذي يَرِد على النفس من النعت؟ وما هما إلا متقاربان في الظاهر مُتَدَانِيان في الوهم.
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
إن المعاني تلزمها الأسماء ويعتادها أهل اللغات على مَرِّ الأيام حتى تصير كأنها هي، وحتى يَشُكَّ قوم فيزعمون أن الاسم هو المُسمَّى، وحتى زعم قوم أفاضل أن الأسامي بالطباع تصير إلى مطابقة المعاني كأنهم يقولون إن الحروف التي تُؤلَّف لمعنى القيام أو الجلوس أو الكوكب أو الأرض لا يصلح لغيرها من الحروف أن تُسمَّى به؛ لأن تلك بالطبع صارت له.
واضْطُرَّ لأجل هذه الدعوى أن يشتغل كبار الفلاسفة بمُناقضتهم ووضْع الكُتب في ذلك، فليس بعجب أنْ يألف إنسانٌ اسم نفسه حتى إذا غُيِّر ظنَّ أنه إنما يُغيَّر هو، وإذا دُعِيَ بغير اسمه فإنما دُعِيَ غيره، بل يرى كأنما بُدِّل به نفسه.
ولقد سمعت بعض المحصِّلين يستشير طبيبًا ويخاف فيما يشكوه أنه قد أصابه الماليخوليا، فقلت له: وما الذي أنكرتَ من نفسك؟
قال: يُخيَّل لي أن يميني قد تحوَّل شمالًا وشمالي يمينًا، لست أشُكُّ في ذلك.
فلما امتد بي النظر في مُسَاءلته وجدته كان قد تختَّم في يمينه مدة للتقرُّب إلى بعض الرؤساء من أصدقائه ثم لما فارقه لسفره اتفقت له إعادةٌ إلى التختُّم في اليسار، فعرض له من الإلف والعادة هذا العارض.
فاعتبر بذلك يسهُل جواب مسألتك وتعلم ما في العادة من المُشَاكَلَة لِمَا في الطبع.
فأما كراهة الناس الشيء لاسمه أو للقبه ونَبْزه؛ فالجواب عنه قريبٌ من الجواب عن هذه المسألة، وذلك أن الأسماء والألقاب أيضًا تُكْرَه لكراهة ما تدلُّ عليه للعادة الأولى، فلو أنك نقلت اسم الفحم إلى الكافور فيما بينك وبين آخر لكان متى ذَكَرَ الفحم تصوَّر السواد ولم يمنعه ما انتقل فيما بينه وبينك إلى مُسمًّى آخر أبيض طيِّب الرائحة، وذلك لأجل العادة، اللهم إلا أن يكون تركيب الحروف تركيبًا قبيحًا والحروف أنفسها مستهجنة، فإن الجواب عن ذلك قد مر في صور هذه المسائل مستقصًى.