المسألة الأربعون والمائة
حدِّثني عن ولوع الشاعر بالطيف وتشبيبه به واستهتاره بذْكْره.
وهكذا تجد أصناف الناس، وهذا معروف عند من عبثت به الصبابة، ولحقته الرِّقة، وألِفَتْ عينه حِلْيَةَ شخص ومحاسنه، وعَلِقَ فؤادُه هواه وحبه.
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
الطَّيف هو اسمٌ لصورة المحبوب إذا حصَّلته النفس في قوتها المتخيِّلة حتى تكون تلك الصورة نُصْبَ عينه وتجاه وهْمِه كلما خلا بنفسه. وهذه حال تلحق كل من لَهِجَ بشيء؛ فإن صورته ترتسم في قوَّته هذه التي تُسمَّى المتخيِّلة وتكون ببطن الدماغ المقدَّم، فإذا تكررت هذه الصورة على المحبوب على هذه القوة انتقشت فيها ولزمتها، فإذا نام الإنسان أو استيقظ لم تخلُ من قيام تلك الصورة فيها، ويجد المشتاق في النوم خاصةً إنسانَه؛ لأن النوم يُتخيَّل فيه أشياء مما في نفسه، فربما رأى في النوم أنه قد وصل إليه الوصول الذي يهواه؛ فيكون من ذلك الاحتلام واستفراغ المادة التي تُحركه إلى الشوق والاجتماع مع المحبوب، فيزول عنه أكثر ذلك العارض ويصير سببًا لبُرءٍ تامٍّ فيما بعدُ.